الجدار الفاصل

سوزان عقل

في شهر حزيران 2003، بدأت إسرائيل في تنفيذ سياساتها التوسعية والقمعية ببناء الجدار الفاصل داخل الأراضي الفلسطينية، ويقوم هذا الجدار على منطق مصادرة الأراضي والسيطرة عليها، بما في ذلك ضم المستوطنات ومحاصرة المناطق الفلسطينية، وذلك بحجة الأمن ومنع الفلسطينيين من التسلل والقيام بعمليات فدائية.

وهذا الجدار لن يقوم على حدود عام 1967 أو ما يعرف بالخط الأخضر، فهو في الحقيقة انتزاع للأرض وتحديد لمصير الأراضي الفلسطينية. وتختلف طبيعة الجدار من منطقة لأخرى حسب الأهمية الإستراتيجية والحيوية للمنطقة التي يمر بها. ويقسم الجدار إلى قسمين رئيسيين، الأول ما يسمى بغلاف القدس، ويتم العمل به بالتوازي مع القسم الثاني من الجدار، وهو الجدار الرئيس ويمتد على طول 425 كم من جهة الشمال والغرب والجنوب للضفة الغربية، من قرية سالم في الشمال وحتى مستوطنة كرمل جنوب مدينة الخليل، ومن قرية سالم إلى غور الأردن من جهة الشرق. ويلتهم الجدار 833 كم2  من مساحة الضفة الغربية، أي ما نسبته 14.2%، بحيث تصبح هذه المساحة "إلى الغرب من الجدار"، حيث يتم عزل 126 تجمعاً فلسطينياً، 97 تجمعاً منها تم عزله غرب الجدار، أما باقي التجمعات فتم عزلها بين جدارين بمساحة تقدر بـ197 كم2 (في منطقة اللطرون وغرب رام الله، حيث تم بناء جدار عازل مزدوج يقع الأول بالقرب من الخط الأخضر والجدار الثاني على عمق 9 كم داخل الضفة الغربية). كما ويضم الجدار 102 مستعمرة تقع على مساحة 99 كم2 إلى غرب الجدار

وعلى الرغم من الإنتقادات الدولية والتي كان آخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحالة قضية الجدار إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، وقرار هذه المحكمة بعدم شرعية هذا الجدار، قامت وزارة الدفاع وبوتيرة حثيثة لإستكمال مقاطع إضافية من الجدار من اجل إقرار حقائق على الأرض وخصوصاً في الجدار الذي يقام شرقي القدس. هذا وينقسم البناء في الجدار إلى ثلاثة مراحل، ولكل مرحلة مواصفاتها الخاصة بالإضافة إلى البناء في غلاف القدس.

مراحل بناء الجدار

المرحلة الأولى:

بدأ تنفيذ هذه المرحلة في حزيران 2002، وتمتد شمال غرب الضفة الغربية بطول 125 كم، حيث تمتد من قرية سالم شمال الضفة الغربية وحتى قرية مسحة في محافظة سلفيت (من سالم –الكانا). وقد تم الإنتهاء من العمل بها في نهاية تموز 2003، ويلتهم الجدار في هذه المرحلة 107 كم مربعاً من مساحة الضفة الغربية، و31 بئراً ارتوازية ويعزل 15 قرية يسكنها 12000 فلسطيني، و22 مستعمرة تقع إلى غربي الجدار(1).

المرحلة الثانية:

وتمتد هذه المرحلة على طول 45 كم تقريباً شمال الضفة الغربية من قرية سالم وحتى بلدة تياسير على حدود غور الأردن، وقد نفذت إسرائيل 30 كم تقريبا منها(2). وقد واصلت القوات الإسرائيلية العمل في مقاطع عدة من الجدار الفاصل شمال قريتي بردلة وعين البيضا في منطقة الأغوار الشمالية، كما وتقوم الآليات العسكرية بأعمال حفر خنادق وتسوية أراض تمتد من شارع رقم (90)، الموازي لنهر الأردن غرباً ولمسافة طويلة نحو الشرق عند التلال التي تطل على النهر، وسيعمل بناء الجدار في منطقة بردلة على عزل القرية عن الأراضي الزراعية المحيطة بها والسيطرة على الحوض الجوفي الشمالي الشرقي للمياه(3).

