رياح النيل الباردة تهب على العلاقات المصرية-الإسرائيلية

جريوسالم بوست 13/4/2001

بقلم: ليورا إيرن فروخت

 

لم يكن عيد الفصح اليهودي مناسبة للاحتفال بالعلاقات مع مصر، بيد أن هذه العلاقات تميزت هذا العام بجفاء لم يسبق له مثيل في الأعوام السابقة. فالسفارة المصرية في تل أبيب لازالت بدون سفير منذ مغادرة محمد بسيوني عائداً إلى بلاده في شهر نوفمبر الماضي، فضلاً عن أن الرئيس المصري حسني مبارك لم يتحدث ولو بكلمة واحدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون. وسائل الإعلام المصرية تنعت إسرائيل واليهود بأبشع الصفات، وفي هذا الصدد يقول سفير إسرائيل لدى مصر زفي مازال "هذه الحملة هي أسوأ ما اعتدنا عليه، فالأجواء هنا ليست لطيفة، ويوميا تنشر الصحف عشرات المقالات التي تصور اليهود جميعاً وليس الإسرائيليين فحسب باللصوص والكذابين والغشاشين، فضلاً عن صور الكاريكاتير الشيطانية التي تعيد الاذهان إلى ما كانت تنشره في الثلاثينات صحيفة ديرسترومر النازية المناهضة للسامية. وليس أدل على ذلك ما نشرته صحيفة الأخبار أوسع الصحف المصرية انتشاراً وارتباطاً بالحكومة عندما قال الكاتب في المقال الافتتاحي للصحيفة "لابد أن نتذكر أن اليهود هم شعب الجبن والخيانة والشكوك، لذلك فهم لن يصمدوا طويلاً في أي صدام مسلح". توقعت إسرائيل بعد إندلاع الإنتفاضة أن تلعب مصر دوراً في بالتخلي رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بالتخلي عن العنف، وبخاصة بعد استضافة مصر لقمة شرم الشيخ التي اتفق خلالها الجانبان على اتخاذ خطوات تهدف إلى وقف القتال. ولكن وزير الخارجية المصري عمرو موسى الذي تسلم مؤخراً رئاسة الجامعة العربية برر العنف الفلسطيني. وذكرت مصادر دبلوماسية في القدس أن مستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليسا رايس، حملت على مصر لعدم بذلها جهوداً في سبيل كبح جماح الفلسطينيين. ورغم كل ذلك التوتر وتزايد حدة التصريحات المفعمة بالكراهية، هناك بوادر تبعث على الأمل كما يقول مازال، حيث استقبل الأسبوع الماضي في القاهرة وفد زراعي إسرائيلي استقبالاً حاراً من قبل وزير الزراعة المصري، كما دشن هذا الأسبوع أيضاً مشروع مصري-إسرائيلي مشترك لانشاء مصفاة للنفط، وتم حفل التدشين دون أي صخب اعلامي، المهم تم الاحتفال والعلاقات الدبلوماسية لازالت كما هي. ورغم أن شارون لم يتحدث إلى الرئيس المصري، إلا أن بيرس لم ينقطع، كما ظل المبعوثون على أعلى المستويات يلتقون باستمرار. يقول مازال "لم تقطع العلاقات ولم يقل أي أحد أنها قطعت". لقد رفضت إسرائيل مؤخراً صيغة أردنية -مصرية تهدف للشروع في مفاوضات، مصرة في الوقت نفسه على وجوب ايقاف العنف أولاً، بيد أن أحد موظفي وزارة الخارجية نوه إلى أن "الصيغة  رغم أنها غير مقبولة على إسرائيل تظهر الرغبة من جانب مصر للمبادرة إلى جلب الطرفين للحوار وهذا أمر إيجابي. نحن لسنا في أزمة وعلينا التحرك ولا يوجد هناك من هو معني بإنتهاج طريق آخر".

