محاولات إعادة احتلال مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية

معين الطناني

أولاً: إعادة احتلال بيت حانون

مهدت قوات الإحتلال الإسرائيلي لعملية احتلال مناطق خاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية في بيت حانون شمالي قطاع غزة، منذ الساعة السادسة واربعين دقيقة من مساء الاثنين 16/4/2001، بقصف مركز بواسطة مروحيات هجومية وقذائف مدفعية وصاروخية. وفي الساعة الثانية عشرة من منتصف الليلة ذاتها، اجتاحت القوات المعززة بالطائرات المروحية والدبابات والجرافات المناطق الحدودية شمال شرق بيت حانون، بطول ثلاثة كيلو مترات وعرض كليو متر واحد، في عملية إعادة احتلال لمنطقة تابعة للسلطة الوطنية ومصنفة "أ" وفق اتفاق اوسلو. وشرعت على الفور بتنفيذ عمليات هدم وتجريف واسعة طالت مئات الدونمات، قدرت بنحو 243 دونما(1)، عدا عن إجبار سكان 12 منزلاً على إخلاء منازلهم. وسيطرت على المنطقة، ودمرت بالكامل نحو سبعة مواقع عسكرية فلسطينية تابعة للقوات الحدودية على خط التحديد الفاصل بين الأراضي الفلسطينية وخط الهدنة. كما قامت جرافات الإحتلال بحفر خندق عميق على عرض الشارع الرئيسي للمدينة من جهة الشمال، ودمرت البنية التحتية واعمدة الكهرباء والهاتف، بهدف منع وصول سيارات الإسعاف إلى المكان. وأسفر الهجوم إضافة إلى احتلال المنطقة إلى استشهاد الرقيب أول محمد رمضان المصري (22 عاماً) من القوات الحدودية، وإصابة خمسة آخرين بجروح مختلفة خلال اشتباكات وقعت عند عملية الاجتياح الإسرائيلي للمناطق الحدودية. وأوضح العقيد محمد رجب قائد الكتيبة الثالثة للقوات الحدودية أن قوات الإحتلال أحكمت سيطرتها العسكرية على المنطقة المحتلة من خلال تمركزها في الاماكن المرتفعة وعلى مفترقات الطرق الزراعية، وقامت بتسيير الدوريات العسكرية، وأطلقت الاعيرة النارية والقذائف المدفعية باتجاه أهداف فلسطينية من أكثر من ثماني دبابات وثلاث جرافات وعشرات الجنود والسيارات العسكرية(2). ودفعت قوات الإحتلال صباح يوم الثلاثاء 17/4/2001، بتعزيزات عسكرية إضافية وقصفت طوال اليوم مواقع الأمن الوطني والكتيبة الثالثة ومناطق سكنية وأهداف مدنية، مما ألحق خسائر فادحة في المناطق المستهدفة.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تدخل فيها قوات الإحتلال الإسرائيلي مناطق خاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية. فقد إعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون، في مقابلة صحفية مع مراسل صحيفة معاريف الإسرائيلية بن كسفيت وايلي كمبر، وقبل يومين من هذه العملية بقوله: هل تعرفون كم مرة قمنا بمثل هذه الخطوة؟ في كل يوم تقريباً ندخل مناطق (أ)(3). إلا أن الوضع كان مختلفا بالنسبة لعملية اقتحام بيت حانون، التي سميت بـ"أيام لاهبة"، وبخاصة أن هذه العملية قد جاءت كعملية إعادة احتلال طويلة الامد، وجاءت في إطار تنفيذ تهديدات سابقة لرئيس الحكومة الإسرائيلية شارون، أعلن خلالها أن الجيش سيقوم باتخاذ  إجراءات قمعية ضد الفلسطينيين من أجل ما أسماه وقف العنف الفلسطيني. وزعمت قوات الإحتلال الإسرائيلي في بيان لها، أنها شنت الهجوم الشامل على مناطق خاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، رداً على هجمات بقذائف الهاون على مواقع داخل إسرائيل قرب قطاع غزة، وأنهم أغلقوا الطرق في القطاع ودخلوا مناطق فلسطينية، وأنهم سيحتلون أي منطقة حسب مقتضيات الأمن(4). وأكد ذلك الجنرال يائير نافيه قائد الجيش الإسرائيلي في غزة، بقوله للصحفيين عقب العملية الاحتلالية: "سنبقى في تلك المناطق ما دام الأمر يتطلب ذلك، أياماً…أسابيع..شهوراً، وأن هذه عملية دفاعية من حيث الأساس، هدفها إنشاء وضمان استقرار خط يمكِّن مواطنينا في "سديروت" وغيرها من التجمعات السكنية في المنطقة من النوم بسلام"(5).