المرحلة الثالثة:

وتمتد هذه المرحلة والتي انتهت وزارة الدفاع من إعداد المسار الخاص بها من مستوطنة الكانا وحتى منطقة البحر الميت، حيث سيقام الجدار بصورة أعمق من المرحلتين السابقتين داخل أراضي الضفة الغربية، بحيث تبقى معظم المستوطنات غربي الجدار. وقد قسم العمل في هذا المخطط إلى مرحلتين، الأولى من الكانا وحتى معسكر عوفر في رام الله، والمرحلة الثانية، من جنوبي القدس وحتى عراد. وقد بدأت أعمال التجريف والبناء في المرحلة الأولى منه والتي تمتد من مستوطنة الكانا وحتى معسكر اعتقال عوفر جنوبي غربي رام الله، ويتراوح طول هذا المقطع من الجدار 96.7 كم، ويمر في أراضي قرى الزاوية، رافات، دير بلوط، كفر الديك، برقين في محافظة قلقيلية. واللبن الغربي، رنتيس عابود، دير أبو مشعل، شقبا، القبية، بدرس، سبتين، دير قديس، نعلين المدية، بلعين، صفا، بيت سيرا، خربة المصباح، بيت لقيا، بيت نوبا، بيت عنان، قطنة، القبية، بيت سوريك، بدو، بيت اجزا، بيت دقو، الطيرة، بيت عور الفوقا، عين عريك، رافات في محافظة رام الله(4)، هذا وقد أنهت قوات الإحتلال العمل في بناء الجدار في أراضي قريتي بدرس غربي رام الله، حيث سيواصل الجدار التفافه حول القرية من الجهتين الغربية والجنوبية بحيث يغلقها تماماً(5).

غلاف القدس:

بدأ العمل على إقامة الجدار في جنوب وشمال المدينة وشرقها في إطار غلاف القدس، وذلك بشكل موازي مع المراحل السابقة. ويبلغ طول هذا الغلاف 50 كم. والجدار في هذا الجزء يغير شكله وفقاً لمسار الأرض التي يمر فيها، ففي المناطق المفتوحة يكون واسعاً جداً من 50-100 متر، حيث يضم كل عناصر الجدار الأمني الحدودي من سور وطرق ترابية وقنوات والكترونيات. أما في المناطق السكنية مثل أبو ديس والعيزرية فسيبنى سور ارتفاعه 6-8 متر. ويقسم البناء في غلاف القدس إلى ثلاثة أجزاء:

1- الجدار الشمالي:

تم في الآونة الأخيرة بناء مقاطع في شمال غلاف القدس، وذلك حسب تصريحات وزارة الدفاع ومعطيات بتسيلم، وبدأ البناء من بيتونيا مروراً بعطروت وحتى الرام. ويبلغ طول الجدار الشمالي 8 كم وعرض 40-100 متر، وصادرت إسرائيل 800 دونم لبناء هذا المقطع، منها 500 دونم ستعزل جنوب الجدار، و300 دونم ستستخدم كمنطقة عازلة. وفي الفترة من 2-8 سبتمبر 2004، انتهت قوات الإحتلال من بناء مقطعين من الجدار في المنطقة الواقعة بين مفرق بلدة الرام شمال مدينة القدس الشرقية، وحاجز قلنديا جنوبي مدينة رام الله. وفي وقت متزامن واصل المقاولون تجهيز البنية التحتية للجدار بهدف إنهاء المقاطع المتبقية في المنطقة الواقعة بين حاجزي ضاحية البريد وقلنديا، كما وواصلت قوات الإحتلال وضع مقاطع إسمنتية في منطقة وادي عياد بين ضاحيتي البريد والأقباط قرب مستوطنة النبي يعقوب شمال القدس الشرقية(6). كما واستمرت أعمال البناء في شارع رام الله-القدس الرئيس شمال مدينة القدس الشرقية، حيث قامت بأعمال بناء المقاطع الإسمنتية بارتفاع خمسة أمتار بين حاجزي قلنديا وضاحية البريد، حيث تواصل العمل في ذلك حتى أثناء الليل ووصل الجدار حتى مدخل ضاحية البريد(7).

