قراءة في تقرير لجنة شرم الشيخ

"تقرير ميتشل"

ج.ب

بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية اثر زيارة شارون للمسجد الأقصى في 28/9/2000، وفي محاولة من أطراف متعددة لاحتواء الوضع المتدهور في الأراضي الفلسطينية، تم عقد مؤتمر لهذا الغرض في منتجع شرم الشيخ المصري تحت عنوان "مؤتمر الشرق الأوسط للسلام" وذلك في منتصف أكتوبر 2000، حضره الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان والممثل الأعلى لسياسة الأمن والتعاون في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا والرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك(1).

وبعد مداولات دامت يومين خيم عليها جو من التشاؤم، حيث طالب الوفد الفلسطيني بتشكيل لجنة تحقيق دولية برعاية الأمم المتحدة، وهو ما رفضه الوفد الاسرائيلي، خرج الرئيس كلينتون في نهاية المؤتمر بكلمة اعتبرت بياناً ختامياً أعلن فيها، بالاضافة إلى بعض الأمور الاجرائية التي تهدف إلى وقف اعمال العنف، عن تشكيل لجنة تقصي حقائق، على ما يبدو كحل وسط، حيث قال: "ان الولايات المتحدة سوف تطور مع الاسرائيليين والفلسطينيين، وبالتشاور مع أمين عام الأمم المتحدة، لجنة لتقصي الحقائق حول أحداث الأسابيع الماضية وكيفية منع تكرارها، وان تقرير اللجنة سيكون ملكاً لرئيس الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة والفرقاء قبل نشره، وسيتم تقديم تقرير نهائي للنشر تحت رعاية رئيس الولايات المتحدة"(2).

وبعد اطلاع الفرقاء، قامت الولايات المتحدة بتشكيل اللجنة المذكورة وتكونت من جورج ميتشيل رئيساً، وهو عضو سابق ورئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، سليمان ديمريل الرئيس السابق للجمهورية التركية، تربيان ياغلاند وزير خارجية النرويج، خافيير سولانا الممثل الأعلى لسياسة الأمن والتعاون في الاتحاد الأوروبي، وارن رودمان عضو سابق في مجلس الشيوخ الأمريكي(3).

وفي السابع من نوفمبر 2000، طلب الرئيس كلينتون رسمياً من أعضاء اللجنة أن يباشروا عملهم فيما أصبح يعرف بـ "لجنة شرم الشيخ لتقصي الحقائق". وفي رسالة موجهة من الرئيس كلينتون لأعضاء اللجنة في يوم 6/12/2000 حدد فيها أهداف تشكيل اللجنة ومهماتها قال كلينتون: ان هدف اللقاء (المقصود لقاء شرم الشيخ) والاتفاقية الناتجة عنه هو "انهاء العنف ومنع تكراره، وايجاد طريق للعودة إلى مسيرة السلام في اجراءاتها وطريقة عملها". وبأن اللجنة لا يجوز أن تكون محكمة هدفها تحديد جرم أو براءة أفراد أو فرقاء، عوضاً عن ذلك، عليها أن تكون لجنة تقصي حقائق هدفها تحديد ما حدث وكيفية منع تكراره في المستقبل(4).

استناداً إلى ما سبق، باشرت اللجنة أعمالها حيث قامت بعدة زيارات للمنطقة والتقت العديد من الحكومات والمؤسسات والأفراد في مهمة استمرت نحو ستة أشهر انتهت باعداد تقرير سلم إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش والفرقاء في المنطقة لتقديم ما لديهم من ملاحظات حتى يوم 15/5/2001، وذلك قبل اصدار الصيغة النهائية للتقرير. وبعد أسبوع من تلقي اللجنة ملاحظات الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، أعلن رئيس اللجنة جورج ميتشيل رسمياً في 21/5/2001 عن نشر التقرير الذي تم التوصل اليه من قبل اللجنة(5). وبمقارنة النسخة الأولية التي سلمت للأطراف لتقديم ملاحظتهم عليها والنسخة النهائية التي تم نشرها رسمياً، يلاحظ وجود اضافة في البند المتعلق بالاستيطان والتي جاء فيها "وبالاضافة إلى الميزات الواضحة التي يتسم بها تجميد الاستيطان من أجل بناء الثقة، فاننا نشير هنا إلى أن الكثير من المواجهات خلال هذا الصراع، قد اندلعت في نقاط يلتقي فيها الفلسطينيون والمستوطنون، حيث تقوم قوات الأمن بحماية المستوطنين. ان الحفاظ على كل من السلام ونقاط الاحتكاك تلك سيكون أمراً صعباً"(6).

