مستقبل الاقتصاد الفلسطيني

 بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب

من قطاع غزة ومستوطنات في شمال الضفة الغربية

   N

   تمهيد

أوراق العمل المقدمة

أعادة الانتشار والمخاطر السياسية/ الاقتصادية على مشروع الدولة الفلسطينية       غازي الصوراني

الاقتصاد الفلسطيني …إلى أين ؟                                                   د.محمد السمهوري

مستقبل الاستثمار، ورؤية القطاع الخاص لما بعد الانسحاب                         م.علي أبو شهلا 

     المناقشات والمداخلات                                           

      الردود 

 

M

عقدت الدائرة الإقتصادية في مركز التخطيط الفلسطيني، ورشة عمل بعنوان "مستقبل الاقتصاد الفلسطيني بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة ومستوطنات في شمال الضفة الغربية" بتاريخ 1/10/2005.

ولعل عنوان ورشة العمل هذه يشي بالتخوفات والمحاذير التي نجمت عن الخطوة الإسرائيلية أحادية الجانب التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية برئاسة أرئيل شارون بتاريخ12/8/2005، فقد قفزت الحكومة الإسرائيلية على جميع الاتفاقيات الثنائية بينها وبين الفلسطينيين، مجاهرة بأنها تنوي تحديد حدودها الدائمة من طرف واحد، وبإجراء مستقل ودون العودة إلى المفاوض الفلسطيني، ودون الأخذ بعين الاعتبار بأن هناك مواضيع متلاحمة مع مفهوم الانسحاب من الأرض وأخلاء مستوطنات، كالسيادة، والاستقلال الكامل بكل أبعاده…ودون الأخذ بعين الاعتبار، أيضا،ً بأن هناك اتفاقيات سابقة تستلزم فعلاً ثنائياً، وحواراً، ومفاوضات مشتركة لتغييرها، ومن ثم إبرام اتفاقيات جديدة تستجيب للواقع الناشئ، أو إنهاء الاتفاقيات السابقة برضا الطرفين مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطرفين، على جميع الأصعدة.

وقد كان موضوع الاقتصاد الفلسطيني، بسبب ارتباطه إجبارياً بالرؤية والشروط الإسرائيلية بسبب الاتفاقيات الإقتصادية المبرمة (اتفاق باريس)، أحد أهم المواضيع خطورة إثر خطوة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة دون تفاوض مع الطرف الفلسطيني، ودون وضع أسس تعامل اقتصادي مستقبلي يستجيب للمتغيرات الناشئة.

فقد بقي الاقتصاد الفلسطيني مكبلاً بالاتفاقيات الإسرائيلية من ناحية، كما بقي تحت رحمة الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الأرض إثر الانسحاب، مستوطنات مدمرة، بيئة ملوثة أراضي زراعية مخربة، ومياه مالحة، وبنية تحتية لم يعد لها معالم، والأهم من ذلك كله فقدان السيادة الفلسطينية على الجو والبحر والحدود، وبالتالي فقدان السيادة على المعابر التي تعتبر الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الفلسطيني.

في ظل هذا الواقع الذي فرضته الإدارة الإسرائيلية، تبرز التحديات كبيرة وضخمة أمام الفلسطينيين لترسيخ رؤيتهم للمشروع الوطني الفلسطيني، فالمخطط الصهيوني الذي بدأ بهذه الخطوة، يسعى إلى تدمير مقومات الدولة الفلسطينية المنشودة، بدءاً من تحويل قطاع غزة إلى سجن كبير مع فصله عن الضفة الغربية التي لا تزال تنوء تحت ثقل الإحتلال الإسرائيلي، على جميع الأصعدة الجغرافية والسياسية والاقتصادية، وانتهاءً بالطرح الإسرائيلي الواضح بأنه لن تكون هناك خطوات انسحاب أحادية أخرى في المستقبل من الضفة الغربية.

وبذكاء كبير تبرز صورة إسرائيل أمام العالم كدولة تمتثل للقانون الدولي، وتنسحب من أراض احتلتها، ويصفق لها الجميع، فيما يواجه الفلسطينيون مجموعة هائلة من العوائق والتحديات للاحتلال ذي الوجه الجديد الذي فرضته إسرائيل تحت مسمى الانسحاب الأحادي الجانب.

في ورشة العمل هذه حاول المختصون، ورجال أعمال ومسئولو بنوك، وممثلون عن مؤسسات حكومية، ومنظمات غير حكومية، الوصول إلى توصيف دقيق لحالة الاقتصاد الفلسطيني، وأدلوا بالعديد من الاقتراحات والتوصيات. نأمل أن تؤخذ بعين الاعتبار في سبيل إنعاش الاقتصاد الفلسطيني، وأن تكون مادة لندوات أوسع في المستقبل القريب.

                                                             مجد الوجيه

ق.أ مدير عام مركز التخطيط الفلسطيني


 

إعادة الانتشار والمخاطر السياسية/ الاقتصادية

على مشروع الدولة الفلسطينية

غازي الصوراني (*)

يبدو الوضع الفلسطيني اليوم في مأزق عميق نتيجة الاختلال الشامل لميزان القوى، حيث يتبين بوضوح، بعد قيام العدو الإسرائيلي بإخلاء قطاع غزة، أن هذا الإخلاء في جوهره، هو تجسيد لمخططات الدولة الصهيونية الهادفة إلى فرض " خريطة التوسع الإسرائيلي " مدعومة بقوة الدولة الأمريكية التي تعمل على تحقيق السيطرة على العالم، وعلى الوطن العربي كله.

جاءت اتفاقات أوسلو نتيجةً لانهيار المنظومة الاشتراكية، وانطلق الدور الأمريكي في تحقيقها، والقبول الإسرائيلي بها، من قاعدة أن هذا الانهيار، وما تلاه من انهيارات وهزائم متراكمة في بلدان الوطن العربي، سوف يفرض على القيادة الفلسطينية القبول التدريجي بما تريده الدولة الصهيونية، ولهذا قامت تلك الاتفاقات وما تلاها وصولاً الى " خارطة الطريق " على التفاصيل أو الجزئيات دون الأساسيات التي كانت- ومازالت- محسومة أمريكياً وإسرائيلياً، وهنا نعود إلى الأصل، عند تحليلنا لأي علاقة بين خصمين متصارعين، كما يتوجب علينا استيعاب مواقف أو رؤية كل من الطرفين المتصارعين، وميزان القوى بينهما، ولقد كان خطأ القيادة الفلسطينية، وكذلك معظم أطراف الحركة الوطنية والإسلامية، أنها أغفلت ولو بصورة مؤقتة استراتيجية العدو الصهيوني القائمة على رفض مبدأ الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع، وهذا الإغفال ارتبط- كما يبدو- بلحظة الإخلاء وما رافقها من انفعال مشروع بدور مقاومة شعبنا وتضحياته الذي لا يمكن القفز عنه أو تجاوزه بأي حال من الأحوال، حيث استحوذت المقاومة في هذه المرحلة رغم كل سوداويتها وآفاقها المسدودة راهناً على مساحة كبيرة من تراث شعبنا وثقافته ووعيه وسلوكه. لكن تسارع المتغيرات في موازين القوى من حولنا، لحساب التحالف الأمريكي/ الصهيوني في موازاة خضوع رسمي عربي غير مسبوق من ناحية، وأوضاع سياسية ومجتمعية فلسطينية تعيش أزمة شمولية تطال النظام السياسي الفلسطيني بكل أبعاده من ناحية ثانية، عززت دور المقرر الخارجي، الأمريكي/ الإسرائيلي/ العربي الرسمي، بحيث أصبح اليوم مقرراً رئيسياً في حاضر ومستقبل المسألة الفلسطينية وما سينتج عن ذلك من مخاطر جدية ستعيق  استقلالنا وإعلان دولتنا إلى حين.

إن هذا المشهد الفلسطيني المأزوم الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني اليوم، ارتبط ومازال بعجز كل أطراف الحركة الوطنية والإسلامية عن التوصل إلى الإستراتيجية أو الرؤية المشتركة للمهام التحررية الوطنية والمهام الديمقراطية والمطلبية الداخلية. كما يرتبط بأداء السلطة وممارساتها التي أسست وراكمت للعديد من مظاهر التراجع والخلل والفساد والفوضى على الصعيد الداخلي، في موازاة هبوطها السياسي وتقديمها لأقصى التنازلات من أوسلو الى واي بلانتيشن الى خارطة الطريق وصولاً الى " خطة شارون " دون أي خطوة إيجابية ملموسة أو تنازل صغير من العدو الإسرائيلي، الأمر الذي يدل على أن التفاوض وتقديم التنازلات لا يتعلق بما يسمى بالمرونة السياسية، إنما يتعلق بميزان القوى أولاً، والتمسك بثوابتنا الوطنية ثانياً، حيث لا مفاوضات ولا تسويات ممكنة ( ولا نقول عادلة ) في ظل ميزان قوى مختل مهما كان مستوى التعاطف الدولي معنا.

وها نحن اليوم، وبعد مرور اثني عشر عاماً على أوسلو، بالرغم من كل ما عقدته السلطة الفلسطينية من اتفاقات، لم يلتزم العدو الإسرائيلي بأي من نصوصها بل يتعرض مشروع دولتنا الوطنية الفلسطينية للمزيد من التفكك والتراجع بحيث أصبحت " الدولة " الفلسطينية في اللحظة الراهنة (دولة  السلطة) لا تملك أياً من المقومات الأساسية للدولة، ولا يمكن أن تصبح دولة في ظل اشتراطات خطة شارون والدعم الأمريكي اللامحدود حتى لو اعترفت بها الولايات المتحدة وإسرائيل كدولة قابلة للحياة كما يزعمون، وهم يدركون أنهم يدفنون حلمنا الفلسطيني في دولتنا على كل أرضنا المحتلة.   ذلك أن قيام دولة فلسطينية حقيقية، يتطلب كخطوة أولى ثلاثة شروط أساسية:

1- الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أرضنا المحتلة 1967.

2- إزالة الجدار والمستوطنات من الأراضي الفلسطينية.

3- السيطرة الفلسطينية على أرضنا وسمائنا وبحرنا وبرنا وحدودنا.

لكن هذا الهدف لم يعد قابلاً للتحقق برؤى أو ببرنامج وأدوات فلسطينية معزولة عن محيطنا العربي، فالدولة الفلسطينية- كما القضية نفسها- ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمحيطها، على قاعدة أن الصراع هو صراع (عربي- صهيوني) في شكله وجوهره، حيث لن يتحقق قيام الدولة الفلسطينية في المرحلة المقبلة إلا من خلال صراع شامل- قد يقصر أو يطول- لتغيير في موازين القوى، وما يعنيه ذلك من متغيرات نوعية وعميقة في نظام السلطة الفلسطينية والنظام العربي كله.

في مواجهة المخاطر الناجمة عن الخطة، ما هي المبادئ التي يتوجب علينا التمسك بها في أية مفاوضات مع العدو الإسرائيلي لمواجهة المخاطر الناجمة عن خطة الانفصال؟

أولاً:

1-    قرارات الشرعية الدولية وبخاصة قرار 181وقراري 242، 338 كأساس للمفاوضات، بالإضافة الى إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 24/10/1970 بإجماع الأعضاء، الذي نص على الاعتراف بحق تقرير المصير كحق قانوني وليس كمبدأ سياسي وما يعنيه من الحق في مقاومة المحتل.

2-    التأكيد على أن وضع السلطة الوطنية، هو في الواقع مرحلة انتقالية تهدف الى توفير الأساس للمرحلة النهائية أو الوضع الدائم للضفة والقدس وقطاع غزة وفقا لقرارات الشرعية الدولية واتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من القرارات الدولية لأن المرحلة الانتقالية لا تشكل نظاما يتم ترسيخه على أساس أقل من تقرير المصير والدولة، بل تمثل رغم الانتخابات الفلسطينية- إطارا تطبق فيه قرارات الشرعية الدولية.

3-    التأكيد على الأساس القانوني لدولة فلسطين العربية المستقلة وفق نصوص القرار 181 لعام 1947، والإطار الاقتصادي المستقل بما يعنيه من إلغاء للوحدة الجمركية مع إسرائيل.

4-    مطالبة الأطراف الدولية والعربية بوقف الإجراءات الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية التي تشكل انتهاكا صارخا للحقوق الفلسطينية، خاصة الجدار والمستوطنات والطرق الالتفافية التي تغلق الباب في وجه التقدم على طريق استرداد الأرض والاستقلال وحق العودة  بموجب نصوص القرار 194.

يبدو الوضع الفلسطيني اليوم في مأزق عميق نتيجة الاختلال الشامل لميزان القوى، حيث تفرض الدولة الصهيونية على الأرض "خريطة" مدعومة ليس بقوة الدولة الصهيونية فقط بل و بقوة الدولة الأمريكية أيضاً.

ومن الواضح الآن بعد تجربة اثني عشر عاماً من توقيع اتفاقات أوسلو أن القيادات الصهيونية ترفض مبدئياً تقديم رؤية واضحة ومحددة لقبول قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 كوحدة سياسية وجغرافية ومجتمعية واحدة، وأن ما تفكر فيه هو الصيغة التي تستوعب السكان العرب الباقين في الضفة الغربية و قطاع غزة دون دمجهم في " الدولة، مع إمكانية اعترافها بما يسمى بـ " دولة غزة وجزء من الضفة " وفق قواعد الحكم الإداري الذاتي، والشروط الأمنية والتوسعية الإسرائيلية.

في هذا الوضع –أو المشهد الغزي وخطة شارون- تبقى الضفة الغربية في معظمها جزءاً من الدولة الصهيونية، مع إعطاء السكان وضعاً قانونياً يخرجهم من إطاراتها السياسية.

وقد أوضحت النتائج على الأرض في ضوء معطيات اللحظة الراهنة- وهم إمكان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، نتيجة الإرادة الصهيونية التي تنطلق من أن فلسطين هي " أرض إسرائيل" و أنها هي " دولة اليهود"، مدعمة بالقوة القاهرة و ميزان القوى المختل.

من ناحية ثانية فإن المراهنة على " الوضع الدولي" غير مجدية في لحظة التفوّق الأمريكي المطلق، و الشعور الصهيوني أن الدولة الصهيونية هي جزء أساسي في هذا الانتصار الأمريكي، و أن دورها لا يتوقّف على فرض حلها في فلسطين فقط، بل يمتدُّ إلى المحيط في إطار التصوّر الأمريكي لتغيير الوضع الجيوسياسي في كل المنطقة العربية.