2- الجدار الشرقي:

في مطلع تشرين الأول 2003، بدأ بناء مقطع طوله 17 كم من بيت ساحور المشمولة في القدس، ومن ثم يتجه شمالاً نحو أبو ديس والعيزرية وحتى حاجز الزعيم. أما الحاجز الأخر المصادق عليه بطول 14 كم فسيبدأ من عناتا جنوب شرق بسغات زئيف شرق، ويواصل شمالا وغرباً وحتى حاجز قلنديا، حيث سيتصل بالجدار الشمالي السابق، ويشمل المقطع بلدات الرام وعناتا، مخيم شعفاط، كفر عقب وسميراميس، حيث سيبقون خارج الجدار، وسيلتهم الجدار نحو 2000 دونم من أراضي بلدة العيزرية وضمها إلى مستوطنة معاليه ادوميم(8).

وفي 26/2/2004، تدخلت محكمة العدل العليا الإسرائيلية ولأول مرة في موضوع الجدار وقررت وقف الأعمال على الجدار في منطقة غلاف القدس لمدة أسبوع، وجاء القرار في أعقاب بحث لالتماس ثماني قرى فلسطينية، بينها بيت سوريك وبدو ضد إقامة الجدار الذي يفصل بينها وبين المستوطنات الإسرائيلية مفسيرت تسيون وهارادار. وتعقيبا على قرار محكمة العدل، قال وزير الدفاع شاؤول موفاز، أثناء جولة أجراها في مسار غلاف القدس "انه يوجد الكثير من المقاطع التي يمكن أن ننفذ أعمال التجدير فيها ونحن لا ننفذها بسبب المشاكل القضائية وقرارات محكمة العدل العليا التي اوقفت العمل في تلك المقاطع. آمل أن يتاح لنا مواصلة البناء إذ تبين لنا انه يساعد في وقف المخربين الإنتحاريين"(9). وقد استأنفت قوات الإحتلال أعمال البناء على أراضي بلدة أبو ديس وتجري أعمال البناء في محيط جامعة القدس، وما تبقى من طول الجدار الشرقي لا يتعدى 500 متر وبانتهائه تكون هذه المنطقة قد اغلقها الجدار تماماً(10).

3- الجدار الجنوبي:

في 1/3/2004، شرعت قوات الإحتلال بأعمال في مقطع جديد من الجدار شمال مدينة بيت لحم، حيث بدأت أعمال البناء شمال مسجد بلال بن رباح (قبر راحيل). ويعتبر هذا المقطع جزءا من الجدار الذي يمتد من قريتي الخاص والنعمان شرقي بيت لحم مرورا بأرضي بيت ساحور وبيت لحم وبيت جالا وصولا إلى طريق الأنفاق غربي بلدة الخضر(11). ومازال العمل جارياً في بناء الجدار في المنطقة الشمالية لمدينتي بيت لحم وبيت جالا، حيث قامت الآليات بأعمال الحفريات واستكمال تركيب أجزاء من الجدار بارتفاع 10 أمتار، وتقوم بذلك على الرغم من الإدانة الدولية وصدور قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي في بداية شهر تموز بعدم قانونية هذا الجدار.

 كما وأقامت قوات الإحتلال معبراً جديداً شمال مدينة بيت لحم، وذلك لنقل الحاجز العسكري مسافة 220 متراً إلى الجنوب تمهيدا لتنفيذ المخطط التوسعي الإسرائيلي بضم "قبر راحيل"، والمنطقة الشمالية لبيت لحم وإخضاعها إلى السيادة الإسرائيلية، ويستمر الجدار إلى الغرب في منطقة الوطا بشكل يطوق مخيم عايدة ودير راهبات الفرنسيسكان، وسيحرم هذا الجدار مئات العائلات من أهالي بيت لحم من الوصول إلى أراضيهم التي عزلت شمالي الجدار والمقدرة بنحو ثمانية آلاف دونم، كما سيعمل الجدار على فصل مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور ومخيم عايدة والدهيشة عن القدس وشمال الضفة الغربية(12).