احتوى التقرير بصيغته النهائية قائمة طويلة من البنود والتفاصيل ضمن هيكلية معينة، الا أنها تندرج في اطار ثلاثة بنود رئيسة تتعلق بوقف العنف وبناء الثقة واستئناف المفاوضات. ويمكن استعراض أهم ما جاء في التقرير تحت هذه البنود الثلاثة:

المقدمة: أهم ما جاء في المقدمة هو القول بأن بعض الاسرائيليين لا يستوعبون الاذلال والاحباط الذي يتحمله الفلسطينيون بشكل يومي نتيجة اضطرارهم للعيش مع نتائج الاحتلال المدعوم بتواجد قوات عسكرية إسرائيلية ومستوطنات مغروسة في وسطهم، ولا يفهمون اصرار الفلسطينيين على الحصول على الاستقلال وتقرير مصير حقيقي، وأن بعض الفلسطينيين لا يتفهمون مدى الخوف الذي يخلقه الارهاب بين الشعب الإسرائيلي واصرار الحكومة الإسرائيلية على عمل كل ما هو ضروري لحماية شعبها.

النقاش: أشارت اللجنة إلى أن التقرير يجب أن يجيب على ثلاثة أسئلة رئيسة:

ماذا حدث؟ لماذا حدث ما حدث؟ كيف يمكن منع حدوث العنف؟ وبينت اللجنة أن مقياس الحكم على قدرتها على الاجابة على هذه الأسئلة سيكون من خلال توصياتها في ثلاث أمور أساسية هي: انهاء العنف –اعادة بناء الثقة- استئناف المفاوضات.

- ماذا حدث: أهم ما أورده التقرير في هذه الفقرة هو أن اللجنة لم تقتنع بأن زيارة شارون كانت أكثر من عمل سياسي داخلي، مع اقرارها بأن توقيتها لم يكن موفقاً، كما لم تقتنع اللجنة بأن السلطة الوطنية الفلسطينية خططت للانتفاضة.

- لماذا حدث ما حدث: استعرضت اللجنة هنا اجواء عدم الثقة من خلال عدم الوفاء بالالتزامات السابقة ووصول المفاوضات المتعلقة بالقضايا النهائية إلى طريق مسدود، ومحاولات الطرف الإسرائيلي استباق نتائج هذه المفاوضات بفرض وقائع جديدة على الأرض من خلال توسيع النشاط الاستيطاني. ثم استعرض التقرير القضايا الرئيسة الثلاث:

1- وقف العنف: دعا التقرير الجانبين إلى اتخاذ خطوات فورية لوقف العنف والتأكيد على الالتزامات المتبادلة والبدء في المفاوضات، وهذا يتطلب الاستئناف الفوري للتعاون الأمني بين الطرفين. غير أن اللجنة أكدت على أنه "لا يمكن دعم التعاون الأمني بدون مفاوضات ذات مغزى ووقف الاجراءات التي ترى أنها تؤثر على نتيجة المفاوضات.

2- اعادة بناء الثقة: أشارت اللجنة إلى ضرورة الوقف الفوري للارهاب والعنف والتحريض، وأكدت أن تجميد الاستيطان يمثل المسؤولية الإسرائيلية في عملية بناء الثقة، وضرورة خفض التوتر وعدم التعامل بالفعل ورد الفعل، اضافة إلى الأبعاد الناتجة عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية للعنف على اعادة بناء الثقة، ودعا التقرير إلى ضرورة الحفاظ على الأماكن المقدسة. كما أكدت اللجنة على أن توفير قوة دولية يجب أن ينال موافقة الطرفين. لقد انعكس ما جاء في بند بناء الثقة بصورة أكثر وضوحاً وتحديداً في توصيات التقرير، وهو ما سيتم الاشارة اليه لاحقاً.

3- استئناف المفاوضات: أكدت اللجنة أن هناك حاجة لعلاقة ثنائية جديدة بين الطرفين تتضمن التعاون الأمني والمفاوضات على حد سواء، وأن على الطرفين أن يستأنفا مفاوضات شاملة وذات معنى بروحية تعهداتهما في شرم الشيخ في عام 1999 و2000.