 ولهذا نشهد تحقق الحل الصهيوني و ليس " الحل الوسط" الذي أُسمي " الحل العادل و الشامل". نشهد الحل الذي تفرضه الدبابات الصهيونية على أشلاء الجماهير الفلسطينية معمداً بالدم، و هو الحل الذي يقول أن " الحل الوسط" مجرد وهم سارت خلفه القيادة الفلسطينية طيلة ثلاثة عقود، و ها هي تغرق فيه، خصوصاً أن لا خيار لديها و ليس من مجال للمناورة، يشهد على ذلك موقف وممارسات العدو الإسرائيلي بعد إخلاء قطاع غزة، وتزايد أشكال المعاناة والحصار وإغلاق المعابر على عكس التصورات المتفائلة من بعض أطراف السلطة وأجهزتها، التي اعتبرت عملية الإخلاء تحريراً للقطاع. هذه الأوهام سرعان ما بددها العدو بعد أقل من أسبوعين على خروجه، مما يعني بوضوح، أن الصراع مع هذا العدو لم ينته، و أنه ليس لدى الجماهير الفلسطينية خيار سوى المقاومة، وإنتظار تغيّر الوضع العربي، عبر قواه وحركاته السياسية الداخلية، وفي ضوء ذلك، فإن المطلوب ليس القبول بما هو مطروح ضمن ميزان القوى الراهن، حيث أنه لا يشكّل حلاً و لا يخمد الصراع. كما أن تحسين شروط ما هو مطروح أمر مستحيل الآن، الأمر الذي يستدعي البدء بإعادة التأسيس لتغيير ميزان القوى، كما يفرض إعادة بناء الرؤية المتعلقة بالمسألة الفلسطينية التي باتت تفرض نفسها على ضوء التجربة ذاتها، دون أن يعني ذلك تأجيلاً أو تراجعاً عن ضرورة استمرار حركة التحرر الوطني الديمقراطي في فلسطين- بكل فصائلها وأحزابها- عن ممارسة دورها النضالي الطليعي في كل الظروف، انطلاقاً من أن ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي نعيشها اليوم تحدد لنا وتعرفنا على المشكلة المباشرة أو العقبة المباشرة، إنها المشكلة والحل في آن واحد- وهي تتمثل في تغيير هذا النظام السياسي الذي نعيشه بصورة ديمقراطية ضاغطة، لأن "الحرية والتطور والتقدم السياسي تحتاج الى وسط لكي تنمو في إطاره". ولن يتهيأ هذا الوسط إلا عبر نظام سياسي ديمقراطي يعبر عن مصالح الأغلبية الساحقة "من خلال مؤسسات تتيح للحرية وللعقل أن يفعلا فعلهما".  هذا النظام الوطني الديمقراطي يجب أن يصبح الهدف الاستراتيجي الأساسي والفكرة المركزية التوحيدية لجماهيرنا وقواها السياسية في بلادنا، وذلك بالارتكاز الى العناصر الأساسية التالية :

1-    الثوابت الوطنية الفلسطينية في تقرير المصير وحق العودة والحرية والاستقلال وإقامة دولتنا المستقلة على أرضنا المحتلة في حزيران 1967.

2-   تعزيز خيار مقاومة الاحتلال عموماً، وفي الضفة الفلسطينية خصوصاً.

3-    إقامة المؤسسة الديمقراطية تطبيقا لمبدأ سيادة القانون العادل.

4-    تحقيق وتعزيز الوحدة السياسية العامة في صفوف الشعب في إطار التعددية والديمقراطية لجميع القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية.

5-    الانتخابات الديمقراطية وفق مبدأ التمثيل النسبي،  وبصورة دورية،  بما يحقق مبدأ المشاركة الشعبية بصورة واسعة.

    تفرض مخاطر الظرف الراهن وتعقيداته، على كل من قيادة م.ت.ف وقيادة السلطة وكافة القوى الوطنية والإسلامية المعارضة التوحد في مجابهة " خطة شارون " لصياغة الرؤية والاستراتيجية السياسية والمجتمعية الفلسطينية التي تتضمن أولا:ً رفض الاعتراف المحتمل المتبادل بين " دولة غزة " ودولة العدو الإسرائيلي"، ثانياً: الربط المتزامن والمتداخل لكل قضايانا الوطنية المرتبطة بانسحاب العدو الإسرائيلي وإزالة مستوطناته وجداره الفاصل من كل أرضنا الفلسطينية المحتلة عام 1967 من ناحية، وكل قضايانا الديمقراطية المطلبية الداخلية بدءا من تطبيق الانتخابات للمجلس الوطني،  والتشريعي،  والهيئات المحلية وغير ذلك من المؤسسات وفق نظام التمثيل النسبي،  وتطبيق عملية التغيير الداخلي ومأسسة كافة الوزارات والهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في القطاعين العام والخاص وفق قواعد الإدارة الحديثة وبالالتزام الكامل بتطبيق سيادة القانون العادل على قاعدة الفصل بين السلطات وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص وفق مبدأ الكفاءة والخبرة على الجميع بديلا لمبدأ أهل الثقة والمحاسيب الذي استندت اليه السلطة في معظم ممارساتها طوال الأحد عشر عاماً الماضية.

ثانياً: التحديات الاقتصادية

   بعد توقيع إعلان المبادئ في أوسلو، خُلقت أسس ومعطيات لبداية مرحلة جديدة من مراحل التطور في حياة شعبنا الفلسطيني عموماً، و في الضفة والقطاع خصوصاً،  من أبرزها عدم جدية السلطة الفلسطينية في السعي نحو صياغة السياسات الوطنية الاقتصادية التنموية،  والتصدي للمشكلات الحياتية الأساسية بما يخدم تطلعات ومصالح جماهيرنا الفلسطينية.

   فمنذ بداية العام الثاني على قيام السلطة، اصطدمت آمال وتطلعات شعبنا، بممارسات سياسية واقتصادية واجتماعية داخلية،  شكلت نقيضا لكل ما توقعته أو عولت عليه جماهيرنا.

وارتباطاً بهذا الواقع،  كان من الطبيعي أن تتوالد،  مظاهر الفوضى والاحتكار وتراكم الثروات الخاصة والطارئة بصورة غير مشروعة،  وتراجع النمو الاقتصادي المرتبط بالبعد التنموي المجتمعي – دون إغفال دور سياسات وممارسات العدو الإسرائيلي،  وعدم توظيف أو استغلال الإمكانات والتوجهات ذات البعد الإيجابي للقطاعين العام والخاص لرأس المال الفلسطيني في الداخل والشتات،  وتقديم الاعتبار الفئوي السياسي فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية – الاجتماعية، واستمرار التفرد المطلق في القيادة على صعيد السياسة والاقتصاد والإدارة،   كل هذه العوامل وما أنتجته من آثار سلبية،  عززت هذا المسار الهابط في الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية خلال الأحد عشر عاماً العجاف الماضية. 

     وفي هذا المناخ اعلنت "إسرائيل" "خطة شارون" أو الانسحاب الأحادي من قطاع غزة للخروج من أزمتها أولا، ولتوليد المزيد من الأزمات السياسية الفلسطينية علاوة على الأزمات الاقتصادية ثانيا.

ان هذه الصورة القاتمة للأوضاع الاقتصادية الفلسطينية بكل مكوناتها وأنشطتها وقطاعاتها الإنتاجية وغير الإنتاجية،  ارتباطا بصورة الأوضاع السياسية المثيرة للقلق والمخاوف من تزايد وتائر التراجع في هذا الجانب،  تتطلب تداعي واستنهاض كافة الفعاليات والقوى السياسية والكفاءات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص لصياغة خطط الطوارئ والسياسات والآليات المطلوبه للخروج من هذه الأزمة المستحكمة عبر رؤية اقتصادية تنموية وطنية فلسطينية مرتبطة بالمحيط العربي من حولها، تستهدف إلغاء التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، في موازاة التخطيط الشامل للتحولات الاقتصادية الفلسطينية عموما ولقطاعي الصناعة والزراعة خصوصا. وفي إطار التحولات التطويرية الشاملة لتحديث مجتمعنا الفلسطيني في الضفة والقطاع كوحدة سياسية مجتمعية اقتصادية واحدة. هذا الهدف الوطني الذي تتطلع اليه جماهيرنا، سيصطدم في الظروف الراهنة باستمرار المواقف العدوانية السياسية والإجرائية التي كرست المعاناة والحصار والإغلاقات لمعابرنا وحدودنا والسيطرة على أرضنا وسمائنا وبحرنا نقيضاً لكل أوهام وديماغوجية بعض أطراف السلطة والقوى السياسية التي روجت لهذا الإخلاء، وها هي اليوم تعيش حالة من الإرباك بعد أن فقدت مصداقيتها في ضوء فشلها المريع لتطبيق " خططها التنظيمية والتنموية " في الأراضي المخلاة التي باتت مرفقاً للفوضى والتلوث البيئي والمصالح الأنانية.

السؤال المركزي الذي يبرز في هذا السياق أمام كافة الافراد والمؤسسات المعنية بدراسة الاثار الاقتصادية الناجمة عن إعادة الانتشار أو الإخلاء العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة، وهو سؤال يتضمن في طياته مجموعة من الأسئلة والاشكاليات، نقدمه عبر هذه الورقة الأولية كما يلي :

    هل أدى الإخلاء إلى إنعاش الاقتصاد الفلسطيني في القطاع مع جناحه الرئيسي في الضفة،  وتفعيله من اجل رفع معدل النمو ومستوى الدخل  وتفعيل دور القطاع الخاص ؟ وبالتالي هل أدت عملية إعادة الانتشار هذه، الى خلق فرص عمل بما يسهم في توفير أحد الجوانب الرئيسة المطلوبة لتعزيز الاستقلال والسيادة على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع ؟ خاصةً وأن الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية على درجة عالية من الصعوبة والمعاناة – بسبب الاحتلال وعدوانه الهمجي المتواصل من ناحية، واستمرار مظاهر الفساد والتسيب والمحسوبيات من ناحية ثانية، يؤكد على ذلك مجموعة من المؤشرات، فالإيرادات العامة لا تغطي النفقات العادية المتزايده،  الى جانب ضعف وتراجع قدرة السلطة على إقامة المشاريع التطويرية رغم المساعدات الخارجية،  وهذا يدفعنا الى القول بأن الجوانب أو "النتائج الإيجابية" المتوقعة بعد إعادة الانتشار قد لا تكون كافية تماماً لحل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها اقتصادنا في الضفة والقطاع عموماً،  وفي غزة خصوصاً،  والمتمثلة في ضعف انتاجية قطاعي الانتاج الرئيسيين الزراعة والصناعة وتخلفهما،  وتزايد معدلات البطالة والفقر،  وبطء وتراجع النمو الاقتصادي،  وتزايد نسبة الاستيراد المباشر من السوق الاسرائيلي،  وضعف وتراجع تحصيل الضرائب بسبب عدم التزام القطاع الخاص بدوره في هذا الجانب وكذلك ضعف تحصيل الرسوم الجمركية ونظام الجمارك،  في إطار غياب النظام الممأسس وما يرافقه من التخطيط السليم والرقابة والمتابعة والتقييم والمحاسبة،  لذا يتوجب على القوى السياسية عموما متابعة وتحليل هذه الاوضاع بما يعود بالفائدة المؤكدة على الايرادات ومن ثم على الاقتصاد الفلسطيني عبر متابعة ودراسة العناوين الاقتصادية الرئيسة التي تشكل مدخلا هاما للرؤية الاقتصادية الوطنية المنشودة،  التي تتطلب:

أولاً:    التخطيط لمستقبل الأراضي التي أخلاها المحتل الإسرائيلي بما يعود بالفائدة المباشرة على الاقتصاد الفلسطيني،  علما بأن هذه الأراضي تتوزع على أكثر من عنوان أو قسم :

1-    الأراضي المقام عليها المستوطنات ( والتي تقدر مساحتها بحوالي 60 ألف دونم ) والبدء بتنفيذ المشاريع المقترحة عبر آليات صحيحة بعيدة عن المصالح الذاتية من جهة وعلى قاعدة الرؤية التنموية الوطنية من جهة ثانية.

2-    الأراضي التي تعرضت للتجريف.

3-    المناطق العمرانية سواء المساكن أو المنشآت الزراعية والمصانع التي دمرها الاحتلال ( الى جانب الأضرار التي أصابت الأفراد والعائلات).

 4-   الأراضي والمناطق المتاخمة للمستوطنات ( حيث تم منع المواطنين من استغلال هذه المناطق ) وكيفية استغلالها بعد الإخلاء.

ثانياً:    التعرف على اثر الانسحاب على قطاعي الإنتاج الرئيسيين الصناعة والزراعة والقطاعات الخدمية الأخرى (التجارة والسياحة والنقل والمواصلات والاتصالات ……الخ) ارتباطاً بالقطاعات الموازية في الضفة الفلسطينية مما يعزز التجارة الداخلية،  والتطوير المشترك لفروع القطاع الخاص الفلسطيني في الضفة والقطاع،  وتوسيع الأسواق الداخلية والخارجية من خلال تفعيل دور التجارة الخارجية الفلسطينية ودراسة كيفية إلغاء أو تجاوز معوقاتها الإسرائيلية،  خاصة برتوكول باريس.

ثالثاً:    كيفية تطوير بقية المناطق الصناعية وتوجيه نشاطها في خدمة الرؤية التنموية الوطنية الفلسطينية بعيدا عن أي مشاركة او تدخل اسرائيلي.

رابعاً:   المياه : سواء بالنسبة لحوض المياه في منطقة المواصي أو بالنسبة إلى كيفية وقف استغلال العدو الاسرائيلي لمياهنا،  ودراسة إمكانات الخزان الجوفي الكبير نسبياً في منطقة المواصي كمورد اقتصادي مائي هام،  وكيفية استرجاع السيطرة الفلسطينية على مياهنا،  ووقف تدفقها إلى ما بعد الخط الأخضر،  وبالطبع وقف دور "شركة مكورورث" الإسرائيلية في بيع مياهنا إلى بعض مخيمات قطاع غزة الوسطى. في هذا السياق فإننا ندعو إلى زيادة مشاريع محطات تكرير ومعالجة وتنقية المياه العادمة،  والعمل على إقامة محطة أو أكثر لتحلية مياه البحر كمشروع استراتيجي لابد من البدء به خلال السنوات القليلة القادمة.

خامساً:  السياحة والاستثمارات المحتملة في منطقة المواصي من حيث إقامة المنشآت السياحية والفنادق في سياق تمكين رأس المال الفلسطيني من السيطرة الكاملة على هذه المشاريع في اطار الخطة الوطنية التنموية.

سادساً: إصلاح المطار والبدء بتشغيله باعتباره رمزاً من رموز السيادة، على النقيض مما يطرحه البنك الدولي من مقترحات حول الميناء والمطار بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية التي تشطب حق السيادة الكاملة للفلسطينيين.

