الاتحاد الأوروبي ومنتجات المستوطنات

ج.خ

الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل:

تم التوقيع على الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في نوفمبر/تشرين ثاني من العام 1995، على أن يبدأ سريان هذا الاتفاق في تموز/يوليو من العام 2000، وبموجب هذا الاتفاق تم إعفاء المنتجات الصناعية من الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات والواردات بين الطرفين، إلى جانب المزيد من التحرير لحركة المنتجات الزراعية بين كلا الطرفين. يشار إلى أن الاتفاق المذكور قد شكل بديلاً لاتفاق التجارة الحرة الموقع بين الجانبين في العام 1975. ويعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي لإسرائيل. فقد بلغ حجم التجارة بينهما نحو 24 مليار دولاراً أمريكياً سنوياً، ويتوزع هذا المبلغ بين 16 مليون دولار من أوروبا إلى إسرائيل و8 مليار دولار من إسرائيل إلى أوروبا(1)، لقد بلغ حجم التبادل التجاري لإسرائيل مع العالم الخارجي في العام 2000 نحو 60 مليار دولار، مما يشير إلى مساهمة دول الاتحاد الاوربي بنحو 40% من مجمل تجارة إسرائيل الخارجية(2).

وتشكل الواردات الإسرائيلية من دول الاتحاد الأوروبي 45% من مجموع واردات إسرائيل الكلية التي بلغت في العام 2000 نحو 35 مليار دولاراً. وتشير معطيات المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء إلى ارتفاع قيمة الاستيراد من دول الاتحاد بنسبة 9% في العام 2000 مقابل ارتفاع بنسبة 2% في العام 1999(3)، كما تتلقى دول الاتحاد 33% من حجم صادرات إسرائيل الكلية التي بلغت في العام 2000 نحو 24.4 مليار دولار وفقاً لمركز الإحصاء الاسرائيلي، حيث ارتفعت قيمة صادرات إسرائيل إلى هذه الدول في نفس العام نحو 10% مقابل 4.5% في العام 1999 طبقا لنفس المصدر.

أما ما يتعلق بإنتاج وتصدير بضائع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (القدس الشرقية، الضفة والقطاع) والجولان، فلا توجد معطيات رسمية، غير أنه يمكن التعرف على أهمية وحجم منتجات المستوطنات من خلال بعض المؤشرات المتعلقة مباشرة بهذا الموضوع. فقد قامت كتلة السلام الإسرائيلية، غوش شالوم، في أكتوبر/ تشرين أول من العام 1997 بحملة مناهضة لهذه المنتجات، تحت شعار "قاطعوا منتجات المستوطنات"، وأوردت هذه الحملة أسماء 120 مصنعاً في المستوطنات المقامة في الأراضي الفلسطينية، كما أشارت إلى أن غالبية منتجات هذه المستوطنات هي منتجات زراعية (خضار، فواكه وزهور)، علماً بأن معظم الصادرات الإسرائيلية إلى دول الاتحاد هي صادرات زراعية، حيث بلغت في العام 1996 على سبيل المثال نحو 76% من مجمل صادراتها إلى دول العالم(4)، وقد أتاح الاتفاق التجاري الموقع بين الجانبين في العام 1995 لحركة المنتجات الزراعية بينهما مزيداً من المزايا التفضيلية، وفي إشارة إلى أهمية منتجات المستوطنات في الإقتصاد الإسرائيلي، حذرت مصادر إسرائيلية مؤخراً من أن إخراج مصانع المستوطنات من إطار الاتفاق التجاري سوف يشكل ضربة قاضية للعديد من هذه المصانع، وسيلحق أضراراً بالاقتصاد الإسرائيلي(5).

الموقف الأوروبي:

ينطلق موقف الاتحاد الأوروبي من مسألة تصدير بضائع المستوطنات إلى دول الاتحاد من كون المستوطنات في الأراضي المحتلة لا تشكل جزءاً من إسرائيل وفق القانون الدولي، وبالتالي "يعتبر دخول المنتجات من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أسواق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كصادرات نشأت في اسرائيل، وفق الاتفاق التجاري المعقود بينهما، خرقاً من قبل الطرف الثاني، حيث أنها لا تنطبق على هذه المبادئ"(*).

