الجمهور الإسرائيلي والسلام مع الفلسطينيين

 

عاطف المسلمي

عالجت استطلاعات الرأي الإسرائيلية الخاصة بقضية السلام مع الفلسطينيين، عدة نقاط خلال الأشهر الأربعة الماضية، في مقدمتها خطة خارطة الطريق، الهدنة والجدار الفاصل، سياسة الحكومة تجاه الرئيس عرفات، بالإضافة إلى حق العودة وسياسة التصفيات.

والشيء الملفت للنظر من خلال متابعة نتائج هذه الإستطاعات، أن أسلوب الحكومة في معالجة هذه النقاط حظي بتأييد كبير من الجمهور الإسرائيلي، وهو في مجمله يؤيد هذا الأسلوب دون تمحيص أو تدقيق، وذلك في ظل إزدياد وتيرة عدم الثقة بالجانب الفلسطيني التي استطاعت الحكومة الإسرائيلية تغذيتها على الدوام من خلال حملة اعلامية مسعورة على السلطة الفلسطينية ورئيسها، في ظل غياب معارضة إسرائيلية قوية تفضح أكاذيب وادعاءات هذه الحكومة، الأمر الذي ترك الجمهور الإسرائيلي فريسة سهلة للآلة الإعلامية الحكومية والصحافة اليمينية. وبقراءة اكثر تعمقاً لهذه النتائج نخرج بالنقاط التالية:

أولاً: خارطة الطريق والهدنة والجدار الفاصل

رغم وجود تراجع ملحوظ لحجم التأييد الأولي لخطة خارطة الطريق (56% في شهر يونيو، 64% في شهر ابريل)، فقد تبين من خلال استطلاع السلام لشهر يونيو 2003، أن أغلبية كبيرة تصل إلى 64% من الجمهور اليهودي في إسرائيل تؤيد التفاهمات الأقل حجماً في إطار الهدنة والأقل إلزاماً لإسرائيل على الرغم من تسجيل درجة كبيرة من عدم الثقة بنوايا الفلسطينيين. حيث أعرب 72% من المستطلعين اليهود عن عدم ثقتهم بأن الفلسطينيين سيوفون بتعهداتهم ويوقفون الإرهاب في فترة الهدنة. فيما اعتقدت أغلبية حاسمة (71%)، أن إسرائيل ستفي بالتزاماتها تجاه الهدنة.

غير أن التأييد لخارطة الطريق عاد وارتفع في شهر يوليو ليصل إلى 63%، مقابل معارضة 25%، وهذا ما يؤكد التذبذب الذي ينتاب مواقف الجمهور الإسرائيلي تجاه قضايا السلام مع الفلسطينيين، والذي راجع في الاساس إلى حالة عدم الإستقرار في ظل استمرار التوتر الأمني بين الطرفين.

وحول العلاقة بين استئناف الإتصالات مع الفلسطينيين والتقدم في قضية الهدنة من جهة، ومدى التأييد لإقامة الجدار الفاصل من جهة أخرى، أشار الإستطلاع، إلى انه في ظل احتمال استئناف الإتصالات مع الفلسطينيين واستمرار الهدنة، فقد طرأ انخفاض ملحوظ على حجم التأييد لبناء الجدار الفاصل، وذلك من 65% -60%، مقابل معارضة 34%، وذلك على الرغم من قناعة أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي بأن التباطؤ في بناء الجدار نابع في الأساس من اعتبارات سياسية لدى الحكومة. كما أن التأييد لبناء الجدار الفاصل لم يتأثر بالمعارضة الأمريكية له، حيث أيد 65% الإستمرار في بنائه رغم هذه المعارضة، مقابل تأييد 23% لإيقافه بسبب المعارضة الأمريكية. وقد ارتفعت نسبة التأييد لبناء الجدار الفاصل في شهر يوليو لتصل إلى 68%، وهذا لا يعني أن الجمهور الإسرائيلي لا يريد تدخلا امريكياً في حل الصراع، فقد أيد 82% مثل هذا التدخل مقابل معارضة 17%.

أما بالنسبة للتدخل الخارجي بشكل عام، فهناك انقسام في المواقف، 48% مع مثل هذا التدخل والباقي ضده، ولا يُسجل أي تغير ملموس في هذه النقطة عن السابق، لكن هناك تغيراً معيناً في جدوى هذا التدخل بالنسبة لإسرائيل والفلسطينيين، 39% يعتقدون أن التدخل سيكون مجدياً للفلسطينيين اكثر من الأسرائيليين (56% في السابق) و7% يعتقدون بأنه سيكون مجدياً لإسرائيل، 37% مجديا للجانبين و10% غير مجدي للطرفين.