سابعاً:  استكمال إنشاء و إقامة ميناء غزة كرمز سيادي فلسطيني علاوة على أهميته للتجارة الخارجية الفلسطينية.

ثامناً:   توفير الإمكانيات اللازمة لتأمين الاحتياجات الفلسطينية من الطاقة الكهربائية والوقود بمعزل عن السيطرة الإسرائيلية،  وما يستدعيه هذا الأمر من تشغيل محطة الكهرباء الفلسطينية في قطاع غزة بكامل طاقتها الإنتاجية لتغطية احتياجات المحافظات الجنوبية.

تاسعاً:  المطالبة بتطبيق حقوقنا الكاملة على مياهنا الاقليمية في البحر المتوسط، وسيادتنا عليها،  بما يتيح العديد من الامكانات او الموارد من الثروة السمكية او في باطن الأرض تحت مياه البحر،  وبمساحات تتجاوز ضعف مساحة القطاع.

عاشراً: العمل على إقرار قانون التعرفة والرسوم الجمركية الفلسطيني إلى جانب قوانين الضرائب الأخرى.

إن إيرادنا للعناوين السابقة ينبع من تقديرنا بأن خروج المحتل الإسرائيلي من قطاع غزة، يجب أن يشكل خطوة أولى على طريق القطيعة السياسية والأمنية والقانونية والاقتصادية مع العدو ما يعني انسحاباً كاملاً يلغي وبصورة نهائية كل أشكال السيطرة الإسرائيلية على أرضنا في قطاع غزة كمدخل أولي صوب استكمال سيطرتنا على كل أرضنا في الضفة الفلسطينية. يحمل الانسحاب في طياته مجموعة من الفرضيات التي يمكن تحققها إذا ما توفرت الخطة والإرادة الملتزمتين بالرؤية التنموية الوطنية،  وهذه الفرضيات يمكن ايراد بعضها كما يلي : أ-     زيادة حصة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة.

ب-   التطوير النوعي للصناعة الفلسطينية عموما والصناعات التكنولوجية الدقيقة المتقدمة خصوصا، وتطوير وتوسيع الصناعات المرتبطة بالمنتجات الزراعية للضفة والقطاع معا.

ج-    زيادة حجم رؤوس الأموال المحلية والوافدة من الخارج سواء عبر الاستثمار أو التمويل من قبل الدول المانحة (العربية والأجنبية).

د-     إعادة تفعيل واستكمال المشاريع الإستراتيجية (الميناء-المطار-المناطق الصناعية).

هـ-  زيادة معدلات التشغيل وفرص العمل ومن ثم تخفيض معدلات البطالة والفقر.

و-    تنشيط وزيادة حجم التبادل التجاري مع مصر تحديداً، إلى جانب العديد من الدول العربية مثل السعودية والخليج العربي والدول الأجنبية،مع الأخذ بعين الاعتبار ما ينتج عن ذلك من إنعاش لشركات النقل والتخليص والخدمات التجارية بأنواعها.

إن هذه المرحلة الحرجة،  تحمل في طياتها جملة من المخاطر الجدية غير المسبوقة على قضيتنا الوطنية وثوابتنا في حق العودة والاستقلال والدولة،  إلى جانب مخاطرها التدميرية على اقتصادنا الفلسطيني باستمرار إلحاقه وتبعيته للاقتصاد الاسرائيلي،  علاوة على تفكيكه وتقسيمه إلى اقتصادين منفصلين في الضفة والقطاع،  الأمر الذي يملي علينا مزيدا من الصعوبات والتحديات الاقتصادية علاوة على التحديات السياسية التي أشرنا إليها وأهمها: تحدي التنمية الوطنية الشاملة لكل من الضفة والقطاع كوحدة سياسية اقتصادية واحدة عبر تطبيق استراتيجية وطنية تنموية فلسطينية، وهذا شعار أو مطلب شعبي فلسطيني أقرب الى الابتذال والسخرية نتيجة عجز الحركة السياسية الفلسطينية عن بلورته أو تطبيقه ولو في الحدود الدنيا، بحيث أصبح تناول موضوع الاستراتيجية التنموية في أرضنا الفلسطينية المحتلة لا تعترضه ضبابية المستقبل  وتعقيدات الحاضر الإقتصادي فحسب، وإنما تعترضه أيضا إشكالية عدم اليقين بالنسبة للمستقبل السياسي أيضا، ارتباطا بالموقف العدواني الإسرائيلي المسنود بدعم أمريكي صريح ومباشر. في حال تكريس العدو لعملية الفصل الاقتصادي بين الضفة والقطاع، فإن اقتصاد الضفة الفلسطينية سيتوجه نحو مزيد من العلاقة مع الاقتصاد الإسرائيلي من ناحية والاقتصاد الأردني من ناحية ثانية. سينتج عن هذا التحول متغيرات وتراكمات سلبية في العلاقات الاجتماعية والسياسية التي قد تصيب مجتمعنا الفلسطيني كانعكاسات للواقع السياسي الاقتصادي الجغرافي والاجتماعي " الجديد ". وهو أمر قابل للتحقق في ظل التفكك المجتمعي والاقتصادي الراهن بين الضفة والقطاع، وغياب وحدة العلاقات الاجتماعية ووحدة السوق الفلسطيني بينهما بسبب الإجراءات العدوانية الإسرائيلية الى جانب تعقيدات وقيود بروتوكول باريس الاقتصادي من ناحية وتراخي السلطة الفلسطينية في تطبيق عملية توحيد القوانين عموماً والقوانين الاقتصادية ( الشركات وغيرها ) بحيث أصبح الاقتصاد الفلسطيني قابلاً للتراجع والانقسام الى اقتصاد مشوه في الضفة، وآخر أكثر تشوهاً وضعفاً وهشاشة في قطاع غزة. سيؤدي هذا الانقسام او التشتت–اذا ما قدر له الاستمرار- إلى انقسام المجتمع الفلسطيني إلى "مجتمع" في الضفة وآخر في قطاع غزة.

-      لذلك فإننا لا نبالغ في القول إن اقتصادنا الفلسطيني –في ظروف الحصار والتدمير الإسرائيلي طوال الخمس سنوات الماضية – أصبح أكثر ضعفا وانكماشا مما كان عليه من قبل،  الأمر الذي أدى إلى تغييب الوضوح أو التأكيد بالنسبة للمستقبل على الصعيد الاقتصادي والسياسي معا،  نتيجة للدور الإسرائيلي – الأمريكي على وجه التحديد من ناحية ونتيجة لعجز وتراخي أطراف الحركة السياسية، في اطار المعارضة الديمقراطية واليسارية خصوصاً،  وعجزهاعن ممارسة الضغط الجماهيري الديمقراطي لتطبيق برامجها وشعاراتها من ناحية ثانية.

-      ولكننا على ثقة من أن إعادة بناء العلاقات الداخلية الفلسطينية،  وفق ثوابتنا الوطنية والمجتمعية،  وبإرادة وطنية تقوم على المشاركة والتعددية أمر قابل للتحقق رغم مرارة الظروف الراهنة،  إذ اننا سنملك بالتأكيد القدرة على تحديد معالم مستقبلنا الاقتصادي والتنموي بوضوح،  على قاعدة التمسك بثوابتنا واهدافنا السياسية في التحرر والاستقلال.

وفي هذا السياق أقدم اقتراحا لمجموعة من الأسس المكونة للرؤية او الخطوط العامة للاستراتيجية الاقتصادية التنموية المطلوبة:-

أولاً:    حصر كافة البيانات والمعلومات الخاصة بالموارد الطبيعية والبشرية الفلسطينية عبر فريق وطني اقتصادي متخصص، تمهيدا للسيطرة المباشرة عليها وادارتها، كهدف وطني يستحيل بدونه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية.

ثانياً:    خلق مقومات اقتصاد المقاومة والصمود انسجاماً مع متطلبات هذه المرحلة،  وما يعنيه ذلك من العمل الجاد على تطبيق سياسة اقتصاد التقشف أو المخيمات أو المناطق الفقيرة، بكل ما يعنيه من إجراءات تلغي –بعد المحاسبة القانونية- امتلاك أي مواطن أو مسؤول لأي شكل من أشكال الثروة الطفيلية غير المشروعة و إلغاء كافة مظاهر الإنفاق الباذخ بكل أشكاله و أنواعه و أساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا.

ثالثاً:    فك الارتباط و التبعية و التكيف مع الاقتصاد الإسرائيلي ووقف التضخم في حجم الواردات،  وفرض الرسوم الجمركية العالية على الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم على الواردات الأساسية،   ووقف عمليات الاستيراد المباشر وغير المباشر من السوق الإسرائيلي،  الامر الذي يعني إلغاء بروتوكول باريس.

رابعاً:   التخطيط التأشيري والمركزي لتفعيل العملية الإنتاجية في الصناعة و الزراعة، والعمل على تفعيل العلاقة بين هذين القطاعين بما يخدم تطوير المنتجات الصناعية المعتمدة على الإنتاج الزراعي، وإقرار مشروع القانون الزراعي بهدف تحديد و إرساء استراتيجية زراعية فلسطينية تتناسب مع أهمية القطاع الزراعي.

خامساً: وضع سياسة تنموية زراعية آنية و مستقبلية تقوم على التخطيط و تفعيل دور مؤسسات الإقراض الزراعي و البنوك لتقديم الدعم للمزارعين الفقراء، وتطوير وتوسيع الأراضي الزراعية وأراضي المراعي والثروة الحيوانية.

سادساً: الحفاظ على ثبات لأسعار السلع الأساسية الضرورية للفقراء و رفع أجور الفئات والشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود.

سابعاً: تطوير دور القطاع العام و التعاوني و المختلط بعيداً عن أشكال الاحتكار، بهدف توسيع القاعدة الإنتاجية الفلسطينية، والسوق الفلسطيني، وإيجاد المزيد من فرص التشغيل المتواضعة، لليد العاملة، في الإنتاج والسوق المحلي من ناحية، لضمان معدلات عالية –نسبيا- من النمو لقطاعي الإنتاج الرئيسيين –الزراعة والصناعة- من ناحية أخرى. وفي هذا السياق من الواجب والضروري، الأخذ بمقترحات البرنامج العام للتنمية الذي أشرف عليه المفكر الاقتصادي الفلسطيني د.يوسف صايغ،  حيث تتطلب هذه المرحلة وضروراتها الاقتصادية-السياسية معا من كافة المسؤولين في السلطة الأخذ بتلك المقترحات بعد إهمال طويل وغير مبرر لها.

ثامناً:   إنشاء و تفعيل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة على نمط الشركات الصناعية المساهمة العامة والشركات القابضة والمختلطة بين القطاعين العام والخاص،  لمواجهة هذا الضعف في البنية الصناعية ونقلها من طابعها الحرفي-الفردي- العائلي الى طابعها الإنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات الإنتاجية في  بلادنا.

تاسعاً: العمل بكل جدية، وعبر كافة السبل والضغوط السياسية الممكنة،  من اجل تفعيل وتوسيع مجال التبادل التجاري الفلسطيني العربي، ووقف احتكار السوق الإسرائيلي لهذه العملية. والتركيز على فتح سوق العمالة العربي، في مختلف البلدان، أمام العماله الفلسطينية،الماهرة وغير الماهرة،  وفقا لقوانين وأنظمة التشغيل في تلك البلدان، دون التأثير في هوية الفلسطيني أو اتخاذ أي بعد سياسي يتناقض مع حقه في العودة او الإقامة الدائمة في وطنه،علما بأن السوق العربي في دول الخليج والسعودية يستوعب أكثر من خمسة ملايين عامل أجنبي سنويا،  في حين أن أعلى معدل للبطالة في فلسطين لا يتجاوز 5% من مجموع العمالة الوافدة إلى تلك الدول من الهند وسيريلانكا وباكستان وايران.

عاشراً: متابعة تنفيذ البرامج والدراسات والتوصيات المتعددة الخاصة بتفعيل دور رأس المال الفلسطيني في الشتات،  رغم وعينا بارتباطه برأس المال العالمي المعولم.

ان تطبيق هذه الخطة الاستراتيجية سيمكننا من الحديث بثقة عن تحقيق أهم ركيزتين من ركائز صمودنا على الصعيد الداخلي همـا :-

1-    محاسبة رموز الفساد والاستبداد، ووقف استخدام السلطة، من قبل الكثير من رموزها، كجسر لجمع وتراكم الثروات غير المشروعة على حساب قوت وحياة الشعب، حيث أدى هذا الاستخدام الأناني البشع، الى فقدان مساحات واسعة من جماهيرنا لدورها وحريتها، سواءعلى صعيد ممارستها لحقها في نقد ومواجهة مظاهر الخلل الداخلي أو على صعيد حقها في الحياة الكريمة والاستقرار بعيدا عن دواعي القلق والخوف الراهن من المستقبل.

2-    تقوية وتعزيز الوحدة السياسية لمجتمعنا وتوفير قدراته على الصمود والمقاومة حتى طرد الاحتلال وتفكيك وإزالة الجدار والمستوطنات في الضفة الفلسطينية، على طريق الحرية والدولة المستقلة والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

   أخيراً إن مجتمعنا الفلسطيني، يتعرض اليوم لعوامل انقسام لا تتوقف عند الانقسام الجغرافي بين قطاع غزة وجناحه الرئيسي الضفة الفلسطينية، بل يتخطاه صوب مزيد من الانقسامات أو العزلة والتفكك عبر مخططات العدو الإسرائيلي الذي استطاع تكريس هذه العزلة بينهما طوال الأحد عشر عاماً الماضية ارتباطاً بمخططاته المرسومة الهادفة الى تكريس الانقسام الاقتصادي والانقسام المجتمعي وغير ذلك من عوامل العزلة والتفكك في البنية السياسية والمجتمعية الفلسطينية وصولاً الى تفكيك الهوية الوطنية أو تعريضها للمخاطر الجدية التي ستؤدي بمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة الى مزيد من التراجع أو حصره في مساحة جغرافية في إطار " المشهد الغزي " الذي لا يعدو شكلاً ممسوخاً من أشكال الحكم الذاتي المحدود ما يجعل الدولة الفلسطينية القابلة للحياة أمراً مستحيلاً.