الجدار في جنوب الخليل:

بعد اقل من أسبوع على العملية الإستشهادية التي وقعت في بئر السبع في 31/8/2004، حيث خرج الإستشهاديان من جنوب الخليل، بدأ العمل على إقامة المقطع الجنوبي من جدار الفصل العنصري، وكان قد عرقل المصادقة على مسار الجدار في هذه المنطقة خلاف بين رئيس الوزراء شارون وجهاز الأمن ووزارة العدل، حيث عرض على شارون في الجولة التي قام بها فوق مجال التماس في جنوب جبل الخليل المسار المعدل للجدار، الذي بلوره جهاز الأمن ويرمي إلى تقريب العائق من الخط الأخضر، ولم يقبل شارون الإقتراح وطالب بإدخال تعديلات إليه، حيث طالب بان يصار إلى إدخال مستوطنة سوسيا، وكذلك احد الطرق في المنطقة وبضعة تلال مسيطرة على المنطقة في الجدار، وحسب الخطط الأصلية في جهاز الأمن، فإن الأشغال اليوم في موضع الجدار كان يفترض بها أن تركز على المناطق بين الكانا في وسط البلاد وبين القدس، وكذلك في مقاطع الجدار والسور حول القدس، ولكن عقب قرارات محكمة العدل العليا التي رفضت أجزاء واسعة من المسار والتغييرات المخطط لها، طرأ تأخير كبير في الأشغال في هذه المناطق، وتقرر حث  الأشغال في منطقة جنوبي الخليل والذي يمر فيه مسار الجدار بمحاذاة الخط الأخضر، ويضم مقطع الجدار الذي بدأوا في بنائه نحو 40 كم تبدأ من القرية الفلسطينية جبع قبالة موشاف شكيف شرقي كريات غات وسيصل حتى الشومرية المجاورة لكيبوتس لاهف شمال النقب(13). وفي 21/11/2004 شرعت قوات الإحتلال بأعمال تجريف على أراضي بيت أولا شمال غربي محافظة الخليل لإستكمال بناء الجدار في المنطقة(14).

قانونية الجدار والتعديلات المطروحة على جدار الفصل:

في الجلسة الإستثنائية العاشرة التي عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/12/2003، تبنت قراراً طالبت عبره محكمة العدل الدولية في لاهاي والتي تضم 15 قاضياً من مختلف أنحاء العالم بتقديم المشورة على وجه السرعة، فيما يتعلق بالتبعات القانونية المترتبة على إقامة جدار الفصل في الضفة الغربية. وقد صدر القرار بعد أن صوتت لصالحه 90 دولة وعارضته 8 دول، فيما امتنعت 74 دولة عن التصويت. والقرار ملحق بقرار سابق كان قد صدر عن الجمعية العامة في 21 أكتوبر 2003، بأغلبية 184 صوتاً ومعارضة 4 أصوات من ضمنها امريكا وإسرائيل، وامتناع 12 دولة. وعبره دعت الجمعية إسرائيل لوقف بناء الجدار، ولكن إسرائيل وكعادتها ضربت بعرض الحائط رغبة الأمم المتحدة، وواصلت بناء الجدار بصلف وغرور، ما دفع الجمعية للإجتماع مجدداً للبحث في موضوع مواصلة أعمال بناء الجدار وما تثيره هذه الأعمال من دلالات تشير وبوضوح لإستخفاف إسرائيل الواضح والعلني بالأمم المتحدة وجمعيتها العامة، وما يصدر عن هذا الجسم الدولي من قرارات. واستعداداً للبحث في قانونية الجدار في المحكمة الدولية في لاهاي عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي اجتماعاً للبحث في موضوع الجدار وتقرر في الإجتماع تغيير اسم الجدار في خطة إعلامية، بحيث لا يسمى "جدار فصل امني" بل "جدار منع الإرهاب" من اجل ايضاح الهدف الذي لأجله جاء الجدار(15). كما وسيبحث أمر الجدار في محكمة العدل العليا الإسرائيلية في القدس، وذلك في أعقاب التماس رفعته مؤسسة هموكيد لحماية الفرد ضد شرعية إقامة الجدار في أجزاء ليست في نطاق الخط الأخضر، وبالمقابل يعد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان تقريراً يصف التقدم في بناء الجدار وسيرسله إلى هاغ ليشكل أدلة حقيقية. وكلف عنان مبعوثه تريه لارسن بجمع المواد ووضع صيغة للتقرير لنقله إلى هاغ(16). وفي 18/1/2004، عقد شارون المطبخ السياسي، وكان على جدول الأعمال تغيير مسار الجدار وفقا لصيغة الوزير لبيد والتي تقلص طول الجدار بنحو 200 كم، وتخفض كلفته بنحو 2 مليار شيكل، ويرمي التغيير الذي يقترحه لبيد إلى السماح لإسرائيل بالدفاع عن مسار الجدار من ناحية قانونية في المحكمة الدولية في لاهاي، وحسب مسار لبيد فإن جيب اريئيل والفي منشيه سيلغى وسيمر الجدار بقرب اكبر من الخط الأخضر، حتى في منطقة مطار بن غوريون وكذا في قسمه الجنوبي. وفي القدس ستلغى ثلاثة جيوب تحول قرى فلسطينية إلى جزر منقطعة تماماً. وبمقابل البحث في مسار الجدار سيهتم شارون والوزراء موفاز وشالوم ونتنياهو واولمرت ولبيد، بمسألة كيفية الإستعداد للبحث في موضوع الجدار في المحكمة الدولية، وحجة إسرائيل المركزية في موضوع الجدار هو انه يشكل وسيلة للدفاع عن النفس، وفي محاولة لمنع البحث في مسألة الجدار في هاغ. بدأت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالتوجه إلى دول مختلفة للتضامن مع موقفها الرافض لبحث مسألة الجدار في هاغ حيث تتوقع إسرائيل تأييداً لموقفها(17).

وفي أثناء الجلسة التي عقدها شارون،نشب خلاف بين لبيد ووزير الخارجية شالوم ومدير مكتب رئيس الوزراء دوف فايسغلاس، فقد دعا لبيد إلى طرح موقف معلل مؤيد لإقامة الجدار أمام المحكمة في هاغ، ودعا إلى تغيير المسار لتعزيز الموقف الإسرائيلي أمام المحكمة. أما شالوم وفايسغلاس فقد اقترحا تبني التوصيات المهنية للقانونيين الذين اقترحوا التنكر لصلاحية المحكمة الدولية للبحث في الجدار، وادراج تعليلات مؤيدة للجدار ضمن الإدعاء الإجرائي. وقال شارون في الجلسة بأن النقاش المتجدد لمسار الجدار "سيحصل إذا ما كان سيحصل"، فقط بسبب تردد إسرائيلي داخلي وليس بسبب مطالب الفلسطينيين والأمم المتحدة أو المحكمة الدولية في هاغ، وقال شارون "انه يحتمل أن تكون هناك حاجة إلى تفكير إضافي لإمكانية تغيير المسار، بحيث يقلص بعض نقاط الخلل التشغيلي للجدار، دون أن يمس بالأمن". هذا ويعارض وزير الدفاع موفاز إجراء تعديلات في مسار الجدار الذي لم يبن بعد، وقال "أنني قادر على أن ادافع عن كل سنتيمتر في المسار الراهن وأرى لماذا هو لازم لحماية مواطني إسرائيل"(18). وقال وزير الخارجية سلفان شالوم للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان خلال لقائهما في إطار مؤتمر دافوس الإقتصادي في سويسرا، بأن "إسرائيل مستعدة لإدخال تعديلات في مسار الجدار الذي لم ترغب في إقامته أصلا. نحن معروفون بإزالة الجدران: ازحنا الجدار مع مصر والأردن ولبنان". وأعرب عن المعارضة الشديدة من إسرائيل لنقل موضوع الجدار إلى المحكمة الدولية(19).