ترى كيف يختلف حال العلاقات المصرية-الإسرائيلية هذا العام عن الاعوام السابقة؟ يبدو أن شارون أقل تشوقاً ممن سبقه لكسب ود مصر، علماً بأن أول زيارة قام بها ايهود باراك بعد توليه مهام منصبه كرئيس للوزراء كانت لمصر، وكذلك نتنياهو الذي زارها بعد وقت قصير من توليه مهام منصبه، ويلاحظ المراقبون أن شارون لا يسير على خطاهم. لم يتصل مبارك بشارون بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات الأخيرة ليهنئه بالفوز، كما أن شارون لا يركض وراء مبارك الذي لم يزر إسرائيل الا مرة واحدة للمشاركة في تشييع جنازة رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين، وبينما شارك انصار السلام من اليهود والامريكيين جنباً إلى جنب مع الأمريكيين العرب. في حفل تكريم مبارك في واشنطن لوحظ مقاطعة الحكومة الإسرائيلية له. وفي هذا السياق يقارن السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر افرايم دوبك الذي شغل هذا المنصب أثناء ولاية شامير، وبالتحديد ما بين الاعوام 1990-1992، هذه الفترة التي تمر بها العلاقات المصرية-الإسرائيلية بالفترة التي سادت في عهد رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين فيقول: "لقد انقطعت الإتصالات على أعلى المستويات، ولم يحدث أن التقى مبارك بشامير حتى ولو لمرة واحدة، لأن مبارك يعتبر أي قمة من هذا القبيل جائزة يمكن أن تحصل عليها إسرائيل في حالة ما قدمت تنازلات كافية. لذلك لم يكن شامير يرغب في دفع الثمن، وتوجه شارون حالياً هو نفس ذلك التوجه، وهذه الفترة تشبه إلى حد بعيد فترة ولاية شامير".

يقول البروفيسور افرايم عنبار مدير معهد "بيغن-السادات" للدراسات الإستراتيجية التابع لجامعة بار ايلان: "حاول نتنياهو وباراك منح مصر مكانة مرموقة في المنطقة وفي العملية السلمية. أعتقد أن هذه الجهود كان مبالغاً فيها وبالتالي يجب المحافظة على كرامتنا. إذا لم يريدوا التحدث معنا فليس عندنا مشكلة".