 مستقبل الاقتصاد الفلسطيني إلى أين؟

د.محمد السمهوري (*)

يعاني الاقتصاد الفلسطيني في مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من مأزق كبير، لذلك في البداية لابد من توصيف حالة الاقتصاد الفلسطيني بعد مرحلة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، اعتماداً على الأسس المنطقية التي توفر الإزدهار أو النمو لاقتصاد ما، والتي يتصدرها حرية الحركة دون قيود تعيق تواصل الاقتصاد مع العالم الخارجي، وهو أول مأزق يعيشه الاقتصاد الفلسطيني الآن مع توجهات إسرائيلية باستمرار السيطرة على المعابر حتى بعد الانسحاب من قطاع غزة، تتراجع بل تتوقف نهائيا فرص التصدير الخارجي، خاصة مع توقف المفاوضات حول إمكانية إعادة تشغيل مطار غزة أو إعادة بناء ميناء في قطاع غزة، ويتمحور المأزق الثاني الذي تدفع الإدارة الإسرائيلية باتجاهه وهو المماطلة في فتح ممر يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي يشكل في جوهره عائقاً كبيراً أمام التواصل الجغرافي بين مناطق السلطة الفلسطينية والتكامل الإقتصادي بينهما.

وإمعاناً في التعنت الإسرائيلي واستمرار سيطرته على الأجواء البرية والبحرية والجوية، ونواياه في خنق الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة، تتمادى الإدارة الإسرائيلية في خطة إغلاق قطاع غزة تماماً وإغلاق سوق العمالة الفلسطينية في إسرائيل، مما يدفع باتجاه تعميق المأزق الإقتصادي الفلسطيني، وارتفاع المعدلات الحالية للبطالة، وازدياد الفقر، والانخفاض المستمر في النمو الاستثماري، وزيادة العجز في الميزانية. وبذلك يجد السياسي والاقتصادي الفلسطيني نفسه أمام سؤال كبير يعجز عن تجاوزه، وتحقيق الحد الأدنى من النمو الاقتصاد الفلسطيني في ظل هذه الأوضاع المتردية.

لا ريب أن المجتمع الدولي سيبقى والى أمد غير معروف هو المساعد الرئيسي في قضايا التمويل والمساعدات، وبمئات الملايين من الدولارات، لكن كل ذلك يصب في تخفيف واقع الأزمة ولا يحمل حلولاً جذرية لها. باعتقادي أن هناك مهمة كبيرة تقع على عاتق المجتمع الدولي للخروج من هذه الدوامة المفرغة، وهي أن عليه أن يكون مستعداً للمساهمة في حل الأزمة الإقتصادية المتواصلة من خلال الضغط على الطرف الإسرائيلي لتغيير الأجندة الخانقة التي وضعها للاقتصاد الفلسطيني.

فرصة الضغط الدولي على إسرائيل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الثمن السياسي الكبير الذي تطلبه إسرائيل في حال استمرارها في تنفيذ أجندتها السياسية وخطتها أحادية الجانب التي بدأت في قطاع غزة وبعض مستوطنات شمال الضفة الغربية، فقد صرح شارون بأن بعض المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية ستدخل في الحل النهائي، طبعاً بعد استكمال الجدار وتطويق المدن الفلسطينية، والإنسحاب من بعض المستوطنات الهامشية. وهذا يطرح تحديات كبيرة على الجانب الفلسطيني، ويضع المجتمع الدولي أمام مرحلة لابد له فيها من التعامل بحزم مع الخطط والتوجهات الإسرائيلية.

لقد استطاعت إسرائيل بذكاء كبير تسويق خطة الانسحاب الأحادي الجانب، وتصويرها على أنها خطة تعبر عن النوايا السليمة لإسرائيل أمام المجتمع الدولي، وقد تصور المجتمع الدولي، أن هذه الخطوة الإسرائيلية ستكون فرصة لإحياء العملية السلمية سينتج عنها بالضرورة تطبيق خطة خارطة الطريق، ومعالجة الأزمة الإقتصادية الفلسطينية، وهذا يتنافى تماما مع النوايا الفعلية الإسرائيلية التي لم تعد خافية على أحد.

وفي سبيل ضمان النجاح للدعم الدولي، كلف السيد جيمس ولفنسون الرئيس السابق للبنك الدولي لمدة عشر سنوات، والمعروف باطلاعه الواسع على تطور عملية التسوية من الجانب الإقتصادي من خلال مجموعة دراسات كثيرة ومعمقة عن الاقتصاد الفلسطيني قام بوضعها خلال السنوات السابقة. وقد استطاع السيد ولفنسون في المؤتمر الذي عقد في ايرلندا في بداية الصيف الماضي، الحصول على تعهدات بدفع ثلاثة ملايين دولار للفلسطينيين، إلا أن الشرط لضخ تلك الأموال، كان يتعلق بضرورة تواجد مناخ سياسي واقتصادي مستقر من ناحية، وتوافر القدرة الفعلية للاقتصاد الفلسطيني لاستغلال وتوظيف هذه الأموال، إضافة إلى شرط توافر انتعاش للاقتصاد الخاص الفلسطيني.

وهي شروط تكاد تبدو مستحيلة في إطار الظروف التي خلقتها الإجراءات الإسرائيلية إثر الانسحاب أحادي الجانب، إلى جانب معاناة القطاع الإقتصادي الفلسطيني الخاص كجزء من الاقتصاد الفلسطيني من نفس التحديات، حيث ارتفعت درجة المخاطرة أمامه في مجال الاستثمار، كما قلت درجة المنافسة، والنتيجة زيادة في التدهور، حيث تراجعت حالياً استثمارات القطاع الخاص بشكل حاد مقارنة بالمستوى المرتفع الذي بلغ 1.15 مليار دولار سنوياً في سبتمبر عام 2000.

ندرك جميعاً صدق الرغبة الدولية من الأطراف المهتمة بتطوير الاقتصاد الفلسطيني، ويرى الكثير من الأكاديميين الدوليين بأن للقطاع الخاص دورا رئيسياً للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني. كما يدفع السياسيون وصناع القرار باتجاه الاعتماد على القطاع الخاص كحل سحري للخروج من المأزق الإقتصادي، إلا أن تجربة الأحد عشر عاماً الماضية برهنت على أن هذا الرهان ليس صائباً تماماً. وقد أكد الواقع بأن ما يقارب 7-8 مليار دولار التي ضمنت في الاقتصاد الفلسطيني لم يؤت ثمارها كما يجب، فالقطاع الخاص رغم بعض حالات النجاح التي حققها، وهي قصص نجاح قليلة واستثنائية، قد عانى كثيراً وتعرض لأزمات متعددة أسوة بالإقتصاد الفلسطيني على مدار السنوات الماضية. ولم تشفع له استثماراته السابقة من عام 1994 وحتى عام 2000، التي وصلت إلى الذروة لتتراجع بعد ذلك أمام التحديات والظروف الخانقة وحتى وقتنا الحالي.

وهنا تبرز النتيجة الحتمية، بأن الرهان على القطاع الإقتصادي الخاص، هو فرضية خاطئة ما لم يكن هناك تغيير جذري في المناخ السياسي وبالتالي إنهاء الأزمة السياسية التي تفتعلها إسرائيل، ومن ثم الانطلاق لتحقيق معدلات النمو المطلوبة.

التحدي الآخر الذي يواجه الاقتصاد الفلسطيني والناجم عن خطوة الانسحاب الأحادي، تكمن في البنية التحتية التي خلفها الانسحاب الإسرائيلي، خاصة المرتبطة ببنية الاقتصاد الفلسطيني. لقد أنشأت السلطة الفلسطينية طواقم فنية توزعت على ست مجموعات عمل لاستلام المناطق التي سيتم الانسحاب منها وتم فرزها حسب المهام المكلفة بها، (أراضي، مياه، معابر حدودية،…..)، وقد رافقت هذه الطواقم في زيارة ميدانية قبل الانسحاب الإسرائيلي بيوم واحد، مجموعة من البنك الدولي، ومجموعة من UNDP، ومجموعة من الخبراء الإسرائيليين، وكانت المفاجأة لنا هي حجم التدمير الهائل الذي قام به الإسرائيليون في المستوطنات والمعابر التجارية على جميع مستويات البنية التحية، وفي اليوم الثاني بعد الإخلاء مباشرة قمنا بتوثيق ما قام به الإسرائيليون من عملية تدمير وتخريب.

ولا ريب أن ذلك يلقي عبئاً كبيراً على كاهل الاقتصاد الفلسطيني، فقد تم تخريب الكثير من الدفيئات الزراعية، وتحولت منطقة ايرز الصناعية إلى كارثة طبيعية بكامل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث دمرت جميع المصانع التي تعود إلى استثمارات فلسطينية وعربية، كما دمرت محطة الكهرباء، ودمر خزان المياه الرئيسي، وتم تخريب البنية التحتية بشكل تام. ذلك إضافة إلى ركام هائل من مخلفات تدمير المنازل والمصانع والطرق ينتشر في كامل الأراضي المخلاة مهدداً البيئة الفلسطينية ومستقبل قطاع غزة الزراعي والاقتصادي.

لقد حاولت بإيجاز وضع خطوط عامة للأزمة الإقتصادية الفلسطينية الحالية التي تعاني منها، وهدفت بذلك إلى فتح الملفات الحاسمة والتحديات التي بحاجة إلى حلول وخطط قصيرة وطويلة الأمد للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني، لكنني أعيد وأكرر بأن انفراج المناخ السياسي هو الأمل الوحيد لإعادة إحياء الاقتصاد الفلسطيني، وهذا يستلزم تجاوباً إسرائيلياً، وعلى المجتمع الدولي أن لا يكتفي بضخ الأموال للاقتصاد الفلسطيني، بل عليه من ناحية ثانية الضغط على إسرائيل لتوفير المناخ السياسي الإيجابي اللازم لذلك.

مستقبل الاستثمار ورؤية القطاع الخاص لما بعد الإنسحاب

 م.علي أبو شهلا (*)

 

1-الاقتصاد الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي

منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في العام 1967 بدأ العمل على وضع الاقتصاد الفلسطيني في موقع تابع للاقتصاد الإسرائيلي. بكل معنى الكلمة حيث أصبحت الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية تمثل سوقاَ رابحه وجيدة لبضاعة من الدرجات الثانية أو الثالثة تنتج في إسرائيل. ساعد هذا الوضع الشركات الإسرائيلية الموردة في تسويق بضائعها من الدرجة الأولى عالمياً.

من ناحية أخرى منع الاحتلال الإسرائيلي كل أنواع الاستثمار الخارجي فى غزة والضفة الغربية إضافة إلى أن وضع الاحتلال لم يكن ليمثل أي حافز لأي مستثمر يجد انه يتعامل مع الحكم العسكري ويخضع للتفتيش على الحواجز، ولا يستطيع نقل إنتاجه من مكان لأخر فى نفس المنطقة دون إذن من الحاكم العسكري للمنطقة. ناهيك عن قوانين الضرائب التى كانت تخضع للحكم العسكري مباشرة.

فى النصف الأخير من سنوات السبعينيات، ظهر نوع جديد من الاستثمارات تمثل فى إقامة المباني السكنية متعددة الأدوار، والتي كان المستثمرون الذين يبنونها يحلمون فى الحصول على هوية وجمع شمل. ولم يكن يهمهم أية أرباح أو خسائر فى استثماراتهم التى كانت تتم وتقام على أراضى ملك الدولة كانت قوات الاحتلال تبيعها لإخواننا الذين يغادرون معسكرات اللاجئين.

2- اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس للعلاقات الاقتصادية

بعد توقيع اتفاقية أوسلو فى  13/9/1993م، تم توقيع بروتوكول باريس( فى 29/4/ 1994 فى القاهرة ) الذى ينظم العلاقات الاقتصادية بين كل من إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية. لم يكن هذا البرتوكول سوى إعادة تنظيم للعلاقات الاقتصادية التى كانت سائدة تحت الاحتلال، مع بعض التجميل، من حيث الثنائية فى الاتفاق، وتحديد العلاقات الاقتصادية بين السلطة وكل من مصر والأردن اللتان تقيمان علاقة دبلوماسية تجارية / سياحية مع إسرائيل.

واستمرت إسرائيل تسيطر على المعابر والمنافذ ودخول وخروج الأفراد والبضائع بشكل متفق  أو غير متفق عليه بين كل من السلطة وإسرائيل.

تمادت إسرائيل فى صلاحياتها فى إقفال وفتح المعابر كما شاءت. وراقبت دخول وخروج الأفراد والبضائع بشكل يمنع أي نوع من الاستثمار فى المناطق الفلسطينية. ولم يظهر أي نوع من الاستثمار الزراعي / الصناعي / السياحي. عدا بعض المشاريع الاستثمارية لبعض الشركات العملاقة. فى مجال تزويد الخدمات مثل الكهرباء والاتصالات والتي حققت فيها أرباحا عالية بالإضافة الى البنوك. اما فى مجال الصناعة مثل شركة كهربائيات والكترونيات فلسطين في نابلس، فقد حققت خسائر كبيرة. وكذلك الحال فى مجال السياحة، حيث أقيمت بعض المشاريع السياحية، في كل من غزة وبيت لحم لكنها سجلت خسائر كبيرة كنتيجة مباشرة للاغلاقات والاجتياحات الاسرائيلية, ولم نشهد أي استثمار في مجال الزراعة.

3- الوضع الاقتصادي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية

عند مقارنة نصيب الفرد من الناتج المحلي في منطقة السلطة الفلسطينية والبالغ حوالي  850$، بنصيب الفرد من الناتج المحلى في إسرائيل الذي يبلغ حوالي 18200 $، نرى مدى معاناة الاقتصاد الفلسطيني، الذي فرض عليه شراء حوالي 73% من مستلزماته من السوق الإسرائيلي، وبالأسعار التي تباع فيها داخل إسرائيل.