هذا وقال مصدر سياسي كبير، بإن مسار الجدار سيقصر وسيزاح غرباً بإتجاه الخط الأخضر، ومعظم الجيوب التي خطط لها حول القرى الفلسطينية ستلغى، وحسب هذا المصدر فإنه "لا توجد نية لإجراء تخطيط جديد لكل مسار الجدار، بل إجراء تقصيرات متراكمة". وقال مدير مكتب رئيس الوزراء دوف فايسغلاس في لقاء مجموعة مستشرقين أن الخلاف على مسار الجدار يتمثل في فجوة من نحو 200 كم بين الخطة التي أقرتها الحكومة وبين الخط الذي يقترحه معارضو الجدار. وقدر بأن النتيجة ستكون في الوسط أي أن طول الجدار سيبلغ نحو 600 كم مقابل المسار بطول نحو 700 كم المخطط له اليوم. وسيشرح المسار المعدل لمبعوثي الإدارة الأمريكية خلال زيارتهم لإسرائيل(20). وفي أعقاب الضغط الدولي الكبير بحثت الحكومة في تغيير محتمل لمسار الجدار، وقالت محافل أمنية إسرائيلية، انه خلافاً لما نشر حول إعادة دراسة مسار الجدار، فإنهم لم يتلقوا أي تعليمات للإستعداد للتغيير، وقال مصدر امني كبير انه رغم الأقوال "فلن يكون تغيير في المسار في أقصى الأحوال، وسيصار إلى إدخال بعض تعديلات تجميلية عديمة المعنى"(21).

هذا وقد اقتنع شارون بأنه يجب تقصير مسار الجدار بنحو 100 كم والغاء الجدران التي خطط لها لتحيط بمستوطنات كرنيه شومرون، عمانويل، كدوميم، ويميل شارون إلى تقصير الجدار في منطقة جيب ارئيل، فحسب الجدار المقر، فإن ارئيل ستكون محاطة بما يشبه أصبع مقتحم من داخل المسار الرئيسي، ويحيط بالمدينة، وطريق الوصول إليها بجدار. كما ويجري فحص طرق عمل أخرى بينها اقتراح إلغاء "الأصابع"، واحاطة ارئيل بجدار وحراسة طريق الوصول إليها دون احاطتها بجدار. وتجري مداولات مختلفة داخل الحكومة الإسرائيلية في موضوع الجدار، ولكن لم يتخذ قرار بهذا الشأن(22).

وفي أعقاب الضغط الأمريكي الكبير والذي اثر بشكل دراماتيكي على السياسة الإسرائيلية، حيث رفضت النيابة العامة للدولة مقاطع كاملة من المسار الأصلي الذي سبق للحكومة أن صادقت عليه، وبالتوازي مع ذلك يجري ضغط على الجيش الإسرائيلي كي يخفف على الحياة اليومية للفلسطينيين(23) ، هذا وقد تبلورت صفقة تعطي الولايات المتحدة بموجبها إسرائيل ضوءاً اخضر لإنسحاب من طرف واحد من غزة، وبالمقابل تنفذ إسرائيل تعديلات على الجدار باتجاه الخط الأخضر وفقاً لمطالب الأمريكيين. وقد اجرى رئيس مكتب شارون اتصالات مع الأمريكيين بهذا الشأن، وابدى الأمريكيون الاستعداد لإعطاء ضوء اخضر لإنسحاب من طرف واحد وبالمقابل المصادقة على المسار النهائي للجدار بعد أن يقترب من الخط الأخضر، وبدون أي صلة بالصفقة، بدأت إسرائيل في 22/2/2004، بتفكيك قاطع من الجدار بطول 8 كم يفصل بين باقة الشرقية وبين أراضي الضفة الغربية، حيث أن مسألة الجدار الذي يحيط بباقة الشرقية كانت احد المواضيع المركزية التي اثارت النقد على إسرائيل، حيث ضم الجدار القرية إلى الطرف الإسرائيلي، وكان السبب في بنائه أن باقة الشرقية ترتبط عملياً بمدينة باقة الغربية، وقد بنى القاطع هذا من اجل عدم أرجاء تشغيل جدار الفصل في القاطع بين سالم والكانا. وقد قدرت كلفة التغيير في المسار بنحو 30 مليون شيكل(24).