يحاول مبارك نزع فتيل التوتر عندما يخاطب الجامعة العربية قائلاً: إن مصر لا تريد أن تخوض حرباً ضد إسرائيل. لقد زادت شعبية عمرو موسى بعد تصريحاته المناهضة لإسرائيل والمؤيدة للعنف الفلسطيني. أما على الجانب الإسرائيلي يلاحظ أن شارون يرد بكل فتور على إزدراءات مبارك، في وقت يحاول فيه بيرس خطب ود القاهرة. آخر مرة سحبت فيها مصر سفيرها من إسرائيل كانت ابان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وقد ظل هذا المنصب شاغراً طيلة خمس سنوات. وفي عام 1986 تمت ترقية محمد بسيوني من مبعوث في السفارة المصرية بتل أبيب إلى درجة سفير. يقول دوبك: "لم يوافق المصريون على تعيين سفيراً لهم إلا بعد موافقة إسرائيل على تقديم تنازلات بشأن قضية طابا (أرض كان متنازع عليها بين مصر وإسرائيل تقع إلى الجنوب من ايلات وقد اعيدت إلى مصر). يعرف المصريون جيدا أننا نلهث وراء التطبيع لدرجة أنهم يستغلون ذلك لنزع تنازلات منا وبالتالي فمن غير المحتمل أن ترى إسرائيل سفيرا مصريا في المستقبل القريب". يعتقد دوبك أن الإنتفاضة تخدم المصالح المصرية طالما لم تتطور إلى حرب اقليمية. ويضيف "مصر لا يعنيها أن كان هناك عنفاً ضاغط على إسرائيل. ومع أن هناك دبلوماسيين إسرائيليين من أمثال "مازال" يتحدثون عن الدور الهام الذي لابد أن تلعبه مصر في العملية السلمية، فقد تكون هذه ليست المرة الأولى التي تعرب إسرائيل فيها عن خيبة أملها حيال فشل مصر في لعب دور بناء في العملية السلمية". ينوه عنبار إلى أن مصر "لعبت عام 1997 دوراً سلبياً عندما ساعدت في تصلب الموقف الفلسطيني قبيل اتفاق "الخليل" بينما لعب الأردن دور الوسيط. يشير دوبك أيضاً إلى أن مصر اثبطت من عزيمة الفلسطينيين أثناء محادثات كامب ديفيد ومنعتهم من التهاون بشأن قضية القدس. يقول عنبار: "أعتقد أن مصر حصلت على نصيبها في العملية. كانت معاهدة السلام مع إسرائيل سابقة هامة وانفراج وقد ظلت تلعب منذ سنين دوراً سلبياً ولا أعتقد أنها تملك شيئاً آخراً كي تساهم به في العملية". ويقول دوبك أن أولئك الذين خاب أملهم في مصر ليسوا على حق. لقد خاب أمل الناس الذين توقعوا أن مصر وإسرائيل بإبرامهما معاهدة السلام كانتا تسعيان إلى تنسيق المواقف وترويجها عند العرب. و"مصر ملتزمة بالسلام لكنها لا تنظر إليه بالشكل الذي تنظر به إسرائيل". لازالت العبارات المثيرة للمشاعر تسيطر على وسائل الإعلام المصرية، وقد اعتاد الدبلوماسيون الإسرائيليون على أخذ جرعة السم عند قراءة الصحف المصرية. يقول مازال أنه توجه مراراً وتكراراً للمسؤولين المصريين شاكياً من كثرة تهجم وسائل الإعلام المصرية على اسرائيل ويضيف "في أفضل الاحوال تتوقف هذه الحملات قليلاً ثم تستأنف. في شهر فبراير الماضي قطع دخول الدبلوماسيين الإسرائيليين لكثير من المواقع الإسرائيلية على شبكة الانترنت كخطوة تهدف إلى اشعار الإسرائيليين بانهم ضيوف غير مرحب بهم في مصر.

يقول دوبك "المشكلة هي أن مصر لا تريد شرقاً أوسطاً جديداً وأرض الملعب التي يرتاح عليها المصريون هي أرض الشرق الأوسط القديم، وهكذا فهم يبذلون قصارى جهودهم كي لا تنعم إسرائيل بثمار السلام حيث وضعوا آليات إفشال التطبيع" ويؤكد أنه حتى ولو وقعت إسرائيل على اتفاق سلام مع الفلسطينيين والسوريين فإن مصر لن ترحب بالدولة العبرية ويضيف "سبب ذلك لا يعود لفتور العلاقات مع الفلسطينيين ولكن بسبب المصالح المصرية. فمصر تخشى أن تنحيها إسرائيل جانباً في المنطقة وتخشى أيضاً من الهيمنة الإسرائيلية على قطاعات مثل الزراعة والاقتصاد و الثقافة، وبث إسرائيل الأفكار الديمقراطية وانتزاع الدور القيادي منها. لذلك جهزت مصر جميع آليات إفشال التطبيع مع إسرائيل وحتى لو ساد سلام شامل فهذا لن يغير شيء. ويؤكد دوبك أن مصر ملتزمة بالسلام على الاقل حسب أهواءها هي. ويضيف يتحدث الناس عن سلام فاتر. السلام ليس له درجة حرارة يقاس بها. مما لا شك فيه هناك سلام الآن  بالنسبة لمصر وإسرائيل إذا ما أخذ بعين الاعتبار تمسك مصر بالبنود العسكرية الواردة في معاهدة السلام، واستمرار وجود سيناء كمنطقة منزوعة السلاح، ومرور إسرائيل عبر قناة السويس، والحوار والعلاقات المستمرة، واستمرار الرحلات الجوية والحافلات السياحية من إسرائيل إلى مصر". ويرى دوبك أن السلام مع مصر في هذه المرحلة قوي ومتين فيقول "تعرض هذا السلام للاختبار مرات كثيرة في الإنتفاضة الأولى وفي حرب لبنان وفي الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي بحيث لم تؤد أي من هذه الحوادث إلى توجه مصر نحو الحرب.

