جيل منتصب القامة

 تأليف: د.خولة أبو بكر، د.داني رابينوفيتش

ترجمة: د.خولة أبو بكر،

الناشر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية-مدار

رام الله: 2004، 184 صفحة

مراجعة: د.خالد شعبان

صدرت الطبعة العبرية من هذا الكتاب في 2002، وحسب المؤلفين، فإن الكتاب موجه للمجتمع اليهودي، وبعد ذلك رأى المؤلفان أهمية ترجمته للغة العربية من اجل أن يطلع عليه اكبر قدر ممكن من القراء.

يقع الكتاب في قسمين، يتضمن الأول سبعة فصول، تتناول المتغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية لفلسطينيي 1948، وخاصة جيل النخب منذ 1948 وحتى العام 2002، ويتضمن القسم الثاني من الكتاب فصل واحد، ويقع تحت عنوان قصة عائلتين، يشرح فيها المؤلفان محاولة ايجاد حلول للعلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك من خلال قصة مطولة وهي قصة عائلة أبو بكر، وعائلة رابينوفيتش.

في الجزء الأول من الكتاب يقسم الأجيال والقادة إلى 3 أقسام:

القسم الأول: 1948-1976، وهم جيل الباقين، وهم الأجداد الذين ناضلوا بعد النكبة من اجل البقاء والتشبث بالأرض وضمان العمل.

القسم الثاني: 1976-2000، وهم المتآكلون، وهو جيل ساهم في إنشاء المؤسسات الفاعلة.

القسم الثالث: 2000 وحتى الآن، وهم جيل منتصب القامة، الذي يعمل اليوم على استعادة الهوية، ويرفض أن يستمر في كونه اقلية مقموعة، ولكنه في ذات الوقت يستخدم الأطر القانونية والأكاديمية، من اجل أن يكون على قدر المهمة الصعبة للتحدث مع الآخر (اليهودي) ليكون على قدم المساواة وبنديه

يتضح من الكتاب ميول المؤلفين اليسارية، فكل فصل من فصوله يبدأ بمقطع صغير من القصائد الوطنية الفلسطينية، ففي الجزء الأول يبدأ بقطعة من نشيد موطني، ليتحدث ويصف جيل منتصب القامة في حفلة تخريج مدرسي ليؤكد فكرة أن الجيل القادم من فلسطينيي 1948، سيكون نداً لجيل الأغلبية اليهودية في محاولته للحصول على حقوقه، وفي مناقشات مطولة يبدأ الكاتبان من (ص22) في ابراز بعض مظاهر العلاقة بين الدولة اليهودية والأقلية الفلسطينية، مثل محاولة الفلسطينيين الحصول على حقوقهم، الهوية ، شعارات دولة لكل مواطنيها، وكذلك مظاهرات هبة أكتوبر، بمشاركة فلسطينيي 1948 في هبة الأقصى، ومهاجمة المتظاهرين للمؤسسات الحكومية التي تعكس هوية الدولة اليهودية، وبعد سقوط 13 شهيداً يذهب المؤلفان إلى القول، أن المظاهرات الضخمة اصطدمت بقوات شرطة غير منظمة وصغيرة جداً تفتقد في حالات كثيرة كل تأهيل أو معدات لمجابهة أحداث من هذا القبيل،(ص22)، وكأنه تبرير لقتل هذا العدد من المواطنين، وعلى كل فهو أمر نفته لجنة أور.

بالنسبة للمصطلح للدلالة على فلسطينيي 1948، يذهب المؤلفان إلى أن كل من يبحث في هذا الكتاب عن حل جوهري للسؤال المجرد من هم الفلسطينيون مواطنو إسرائيل سيخرج خائب الأمل (ص26)، ولكن استخدام المؤلفين لهذا المصطلح (الفلسطينيون مواطنو إسرائيل)، يدل على من هم، وإن إعادة تعريف إسرائيل بما يضمن حقوقهم، أو الإنفصال عن الأغلبية اليهودية، هي عبارة عن مظاهر للعلاقة الصراعية السائدة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية.