وفي 25/2/2004، انتهى النقاش في محكمة العدل الدولية في هاغ، وفي هذه الأثناء طلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية من الدولة تشغيل 800 عامل أجنبي في بناء الجدار من اجل استكماله في موعده المحدد(25). هذا وقد عرضت إسرائيل على الإدارة الأمريكية خريطة معدلة لجدار الفصل مع مسار اقصر وأكثر منطقية، وحسب مصادر سياسية، فإن التغييرات الأساسية في المسار البديل مقارنة مع المسار الأصلي هي إلغاء الأصابع حول كدوميم وعمانويل وكارني شمرون، والغاء خطة نصب جدار مزدوج في جيب اريه قبالة مطار بن غوريون، وقدرت المصادر انه في الجيب الذي خطط له على طول طريق 443 (موديعين القدس) في منطقة معاليه بن حورون سيصار إلى إدخال بعض التعديلات بهدف إبقاء قدر اقل من الفلسطينيين في النطاق المحاط بالجدار. وقال شارون بأن الجدار سيمر شمالي طريق 443 وطريق 45 المجاورة له. وقد عرض المسار على الأمريكيين قبل مصادقة الحكومة عليه كبديل فقط وليس كقرار ناجز(26).

وفي 30/6/2004، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يلزم الجهات المختصة بتغيير مسار 30 كم من الجدار في منطقة شمال غرب القدس، وجاء قرار المحكمة في إطار البت بالإلتماس الذي قدمه المحامي محمود دحلة نيابة عن سكان ثماني قرى يعيش فيها أكثر من 32 ألف مواطن فلسطيني(27). ويميل كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، إلى طرح توصيات جديدة بشأن مسار الجدار، وذلك في أعقاب القرارات التي اصدرتها المحكمة العليا والتي تنص على تعديل مسار الجدار في عدة مقاطع. وتنص التوصيات على تقريب المسار من الخط الأخضر بل وإقامته داخل إسرائيل في معظم المناطق، وعدم الفصل بين السكان الفلسطينيين وأراضيهم وإقامة الجدار على مسافة كيلو متر واحد من أي قرية عربية(28).

وفي 11/7/2004، أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قراراً جديداً يقضي بوقف وتجميد أعمال البناء في الجدار مؤقتاً في مقطع دير بلوط ورافات والزاوية غرب محافظة سلفيت، وذلك إلى حين اتخاذ قرار نهائي اثر تعهد القائد العسكري للمنطقة بإعادة فحص تعديل الجدار، وتغيير مساره باتجاه الخط الأخضر(29).

وفي أعقاب إعلان قرارات محكمة العدل الدولية وذلك في 9/7/2004، والتي تقضي بهدم الجدار ودفع تعويضات عن أية خسائر تسبب بناؤه فيها، حيث حصل القرار على تأييد 150 دولة بينها الدول الـ 25 الأعضاء في الإتحاد الأوروبي ومعارضة 6 دول في مقدمتها الولايات المتحدة، وامتناع 10 دول عن التصويت، أمر رئيس الوزراء شارون بمواصلة البناء في الجدار، وصدر قراره ذلك في بيان صادر عن رئاسة الحكومة بأن شارون "أمر بمواصلة الأشغال اثر مشاورات وزارية بعد 48 ساعة من إعلان محكمة العدل الدولية، كما أعطى تعليمات بمواصلة النضال ضد رأي محكمة العدل الدولية بكل الوسائل السياسية والقانونية".