أثار احتلال مناطق خاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، ردود فعل غاضبة من قبل الجماهير والقيادة الفلسطينية. وحمَّل الرئيس ياسر عرفات، القنصل الأمريكي العام في القدس رونالد شليكر في 17/4/2001، رسالة عاجلة للرئيس الأمريكي جورج بوش شرح له فيها التصعيد الخطير الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية وقواتها ضد الشعب الفلسطيني، داعياً إياه للتدخل الفوري والضغط على إسرائيل لسحب قواتها. ووصف سيادته الهجوم، "بأنه جريمة لا تغتفر وانتهاك فاضح للاتفاقات. وأعرب عن أسفه لعدم اتخاذ مجلس الأمن الدولي أي خطوة إزاء "هذا العدوان الاجرامي على شعبنا ومدننا ومؤسساتنا"(6)

وفي ذروة الإتصالات الدبلوماسية المكثفة، التي ادارها الرئيس ياسر عرفات، مع عدد من الدول، ونتيجة للنوايا الإسرائيلية المبيتة في البقاء في المناطق المحتلة مجدداً في بيت حانون، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحذيراً شديد اللهجة لاسرائيل، التي حاولت عبثاً عن طريق سفيرها في واشنطن منع صدوره. إلا أن الإدارة الأمريكية أدركت خطورة ما فعلته إسرائيل، فأصدرت عن طريق وزير خارجيتها كولن باول مساء يوم الثلاثاء 17/4/2001، بياناً مكتوباً، تلاه المتحدث باسمه ريتشارد باوتشر، دعا فيه الإسرائيليين إلى "التقيد بالتزامهم بالانسحاب من غزة وفقاً لبنود الاتفاق الذي وقعه الطرفان". واصفاً العملية الإسرائيلية بأنها "مبالغ فيها وغير متناسبة". وأن "الولايات المتحدة تشعر بعميق القلق لاحداث الأربعة أيام الأخيرة في الشرق الأوسط"، وقال: "لا يمكن أن يكون حل عسكري لهذا النزاع"، مضيفاً "إن الولايات المتحدة تبقى على استعداد لمساعدة الأطراف في اتخاذ إجراءات لخفض حدة العنف والبحث عن سبل لإقرار الثقة ومساعدتها في تسوية خلافاتها من خلال المفاوضات"(7). وفور صدور البيان الأمريكي، سحبت إسرائيل قواتها عند منتصف ليل اليوم نفسه. وقال راديو إسرائيل، "أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بقرار الإنسحاب قبل أن تدعو واشنطن علناً القوات الإسرائيلية لمغادرة المناطق التي احتلتها"(8).