4- التوصيات: جاءت التوصيات خلاصة لما جاء في التقرير من ملابسات وما سجلته اللجنة من ملاحظات بحيث تركزت على القضايا  الرئيسة الثلاث: وقف العنف - اعادة بناء الثقة- استئناف المفاوضات. وتضمنت بنوداً يجب أن يقوم بها كل طرف على حدة وبنوداً يجب أن يقوم بها الطرفان معاً وذلك على النحو التالي:

أ- فلسطينياً:

-  شجب الارهاب ورفضه، وبذل كل الجهود لمنع العمليات الارهابية واعتقال وسجن الارهابيين الذين يعملون داخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.

- استئناف التعاون الأمني من أجل السماح للعمال الفلسطينيين دخول إسرائيل.

- عدم اطلاق النار من الأماكن المأهولة.

ب- اسرائيلياً:

-  تجميد جميع النشاطات الاستيطانية بما في ذلك "النمو الطبيعي" للمستوطنات القائمة.

-  الانسحاب إلى المواقع التي كان يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي قبل 28/9/2000.

-  عدم استخدام سلاح قاتل ضد المظاهرات الفلسطينية غير المسلحة.

- رفع الطوق وتحويل كافة عائدات الضرائب والسماح بعودة العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل.

-  الكف عن تدمير البيوت والطرق وغيرها من الممتلكات الفلسطينية.

-  منع أعمال العنف من قبل المستوطنين.

ج- الطرفان:

-  وقف العنف دون شروط.

-  استئناف التعاون الأمني.

-  العمل على خلق فترة تهدئة تتضمن اجراءات تساعد في بناء الثقة.

-  ادانة ووقف التحريض.

-  التزام الطرفين بعدم استخدام الأسلحة غير المشروعة.

-  المحافظة على الأماكن المقدسة.

-  دعم المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال مبادرات الترابط بين الشعبين.

-  الالتزام بالاتفاقات والتفاهمات السابقة.

 

ومن خلال قراءة ما جاء في التقرير من بنود وتوصيات يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

- لم يضع التقرير خطة واضحة وعملية يبين فيها كيفية المتابعة والاشراف على تنفيذ التوصيات التي قدمها، كما لم يحدد جدولاً زمنياً لهذا التنفيذ، ولم يشر التقرير لأي دور للأطراف التي شاركت في مؤتمر شرم الشيخ الذي انبثقت عنه اللجنة.

- ينظر الجانب الفلسطيني إلى التقرير ككل متكامل، أي يجب تنفيذه كرزمة واحدة، في حين ينظر الجانب الإسرائيلي إليه في اطار خطوات متتالية يعتمد تنفيذ كل خطوة منها على تنفيذ سابقتها.

- يبدوا واضحاً أن اللجنة تعتقد أن السبب الحقيقي لأعمال العنف هو اجواء عدم الثقة الناتجة عن عدم الوفاء بالالتزامات السابقة ووصول المفاوضات المتعلقة بالقضايا النهائية إلى طريق مسدود ومحاولات الطرف الإسرائيلي استباق نتائج المفاوضات. ومما يؤكد هذا الاعتقاد ما دعت اليه اللجنة في البند (وقف العنف) الذي جاء فيه "لوقف العنف الآن يجب التأكيد من جديد على الالتزامات المتبادلة والبدء في مفاوضات جادة". وحتى عندما تحدثت اللجنة عن موضوع التعاون الأمني، فإن اللجنة أقرت بأن التعاون الأمني لا يمكن دعمه بدون مفاوضات جادة ذات مغزى وتحت تهديد التوسع الاستيطاني الاسرائيلي.

- ان دعوة التقرير إلى العودة إلى المفاوضات انطلاقاً من اتفاقيات وتفاهمات شرم الشيخ لعامي 1999 و2000، يعني العودة إلى المفاوضات بشقيها الانتقالي والنهائي، أي تنفيذ الاستحقاقات الانتقالية الخاصة باعادة الانتشار والافراج عن معتقلين وتشكيل اللجان والمسائل الأمنية بشكل متزامن مع مفاوضات نهائية جادة تستند إلى الاتفاقات والتفاهمات السابقة.