فعلى سبيل المثال لا الحصر وحسب ما جاء فى معطيات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء كان حجم التبادل التجاري بين كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل والدول العربية وباقي دول العالم للعام 2002 على النحو التالي : -

حجم الصادرات الفلسطينية للعام 2002 م هو 401 مليون دولار موزعة على النحو التالي : -

370 مليون لاسرائيل

92.25 %

29 مليون للدول العربية

7.25 %

2 مليون لباقي دول العالم

0.5 %

وكان حجم الواردات الفلسطينية فى نفس الفترة هو 2383 مليون دولار موزعة على النحو التالي : -

1739 مليون $ من إسرائيل        

70.3%

247 مليون $ من دول الاتحاد الأوروبي

10.4%

40  مليون $ من الدول العربية         

1.6%

67 مليون $ من الدول الأمريكية       

3%

263 مليون $ من شرق دول آسيا وباقي دول العالم

12%

وحسب تقرير البنك الدولي حول اعادة الانتشار والاقتصاد الفلسطيني والمستوطنات  والذي صدر في 23/6/2004 فان اجمالي الناتج القومي الفلسطيني للأعوام من 1999-2003 كان على النحو التالي :

السنة

1999

2000

2001

2002

2003

مليار $

4.179

4.116

3.329

2.831

3.144

كما كانت حصة الفرد من الناتج القومي الفلسطيني  للفترة ذاتها  (معدل حصة الفرد في غزة والضفة الغربية ) كما يلي :

السنة

1999

2000

2001

2002

2003

مليار $

1493

1409

1087

879

925

  ومن المتوقع حسب تقرير البنك الدولي فى 23/6/2004 ايضاً ( فى حال قيام المجتمع الدولي بزيادة دعمه للسلطة الفلسطينية بما قيمته 1.5 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة) أن يكون إجمالي الناتج القومي خلال الأعوام من ( 2004 – 2006) على النحو التالي بعد فك الارتباط وعدم فتح المعابر وإزالة الحواجز :

السنة

2004

2005

2006

اجمالى الناتج القومى (مليار$) 

3262

3360

3422

الضفة

2272 (70%)

2354  (70.1%)

2414 (70.6%)

قطاع غزة

994 (30%)

1007 (29.9%)

1008 (29.4%)

معدل حصة الفرد من الناتج القومي بالدولار

الضفة

1049

1038

1018

قطاع غزة

707

680

647

المعدل

915

897

871

مع ملاحظة أن حصة الفرد من الناتج القومي فى غزة  اقل منها فى الضفة الغربية بحيث تبلغ حصة الفرد من الناتج القومى فى غزة فى حدود  65- 69% من حصة الفرد فى الضفة الغربية، وربما كان ذلك يتماشى مع الناتج القومى حيث تبلغ حصة قطاع غزة  من إجمالي الناتج القومى 30 % فقط.        

وربما كان اهتمام اسرائيل باستمرار الوضع الاقتصادي كما كان عليه أثناء الاحتلال هو فقط  لحماية منتجاتها في السوق الفلسطيني وهو ما جعلها تتحكم فى المعابر والمنافذ وحركة الأفراد والأموال والبضائع، الأمر الذي أدى إلى صعوبة قيام أي من المستثمرين الفلسطينيين والمغتربين إقامة أي مشروع استثماري فى المنطقة لعدم جدواه من الناحية الاقتصادية.

الخدمات والتسهيلات المقدمة للمستثمرين

فى كل العالم تقوم الدول بتقديم خدمات وإغراءات للمستثمرين لتسهيل أعمالهم وتخفيف الضرائب على منتجاتهم، بل تقدم الأراضي والخدمات بكل أنواعها من اجل استقطاب المستثمرين ورؤوس الأموال.

فى إسرائيل يمنح المستثمرون مزايا لا يتمتع بها المواطن، فهناك الكثير من الأمان والاطمئنان على رؤوس الاموال ودخول وخروج الأفراد والأموال والبضائع بشكل يسمح للمستثمرين إقامة مشاريع حيوية للدولة التى يستثمر بها دون خوف أو وجل.

ومؤخراً بدأت كل من المغرب والجزائر فى إغراء المستثمرين العرب والأجانب لإقامة مشاريعهم فى تلك البلدان ,كما هو الحال في مصر ودبي وغيرها لدرجة أن بعض الفلسطينيين قاموا بنقل جزء من أعمالهم الى تلك الدول وخاصة المغرب.

فعلى سبيل المثال لا الحصر ( بناء على تقرير للبنك الدولي في 12/9/2005) تم إحداث تغييرات جذرية في عملية الاستثمار في الدول التالية :

-      خفضت قيمة الاستثمار في تونس إلى عُشـر (0.1) ما كانت عليه في السابق.

-      خفضت رسوم التسجيل للمنشآت التجارية في مصر بقيمة الثلث ( من 4.5% الى 3% ) من قيمة المبلغ المستثمر. كما تم اختصار اعمال الجمارك التي كانت تحتاج الى 26 توقيع لتصبح 5 فقط  وفي موقع واحد.

تم تطوير عملية انزال البضاعة من 6 أيام الى معدل 17 ساعة في ميناء جبل علي في دولة الامارات العربية المتحدة.

وعلى العكس من ذلك (بناء على نفس التقرير ) فان  المستورد في سوريا  يحتاج الى 63 يوم واستخراج 18 وثيقة و47 توقيع حتى تصل البضاعة الى مخازنه.

-      وفي اليمن يحتاج المستثمر مبلغ 15000 $ أو ما يعادل 27 ضعف دخل الفرد السنوي هناك قبل أن يبدأ بأي عمل استثماري جديد.

-      وفي ايران احتاج أحد المستثمرين 668 يوم قبل الحصول على الترخيص اللازم لاقامة وبناء مخازن لبضاعته.

-      وفي العراق يحتاج أي مصدر الى 70 توقيع و105 أيام قبل انجاز عملية التصدير.

-      وفي عُمان استغرقت معاملات إحدى الشركات  7 سنوات لإعلان إفلاسها.

-      وفي المناطق الفلسطينية  ربما كانت المعاملات الخاصة بتسجيل الشركات غير معقدة ولا تحتاج إلى وقت (خلال أيام فقط يتم تسجيل الشركات الخاصة)، الا أن الصعوبات التي تتبع عملية التسجيل أكبر من ان يتم التغلب عليها، وبخاصة تلك التي تتعلق بالحصول على موافقة هيئة الاستثمار وعدم وجود مناطق صناعية وتأمين الخدمات من كهرباء و مياه والحصول على التراخيص اللازمة من البلديات ووزارة الاقتصاد الوطني والدفاع المدني، وفتح ملفات ضريبية سواء في ضريبة الدخل (يعفى المستثمرون من ضريبة الدخل خلال السنوات الخمس الاولى ) أو ضريبة القيمة المضافة. الأهم من ذلك عملية استيراد المعدات عبر المعابر والموانئ الخاضعة لسلطة اسرائيل التي تتحكم في عملية الفحص والتدقيق وإصدار الأوامر بالإفراج عنها, ثم ما يلي ذلك من عمليات الإنتاج و التسويق والتصدير التي تخضع للمعابر والحواجز الإسرائيلية ناهيك عن تكاليف النقل التي تصل في بعض الأحيان إلى ثمن أكبر من ثمن البضائع. هذا إضافة إلى تدخل العديد من الأفراد والمسئولين في معظم المراحل التي تسبق عملية البدء بالإنتاج, ولربما استمر هذا التدخل أثناء عمليات النقل والحصول على التصاريح اللازمة.

وبالرغم من حاجة المناطق الفلسطينية لإقامة العديد من المشاريع الاستثمارية, وبخاصة الإنتاجية منها يلاحظ أن نسبة الفقر تصل في غزة إلى 70% ونسبة البطالة تصل إلى 38%، لا أعتقد أننا قد وصلنا إلى درجة متقدمة أو حتى مقبولة من الخدمات المقدمة للمستثمرين. هذا بدوره ساهم في عزوف المستثمرين الفلسطينيين وغيرهم عن المخاطرة في الاستثمار في هذه المنطقة وفي هذه الأوقات بالذات.

 4- فك الارتباط  وأثره على الاستثمار

لم يمر أسبوع واحد على خروج آخر جندي إسرائيلي والمستوطنين من قطاع غزة في 15/9/2005 م حتى بدأت تتضح بعض نتائج هذا الانسحاب على المواطن الفلسطيني والاقتصاد الفلسطيني بالذات، حيث كانت هذه النتائج عكس ما توقع المواطن العادي. وبالتالي فان هذه النتائج المتمثلة فى إغلاق المناطق والمعابر وأعمال القصف الجوى والبرى والبحري لقطاع غزة وما صاحبها من عمليات اعتقال واسعة النطاق فى الضفة الغربية، إضافة إلى البيروقراطية والمحسوبية في اتخاذ القرارات، لا تبشر جميعها بأي نوع من الاستثمار طالما بقى الوضع كما هو عليه.

الكل يعلم بأن رأس المال جبان ولا يستطيع أي مستثمر حتى وان كان فلسطينيا او مغتربا ً أن يستثمر فى مثل هذه الظروف.

فبالإضافة إلى المشاكل والمعوقات الإسرائيلية الرئيسية فان هناك الكثير من المعوقات   الفلسطينية التي يجابهها المستثمر على كافة المستويات.

سياسياً:          (ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي من خلال بروتوكول باريس و عدم وجود ما يبشر بحدوث انطلاقة أو حل سياسي يؤمن أعمال وأموال المستثمرين). 

خدماتيا:          (عدم وجود مناطق صناعية محددة- سعر الأراضي المرتفع- عدم وجود خدمات كاملة كهرباء / مياه / صرف صحى / مواصلات-  ارتفاع أجرة العامل مقارنة بالدول المجاورة – عدم وجود حرية في حركة البضائع والافراد ).

 أمنياً:            (الوضع الأمني المتردي وتدخل السلطة عن طريق بعض الأجهزة الأمنية والأفراد فى عملية الاستثمار).

قضائياً وشرعياً: (عدم جاهزية القضاء الفلسطيني لتطبيق القوانين المتعلقة بحل النزاعات بالسرعة المطلوبة وعدم وجود قضاء تجاري متخصص. وعدم تشجيع  مراكز حل النزاع بالطرق البديلة – قانون العمل رقم 7 لسنة 2000 وضرورة تعديل بعض بنوده ليتلاءم مع المرحلة القادمة).

بنكياً:             (الفائدة الكبيرة للبنوك العاملة في المنطقة والتي تصل في بعض الأحيان إلى ضعف الفائدة في بعض الدول المجاورة !).

لوجستياً:         (عدم ضمان دخول و خروج الأفراد في كل الأوقات، بالإضافة إلى صعوبة دخول وخروج الخبراء والفنيين الأجانب وتقييد تحركاتهم  وضرورة حصولهم على تصاريح إسرائيلية).

تسويقياً:         (عدم الاهتمام بحماية المنتج المحلى - عدم وجود حركة حرة للبضائع بين غزة والضفة الغربية- عدم ضمان تسويق المنتجات الفلسطينية فى إسرائيل أسوة بتسويق المنتجات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية – صعوبة تصدير المنتجات التي يجب أن تمر عبر الفحص الاسرائيلي الأمني والذي يترتب عنه في بعض الاحيان إتلاف البضائع المصدر).

5- مستقبل الاستثمار فى فلسطين

كان الانسحاب جزئياً في مناطق السلطة، وقد أثبتت إسرائيل أن لها اليد العليا فى تنفيذ كل مخططاتها تحت بصر وسمع كل من الدول العربية والإسلامية، وأمريكا، والرباعية الدولية، ومجلس الأمن الدولي، والمجتمع الدولي بأسره بما فيه الأمم المتحدة. فهل نستطيع تسمية هذا الانسحاب مكسباً؟ وهل نستطيع تسميته تحريراً أو نصراً؟ ونحن ما نزال سجناء في بلدنا؟

يعتبر بروتوكول باريس الاقتصادي مكملاً وتابعاً لاتفاق أوسلو السياسي ولا اعتقد أن بالإمكان تغيير أي بند منها في ظل الظروف الحالية سواء المحلية أو الدولية أو حتى الإسرائيلية. لذا، فإنني اعتقد أن الحديث الحالي حول مستقبل الاستثمار فى المناطق الفلسطينية وبخاصة فى غزة غير واقعى قبل تحقيق مجموعة من الشروط السياسية واللوجستية والأمنية والتشريعية ومنح تسهيلات مغرية للمستثمرين ومنها : -  

1-    رفع الحظر عن غزة براً وبحراً وجواً لضمان حرية حركة الافراد والبضائع.

2-    الحصول على الموافقات اللازمة للبدء بأعمال إقامة ميناء غزة.

3-    إصلاح مطار غزة وإعادة تشغيله.

4-    فتح الطريق الآمن بين غزة والضفة الغربية.

5-    فتح المجال للبضائع الفلسطينية الى داخل إسرائيل (الفلسطينيون داخل أراض الـ1948 أولا).

6-    تغيير قوانين الاستثمار الحالية بشكل يحفز المستثمرين الكبار لإقامة مشاريع كبيرة تساهم فى تخفيف نسبتي البطالة والفقر.

7-    استتباب الامن والنظام ودعم وتنفيذ قرارات المحاكم، وحدوث استقرار أمنى فى المناطق الفلسطينية , وتخصيص محاكم تجارية بالإضافة إلى تشجيع المؤسسات التي تقوم بحل النزاعات بالطرق البديلة.

8-    تشكيل لجنة عليا للاستثمار من الخبراء والمختصين (تتبع رئيس الدولة ) لمنع تدخل أي من الأجهزة أو المسئولين فى عمليات المستثمرين.

9-    تخفيض نسبة الفوائد والعمولات فى البنوك لتكون مماثلة مع البنوك في الدول المجاورة، وتحسين شروط الإقراض.

10-  تخصيص مناطق صناعية، ومساهمة الدولة في أسعار الخدمات المقدمة للمستثمرين من (كهرباء –مياه –اتصالات –غاز ) , وتخصيص جزء من الأراضي الحكومية لإقامة المشاريع الإنتاجية , بحيث يتم توزيعها جغرافيا على كافة المناطق لضمان تشغيل الأيدي العاملة في كل المناطق.

11- حماية المنتج المحلي لإحلاله مكان البضائع المستوردة وخاصة الاستهلاكية منها.

المناقشات والمداخلات

  عبد الكريم عاشور (*)

أُؤكد على ما قاله المتحدثون حول البعد السياسي، فما هو مطروح اليوم حول إعادة الانتشار هو مشروع إيغال آلون القديم الذي اقترح في السبعينات وهو السيطرة على اكبر مساحة من الأرض الخالية والتخلي عن اكبر مساحات مكتظة بالسكان، وهذا مشروع قديم جديد، ولم يحصل تغيير في السياسة الإسرائيلية.

فيما يتعلق ببعض المصطلحات التي ذكرها المتحدثون في إطار البعد السياسي، فقد تطورت المفاهيم ، والمصطلحات المتداولة، وأصبحت أكثر عمقاً فحينما نتكلم عن الإمبريالية نتكلم عن العولمة بأدواتها المختلفة سواء أدواتها للضغط والـتأثير في العالم في البعد الاقتصادي أو الأمني أو السياسي، ونحن نعرف أن مجلس الأمن هو الذي يدير العالم من ناحية أمنية، ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تدير العالم من الناحية الإقتصادية. هناك سطوة هائلة جداً أخطر مما كان متعارفاً عليه في الفترة السابقة، الأمر الذي يجب إدراكه في طبيعة علاقتنا وقراراتنا في المستقبل.