ثانياً: المزاج العام

يبحث المزاج العام في إسرائيل عن أمل في الهدوء، والإسرائيليون غير معنيين برأي رئيس الأركان موشيه يعلون القائل أن إسرائيل انتصرت في المواجهة مع الفلسطينيين، بل أن 33% منهم يعتقدون أن الفلسطينيين هم الذين انتصروا، مقابل 24% يرون أن إسرائيل هي التي انتصرت كما أن (62%) غير مقتنعين في الوقت نفسه بأن الفلسطينيين سيبذلون جهداً كبيراً للحفاظ على وقف إطلاق النار(1).

وفي سبيل البحث عن أملٍ، اعتقدت نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي بلغت 38% أن هناك احتمالاً بأن يؤدي وقف إطلاق النار إلى وقف العنف بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك مقابل 52% لم يعتقدوا ذلك، وهذا ما يفسر التأييد العالي للهدنة الذي بلغ 58% مقابل معارضة 25%(2).

ويتوق الجمهور الإسرائيلي إلى استمرار الهدنة. حيث يؤيد 65% ممارسة الضغط على الفلسطينيين، ويعارض 65% إلغاء وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل. وأمِلَ 32% من الإسرائيليين بأن الطرفين سوف يحترمان وقف إطلاق النار مقابل 34% اعتقدوا أن الطرفين لن يحترما طويلاً وقف إطلاق النار(3).

ثالثاً: عملية القدس تدفع الجمهور  الإسرائيلي يميناً

ساهمت العملية التفجيرية التي وقعت في حافلة ركاب في القدس معظم ركابها من اليهود المتدينين في 19/8/2003، في تعكير المزاج المتفائل نسبياً لدى الجمهور الإسرائيلي، ودفع هذا الجمهور نحو اليمين، هذا ما أشارت إليه نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد داحاف لصالح يديعوت احرنوت نُشرت نتائجه في 22/8/2003، حيث أشار الإستطلاع إلى أن الأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي طالبوا بوقف المحادثات مع الفلسطينيين وطرد عرفات، كما أشار الإستطلاع إلى رفض 57% مواصلة إسرائيل تنفيذ ما تعهدت به في خارطة الطريق. بل ذهب 49% من المستطلعين إلى تأييد إلغاء وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين، مقابل 47% رفضوا الإلغاء. كما توقع 56% من جمهور المُستطلعين، إزدياداً ملحوظاً في حجم العمليات ضد الإسرائيليين في الأشهر القادمة.

وحول طرد الرئيس عرفات، أيد 53% من المُستطلعين عملية الطرد، وذلك مقابل معارضة 39%، على الرغم من أن 78% من المُستطلعين يعتقدون أن عرفات يقف خلف العمليات التفجيرية.

وحول طبيعة الرد الإسرائيلي، أيد 49% من المُستطلعين عمليات عسكرية واسعة تستهدف قادة حماس والجهاد الإسلامي، مقابل 31% أيدوا القيام بنشاطات نوعية ضد مرسلي الإنتحاريين.

رابعاً: حق العودة

هناك اجماع في أوساط الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) ضد العودة الفعلية ولو لجزء صغير جداً من اللاجئين الفلسطينيين إلى دولة إسرائيل. هذا ما أشارت إليه نتائج استطلاع السلام لشهر آب/أغسطس 2003، والتعليل الأساسي لهذا الموقف حسب الإستطلاع هو الخطر الديمغرافي، أي الخوف من فقدان الأغلبية والتعرض بعد ذلك للخطر الأمني.

واشارت نتائج الاستطلاع إلى أن 68% من الجمهور اليهودي غير مستعدين لقبول أي لاجئ، وان 16% تحدثوا عن آلافٍ قليلة، مع وجود قلة تبلغ عدة نسب مئوية (دون الـ10%) مستعدة لإستيعاب اعداد اكبر من اللاجئين.