أشغل هذا الإنسحاب المفاجئ المسؤولين الإسرائيليين في تفسير انسحابهم "المتعجل" من المواقع التي احتلوها في قطاع غزة، والادعاء بأنه لم يتم بناء على ضغط أمريكي، وأن قرار الإنسحاب أُتخذ منذ صباح الثلاثاء 17/4/20001، لكن كل وسائل الإعلام تؤكد أن الضغط الأمريكي هو الذي دفع إلى الانسحاب، ودليل ذلك ما ذكره قائد قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة يائير نافيه ظهر نفس اليوم (الثلاثاء)، "أن قواته ستبقى في المواقع المحتلة أسابيع وربما عدة أشهر"(9). وقال مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي، إذا كان قرار رئيس الحكومة ووزير الدفاع بالانسحاب يعلم به رئيس هيئة الاركان شاؤول موفاز كما يدَّعون، فلماذا لم يبلغ نافيه به، ولا سيما وأنه قضى ساعات طويلة معه يوم الثلاثاء؟ وإذا لم يكن يعرف، فلماذا استنكر اقوال نافيه بصورة علنية، علماً بأن وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر أجرى بعد ظهر يوم الثلاثاء 17/4/2001، قبل زيارته لمواقع سقوط قذائف الهاون في سديروت، تقييماً للأوضاع مع قيادة فيلق غزة، وشارك في هذه المداولات التي أُجريت في مكاتب التنسيق والارتباط في حاجز بيت حانون "ايرز" كل من رئيس هيئة الاركان ورئيس أركان القيادة الجنوبية وقائد فيلق غزة ورئيس قسم المنطقة الجنوبية في المخابرات العامة (الشاباك) وضباط في المنطقة. وتحدث المشاركون بالمداولات عن عملية الجيش في بيت حانون واحتلالها، وكان من الواضح لجميع الضباط الميدانيين استمرار العملية، وهذا ما بدا من اقوال وزير الدفاع الإسرائيلي للضباط: "يجب إنهاء هذه العملية بسرعة. لكنه أضاف: عليكم مواصلة العمل وسنحاول صد الضغوط السياسية". وبناء عليه توجه قائد فيلق غزة إلى المؤتمر الصحافي الذي اعده له الناطق بلسان الجيش على تلة مجاورة، ورد فيه نافيه على أسئلة الصحفيين، اعتماداً على الأقوال التي سمعها من وزير الدفاع في ذلك الاجتماع، وانتهى المؤتمر الصحافي وعاد نافيه إلى عمله. وبعد ثلاث ساعات تلقى نافيه بلاغاً يؤكد إنسحاب الجيش من بيت حانون والخروج من مناطق "أ" والعودة لإسرائيل وإنهاء العملية، وحاول استيضاح مغزى التعليمات المذعورة وأيقن أن مصدرها الضغوط الأمريكية.

ويؤكد البيان الذي أدلى به الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في الساعة الخامسة والنصف من يوم الثلاثاء 17/4/2001، والذي جاء فيه بأن الإنسحاب الذي كان مقرراً أن يتم يوم الجمعة 20/11/2001، قد أُجل لساعات الليل لتمكين الجيش من تدمير مواقع وقلع أشجار، عدم صدق الادعاء الإسرائيلي بأن قرار الإنسحاب مساءً 17/4 كان قراراً إسرائيلياً.

وقد أثارت العملية العسكرية الإسرائيلية في بيت حانون خلافاً بين الحكومة والجيش الإسرائيلي، الأمر الذي دعا رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية دان مريدور إلى اتخاذ قرار يوم الاربعاء 18/4/2001، بتكليف لجنة فرعية للشؤون الاستخبارية برئاسته للتحقيق في ملابسات الخلاف بين الحكومة والجيش. وذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" الصادرة في 19/4/2001، أن المجلس الوزاري المصغر، الذي انعقد في 18/4/2001 عقب الانتهاء من عملية الانسحاب لم ينخرط في تبادل الاتهامات حول العملية العسكرية في غزة، لانهم لم يشاركوا بالفعل في عملية اتخاذ القرارات، بل شرع قسم منهم في شن حملة منفصلة ضد شارون، بدعوى أنه لم يشارك المجلس الوزاري الأمني في عملية صنع القرار، وأنهم اصبحوا آخر مَنْ يعلم بقرارات الحكومة، وأن معظم وزراء المجلس الوزاري المصغر سمعوا عن العملية العسكرية في قطاع غزة وعن الإنسحاب الإسرائيلي من وسائل الإعلام. وأكد الوزراء استياءهم من ممارسات شارون وبيرس، التي تهدف إلى حرمانهم من انتقاد العملية وكيفية اتخاذ القرارات. وهذا ما عبر عنه وزير المواصلات الإسرائيلي عندما قال: "أشعر ببالغ الأسف، ولا يمكن إدارة الأمور بهذا الشكل، لقد أُرتكبت أفعال لا يجوز ارتكابها، وأخطر ما في الأمر أن المجلس الوزاري المصغر لم ينعقد للمصادقة على عملية استثنائية بهذا الشكل، هذا دليل على عدم التعاون"(10)