وفي حديثه عن الجيل الأول (الباقون) يؤكد أكثر من مرة القوة التنظيمية لليشوف اليهودي في الثلاثينات والأربعينيات مقابل القرى العربية رغم مؤشرات المجتمع المدني المنظم التي كانت متوفرة لدى الفلسطينيين، ولكنها، كانت ترتكز في المدن وليس في القرى (ص33)، ثم بين لحظة وأخرى بعد حرب عام 1948، يسعى هؤلاء الذين تقطعت بهم السبل للنضال من اجل الأمن والبقاء، ليصبحوا بعد ذلك (عرب إسرائيل) ويؤكد الكاتبان أن اسم مصطلح عربي، كان مستخدما كإسم جماعي للفلسطينيين لدى يهود فلسطين منذ بداية الصهيونية (ص34) أما عرب إسرائيل فاستخدم في المكاتب الحكومية في الخمسينات، وكان استعمال هذا المصطلح فعل سياسي تم فيه تحويل الشعب الفلسطيني والذي هو صاحب الحق في أرضه والمرتبط بالإقليم، إلى جماعة بدون تاريخ (ص34)، ولم يكن ذلك سوى خطوة واحدة فقط من مرحلة شاملة وواسعة النطاق ضد الفلسطينيين (ص35)، وهو يؤكد على أن هناك استراتيجية واضحة ضد فلسطينيي 1948، وتمت منذ احتلالهم وبدء تطبيق الحكم العسكري عليهم، ويذهب الباحثان إلى نقطة ايجابية وهامة وهي أن هذا الجيل كان يؤمن بأن إسرائيل عرضية ولن تطول أيامها (ص37)، وكذلك أن أسماء الفلسطينيين في الخارج تؤكد أنهم لم ينسوا قراهم ومدنهم، وذلك لأن أسماء عائلاتهم تحمل أسماء القرى والمدن التي طردوا منها (39)، ولكن فيما يبدو أن هذا الإيمان بالعودة والتواصل مع الأرض، انتهى بالقبضة الحديدية الإسرائيلية التي حالت دون ذلك، وحالت دون أي تقدم حتى على المستوى الفكري لتقدم فلسطينيي 1948 حين تم قمع حركة الأرض 1965.

النقاط الإيجابية في هذا القسم، أن الكاتبين يؤكدان بصورة لا تقبل التأويل أو الشك، أن ارض فلسطين كانت مأهولة بالسكان وليس ارض قاحلة، أو صحراء خالية من السكان، كما يؤكدان من ناحية أخرى أن هناك اتجاهاً قوياً من هؤلاء بالعودة إلى قراهم ومدنهم.

أما الحديث عن الجيل الثاني، فهو الجيل منهك القوى، وهذا الجيل الذي ولد في العقد الأول لوجود إسرائيل، واتسعت مداركهم في حربي 1967 و1973، ونضجوا سياسياً في يوم الأرض 1976، ومنذ التسعينات يلعب هذا الجيل الدور المركزي في المجتمع المدني.

ويبدأ الباحثان هذا الفصل بالحديث عن الجيل المنهك بمقطع للشاعر محمد علي طه بعنوان "يويا" يقول فيها يا اولاد حارتنا، اخذوا أراضينا، ولعنوا ماضينا، وكسروا قرعتنا، وطخوا بقرتنا، وذلك في اشارة واضحة إلى عملية النهب الواسعة التي قامت بها إسرائيل بمصادرة الأملاك العربية، بالإضافة إلى احتلال إسرائيل لكل فلسطين وأجزاء أخرى من الدول العربية، حيث ذهب الباحثان إلى القول أن حرب 1973 اقنعت العرب جميعاً بمن فيهم فلسطينيو 1948، على عدم قدرة العرب على إزالة إسرائيل، وبذلك سلَّم العرب بوجود إسرائيل، وهو ما انعكس على فلسطينيي 1948 الذين بدأوا صراعاً سياسياً على المساواة المدنية (ص44)، ولكنه مع ذلك لم يذكر أن ايمانهم بالعودة إلى قراهم ما زال يراودهم.