أما بالنسبة للدفيئات الزراعية، فلو خيرت في إبقاء أو هدم هذه على غرار بيوت المستوطنين لاخترت هدمها لأنها تأسست لخدمة مشروع استيطاني إسرائيلي بهدف تحقيق أهداف إسرائيلية تحديداً، أولها موضوع المياه والأمن واستغلاله بشكل مجاني، والأيدي العاملة الرخيصة التي تم استغلالها بأبشع وسيلة. وعندما نتكلم عن الدفيئات حاليا وبعد الانسحاب الإسرائيلي، نواجه بأن هناك إشكالية حقيقية، وهذه الإشكالية تكمن في انه يوجد لدنيا اليوم 10-12 ألف دفيئة حسب الإحصائيات الموجودة في وزارة الزراعة، تنتج حوالي 370 ألف طن من الخضار لا يمكن استهلاك أكثر من 30-35% منها، والباقي يواجه مشاكل التصدير والتسويق الخارجي والداخلي وما إلى ذلك.

وهذا يعيدنا إلى المشكلة الأساسية، وهي أن القطاع الزراعي بشكل عام يحتاج إلى مساعدة وليس فقط موضوع الدفيئات، يكاد يكون القطاع الزراعي مدمراً بشكل كامل. وعندما نتكلم عن 33 مليون دولار مساعدات فقد كان من الأجدى توظيفها لإعادة تأهيل ما دمره الإحتلال للمزارعين الصغار الذين يعانون من مشاكل كبيرة وهائلة جداً. وعندما يتم اتخاذ قرارات، فلا يجب أن تتخذ بشكل عشوائي فعلى سبيل المثال فإن قرار لإدارة مشروع صندوق الاستثمار يعتبر غير منطقي لأنه لا يمكن إعطاء مؤسسة حق امتياز لإدارة مشروع لثلاثة أو أربعة أشهر، بينما هي تحتاج إلى سنوات كي تثبت كفاءتها وقدرتها على الإدارة. وعندما نتكلم عن دعم إنتاج مشروع للقطاع الخاص، نتجاهل الآثار السلبية التي تترتب على المزارع الصغير في المنافسة غير العادلة. وليس صحيحاً أن يقتصر التصدير الزراعي الخارجي على تلك المشاريع. فالمزارع الصغير يستطيع أيضاً أن يصدر للسوق الخارجية.

د. محمد عجور (*)

أود التطرق إلى نقطة تتعلق بالمناخ السياسي وعلاقته بالوضع الاقتصادي وبخاصة بالجانب المحلي. اعتقد أن التنظيمات الفلسطينية كلها قصرت في حق القضية وحق الشعب، ولم تقم بدورها المفترض على مدى الفترة السابقة، هناك حوار بين التنظيمات يأخذ أشكال مختلفة سواء على طاولة المفاوضات بوساطة مصرية أو في مجال الإنتخابات المحلية، وسيتبعه حوار لاحق حول انتخابات المجلس التشريعي. أتمنى أن تنشأ عنه فرصة جديدة للوصول إلى محاور مشتركة تستطيع خلق جو سياسي إيجابي على المستوى الداخلي، وبذلك يمكن أن تحل بعض القضايا التي تواجه الشعب الفلسطيني، ومنها التحديات الهائلة من جانب إسرائيل ومن الجانب الاقتصادي الخانق، وهذا يستلزم دور هام يقوم فيه الجميع فلا يمكن ترجيح مصلحة الفصائل على حساب المصلحة الوطنية العليا، وهذه النقطة تحتاج إلى حوارات في المستقبل القريب حول، كيف يمكن تطوير العمل الذاتي الفلسطيني في ظل هذا الوضع البائس؟

أما النقطة التي تتعلق بفك الارتباط، واستلام الدفيئات الزراعية، فأعتقد انه لا يوجد مهنية في الحوار الذي دار قبل قليل، فكلنا نتكلم عن عملية تسليم واستلام دفيئات وإحضار الجرارات والبذور، وهي تفصيلات لا تمس جوهر الإشكالية. ففي ظل الأوضاع التي شُرحت هل يمكننا الحديث عن تنمية في المدى الفلسطيني المستقبلي في السنة القادمة أو بعد القادمة، أو حتى خلال 3 سنوات؟ أم سنعود لعهد الإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية.

ماذا تعني لنا كلمة تنمية؟ هل هي مشروعات تنموية ممولة من الجهات المانحة؟ وكيف يمكن إقناع الدول المانحة بأن تمول مشروعات تنموية خاصة في قضايا مشاريع بناء بينة تحتية أساسية، في ظل فوضى على كافة الأصعدة؟

د. معين رجب (*)

استنادا إلى ما سمعناه من الأخوة في مداخلاتهم السابقة، نجد أن الآراء تتخذ عدة مناحي، منحى تفاؤلي، يتحدث عن ايجابيات الانسحاب، وبالمقابل نجد منحى تشاؤمياً يتركز حول مساوئ ما بعد الانسحاب، وهناك منحى ثالث قريب من الواقع. وفي الحقيقة لكل منهم مبرراته التي قد نوافقه عليها أو نخالفه فيها، ولكن يبقى علينا الاستفادة من هذه الآراء والأفكار المختلفة. ويعكس ذلك أننا نعيش حالة من التخبط ونواجه مشكلة عدم القدرة على اتخاذ القرار أو عدم القدرة على الإمساك بزمام الأمور، وهذه المسألة التي نفتقر اليها تجعلنا ننتظر الحلول دوماً من الآخرين، بحيث إن موقفنا أصبح مرهوناً حول ما إذا كانت هناك مبادرة من الجانب السياسي لنتلهف على تطبيقها ومدة تنفيذها، بينما ننتظر من الجانب الإقتصادي التسهيلات التي سيقدمها الإسرائيليون، أو المنح التي تقدمها الدول المانحة، وهذا لن يكون في صالح مستقبل حقيقي نسعى لتحقيقه.

ليس من المفترض أن نقول أن قرارنا الإقتصادي المستقل مرهون بزوال الإحتلال أو مرهون بالاستقلال السياسي. المحتل قادر أن تكون له رؤيته الخاصة، ويكون قراره نابع من ذاته وهذا يجعله متحرراً من الضغوط التي يواجهها. إن قدرتنا على تكريس رؤية واضحة حول مستقبلنا الإقتصادي سيكون خطوة هامة للخروج من الأزمة التي نعيشها، على سبيل المثال تحدث الأخوة عن المنح من صندوق البنك الدولي  بشكل كمي فقط،ولكن لم نفكر ماذا ستحقق لنا هذه المليارات من أهداف تنموية أو القضاء على الفقر…الخ.

أجد انه للخروج من هذا المأزق ينبغي الإعتماد على ذاتنا وخاصة في مجال التمويل والمنح. لابد من الخروج برؤية واضحة واتخاذ القرار المناسب لنا دون الاعتماد فقط على المنح ودون إلغائها، بل توظيفها بشكل أكثر إفادة ومنطقية لخدمة مستقبلنا الإقتصادي.

السيد/ مأمون أبو شهلا (*)

أود الحديث عن الاتفاقيات الإقتصادية التي أبرمت مع السلطة الوطنية الفلسطينية في ظل املاءات إسرائيلية (اتفاقية باريس وغيرها)، لكنها افترضت وقف الصراع العسكري، إذ لا يمكن تخيل مناخ اقتصادي إيجابي يزيد الإستثمارات ويزيد الدخل ويوفر حياة اقتصادية سليمة في بلادنا والواقع يؤكد أننا مازلنا نعيش حالة صراع متواصلة، فكيف يمكن وضع خطط لتطوير مجتمعنا الإقتصادي؟ ونحن نعيش في هذه الدوامة من الإغلاقات وفصل الضفة عن القطاع….الخ.

باختصار لو تحدثت عن القضايا التي طرحها الأخوة، نجد أن البعض كالسيد غازي الصوراني، انتقد الأوضاع السلبية والبائسة التي نعيشها، وأنا اتفق معه في ذلك لكن اذا أردنا ترجمة كلامه على ارض الواقع نجد أننا لا نملك سيناريو خاص بنا كفلسطينيين، والسيناريو المطبق هو سيناريو إسرائيلي امبريالي عالمي…الخ، وهذا يحملنا جزء من المسؤولية.

الدكتور محمد السمهوري أعطانا صورة واقعية ويمكن أن أسميها مفرطة في التشاؤم، المهندس علي أبو شهلا، أعطانا أرقام كثيرة تظهر الوضع المأساوي الذي نعيشه منذ 5 سنوات، وقد تكلم عن موضوع البنوك وهذا ما أود الحديث فيه.

تعمل البنوك فلسطينية في مناخ خطر جداً. فالبنك يُقرِض ويسترجع القرض بعد عام أو عامين أو ثلاثة أعوام، ودون توفير البيئة المستقرة لهذه العملية، فإن ذلك يؤثر فعليا على عمل البنوك، بالإضافة لذلك لدينا 176 مليون دولار ديون للبنوك مشكوك في تحصيلها في السوق الفلسطيني، لذا يجب التعامل مع البنوك كمؤسسة فلسطينية ويجب رعايتها. ومن ناحية أخرى يجب وضع ضوابط متفق عليها لإلزام تلك البنوك بأخذ موضوع تسهيلات الاستثمار للأفراد والمجموعات المستثمرة في الأراضي الفلسطينية بعين الاعتبار، خاصة بالنسبة لشروط الإقراض المجحفة في كثير من الأحيان.

ولدي سؤال: هل يمكن تنظيم ورشة عمل أخرى تضم هذه النخبة من العقول المختصة تفكر في خطة اقتصادية واقعية تأخذ بعين الاعتبار مسألة استمرار الصراع، يجب علينا الآن وضع ملامح خطة نقترحها بأنفسنا، دون انتظار الأوروبيين والإسرائيليين أو الأمريكان، الذين خططوا لنا في السنوات الماضية بينما كان يجب أن يكون ذلك فِعل فلسطيني، لنقول للعالم ماذا نريد، في حدود الواقع الذي نحن نعيشه، وفي ظل هذا الصراع القائم الذي يمكن أن يستمر لأن قضيتنا لا يمكن أن تنتهي خلال سنة أو سنتين أو ثلاثة سنوات، فهي عملية صعبة وطويلة الأمد.

مازن العجلة (*)

لا أحد يستطيع إنكار المعوقات النابعة عن الإحتلال الإسرائيلي التي استعرضها الأخوة ولكننا لم نسمع اقتراحات حول دور السلطة في المرحلة القادمة. السلطة أمامها مجالات فسيحة للعمل لا يؤثر عليها الإحتلال، وهنا لابد من الوقوف طويلاً أمام عملية الإصلاح، فهي ليست ذات علاقة بالأوضاع السياسية إذا صح العزم. في الفترة السابقة حدثت بعض الخطوات على سبيل الإصلاح ولكنها لم ترق إلى المستوى المأمول، لذلك لابد من إعادة تفعيل خطوات الإصلاح. هذا لا يتم إلا من خلال أدوات فعلية للإصلاح، وهذا غير متوفر الآن للأسف، الإحتلال قاسٍ ومجرم وصعب، ولكننا أكثر قسوة على أنفسنا، فما الذي يمنع السلطة من استكمال المنظومة القانونية اللازمة للاستثمار والتعليم والصناعة والزراعة وكافة القضايا المطروحة؟ ما الذي يمنع السلطة من اعتماد إستراتيجية تعليمية تخدم التنمية في خلال عشر سنوات كما فعلت دول جنوب شرق آسيا؟ ما الذي يمنع السلطة من تخفيض النفقات والتبذير الذي أصبح سمة في بعض المجالات؟ ما الذي يمنع السلطة من تحسين الأداء المؤسسي؟ وما الذي يمنع السلطة من وضع حد لامتيازات لبعض الكبار من القطاع الخاص المتنفذين والمحتكرين؟؟

هذه قضايا ليست لها علاقة بالاحتلال، ولا بد من حشد الجهود من قبل الأحزاب والتنظيمات المعارضة والقطاع الأهلي والقطاع الخاص المتضرر وتحسين أداء السلطة لتنفيذ الإصلاح بشكل فعال. الجميع سيحترمنا إذا كان هناك إصلاح حقيقي يقوم بإزالة المعوقات العالقة وهي كثيرة جدا، يمكننا القول بأنها أكثر ضرراً من معوقات الإحتلال.

د.رباح مهنا (*)

أعتقد أنه لا تنمية في وجود الإحتلال، كيف يمكن إنشاء مصنع للصيد والتعبئة وتصدير السمك، لو أُقفل البحر أمام الصيادين أو المعبر لمنع تصدير الإنتاج. يمكن أن تفسد هذه المصنوعات. مع وجود الإحتلال لا تنمية إذن. فيجب البحث عن كيفية معالجة مشاكلنا الإقتصادية وتحملها، وهذه هي أهم المخاطر. ومن هنا يجب على شعبنا الصمود ومقاومة الإحتلال فهو في أمس الحاجة للتنظيمات السياسية لأنه لا يوجد أفراد يقاومون الإحتلال وحدهم، لضمان مقاومة الشعب، يجب أن تقوده قوة سياسية من جميع التنظيمات، لكن التنظيمات نفسها تحتاج إلى إصلاح. يعلم من عاش في غزة والضفة من سنة 1975 إلى سنة 1985، أنه على الرغم من أنه لم تكن هناك انتفاضة، وكان الجميع يعمل في إسرائيل وتل أبيب، لم تحصل تنمية حقيقية للاقتصاد الفلسطيني، فإسرائيل كانت تتعامل معنا كاقتصاد تابع، عمالة رخيصة وسوق استهلاكي، إذن الإنتفاضة ليست هي السبب في منع التنمية الحقيقية، والآن مع وجود السلطة هل حصلت تنمية؟ الجواب هو لا، لأن إسرائيل لا تزال تريد الاقتصاد الفلسطيني تابع لها. وهذا هو الخطر الحقيقي.

إضافة إلى ذلك فإن الخطر الداهم على مجمل قضيتنا هو المشاريع الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة التي ستكون مدخلاً لاختراق المقاطعة العربية لإسرائيل.

أ. عبد الحليم الغول (*)

تحدث الجميع وبخاصة الأخ غازي الصوراني عن الوضع السياسي المأزوم، و قرارات الشرعية الدولية، ولكنه لم يتحدث عن سبل الخروج من المأزق السياسي الراهن الخانق. تحدث الجميع عن التوصيفات، وعن التشخيص، ولكن الصراع سيبقى مستمرا، الحصار، إعادة الانتشار، السيطرة على الجو والبحر، المعابر. في ظل هذا الوضع المعقد كيف يمكن تأمين مقومات العامل السياسي الذاتي للخروج من هذا المأزق؟ لم يتحدث الأخ غازي عن قيادة وطنية إسلامية موحدة وبرنامج سياسي موحد للخروج من هذا المأزق وعن توفر جاهزية العامل المحفز. لذا يجب مقارنة وضعنا بما كان قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948. في عام 1947 كما يعرف الجميع، كانت معظم وزارات الظل في فلسطين موجودة، وزارة الزراعة والصناعة…الخ. وحينما أعلنت دولة إسرائيل للعالم لم يكن لهذه الوزارات دور أو تأثير.