وفي العام 2000، تقدمت دول الاتحاد الأوروبي من خلال سلطات الجمارك ذات العلاقة، بقائمة شملت ما يقرب من 2500 سؤال استيضاحي لإسرائيل بشأن عمليات تصدير المنتجات من المستوطنات إلى دول الاتحاد وشهادات المنشأ المتعلقة بها، وقدمت إسرائيل نحو 700 توضيح لهذه الأسئلة خلال الاجتماع الذي عقد في مايو/ايار من العام 2001، على أن يتم الرد على البقية في إجتماع لجنة الجمارك المشتركة المقرر عقده في يونيو/ حزيران من هذا العام(6). كما طالب الاتحاد الأوروبي بفرض جمارك على منتجات المستوطنات في المناطق المحتلة بما فيها القدس الشرقية وهضبة الجولان، مما يؤدي في حال تطبيقه إلى افقاد هذه المنتجات المزايا التفضيلية التي تتمتع بها الصادرات الإسرائيلية إلى دول الاتحاد طبقاً لاتفاق التجارة الموقع بين الطرفين.

وكانت قد برزت في منتصف التسعينات مشكلتان في علاقة إسرائيل التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث اتهم الاتحاد إسرائيل في العام 1997 بتزوير شهادات المنشأ لعصير برتقال استوردته إسرائيل من البرازيل وأعادت تصديره إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال الاعوام 1991-1995 على أنه منتج إسرائيلي، إضافة إلى التهديد الأوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات في الضفة وقطاع غزة، وكذلك القدس الشرقية ومرتفعات الجولان باعتبارها مناطق محتلة لا يسري عليها اتفاق التجارة بين الطرفين.

ومتابعة لهذه الإشكالات قدِم وفد خاص من الاتحاد الأوروبي في ايلول سبتمبر من العام 1998 إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية لتقييم وتحديد الإجراءات التجارية والجمركية بين إسرائيل والضفة والقطاع ودول الاتحاد الاوروبي، وخلص الوفد في تقريره إلى أن أنظمة المنشأ لا يتم احترامها من قبل إسرائيل، وأن إسرائيل تصدر البضائع التي لا يتم انتاجها داخل حدودها إلى الدول الأعضاء في الاتحاد(7).

الموقف الإسرائيلي:

ترفض إسرائيل بشكل عام الإعتراف بانتهاكها لأحكام شهادات المنشأ والاتفاق التجاري الموقع مع الاتحاد الأوروبي، وترى أن الموقف الأوروبي بهذا الشأن ينبع من مواقف سياسية لدول الاتحاد من العملية السياسية في منطقة الشرق الأوسط. إضافة لذلك، وكما ورد في تبرير رسمي إسرائيلي لموقفها المتعلق بأحكام المنشأ في مارس/آذار من العام 2000، فإن "اتفاقية الانتساب الإسرائيلية الأوروبية لم تحدد موقع حدود إسرائيل، وأن إسرائيل تحدد حدودها حسب القانون الدولي، وتصدر شهادات المنشأ وفقاً لذلك، ولا توجد حالياً الحدود المعترف بها دولياً بين إسرائيل والمناطق"(8).

ويذهب الإسرائيليون في تفسيرهم لمواقفهم في هذا الشان إلى أبعد من ذلك برفضهم الإعتراف باتفاق التجارة الحرة الموقع بين الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية، ويرون أن هناك اتفاقاً جمركياً واحداً، هو الاتفاق الإسرائيلي الأوروبي، الذي يشمل أيضاً المناطق الفلسطينية(9). وفي مجال ردودهم في الآونة الأخيرة على المواقف الأوروبية بخصوص صادرات المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، قال نائب مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية، ايهود غول، أن قضية شهادات المنشأ هي مسألة فنية وليست سياسية، وطالب ببحث هذا الموضوع في اجتماع لمسئولي الجمارك بين الجانبين(10).