وفي الإنتفاضة الثانية نهضت مصر في قمة جامعة الدول العربية وتعهدت بعدم خوض أي حرب ضد إسرائيل والسبب هو أن مصر تدرك تمام الادراك أن باستطاعتها الحصول من إسرائيل على طاولة المفاوضات أكثر مما تحصل عليه في ساحة المعركة. إذا لجأت مصر إلى طريق الحرب فحينئذ ستخسر المساعدات الأمريكية وسيتوقف ضخ النفط وستغلق قناة السويس، وحتى حرب الخليج لم ترسل مصر سوى سرية من الجند لم يخوضوا في حياتهم أي نوع من القتال.

ومقابل إضفاء الشرعية على التدخل الأمريكي حصلت مصر على 21 مليار دولار. قال لي أحد الصحفيين المصريين ذات مرة أن على مصر إقامة تمثالاً ذهبيا لصدام حسين في القاهرة تخليداً لغبائه الذي لولاه ما حصلت مصر على هذه الثروة الهائلة". يعتقد عنبار الذي ينتقد الدور المصري في عملية السلام، أنه لا توجد للقاهرة مصلحة في خوض حرب ضد إسرائيل طالما بقيت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. مصر تتوق لأن تظل على صدر قائمة الدول المفضلة لدى الولايات المتحدة. تُرى ما هو مستقبل العلاقات المصرية-الاسرائيلية؟ يأمل "مازال" في عودة السفير المصري حالاً، حيث يقول: "الاجواء الحالية لا تناسب الحوار، وعلى مصر أن تخفض من وتيرة العداء والتحريض والهجوم على إسرائيل في وسائل الإعلام". أما دوبك فيتنبأ بحال العلاقات المصرية-الإسرائيلية قائلاً: "لقد بدأت فاترة وستبقى فاترة". إذن ما هو الخيار المتاح أمام إسرائيل؟ يزداد في الكونغرس الأمريكي عدد الأعضاء الذين يطالبون بوقف المساعدات الأمريكية لمصر أو على الاقل تقليصها وحيث تلقت العلاقات بين مصر وإسرائيل مؤخراً ضربة قاسية عندما قيل أن شارون طلب من الرئيس الأمريكي قطع المساعدات عن مصر وهذا ما نفاه رئيس الوزراء.

يؤيد عنبار استخدام ورقة الضغط هذه قائلاً: "يجب أن تدرك مصر أنها تدفع ثمن عدم ودها لإسرائيل ويجب تذكير المصريين أن لإسرائيل نفوذها في الكابتول هيل". أما دوبك فيرفض اتباع مثل هذا الأسلوب قائلاً: "إن المساعدات العسكرية لمصر حالياً هي في مصلحة الولايات المتحدة وعلينا أن لا نحاول المس بها كما أن الولايات المتحدة لا تنوي استخدام هذه العصا لتهديد مصر بسبب قضية هامشية كعدم الضغط بما فيه الكفاية على عرفات أو سحب سفيرها، ولكن الأمر قد يختلف إذا قررت مصر التوجه نحو الحرب".

ذكر مؤخراً أن إسرائيل ربما تنظر هي الأخرى في مسألة سحب سفيرها من القاهرة لكن عنبار يرفض ذلك قائلاً: "علينا أن لا نكون المبادرين إلى ذلك". يقول دوبك: "مثل هذا الأمر يؤدي إلى خسران فوائد السلام التي نتمتع بها الآن. ليس هناك مجال لأن نلعب هذه اللعبة لأننا قد نخسرها". يقول مازال: "لم يدرس أحد اتخاذ مثل هذه الخطوة ولا ينبغي أن نبدأ نحن بتحطيم العلاقات، وبالتالي فمن الافضل الإبقاء عليها كما هي". وبالنسبة للدبلوماسيين الإسرائيليين في القاهرة فهذا يعني الحياة والعمل في ظل شعور متنامي بالحصار ولكن لن يكون هناك حركة نزوح من مصر.

 

ترجمة: زهير عكاشة

 


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م