السؤال الآن، في ظل هذه التحديات وهذا الواقع المأزوم، والحصار والاحتلال، هل يمكن الحديث أو تقديم ورقة عمل، تركز على بناء اقتصاد وطني في ظل هذه الحواجز والعقبات.

تحدث أخي أبو عصام عن البيئة الاستثمارية المناسبة. لكن لم يتحدث أحد عن بروتوكول باريس الإقتصادي هل يبقى هذا البروتوكول على ما هو عليه، أم نعدله، أو نلغيه، في ظل هذا الوضع الإقتصادي المرتبط بالوضع السياسي. وهناك نقطة جوهرية في السياسة أو الاقتصاد، وهي ضرورة إصلاح النظام السياسي وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة وتواجد قدرة قيادية لتوفير إمكانية الخروج من المأزق سياسياً واقتصادياً.

د. طلال الشريف (*)

أي نظام اقتصادي أو تحسين أو تطوير يحتاج إلى نظام سياسي مستقر ويحتاج إلى اقتصاد له ملامح واضحة والاثنين غير متوفرين لدينا. إذا كان هناك انسحاب من طرف واحد نحن في مشكلة، إذا كانت هناك انتفاضة نحن في مشكلة، إذا كنا في حرب نحن في مشكلة، وبالتالي فالموضوع السياسي هو أساس في قضيتنا الإقتصادية. فإذا ما حسّنا الاقتصاد وطورناه وأصبحنا دولة اقتصادية ومنظمة، فيها اقتصاد مزدهر، هل يحل الموضوع السياسي؟  اشك بذلك. لكن لو استطعنا حل الموضوع السياسي فمن المؤكد انه سيكون هناك تطوير وازدهار اقتصادي.

فالنقد الذي أود توجيهه هو أن الانسحاب من طرف واحد تم الإعلان عنه منذ عام ونصف، أين كنا جميعاً اقتصاديين وسياسيين وشعب وسلطة، لماذا لم نقدم رؤية، الآن نحن في خضم الحدث ونريد أن نخطط. هل هذا مقبول؟

بخصوص موضوع المعبر، جميعنا نلاحظ تواصل المعاناة واستمرارها لسنوات، فالمعبر قضية نضالية لا يجوز أن تنتظر قضايا تفاوضية لأن الإسرائيليين اتخذوا قرارهم بالمماطلة، وكان اقتراحي أن يكون هناك جسر بشري عبر المعبر والحدود مثل الجدار، يتواجد بشكل متواصل إلى أن نفرض أمراً واقعاً يبقي المعبر مفتوحاً بيننا وبين المصريين.

أ.محسن أبو رمضان (*)

أود الإشارة إلى وجود خلل في عدم الإجابة عن السؤال الرئيس الذي طرحه مقدم الورشة، هل من مصلحة الاقتصاد الفلسطيني إبقاء الاتفاقيات الإقتصادية مع الجانب الإسرائيلي؟ أو فك هذه الاتفاقيات والارتباطات وخاصة بروتوكول باريس الإقتصادي؟ آخذاً بعين الاعتبار مواجهة التجزئة والمعازل والكنتونات الممارسة من قبل الإسرائيليين.

 الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية يجب أن تتجسد على المستوى السياسي الوطني وعلى المستوى الإقتصادي بآليات رابطة وموحدة بين شطري الوطن، تعزز العلاقة بصورة مشتركة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الرغبة بإعادة هيكلة الاقتصاد والبعد العربي له، وبين الواقع الذي يشير إلى أن التخلص من الغلاف الجمركي وبروتوكول باريس الإقتصادي، قد يؤدي إلى اهتزازات واختلالات في بنية الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة ونظيره في الضفة الغربية، الأمر الذي سيربك وجود بنية تحتية مؤسساتية وتطور اقتصادي مشترك بين الضفة الغربية وقطاع غزة في حالة حصل هذا الاتفاق.

 نحن هنا بحاجة إلى إجابة على أسئلة جوهرية برؤية اقتصادية وبعقلية علمية، وأنا مع ضرورة إجراء حوار تنموي جاد بين الأوساط والأدوات المؤثرة العالمية التنموية، وبخاصة مع القطاع الخاص والأهلي والسلطة، وبلورة هذه الرؤية التنموية الفلسطينية الموحدة بعقلية فلسطينية.

النقطة الثانية، وهي نقطة سلبية، تكمن في أن يتم، وبقرار مجلس الوزراء، اعتماد شركة احتكارية خاصة لإعادة تأهيل منشآت عامة، هذا يجب أن يُخضع للقطاع الخاص، فهو موضوع مرتبط بالبيئة التنموية المحفزة. ولابد من الحديث هنا عن انجازات في عملية الإصلاح، حيث أكد الرئيس أبو مازن بأن السلطة قد أنجزت 50% من عملية التصدي لمظاهر الفساد والخلل، ولكن المواطن لم يلمس ذلك على ارض الواقع، ونحن نأمل أن يكون هناك انجازات حقيقية في هذا المجال. أيضاً حالة القضاء الفلسطيني يرثى لها، وهناك تعطيل لآليات المساءلة والمحاسبة، وهناك إغلاق للملفات وسيادة مبدأ تغيب العقاب، وهذا خلل آخر في حالة الإصلاح الفلسطيني.

النقطة الأخيرة، أعتقد أن إسرائيل معنية بالإبقاء على قطاع غزة كسوق استهلاكية، وبالتالي يفسر ذلك تمسكها ببروتوكول باريس.

أما السؤال، فيكمن في مخاطر وتحديات مسألة فك الارتباط والتخلص من بروتوكول باريس، والتفكير ببدائل على المستوى العملي والمستوى الاقتصادي، خاصة وان المعضلة الرئيسة أصبحت ضمان حرية الحركة والقدرة على السيطرة على المعابر والترابط مع الضفة الغربية، بدليل أن المؤشرات التي ذكرها البنك الدولي بأنه إذا استمر الوضع كما هو ستزداد نسب الفقر، وسينخفض نصيب الفرد السنوي، وسينخفض الناتج القومي الإجمالي، وهذه مؤشرات خطيرة جداً تجعل من موضوع السيطرة على المعابر موضوع سيادي وموضوع وطني وليس موضوع اقتصادي فقط.

ناجي البطة (*)

أشكر الأخوة المنظمين لهذا اللقاء وأتمنى عليهم لقاءات أخرى لما يعرف بمزيد من العصف الفكري من اجل الخروج برؤى تخدم القضية الفلسطينية.

بداية في عام 1986 وعندما أعددتُ بحثاً اقتصاديا في الجامعة العبرية، وصلت إلى نتيجة، انه بعد الإحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية وسيناء والجولان، كانت الخطوة الثانية للاحتلال تشكيل لجنة اقتصادية من بنك إسرائيل المركزي ولجنة الإحصاء المركزية (معلومات من مكتبة عين كارم من الجامعة العبرية) لربط الاقتصاد الفلسطيني ربطاً مطلقاً وجعله سوقاً للصناعة الإسرائيلية والبضائع الإسرائيلية، وجعله أيضاً جسراً للانطلاق للسوق العربية في حال وجود تقدم سياسي، وبالتالي أعتقد، أن قوة غير طبيعية فقط هي التي ستحرر الاقتصاد الفلسطيني من الاقتصاد الإسرائيلي، حيث توجد شركات خاصة أنشأتها مستويات إسرائيلية عليا استخباراتية وعلى رأسها شركة جريشكوا من أجل ضرب الناتج القومي الفلسطيني في قطاع غزة من الحمضيات، على سبيل المثال.

الأمر الثاني، ما حدث داخل المستوطنات بعد الانسحاب الإسرائيلي من تعديات على البنية الباقية من المستوطنات، ولم تتم محاسبة الفاعلين، يثبت أنه بدون وجود سلطة قوية، تحاسب المفسدين، و توقف السرقات، سلطة تعيد الملايين التي سرقت، وتقدم الكفاءات بغض النظر عن التنظيمات، لا نستطيع الحديث عن تنمية اقتصادية.

من ناحية أخرى، هل يوجد استعداد عالمي أو استعداد صهيوني لترك فرصة للتنمية في مناطق السلطة الوطنية بصورة حقيقية؟ وهل يوجد لدينا فائض من الإنتاج الزراعي لسد حاجة المجتمع الفلسطيني لنتحدث عن تصدير؟ في الواقع لا يوجد عندنا فائض من المنتجات الزراعية للتحدث عن التصدير، خاصة في ظل تجريف اليهود للأراضي الزراعية، لذا يجب إيجاد اكتفاء ذاتي للمجتمع قبل التفكير في تصدير المنتجات. فنحن نصدر منتجاتنا ونستوردها مرة ثانية، وبالتالي نحمل أنفسنا أعباء إضافية.

الهرم لا يبنى إلا بقاعدة تبدأ بحجر واحد، هذا الحجر هو ضرورة بناء ثقافة الإنتاج والاكتفاء الذاتي، وليس ثقافة الاستهلاك الذي هو المحور الأساس في المجتمع الفلسطيني. فنحن في عشرات الندوات وقفنا بشكل جماعي ومنفرد ضد الأخوة المستوردين للمنتجات الإسرائيلية مثل العصير وغيره، يجب عدم التحدث بازدواجية، واقصد هنا الأخوة الذين يتكلمون عن المقاطعة الاقتصادية للبضائع الإسرائيلية في الدول العربية وهم أول من يشتري هذه المنتجات.

نادية أبو نحلة (*)

أود الحديث في قضية ازدواجية خطابنا وتحديداً فيما يتعلق بموضوع التنمية، فنحن وعلى مدار أكثر من 15 سنة نتحدث عن مصطلح التنمية وعن ضرورة التنمية وأنه توجد تنمية مع وجود احتلال. واليوم نتحدث عن عجزنا تجاه الكثير من القضايا ونحاول وضع حلول لنخرج بنظريات جديدة، مستندين على فرضية عدم إمكانية إحداث تنمية في ظل وجود احتلال، مع العلم بأننا أقررنا خلال عملنا في تقارير التنمية على مدار خمس سنوات، وجود شكل من أشكال التنمية الإنعتاقية والتنمية التمكينية، والتي هي مهمة جداً كأدوات حقيقية لإعمال التنمية في الحالة الفلسطينية وبالتحديد في قطاع غزة بعد الانسحاب.

المسألة الثانية، وهي الازدواجية فيما يتعلق بمحاسبة السلطة، هناك إجماع في الشارع الفلسطيني على مدار أكثر من 10 سنوات، إثر مجيء السلطة، بأنها سلطة في مأزق، كما أن كل القضية الفلسطينية في مأزق. إذاً لماذا نطلب اليوم من السلطة تقديم كشف عن أدائها، على مدار الستة شهور الماضية، في ملف الانسحاب؟ أعتقد بأن المسؤولية مسؤولية مشتركة، ما حدث في الشارع الغزي من حالة انكفاء تجاه المشروع الوطني كله لا تتحمل مسؤوليته السلطة وحدها، فأين كانت منظمات المجتمع المدني، أين كانت القوى السياسية والقوى التنظيمية، وفصائل المعارضة والمنظمات غير الحكومية، الجميع يتحدث عن مشروع وطني، هل المشروع الوطني، هو مسؤولية سلطة فقط؟ أين كانت القوى الأخرى تجاه هذا المشروع؟ لا يمكن الحديث عن مفهوم الشراكة في ظل غياب خطة وطنية، فالخطة يجب أن تكون قائمة على الشراكة بين المؤسسة الرسمية وغير الرسمية.

عندما وضعت الخطط للطواقم الفنية لم يخرج أي صوت معارض، الجميع انهمك في نقاشات وندوات نخبوية، ولكن هل هذا هو فعل المجتمع المدني المناط به؟ هل يقف فعل المجتمع المدني عند رفع صوته داخل الندوات والأروقة والمؤتمرات؟ أين هو الفعل المنظم الضاغط؟ أين هو الدور في قيادة الجماهير وتفعيل الجماهير وحماية الإنجاز الوطني الذي تم تسميته باندحار الإحتلال بفعل المقاومة؟

المسألة الثالثة والأخطر، اليوم أمامنا ملفات أخرى، ولا تتم مراقبتها ومتابعتها، فيما يتعلق بأداء السلطة الوطنية. حول موضوع ميناء غزة، السيناريوهات التي قدمت في السابق نصت على أن مستوطنة نتساريم ستكون مخازن تابعة لميناء قطاع غزة، اليوم يدور حديث عن نقل الميناء إلى مكان آخر، وهذا يعود إلى أن بعض المنتفعين من الأموال العامة يريدون توزيع الأراضي الخاصة بموقع الميناء، أعتقد أنه إذا ما كان الدور سلبياً أمام موضوع صندوق الاستثمار وموضوع الدفيئات الزراعية، فليس هناك فرق بين دور المجتمع المدني ودور السلطة.

حازم أبو شنب (*)

اختلف مع من قال بأنه لا يوجد تنمية في فلسطين، فهذا أمر غير حقيقي، وعندي نموذجين على ذلك،

الأول، تجربة البنوك الفلسطينية التي استطاعت تحقيق طفرة جيدة في الفترة الأخيرة، كانت واضحة حتى انه في أثناء وقت الأزمة الشديدة خلال انتفاضة الأقصى تم تحقيق أرباح جيدة، ما يعني انه يوجد إمكانية لإنشاء اقتصاد فلسطيني لو تم تسليمه لإدارات سليمة ومتخصصة.

الثاني، وهو نجاح البعض من داخل السلطة ومن داخل أحزاب المعارضة في تحقيق ثراء فريد من نوعه من خلال المشاريع الخاصة، مما يعني أن إمكانية الاستثمار في فلسطين إمكانية عالية.

إذن فالمطلوب من المتحاورين عدم الابتعاد عن ارض الواقع بل صياغة فلسفة اقتصادية تعتمد على الذات الفلسطينية، وهنا يجب أن لا ننسى واقعنا السياسي، بأننا لم نتحرر بعد في ضفة الوطن الأولى وهي غزة، فالواقع المرير فرض نفسه في ذات الوقت الذي خرجت فيه الجماهير تهلل لنصر غير حقيقي.

وحول  إمكانية الاعتماد على أدائنا الإقتصادي، لابد من مراجعة خططنا حول إنشاء مجموعة من المشروعات الصغيرة أو المتوسطة بإمكانيات فلسطينية بحتة، بسبب فشل المخطط في جعلها متصلة مع بعضها، مما يدفع إلى بلورة خطة جديدة وهي العمل بطريقة الخلايا غير المتصلة، وهو واقع لابد من دراسته جيداً.