ويذهب المؤلفان إلى القول، أن فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات، شهدت ترسيخ البنية التحتية والتعليمية والتنظيمية والجماهيرية والسياسية من المجتمع الفلسطيني في إسرائيل (ص44)، وهي مدة طويلة جداً من اجل ظهور بعض الحركات مثل حداش والحزب الديمقراطي العربي وبعض المؤسسات المحلية كلجان الدفاع عن الأراضي واللجنة القطرية للمجالس المحلية العربية، ومع ذلك فالحزب الشيوعي كان موجوداً، وكذلك الجبهة العربية، ثم حركة الأرض بمعنى أن البنية التحتية للفكر السياسي الفلسطيني كانت موجودة، وإنما ما ظهر بعد ذلك هو تطور لما سبق، أو بالأحرى هو تعامل مع الواقع لفكرة الصراع على المساواة المدنية.

ويذهب الباحثان إلى التدليل بحقيقة هامة وهي أن التنظيمات الفلسطينية مع نهاية التسعينات كانت فلسطينية صرفة مع فتور التشديد على التعاون اليهودي/ العربي (ص47) ولا أعرف لماذا بعد ذلك يذهبان إلى القول بأنه كانت هناك أزمة ثقة في العلاقة مع إسرائيل (ص48)، حيث أن هذه الأزمة موجودة منذ بداية إسرائيل أو قبلها، ربما ليشرح المؤلفان بعد ذلك أن الإحباط الواسع من رئيس الحكومة ايهود باراك الذي حظي بتأييد 96% من العرب، ولكنه لم يدعُ ممثليهم للتشاور لتشكيل الحكومة خلافاً لرابين 1992، 1995، كما لم يبادر باراك إلى تحسين الأوضاع وهو ما أدى مع بداية عام 2000 ان يصل الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، إلى ذروة من خيبة الأمل، ولا اعرف لماذا قال خيبة أمل وليس أزمة ثقة جديدة، ولكن نتيجتها كما وضح الباحثان أن الجيل الثاني أصبح جيلاً متآكلاً نفسياً (ص50).

يتناول الباحثان في الفصل الرابع، أحداث هبة أكتوبر وبدلا من أن يشرحا  أسباب ونتائج الهبة، يترك الباحثان المجال لخطاب منشور للكاتب سلمان ناطور للحديث عن ثلاثة عشر شهيداً ألقاه في العام 2001 في تل أبيب، حيث توجد في هذا الخطاب فقرات تخاطب العاطفة والإنسانية، حيث يذهب إلى القول أن هناك جريمة ارتكبت بحق 13 بريء..عدة صفحات هي قريبة إلى قلوب الأمهات، ويبدو لي أن المؤلفين نجحا في إدراج هذه الصفحات لسلمان ناطور، فالعبارات تتميز بين القصر والطول المحكم الذي لا يدع القارئ ترك الجملة إلا ليكملها، ثم أردف الكاتبان بدورهما بإبراز قضية الشهيد أسيل عاصلة وهو احد شهداء هبة أكتوبر، كنموذج للشاب البريء الذي قتلته قوات الشرطة، كما اورد الكاتبان نبذة عن حياته وتنشئته وعلاقاته وبرامجه وطموحاته التي لا تختلف كثيراً عن معظم الشبان الفلسطينيين، وقد أكد الكاتبان أن مقتله اثر على كم كبير من الشبان بأن حولهم إلى فلسطينيين أفضل وأكثر فخراً (ص55).