لم تبخل الصحف الإسرائيلية في الهجوم على الحكومة للمأزق الذي زجت فيه نفسها والاهانة التي تلقتها من الإدارة الأمريكية. فكتب بن كسبيت في صحيفة معاريف الصادرة في 19/4/2001، سيسجل يوم الثلاثاء، كتاريخ إرتكاب ارئيل شارون خطأه الأول. لقد تلقت إسرائيل درساً حياً في قصر مدى الخيار العسكري، كما تلقت صفعات أمريكية ووضعت نفسها مثار سخرية. وكتب شمعون سيفر المحلل السياسي في صحيفة "يدعوت أحرونوت"، بأنه قد اتضح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بعد عدة أسابيع من تسلمه السلطة، أنه لا يوجد لديه "ضوء أخضر" من البيت الابيض يمكنه من عمل ما يحلو له مع عرفات، لقد بدد شارون ورقة اقتحام مناطق "أ" دون تحقيق أي إنجاز(11). وقال السفير الإسرائيلي في باريس ايلي برنافي، في مقابلة اذاعية في 18/4/2001، أن إسرائيل تجاوزت "خطاً أحمر" عندما توغلت مساء الاثنين في أراضي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. واعتبر المحلل مارك هيلر في مركز جافي للدراسات الإستراتيجية دخول إسرائيل منطقة بيت حانون والاعتراض الأمريكي على ذلك، يعني نهاية شهر العسل بين البلدين(12). وكتب يوئيل ماركوس في صحيفة "هآرتس" الصادرة في 20/4/2001، متسائلاً حول جدوى عملية بيت حانون منذ البداية فقال: إن دخول منطقة "أ" لانشاء منطقة أمنية يستشم منه رائحة لبنان(13). وجاء في هآرتس، أن استيلاء إسرائيل  على أجزاء من منطقة "أ" هو في نظر كثير من الدول خطوة عدائية خطيرة وانتهاكاً لما تبقى من اتفاقيات أوسلو(14)

 ثانياً: خطة واسعة لإعادة الإحتلال

منذ وصول ارئيل شارون واليمين الإسرائيلي للحكم في شباط 2001، وحلم القضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى اتفاقية أوسلو يراودهم. فبعد فشله في تكريس إعادة احتلال مناطق فلسطينية محررة في عملية بيت حانون، وجد شارون في عملية التفجير التي حدثت في 1/6/2001 في ملهى ليلي بتل أبيب، والتي قام بها شخص يحمل الجنسية الأردنية، وينتمي لحركة حماس، فرصة لمحاولة تحقيق هدفه هذا.

استغلت إسرائيل الحدث، وشرعت في إطلاق التهديدات واتخاذ الإجراءات ضد الشعب الفلسطيني رداً على هذه العملية، فخول المجلس الوزاري الإسرائيلي الأمني، الذي يضم 12 وزيراً "الطاقم المصغر" صلاحية اتخاذ القرارات حول توقيت تنفيذ سلسلة الإجراءات العملية ضد الفلسطينيين، دون أن تكون هناك حاجة إلى التئام مجلس الوزراء المصغر من جديد. وقرر المجلس إمهال الرئيس عرفات مدة 24 ساعة ليثبت بشكل عملي رغبته في التهدئة، وأعطى الضوء الأخضر لقوات الأمن الإسرائيلية "الشاباك" بالعمل ضد أهداف فلسطينية تقع داخل المنطقة "أ"، كما صادق "المجلس المصغر" على القرار بوقف عمل جميع العمال الفلسطينيين في إسرائيل، واغلاق جميع المعابر الدولية بما في ذلك جسر اللنبي ومعبر رفح حتى اشعار آخر(15).