وقال شارون لدى افتتاحه الجلسة الأسبوعية لحكومته أن إسرائيل "ترفض كلياً رأي محكمة العدل الدولية. إنه رأى أحادي الجانب لا تقف وراءه سوى اعتبارات سياسية وتجاهل كلياً سبب بناء الجدار الأمني وهو الإرهاب الفلسطيني". وطلب شارون خلال الجلسة من ميني مزوز المستشار القضائي وممثلي وزارة العدل، أن يرفعوا له بأقصى سرعة تحليلاً قضائياً لقرار محكمة لاهاي، وان تقدم إليه توصيات بشأن الخطوات القضائية الممكن اتخاذها مستقبلاً للتصدي لقرار المحكمة الدولية. وعقدت الجلسة الأسبوعية هذه في أعقاب انفجار وقع في تل أبيب، حيث عقب نتنياهو على ذلك بأن هذه العملية تعد برهاناً آخر على وجوب اكمال الجدار وفقاً للقرار الذي اخذته الحكومة. وقال "أن قضاة المحكمة الدولية توصلوا إلى استنتاجهم قبل بدء النظر في قضية الجدار، مشيراً إلى انه لزاما على إسرائيل مواصلة استكمال بناء الجدار كما حددته الحكومة، مما يمنع المتسللين والمسلحين الفلسطينيين من العبور لإسرائيل وتنفيذ عمليات(30).

وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية التي قررت تجاهل رأي محكمة لاهاي، بأنها ملتزمة فقط بقرار المحكمة الإسرائيلية العليا، وحسب احد بنود القرار المعتمدة، فإن الجدار يجب أن يبعد مسافة كيلومتر  على الأقل عن آخر منزل في قرية فلسطينية، كما ويقضي القرار بتعديل مسار قطاع من الجدار قرب القدس لتقليص الأضرار التي يسببها للمواطنين الفلسطينيين، وبأن الجدار لن يعزل المزارعين عن أراضيهم(31).

وفي 26/7/2004، قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية، بأنها عدلت مسار جزء من الجدار، بحيث لا يتغلغل الجدار بعمق كبير داخل أراضي الضفة الغربية، وقالت متحدثة بإسم وزارة الدفاع بأن المسار الجديد لقطاع طوله نحو 30 كم من الجدار بالقرب من القدس استكمل تعديله، وينتظر موافقة شارون وموفاز(32).

وفي 6/9/2004، قال موفاز أن المخططين الإسرائيلين اعادوا رسم مسار جدار مخطط له أن يمر بجنوب الضفة الغربية من اجل تجنب انتزاع أراضي، حيث كان من المقرر أن يلتف قطاع طوله 60كم حول عدة مستوطنات في جنوب الخليل، ولكن بموجب التعديل المقترح سيسير بمحاذاة الخط الأخضر(33).

الهوامش


(1) جدار الفصل العنصري في فلسطين-حقائق شهادات تحليل ــ للعمل-شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية-2003

(2) الجزيرة نت-قسم البحوث والدراسات،29/9/2003

(3) التقرير الأسبوعي حول الإنتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية-المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان،18-24ديمسمبر2003.

(4) المرجع السابق.

(5) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان-29يناير -11فبراير 2004.

(6) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 2-8 سبتمبر 2004.

(7) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، 15 سبتمبر 2004.

(8) هآرتس، 25/12/2004.

(9) معاريف،6/9/2004.

(10) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان،25 نوفمبر-1ديسمبر 2004.

(11) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان،26 فبراير-3 مارس 2004.

(12) القدس، 1/8/2004.

(13) معاريف، 6/9/2004.

(14) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، 18-24 نوفمبر 2004.

(15) يديعوت، 15/1/2004.

(16) يديعوت، 16/1/2004.

(17) معاريف، 18/1/2004.

(18) هآرتس، 19/1/2004.

(19) يديعوت، 25/1/2004.

(20) هآرتس، 8/2/2004.

(21) معاريف، 10/2/2004.

(22) يديعوت، 13/2/2004.

(23) معاريف، 12/2/2004.

(24) معاريف، 22/2/2004.

(25) معاريف، 26/2/2004.

(26) هآرتس، 29/2/2004.

(27) القدس، 11/7/2004.

(28) القدس، 8/7/2004.

(29) القدس، 12/7/2004.

(30) المرجع السابق.

(31) الأيام، 14/7/2004.

(32) الأيام، 27/7/2004.

(33) يديعوت، 7/9/2004.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م