أبناء الجيل الثالث، الذين قادوا الرأي العام في هبة أكتوبر 2000، ولدوا يوم الأرض، حيث كان نضوجه على مرحلتين متوازيتين، الأولى تكمن في حنينه الأول الى النضال المدني والثاني هو نضوج الحركة الوطنية الفلسطينية في أراضي 1967 والشتات، أي أن الباحثين يؤكدان على تعزيز الهوية الفلسطينية لإبناء الجيل الثالث، كما يورد الباحثان عدة نماذج من خلال مقابلات مع بعض الطلاب والطالبات في الجامعات الإسرائيلية، حيث كل شيء غريب ومختلف، وفي ذات الوقت يرفضون أن يعيشوا على هامش الحياة الإسرائيلية (ص93)

ويورد الكاتبان في الفصل الخامس، نموذجا للقيادات الشابة الفلسطينية، والتي تتمتع بتصور عالي وتظهر عليها ملامح شخصية القادة، وخاصة أولئك الذين يدرسون لتحصيل اللقب الأكاديمي الأول (بكالوريوس)، ولكن المشكلة التي واجهها هؤلاء، هي عدم قدرتهم على التعامل مع الصحافة الاسرائيلية التي عمدت إلى تشويههم بإعتبارهم منفلتين ومتطرفين (ص67)، ولكن التطرف أو الإنفلات هي صفة أو ظاهرة لمعظم نشاطات الطلاب اليهود، ولكن الصحافة تهملها.

كما يوضح الكاتبان الإنتقادات التي يوجهها جيل منتصب القامة، لجيل الآباء الذين هربوا وطردوا، وكذلك أولئك الباقين في إسرائيل خانعين مهانين (ص70)، وعدم اهتمامهم بالسياسة خوفاً من الدولة، ولكن النتيجة كانت متجانسة فجزء من جيل منتصب القامة، تأثر بالتنشئة الإسرائيلية، ولكن المشكلة أن الكاتبين لم يذكرا إلى أي قدر تأثر جيل منتصب القامة بذلك، رغم انه يذكر في (ص72)، أن هذا الجيل لم يسمح بالأسرلة،ولكنها في ذات الوقت أكدت منع الفلسطنه حيث أن ثقافتهم القومية ليست ثقافة تنبع عن أية قومية (ص72)، وهو يتناقض مع ما ذهب إليه الباحثان عند حديثهم عن هبة أكتوبر في أنها عززت الهوية الفلسطينية، حيث أن الهوية الفلسطينية لم تكن ظاهرة جديدة بل تراث وتاريخ وحضارة، اثرت في الأجيال السابقة والحالية، وهو ما يعود يؤكد عليه الباحثان وذلك عند حديثهما عن شعار (دولة كل مواطنيها)، حيث يؤكدان على أن الجيل الجديد يطمح في أن يحصل على حقوقه من إسرائيل وتطوير انتمائه للشعب الفلسطيني، رغم أن إسرائيل تحاول طمس الثقة بتحقيق المساواة (ص75).

يعود الكاتبان في الفصل السادس، للحديث عن هبة أكتوبر ولجنة أور، التي تشكلت للتحقيق في هذه الأحداث. ثم ينتقل بسرعة إلى واقع فلسطينيي 1948، وطرح بعض التصورات لسد الفجوات بين المجتمع اليهودي والفلسطيني، وينقل الكاتبان هنا عن التقرير الذي أعدته مجموعة من الأكاديميين اليهود والفلسطينيين...ويذكر الكاتبان عدة نماذج منها التعليم وقضايا الأرض.. ومن اجل سد الفجوات يتحدث الكاتبان عن إنشاء سلطة لتطوير التجمعات السكنية والمجتمع الفلسطيني، بحيث تدار من خلال متخصصين (ص89)، وكذلك هناك عدة طروحات لحل قضايا مثل الهوية والإسكان والتشريعات، فلابد من سن قانون لمنح تعويضات مالية عن الأملاك التي تم وضع اليد عليها وسن قوانين للهجرة على أساس مدني، وأكثر مساواة، بما فيها لم شمل عائلات...وكذلك إلى إدخال التاريخ الفلسطيني لبرامج التعليم (ص95)، وما يجب ذكره هنا، أن اغلب هذه القضايا مطروحة على جدول أعمال الحكومة الحالية، كما كانت على جداول أعمال الحكومات السابقة، حيث أنها استراتيجية للتعامل مع فلسطينيي 1948، وهو ما لم يذكره الباحثان.