قبل هذه العملية بأيام، وتحديداً في يوم الثلاثاء 22/5/2001، أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد مع الفلسطينيين. وربما يكون هذا الإعلان بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، وبخاصة أنه كان يلوح في الافق، أن هناك عملية واسعة النطاق معدة للجيش الإسرائيلي ستحدث في مناطق السلطة الوطنية بعد توفر أية ذريعة، وهو الأمر الذي اكده "ألوف بن" المراسل السياسي لصحيفة هآرتس في مقال له بتاريخ 6/6/2001، "رئيس الحكومة حذر منذ دخوله لمنصبه بتاريخ 7/3/2001، بأنه إذا لم يعمل عرفات على إحباط العنف كما تعهد في كل الاتفاقيات، فإن إسرائيل ستقوم بالمهمة بدلاً عنه". وأن "من بين أهداف إسرائيل في تلك العملية الواسعة النطاق التي علقت بسبب عملية "الدولفيناريوم" إحباط العنف بنفسها، واجتياح بري لمناطق "أ"، وانتزاع المطلوبين وقادة التنظيمات المعادية في مكاتبهم وبيوتهم، وتدمير مكاتب السلطة الفلسطينية، وجمع السلاح غير القانوني بالقوة. وقال: "وحسب احدى الروايات، أنه جرى الحديث أيضاً عن إعادة إنشاء الحكم العسكري لفترة معينة على الاقل. بكلمات أخرى، توجيه ضربة شديدة وقد تكون القاضية للسلطة الفلسطينية وأجهزتها"(16).

خلق تسارع الأحداث نحو التأزم بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال الساعات الاربع والعشرين التالية، حركة دبلوماسية دولية محمومة، بدت وكأنها في سباق مع الوقت للحيلولة دون تدهور الوضع إلى هاوية سحيقة، بعد التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون ضد السلطة الوطنية الفلسطينية. ولعل ما يلفت النظر أنه لم يحدث تحرك أمريكي فوري هذه المرة لتطويق الاستعدادات الإسرائيلية لاقتحام مناطق السلطة الوطنية، غير أن الصدفة لعبت دوراً هاماً في وجود وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر، الذي صادفت زيارته للمنطقة مع وقوع العملية، والذي بادر باللقاءات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لاحتواء الموقف ومنعه من التدهور، وعقب لقاء الرئيس عرفات، وفيشر في رام الله في 2/6/2001، صدر عن الرئيس عرفات بيان بحضور الوزير الالماني، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة تيري لارسن، دعا فيه إلى "بذل أقصى جهد ممكن لوقف حمام الدم النازف من شعبنا والشعب الإسرائيلي، وعمل اللازم لوقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط وبشكل حقيقي وفعَّال، عبر جهد مشترك، لنتمكن من العودة إلى طاولة المفاوضات وتطبيق توصيات لجنة ميتشل والمبادرة الأردنية المصرية"، وأضاف الرئيس "وفجر اليوم أعلنا بياناً رسمياً باسم القيادة الفلسطينية الساعة الثانية فجراً، ولكنني هنا باسمي شخصياً أؤكد هذا البيان، لقد أدنّا من خلال بيان رسمي عملية التفجير التي تمت في تل أبيب ليلة امس"(17).

أظهرت مساعي فيشر تعاظم الدور الأوروبي في منع المزيد من التدهور في المنطقة، مما دفع الحكومة الأمريكية للتدخل عبر الإتصالات الهاتفية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، حيث أبدى وزير الخارجية الأمريكية كولن باول في مكالمة هاتفية مع الرئيس عرفات، ارتياحه للاعلان الذي اعلنه، وأبلغه قرار الرئيس جورج بوش ايفاد جورج تينيت مدير المخابرات في المركزية الأمريكية للمنطقة قريباً، بهدف العمل مع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في المجال الأمني. كما هاتف أمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان، والرئيس المصري حسني مبارك، الرئيس ياسر عرفات وتم بحث الإمكانيات المتاحة لإعادة عملية السلام إلى مسارها الصحيح.