وكانت إسرائيل قد اقترحت في أوائل العام 2000، على خلفية إثارة مسألة منتجات المستوطنات ووصول هذه المنتجات إلى الأسواق الأوروبية، تشكيل لجنة ثلاثية أوروبية- فلسطينية- إسرائيلية غير برلمانية للتوصل الى اعتراف فلسطيني وأوروبي بشرعية بضائع المستوطنات كبضائع إسرائيلية مقابل إعتراف إسرائيلي بالاتفاق التجاري الموقع بين السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي. ورفضت السلطة الفلسطينية هذا الاقتراح عبر رسالة للمفوضية الأوروبية في آذار/مارس من العام 2000، وأكد الجانب الفلسطيني أنه لن يشارك في أي مداولات بخصوص القضايا المتعلقة ببضائع المستوطنات، وأن السلطة الفلسطينية لن تضفي الشرعية على الصادرات من منتجات المستوطنات إلى الاتحاد الاوروبي، واكدت في رسالة أخرى في مايو/ايار من نفس العام على ثقتها بأن المفوضية الأوروبية "لا تستطيع أن تكون مناقضة في مواقفها لمبادئ القانون الدولي"(11).

وفي تحذير مباشر لدول الاتحاد الأوروبي هدد رسميون إسرائيليون بأن حجم صادرات هذه الدول إلى إسرائيل يماثل تقريباً حجم صادراتها إلى مجمل الدول العربية، وبالتالي فإن اتخاذ إجراءات تضر بصادرات إسرائيل إليها سوف يؤدي إلى تحول المستورد الإسرائيلي لدول أخرى لتلبية إحتياجات السوق المحلي، وبشكل خاص استيراد السيارات من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية(12).

وفي كل مرة أثيرت فيها قضية صادرات المستوطنات إلى دول الاتحاد الأوروبي على أنها إخلال بالاتفاق الموقع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، كان المسؤولون في دول الاتحاد يسارعون للتأكيد على أن هناك تبايناً في التفسير لبنود الاتفاق التجاري بين الطرفين فيما يتعلق بمنتجات المستوطنات في الأراضي المحتلة، الا أن البحث في فرض عقوبات اقتصادية على اسرائيل، من وجهة نظر الاتحاد، هو أمر غير وارد. وقد اتضح هذا الموقف في العام 1999 خلال مداولة في البرلمان الأوروبي حين أكد ممثل المفوضية الأوروبية أن المفوضية غير معنية باتخاذ التدابير المطلوبة تنفيذياً لأسباب سياسية(13)، فقد تجلى هذا الموقف مؤخراً على لسان أكثر من وزير من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، حيث أكد وزير خارجية هولندا أن مناقشة مسألة فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل هو أمر غير مطروح على بساط البحث، وإنه من غير الحكمة مناقشة ذلك في هذه المرحلة. كما أكد سفير فرنسا لدى إسرائيل أن بلاده وبقية دول الاتحاد لن تثير هذه القضية على الاطلاق(14).

وإذا كانت دول الاتحاد الأوروبي ترفض فكرة طرح مسألة فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل على خلفية خرق إسرائيل للاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وإن كانت الخروقات في مثل هذا الحال تستدعي التجميد الجزئي أو التام للاتفاقات التي يتوجب على المفوضية الأوروبية الحرص على تطبيقها السليم والملائم، فإن المراقبين يعتبرون إثارة هذه القضية بين حين وآخر تعبيراً عن موقف الاتحاد الأوروبي من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، وكذلك مرتفعات الجولان السورية، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي هذه المستوطنات غير شرعية وفقاً للقانون الدولي.

أما على المستوى التجاري بين الجانبين، فإن الأمور تبدو أكثر انسجاماً وتوافقاً لكليهما، حيث تصنف إسرائيل من قبل بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "كهدف سوقي"، كما فعلت ذلك بريطانيا حين أضافت إسرائيل إلى قائمة تضم 13 دولة تحت هذا العنوان، الأمر الذي يشكل دليلاً صارخاً على أهمية وخطورة المصالح التجارية لدول الاتحاد مع إسرائيل(15).

 

المراجع:

1-J. Post May 11,2001 .

2- J. Post January 15,2001.

3- هآرتس، 21/1/2001.

4-الاتحاد الأوروبي وإسرائيل- علاقات اقتصادية، ديسمبر، تقارير المركز، جميل الخالدي

5-القدس، 22/5/2001.

6-نشرة أخبار RMC مساءً بالتوقيت المحلي، 21/5/2001.

7-هآرتس، 24/9/2000.

8-هآرتس، 24/9/2000.

9-Haarets Eng. July 1.1998 .

10-القدس، 22/5/2001.

11-هآرتس، 24/9/2000.

12- J. Post Friday. May 11.2001.

13-هآرتس، 24/9/2000.

14- J. Post Friday. May 11.2001.

15- Haarets . May. 5.2001.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م