أما في الفصل السابع، يبدأ الكاتبان الفصل بأبيات للشاعر محمود درويش، من القصيدة المشهورة "سجل أنا عربي، ورقم بطاقتي عشرون الفاً...."، وذلك كمقدمة لمناقشة قضية هامة وهي قضية التطهير العرقي وهو مصطلح يؤكد الكاتبان يكرهه اليهود وينبذوه، ولا يرون أنهم استخدموه ضد الفلسطينيين، ولكن الباحثان قدما استعراضا هاماً لأشكال التطهير العرقي الذي قامت به إسرائيل (ص100)، والذي اشتمل على حظر السكن أو الإقامة في أماكن معينة وكذلك تحديد الولادات، ومواقيتها وتشجيع الهجرة.. وهي أشياء قام بها النازيون من قبل، ويؤكدان أن المحصلة في التطهير العرقي، هو ميل ينطلق من اثنية الأغلبية من خلال استصدار تشريعات وقرارات تحد من حقوق الأقلية، وهي تحدث أحيانا كثيرة تحت الرداء العادل لسلطة الأغلبية حسب الكاتبين، حيث سكن في هامش كل شعب منذ الأزل جماعات عرقية هامشية صغيرة أو كبيرة، مستعدة للإندماج أو غيوره على هويتها، وهي دائما تحت سلطة الأغلبية (ص101) .

ولكن ما لا يذكره الباحثان هو أن الواقع هنا هو احتلالي، بمعنى أن الإنسان لا يمكن أن يكون أقلية في وطنه، ولكن بحسب رأيي فهذه قضية أخرى، فحسب القوانين والشرعية الدولية، فإن إسرائيل تحتل جزءاً من فلسطين وهو الذي وقع تحت سيطرتها بعد 1967، أما ما قبل ذلك فلا يمكن النقاش فيه.

واغلب الأفكار التي تحاول أن تطرح كبدائل المساواة تنطلق من وجود أفكار إسرائيلية راسخة يؤيدها الأسرائيليون وهي استمرار السيطرة على الأقلية العربية، من خلال الأجهزة الأمنية، وقد أكد مؤتمر هرتسيليا 2000 أن الاقلية العربية تستحق كل الحقوق الثقافية والإقتصادية...الخ، ولكن تطبيع الوضع السياسي مرتبط بالوضع السياسي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، وهو اذن متروك للمدى البعيد (ص102)، وحسب ما يؤكده الكاتبان، أن فلسطينيي 1948، يستحقون حقوقاً معينة ولكن في أمور أخرى مثل حق المساواة والهوية الجماعية والتعبير السياسي لا تظهر، فإسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، ولكن اين موقع الأقلية العربية، يحاول الكاتبان الاجابة بأنه يجب على إسرائيل أن تعرِّف مجدداً قاسمها المشترك ودمجه بالمواطنة وليس بالإنتماء العرقي (ص103)، أما بالنسبة للذين يدعون إلى استمرار السيطرة، فإنهم يقعون في تناقض غريب، يقوم على أساس المعيار الديمغرافي، حيث أكد مؤتمر المناعة القومية (هرتسيليا 2000)، انه خلال عشرين عاماً ستكون النسبة بين اليهود والعرب في حدود الخط الأخضر 3/1 مقابل 5/1 ، وبالتالي فهم يطالبون بالدعوة إلى تشديد السيطرة على الفلسطينيين، ولكن الواقع حسب الكاتبان مقابل ما قاله مؤتمر هرتسيليا انه منذ 1949 والذي شكل فيه الفلسطينيون نسبة 17.8% من السكان الإسرائيليين، فقد ظلت نسبته ثابتة، بل إنها انخفضت إلى 16.1% في عام 2000، وإذا سلمنا أنها ستستمر بنفس الوتيرة السابقة فإنها ستصل في 2062 إلى 20% من مجمل سكان إسرائيل، وهذا ادعى إلى مؤتمر هرتسيليا أن ينشغل في ايجاد  بدائل للحل، لان الإستمرار في إتباع سياسات هرتسيليا سيؤدي إلى استمرار الصراع بين الأقلية والأغلبية، ومن هنا يطرح الكاتبان أو يدعوان إلى إقامة مشروع سياسي مدني (ص105)، من خلال إصلاح الغبن الذي لحق بالفلسطينيين، ولكنهما لم يضعا أسساً أو بنوداً يرتكز عليها هذا المشروع.