وأتساءل هل هناك إمكانية لقيام فلسفة اقتصادية فلسطينية تعتمد الاستثمار في الخارج على اعتبار أن البيئة الفلسطينية الداخلية غير مناسبة، فهل يمكن للسلطة أو لأطراف مرتبطة بالسلطة، الاستثمار بمشروعات موجودة بالخارج؟

 ويتعلق كل ما سبق بالسؤال المطروح ما هي مقومات الاقتصاد الفلسطيني الفعلية في وقت الأزمة، هل نتحرك باتجاه الفصل الاقتصادي بيننا وبين الإسرائيليين، أم باتجاه ترسيخ الارتباط الاقتصادي فيما بيننا؟

الــــــردود

أ. غازي الصوراني

فيما يتعلق ببروتوكول باريس فهو حافل بالقيود الإسرائيلية على الطرف الفلسطيني التي تؤدي إلى تعقيدات كثيرة لا يمكن احتمالها، فأحد الاقتصاديين الكبار في إسرائيل (عزرا زيدان) وهو من مستشاري نتنياهو واستاذ في جامعة بار إيلان، قال بأننا مع استقلال الدولة الفلسطينية السياسي، لكن ليس مع استقلالها الإقتصادي، وأنا أوجه هذا الكلام إلى كل من يدافع عن بروتوكول باريس، وهذا يقودنا إلى المطالبة بإلغاء اتفاق باريس.

بالنسبة للدولة، قُلت بأن الدولة الموجودة هي فعلاً المشهد الغزي الممسوخ في دويلة إسمها غزة، وأي اعتراف بهذه الدولة بيننا وبين إسرائيل سيقترب من الخيانة، لأن الإعتراف بدولة غزة معناه ضياع كل قرارات الشرعية الدولية بدءاً من القرار 181 وصولاً إلى القرار 338 والقرار 194 وغيره، فأي اعتراف بدولة غزة معناه ضياع الضفة الغربية، أو مستقبل غامض للضفة الغربية، وهذا ما نتفاداه كلنا كوطنيين في السلطة والمعارضة.

د. محمد السمهوري

سأتكلم عن اتفاق باريس فهناك سوء فهم لابد من توضيحه، إذ أحيانا تبدو بعض المقترحات ممكنة في المستوى النظري، ولكنها من الناحية الواقعية غير ممكنة. وبالنسبة لإتفاق باريس، كانت هناك حاجة لترتيب العلاقات الإقتصادية-الفلسطينية الإسرائيلية أثناء المفاوضات في الأعوام 1993-1994، فإسرائيل قبل ذلك الوقت كانت هي من يدير ويقرر ويحدد كل شيء، وبالتالي كان لابد من ترتيب هذه العلاقات الإقتصادية مع الطرف الإسرائيلي. وكان اتفاق باريس هو الإطار لترتيب هذه العلاقات، حيث لم يكن ممكنا ترك الأمور في يد إسرائيل وحدها، وهناك 4 قضايا رئيسية يعالجها بروتوكول باريس وهي قضية العمال والعمالة الفلسطينية، العلاقات التجارية، الترتيبات المالية والترتيبات النقدية، فكان لابد من ترتيب هذه العلاقات في صيغة شاملة، وكان الإتحاد الجمركي هو الخيار الذي لا يوجد له بديل آخر.

عادة لو حللنا العلاقات الإقتصادية بين الدول فهي لا تخرج عادة عن ثلاث خيارات، إما أن يكون هناك اتفاق تجارة حرة، أو أن يكون هناك اتحاد جمركي، أو أن يكون هناك سوق مشتركة. ويعتبر الخيار الأول والثاني أي التجارة الحرة والإتحاد الجمركي، هما النموذجان الشائعان المطبقان حالياً بين الدول.

من ناحية أخرى يعني اتفاق التجارة الحرة، الاعتراف بالحدود السياسية بين الدولتين الداخلتين في هذا الاتفاق، وإسرائيل لم تكن موافقة على الحدود السياسية في عام 1994، ومازالت غير مستعدة لذلك إلا إذا كان الثمن التخلص من قطاع غزة، وبعدها يمكن أن تعترف بحدود دولية بينها وبين القطاع، وهذا موضوع خطير ويؤثر على مستقبل الضفة الغربية.

أيضاً خيار السوق المشتركة على النمط الأوروبي لم يكن ممكنا، لأن السوق المشتركة لا تعني فقط تجارة حرة للبضائع، وإنما تعني حرية الحركة لكل عناصر الإنتاج بما فيها العمالة ورأس المال بين الدولتين الداخلتين في الاتفاق، وإسرائيل رفضت هذا الخيار، فكان لابد من وجود اتحاد جمركي.

السؤال الذي طرح نفسه، كان مدى مناسبة الاتفاق للطرف الإسرائيلي؟ لأنه كان الطرف الأقوى في الاتفاقيات المبرمة معنا.

باختصار وفي بنود لم يكن ممكنا للفلسطينيين التفاوض عليها، كان من الضروري ترتيب العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل، و الوصول إلى اتفاق،  والإتحاد الجمركي كان هو الخيار. ولكن هل كان الطرف الفلسطيني في تلك المفاوضات ماهراً أو قادراً على أن يحسن شروط التفاوض؟ لم يعد ذلك مهماً وقد أصبح ذلك تاريخاً. وقد أعطى الاتفاق آلية لمراجعة هذه الترتيبات كل ستة شهور إلا انه لم يتم الإجتماع أو المراجعة في أي مرة ولو مرة واحدة.

قبل الحكم على اتفاق باريس يجب التفكير هل من مصلحتنا إبقاءه، إلغاءه أو تعديله؟ وهذه أسئلة مهمة، لقد دار نقاش حول ذلك خلال ورشة عمل نظمتها مؤسسة الميزان في رام الله، وكانت هناك اجتهادات من المتداخلين حول مشكلتين في اتفاق باريس، المشكلة الأساسية الأولى هي وجود خلل في الاتفاق نفسه، والمشكلة الثانية جاءت من خلال بعض التطبيقات التي كشفت بعض الأخطاء، وفي كلتا الحالتين نحن بحاجة لمراجعة، خاصة وأن هناك رغبة فلسطينية في الاستمرار في تطبيق اتفاق باريس ليس لأنه هو البديل الأفضل، ولكنه الخيار الأقل سوءاً الموجود الآن.

المعضلة الأساسية هي مشكلة سيطرتنا على البحر وعلى الأجواء وعلى الميناء، وإلا كيف نريد إنشاء منطقة تجارة حرة ونحن لا نملك حرية الحركة، وهنا يكمن التناقض. فكيف نستطيع إلغاء اتفاق باريس وفي نفس الوقت تتحكم إسرائيل في أجوائنا البرية والبحرية؟ في المستقبل إذا ألغت إسرائيل اتفاق باريس فيجب علينا أولا:

1-    تعديل الأخطاء الموجودة في اتفاق باريس.

2-    تعديل الأخطاء التي اكتشفتها تجربة التطبيق، فمثلا في القوائم السلعية تم ترسيخ مفهوم علاقة فلسطينية أوروبية مصرية، وبالتالي يعطينا ذلك الحرية لنستورد منهم بتعرفة جمركية معينة، خاصة وان القائمة الثانية تنص على أنها تدرك انه يوجد احتياجات للأفراد والمستهلكين. أما المجموعة الثالثة، وهي عبارة عن سلعة رأس مالية استثمارية فقد تركت لنا الحرية لوضع التعريف الذي نريده. أي في الحالات الثلاث هذه نحن بحاجة لمراجعة هذه القوائم.

وفي موضوع العمال والعمالة، لا يوجد في اتفاق باريس بند يلزم إسرائيل بتشغيل عدد معين من العمال الفلسطينيين، وهذا يعطي لإسرائيل كامل الحرية للتحكم في هذا الموضوع الهام.  كذلك يكمن الخلل في موضوع الاستيراد غير المباشر، بمعنى أن التعرفة الجمركية تطبق فقط على السلع التي تصل ويختم عليها أنها مخصصة لأراضي السلطة الفلسطينية، أما السلع التي تمر عبر المستورد الإسرائيلي فلا تخضع لأي تعرفة جمركية. كذلك لا يوجد بند في اتفاق باريس ينص على عائدات للسلطة من ريع استعمال العملة الإسرائيلية، والتي إذا تم الحصول عليها ستزيد من ايردات السلطة، حيث بلغت تقديرات البنك الدولي لهذا الريع بحدود 170-180 مليون دولار سنوياً.

إذن الخلل ليس في الاتفاق نفسه، إنما في الطريقة التي يتم تطبيق الاتفاق بها، فاتفاق الإتحاد الجمركي يعني حرية تبادل البضائع بين إسرائيل والضفة، وهذا لم يحدث بسبب القيود المفروضة على معابر كارني وايرز وترقوميا، وكل المرافق الحدودية بيننا وبين الضفة الغربية وبيننا وبين إسرائيل. وهناك  أيضاً خمس سلع الزراعية كان من المفروض رفع القيود عنها في عام 1998 أي بعد 5 سنوات من الاتفاق ولم يتم ذلك، لقد كنت حاضراً في اللقاءات الأخيرة مع الطرف الإسرائيلي وبالذات حول موضوع المعابر وحول اتفاق باريس، والمطار، والممر الآمن، والعلاقات الداخلية، وقد كان الطرف الفلسطيني مستعداً لهذه اللقاءات بالخبراء وبالأوراق اللازمة، في الوقت الذي أرسل الطرف الإسرائيلي جنرالات لا يفهمون إلا في موضوع الأمن. هناك خلل في العقلية الإسرائيلية التي لم تستطع حتى الآن إدراك أنه يوجد ثمن سياسي آجلاً أم عاجلاً للتسلط الإقتصادي، أو للطريقة التي يدار بها الاقتصاد الإسرائيلي وعلاقته بالاقتصاد الفلسطيني.

م . علي أبو شهلا

بتحليل الوضع الإقتصادي الذي نعيشه أو الإنهيار الإقتصادي الذي وصلت له الأراضي الفلسطينية، الذي يمكن تسميته بكارثة اقتصادية، اعتقد أن الاقتصاد الفلسطيني استطاع الصمود رغم حدوث هذه الكارثة التي لا يشابهها في التاريخ الإقتصادي إلا حالتين أو ثلاث حالات:

الحالة الأولى: وهي الاقتصاد الأمريكي بين الأعوام 1929-1933 الذي انخفض بما قيمته 25-30%، وفي الأرجنتين بين الأعوام 1998-2000 حيث انخفض الاقتصاد في حدود 28%، أما اقتصادنا فقد انخفض بما يعادل 40%. واعتقد أننا وصلنا لمرحلة نستطيع على الأقل المحافظة على ثبات هذه النسبة وعدم السماح بتدهور آخر، على الرغم من تواجد حواجز في الضفة الغربية تعادل 695 حاجزاً، في جميع القرى والمدن الفلسطينية.

 وقد توقع برنامج الغذاء العالمي من خلال إحصائية له سنة 2004 بأن نسبة 40% من الفلسطينيين لا يستطيعون تأمين الغذاء لعائلاتهم، واليوم وصلنا إلى مرحلة تثبت أننا أصبحنا شعب من الفقراء، بسبب عدم وجود خطة اقتصادية شاملة، فكيف نتكلم عن خطة اقتصادية، في حين لا توجد خطة سياسية فلسطينية، وهنا أتساءل، ماذا فعل أعضاء المجلس التشريعي لفترة تزيد عن 9 سنوات في هذا المجال؟

 وأريد الرد على موضوع أنه لاتوجد مجموعة سياسية تستطيع التأثير؟ وهذا برأيي خطأ، ففي كل الإستفتاءات التي تمت خلال الفترة الماضية في الصحف المحلية، تبين أن هناك ما لا يقل عن 52-57% من مرشحي الشعب هم من المستقلين، والمستقلون حتى في حالة عدم اتحادهم، فهم حزب بحد ذاته. خاصة وان الرهان على الفصائل والأحزاب السياسية المعارضة قد أصبح عبثياً بعد اندماجها في ركب السلطة وتراجع معارضتها مع الوقت، بل صمتها عن بعض مظاهر الفساد.

 على سبيل المثال: هناك قضية شركة الشرق الأوسط للأنابيب، حيث كانت الشركة تنوي إنشاء مصنع للأنابيب الخرسانية تحت إشراف صندوق الاستثمار الفلسطيني، وقد تم استيراد المعدات، لكنها بقيت في ميناء اسدود لفترة طويلة وبعد ما فسدت المعدات، قامت إدارة الميناء ببيعها لتستوفي الرسوم الجمركية، وقد قدرت الخسائر بـ 5 مليون دولار.

كما خسر الشعب الفلسطيني، والقطاع الخاص بالذات خلال فترة انتفاضة الأقصى نحو 17 مليار دولار ولم يتم تعويض المواطن الفلسطيني أو القطاع الخاص الفلسطيني، لذا هناك دعوة عاجلة لتغيير أساليب عمل النظام السياسي الموجود، بطريقة تضمن التكافل الاجتماعي لكل السكان.

الموضوع الأخير العاجل سأطرحه في هذه الجلسة وهو ضرورة وضع مشاريعنا التي تحتاج إلى تخصص في أيدي أشخاص مختصين. فهناك مخطط هيكلي شامل لقطاع غزة ويشمل مناطق المستوطنات المخلاة، يحتاج إلى خبراء على مستوى عالٍ لدراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية والإجتماعية والتنموية في غزة، حتى تتلاءم مع وضع المخطط الهيكلي. لذلك فأمورنا تحتاج إلى دراسة أكثر وبشكل أدق، وفي نفس الوقت يجب ترك المجال للمهتمين في هذه المواضيع للمساهمة وإبداء رأيهم.


(*)  باحث اقتصادي وسياسي فلسطيني.

(*) دكتور في الاقتصاد، المنسق العام للطواقم الفنية المكلفة بالإشراف على ملف الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة.

(*) رجل أعمال وباحث فلسطيني .

(*)  مدير الإغاثة الزراعية .

(*)  مدير عام في وزارة التخطيط  .

(*)  دكتوراه في الاقتصاد / محاضر في جامعة الأزهر .

(*)  رجل أعمال فلسطيني / عضو مجلس إدارة بنك فلسطين .

(*)  مدير الدراسات في وزارة الاتصالات .

(*)  عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .

(*)  مدير مؤسسة بادر .

(*) عضو في المبادرة الوطنية.

(*)  باحث في شؤون التنمية .

(*)  رجل أعمال فلسطيني .

(*)  شؤون تنمية المرأة .

(*)  محاضر في جامعة الأزهر .


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
04/02/2006 10:28 ص