حاول الإسرائيليون التشكيك في جدية الإعلان الصادر عن الرئيس عرفات، ومن بينهم شمعون بيرس وزير خارجية اسرائيل، حيث قال: "إن العبارات المستخدمة في التصريح ليست واضحة بما فيه الكفاية، الاختبار الحقيقي والوحيد هو وقف الارهاب واعتقال الاشخاص المسؤولين عنه والمحرضين عليه ومرتكبيه ومَنْ يقفون وراءهم"(18). إلا أن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قال في حديث مع شبكة إن.بي.سي، إنه طلب من الرئيس عرفات تنفيذ ما أعلنه عن وقف فوري وغير مشروط للمواجهات. وأنه يعتقد أن عرفات يسيطر على الأحداث إلى حد كبير، حتى ولو لم يكن يسيطر على كل شخص وعلى كل منظمة. وعليه أن يستغل سلطته المعنوية ودوره القيادي للوصول إلى حلول سلمية(19).

وتواصلت الجهود الدولية المكثفة لليوم الثاني في محاولة لضمان تثبيت التهدئة بعد إعلان الرئيس ياسر عرفات، والعمل من أجل وقف إطلاق نار حقيقي وفعال. ففي يوم الاحد 3/6/2001، واصل وزير الخارجية الالماني فيشر لقاءاته المكوكية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لاحتواء الازمة الحالية بين الجانبين، ضمن الجهود الدولية لتخفيف التوترات بعد عملية تل أبيب الأخيرة.

ونتيجة للجهود الدولية المكثفة، والمتابعة الحثيثة لتثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وفي أعقاب التقدم على الأرض، قررت الولايات المتحدة الدخول إلى صورة الوضع، وذلك بإرسال رئيس الـ سي.آي.ايه، جورج تينيت إلى المنطقة، ومعه المبعوث الخاص للشرق الأوسط، والسفير وليامز بيرنز. وفي 5/6/2001 قال الرئيس الأمريكي "أننا نؤمن بأنه كان هناك تقدم في موضوع وقف النار إلى درجة تكفي لإرسال تينيت للبدء في مباحثات جديدة على المستوى الأمني، بشان الحفاظ على وقف النار. نأمل أن تشكل هذه الخطوة جزء من بناء الثقة في الشرق الأوسط(20).

وبدا وضحاً أن الإدارة الأمريكية "ممثلة بالرئيس بوش، وادارته الجديدة، قد اضطرت تحت ضغط الأحداث، إلى التخلي عن الدور السلبي الذي اتخذته إزاء الوضع في الأراضي الفلسطينية، وعن اعلانها المتكرر في الفترة الأخيرة عن عدم استعدادها للعب دور مشارك. حيث ما لبث جورج تينيت أن وصل المنطقة في 7/6/2001، وأجرى مباحثات مكثفة مع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، تمخضت مساء 12/6/2001، بعد مداولات فائقة الصعوبة عن اتفاق غير رسمي سمي بوثيقة تينيت، أو "تطبيق خطة عمل أمنية فلسطينية-إسرائيلية".

المراجع:

1-كشف تقريرات بلدية بيت حانون، 24/4/2001.

2-صحيفة الأيام، 18/4/2001.

3-صحيفة الأيام، 14/4/2001.

4-قناة الجزيرة-انترنت، 17/4/2001.

5-صحيفة الأيام، 18/4/2001.

6-قناة الجزيرة-انترنت، 18/4/2001.

7-صحيفة الأيام، 18/4/2001.

8-صحيفة الحياة الجديدة، 18/4/2001.

9-المتوسط للاعلام، 18/4/2001.

10-صحيفة الأيام، 20/4/2001.

11-صحيفة القدس، 20/4/2001.

12-صحيفة القدس، 19/4/2001.

13-صحيفة هآرتس، 20/4/2001.

14-صحيفة هآرتس، 18/4/2001.

15-صحيفة القدس، 3/6/2001.

16-صحيفة الحياة الجديدة، 7/6/2001.

17-صحيفة الأيام، 3/6/2001.

18-المصدر السابق.

19-صحيفة القدس، 4/6/2001.

20-المصدر السياسي، 6/6/2001.

 


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م