أما القسم الثاني من الكتاب، فقد تناول قصة عائلتين، هما بالأساس عائلتي مؤلفا الكتاب، حيث نشأت عائلة د.خولة في مدينة حيفا، وتأثرت هي واجدادها بالمتغيرات التي احدثتها هجرة اليهود المتزايدة إلى ارض فلسطين، الأمر الذي افقدها جزءاً كبيرا من عائلتها نتيجة لحرب 1948، وهجرة بعضهم وتدمير بيتهم، بالإضافة إلى المعاناة الحياتية اليومية لكسب لقمة العيش وصعوبة التواصل مع أهلها، وكذلك ناقش عائلة رابينوفيتش التي نشأت في بينسيك وكييف إلى أن هاجروا واستقروا في حيفا 1925، حيث ناقش حياة اليهود ومعاناتهم في دول أوروبا الشرقية والإتحاد السوفيتي، الأمر الذي اضطرهم إلى الهجرة إلى فلسطين، ويذكر محاولتهم لوضع اليد على الأراضي الفلسطينية ومحاولة الإستيلاء على بيوت الفلسطينيين، ويتناول أوضاع حيفا أثناء حرب 1948، والمتغيرات التي جرت عليها إلى زماننا هذا.

واثر هذه المتغيرات على حياة سكان حيفا الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد تكون هذه القصة قاسية لتذكر القارئ اليهودي أن ارض فلسطين لم تكن قاحلة، وان هناك شعبا كان موجودا وان إسرائيل أقيمت على أراضي فلسطينية، وهو ما ينفي المقولة الصهيونية (ارض بلا شعب لشعب بلا ارض)، كما انه يذكر المعاناة التي لاقاها السكان الأصليين بين حرب 1948 من اجل اثبات وجودهم، واثبات ملكيتهم لبيوتهم التي غادروها بقرار من حكومات إسرائيل، وكذلك عدم قدرة الفلسطينيين على لقاء أهلهم رغم مرور عدة عقود على قيام إسرائيل، سوى في دول أوروبية واسيوية.

خلاصة:

كما ذكرنا في مقدمة التقرير، فإن هذا الكتاب موجه إلى المجتمع اليهودي، وارى فيه عدة ايجابيات هامة، وهي أن فلسطين لم تكن قاحلة في يوم من الأيام، خلافا للمقولات الصهيونية عن فلسطين، وتوضح كذلك أن هناك استراتيجية واضحة من جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة موجهة ضد فلسطينيي 1948، تهدف إلى عدم تطورهم واعتبارهم مرضاً في جسم إسرائيل، وفي المقابل أوضح الكتاب أن هناك توجها من جزء من فلسطينيي 1948 للتطلع نحو العيش بسلام من خلال تحقيق المساواة مع الأغلبية اليهودية، والأهم من ذلك، أن الكاتبين لم يأتيا بأي تصور جديد، لحل الأزمة بين فلسطينيي 1948، وإسرائيل.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م