معارضة العودة لدى الجمهور اليهودي قوية جداً لدرجة أن 66% منهم غير مستعدين للإعتراف بهذا الحق مبدئياً، حتى وإن كان هذا الإعتراف لا يعني عودة للاجئين فعلية، ولو كان هذا الإعتراف العقبة الوحيدة في طريق التوصل لإتفاق مع الفلسطينيين. وقد اعتبر 49% من اليهود أن التفسير الأساسي والحاسم لهذه المعارضة هو الخطر الديمغرافي. فيما اعتبر 31% منهم انه الخطر الأمني في الأساس، و10% قالوا أن السبب هو عدم وجود هذا الحق للفلسطينيين.

وحول الحل الأكثر عدالة لمسألة اللاجئين من وجهة نظر الأغلبية اليهودية، قال 63% إنه التوطين خارج دولة إسرائيل، مع إعطاء اللاجئين تعويضات مالية ملائمة. وأيد 19% الحل المتفق عليه بين الجانبين، والذي شمل عودة عدد قليل من اللاجئين إلى إسرائيل وتعويض مالي لمن لا يعود.

ورداً على سؤال من الذي يفترض فيه تعويض اللاجئين الفلسطينيين في حالة الرغبة في التعويض وعدم العودة، (عند الإجابة على هذا السؤال، اعطي المستطلعين حرية اختيار أكثر من جهة)، قال 67% إنها الدول العربية، و61% الأمم المتحدة أو الإتحاد الأوروبي، 43% الولايات المتحدة، و34% إسرائيل.

خامساً: أوسلو بعد عشر سنوات

أشار استطلاع "ديالوغ" الذي نُظم بطلب من صحيفة هآرتس، ونشر في 11/9/2002، بمناسبة مرور عشر سنوات على توقيع إتفاق أوسلو، إلى حدوث اعتدال نسبي في الطريقة التي ينظر بها الجمهور الإسرائيلي لهذا الإتفاق. فأوسلو في نظر الجمهور الإسرائيلي لم يعد جريمة، إذ أبدى ثلثا الجمهور تفهماً وتسامحاً وحتى موافقة عليه أو على الفكرة التي قام عليها، فقد رأى 35% من المُستطلعين انه شكل محاولة فاشلة لإنهاء الصراع. وقال 11% إنها خطوة خاطئة يمكن إصلاحها، واعتبر 20% أنها إنطلاقة تاريخها تم تفويتها.

فيما أطلق عليه 29% إسم "الإخفاق التاريخي الذي ما زلنا ندفع ثمنه حتى اليوم"، إلى جانب إعادة الإعتبار والتسامح مع أوسلو نجد تزايداً في الإرتياب بإمكانية التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، فقد أجاب 54% من المُستطلعين، انه لو تشكلت دولة فلسطينية عام 1999، لما كانت هناك علاقة سليمة بينها وبين إسرائيل اليوم. ورداً على سؤال، هل توجد فرصة لعقد تسوية سلمية مع الفلسطينيين؟ أجاب 25% فقط بأن هذا الإحتمال قائم خلال السنوات الخمس القادمة. فيما أجاب 48% بأنه لا يوجد احتمال لذلك في المستقبل المنظور، وقدر 24% أن الأمر ليس ممكناً خلال السنوات العشر القادمة.

سادساً: الجمهور الإسرائيلي مع سياسة التصفيات

أشار استطلاع مقياس السلام لشهر أيلول/سبتمبر، الذي نشرته هآرتس 9/10/2003، إلى أن أغلبية ساحقة من الجمهور اليهودي في إسرائيل تؤيد سياسة التصفيات المركزة التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية، وان أقلية فقط تعارض هذه السياسة. وهذه المعارضة ذات أسباب برغماتية بالأساس لإعتقادها أنها تتسبب في زيادة دافعية الفلسطينيين للإنتقام. فقد أعرب 75% (قبل حدوث عملية حيفا 19/8/2003) عند تأييدهم الشديد لسياسة التصفيات، في الوقت الذي عبر فيه 19% فقط عن معارضتهم لهذه السياسة. وذكر المعارضون سببين اثنين وراء موقفهم هذا هما: اعتقادهم أن الإغتيالات غير أخلاقية، لأنها قتل دون محاكمة ولإحتمالية تضرر المدنيين خلالها، ولأنها تتسبب في زيادة مشاعر الإنتقام عند الفلسطينيين. ويظهر توزيع الإجابات حسب الميل السياسي عدم وجود تحفظ جارف من الإغتيالات في صفوف اليسار أيضاً، فقد أيد 44% ممن يعتبرون أنفسهم يساريين الإغتيالات، مقابل 88% في أوساط اليمين و79% في أوساط الوسط. من جهة ثانية فإن اكثر من نصف اليساريين يعارضون الإغتيالات لأسباب برغماتية في الأساس، و19% فقط عللوا معارضتهم بأسباب أخلاقية، 30% يعارضونها للسببين معاً.