- تعتبر قضية تجميد كافة النشاطات الاستيطانية من أهم القضايا التي تناولها التقرير، وبخاصة ما يتعلق بالتوقيت الذي يجب أن تعلن فيه إسرائيل تجميد النشاطات الاستيطانية، حيث أكد التقرير وفي أكثر من موضع حالة الارتباط والاقتران بين وقف العنف وتجميد النشاط الاستيطاني "ان اجراءات وقف العنف لن تصمد إذا لم يجمد النشاط الاستيطاني". كما أكد التقرير في بند اعادة بناء الثقة: "دعوة الأطراف للبدء فوراً في اتخاذ القرارات لاعادة بناء الثقة"، وعاد التقرير في موضع آخر وربط بين تكريس وقف العنف وتجميد النشاط الاستيطاني". من جهة أخرى لم يكتف التقرير بتوصيف المستوطنات بأنها استفزازية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أكد أن الحفاظ على كل من السلام ونقاط الاحتكاك التي أقيمت بالدرجة الأولى لحماية المستوطنات سيكون أمراً صعباً، وهي دعوة ضمنية إلى الحكومة الإسرائيلية لتفكيك بعض المستوطنات التي تمثل بؤر احتكاك تؤدي إلى تجدد اعمال العنف.

- ان احتواء التقرير على مواقف الأطراف الدولية من موضوع الاستيطان يهدف إلى التأكيد على أن توصيته بشأن الاستيطان نابعة من موقف دولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، الحليفة الأولى لاسرائيل. كما أن التقرير لم يغفل الاشارة إلى عدم شرعية التواجد الاستيطاني عندما أشار إلى الموقف الأوروبي من هذه المستوطنات بأنها تعتبر غير شرعية في ظل القانون الدولي ولا تتفق والاتفاقات السابقة. بناء على كل ما سبق كان الأجدر أن يضع التقرير تجميد الاستيطان على قمة الاجراءات التي يجب أن تنفذ فوراً تحت شعار يجب أن يزول السبب حتى تزول النتيجة.

- على الرغم من اسهاب التقرير في استعراض الآثار المدمرة للاجراءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وما تكبده من خسائر بشرية ومادية، فهو لم يشر إلى ضرورة تحمل إسرائيل المسؤولية القانونية والمادية عن هذه الخسائر.

- يبدو أن التقرير يفترض استمرار الانتفاضة لفترة طويلة، ويستشف ذلك من القائمة الطويلة من التعليمات التي يجب أن يتبعها الجيش الإسرائيلي في التعامل مع المتظاهرين، واقرار اللجنة بأنه ليس بوسعها أن تحث أياً من الطرفين التوقف عن تنظيم المظاهرات، ولكن يجب أن تحاول السلطة الفلسطينية البعد بالمظاهرات عن نقاط الاحتكاك.

- على الرغم من أن التقرير لم يقر بمبدأ ارسال قوات دولية تحت ذريعة أنها لن تكون فاعلة الا برضى الأطراف المعنية، وهي اشارة إلى عدم قبول إسرائيل بهذه القوة، فهو اشار إلى احتمال تواجد مراقبين دوليين، مستشهداً بنموذج الخليل. ويبدو أن تلك الاشارة هي محاولة لايجاد حل وسط بعد المطالبة الفلسطينية المتكررة بتوفير قوة حماية دولية والرفض الإسرائيلي لذلك.

في النهاية لابد من الاشارة إلى أن المدقق في النصوص الواردة في التقرير والتي صيغت تحت اشراف امريكي وتدخل اوروبي، سوف يلاحظ أنها تميزت بصياغات ضبابية وقابلة لتفسيرات متعددة بهدف اعطاء الدبلوماسية الأمريكية مساحة كي تفسر النصوص حسب مقتضيات الأوضاع السياسية والميدانية، وحسب الرؤيا الخاصة بالولايات المتحدة التي سوف تشرف اشرافاً شبه كامل على تنفيذ ما جاء في التقرير.

 

المراجع :


(1)  لم تتم دعوة ممثل عن روسيا الاتحادية رغم أنها أحد راعيي عملية السلام في الشرق الأوسط.

(2)  الأيام، 18/10/2000 .

(3) يشار إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية اقترحت أن يكون نلسون مانديلا الرئيس السابق لجنوب أفريقيا عضواً في اللجنة، ولكن يبدو أن هذا الطلب لم يلق القبول.

(4)  مقدمة تقرير لجنة ميتشيل.

(5)  جريدة القدس، 22/5/2001.

(6)  تبين ذلك بعد مقارنة النص المنشور في صحيفة الأيام بتاريخ 7/5/2001، والنص الرسمي المنشور في 21/5/2001


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م