وبالنسبة للتطورات في المجال السياسي وعملية السلام، قال 48% إن احتمالات السلام مع حكومة أبو علاء لا تختلف عنها مع حكومة أبو مازن، واعتبر 29% أن هذه الإحتمالات قد قلت. وذهب 59% من المستطلعين إلى تأييد عدم التفاوض مع الفلسطينيين طالما تواصل الإرهاب، في الوقت الذي يعتقد فيه ثلثهم أن لا احتمال لتوقف الإرهاب دون استئناف العملية السياسية، لذلك فهم ينادون بعدم انتظار توقف الإرهاب.

سابعاً: الإسرائيليون لا يتلهفون لإتفاق جنيف

أظهر استطلاع للرأي العام أجري بين اليهود في إسرائيل، أن أقلية فقط تؤيد "اتفاق جنيف" الذي تم التوصل إليه مؤخراً بين مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين، وهذه الأقلية سترتفع إلى 34% في حال وافقت الحكومة عليه وتحول لإستفتاء شعبي.

 كما اظهر الإستطلاع ميلاً يمينياً واضحاً يستنكر الإتفاق، حيث أيد 27% فقط، تفاهمات جنيف مقابل معارضة 53%. وطرح الإستطلاع سؤالاً تضمن عناصر تسوية بعيداً عن اتفاق جنيف، تقوم على:

-      التخلي عن حق العودة مقابل إنسحاباً إسرائيلياً من كل المناطق الفلسطينية التي احتلتها عام 1967.

-      تبقى غوش عتصيون والتجمعات السكانية حول القدس بيد إسرائيل وتسلم مستوطنة أرئيل للفلسطينيين.

-      تقسم القدس بحيث تكون الأماكن اليهودية تحت سيطرة إسرائيل والأماكن العربية تحت سيطرة فلسطينية، ويبقى الحائط الغربي والحي اليهودي في البلدة القديمة تحت سيطرة إسرائيل.

-      في نهاية الإتفاق تفرج إسرائيل عن السجناء الأمنيين الفلسطينيين بما فيهم المتورطين في عمليات ضد إسرائيل.

وقد أيد هذا الإتفاق 34% مقابل معارضة 58%(4). وحجم المعارضة الكبير لمثل هذا الإتفاق يعكس بدون شك الميل الواضح نحو اليمين لدى الأغلبية العظمى من الجمهور الإسرائيلي، حيث كانت هذه المقترحات تلقى تأييداً أكبر قبل اندلاع المواجهات مع الفلسطينيين في سبتمبر 2000.

الخلاصة:

من خلال قراءة في نتائج الإستطلاعات التي شملها التقرير، نخرج بالنقاط التالية:

-      لازال الجمهور الإسرائيلي متمركزاً على يمين الساحة السياسية، ومن الصعب زحزحته من موقعه في ظل الظروف الراهنة.

-      رغم رغبة الجمهور الإسرائيلي في تحقيق انفراج في الأزمة مع الفلسطينيين، إلا أن عدم ثقته بالجانب الفلسطيني تحبط هذا الأمل.

-      يؤيد الجمهور الإسرائيلي بشكل أعمى جميع الخطوات السياسية والعسكرية التي تتخذها حكومته.

-      الجمهور الإسرائيلي منقسم على نفسه تجاه تأييد ضغط خارجي يفرض حلاً على الجانبين.

-      الجمهور الإسرائيلي شبه متفق على رفض حق العودة كلية، وليس لديه أي شعور بالذنب تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين.

-      نتيجة فشل تطبيق اتفاق أوسلو، وتحميل صناعة المسؤولية الكاملة عما يجري، لا يتلهف الجمهور الإسرائيلي لأي تفاهمات يتوصل اليها اليسار الإسرائيلي مع الفلسطينيين.

 الهوامش :


(1) يديعوت احرنوت-دامحاف، 4/7/2003.

(2) معاريف -هجال هحداش، 4/7/2003.

(3) معاريف- المصدر السابق.

(4) هجال هحداش-معاريف، 17/10/2003.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م