الجمهور الإسرائيلي والسلام مع الفلسطينيين

في النصف الثاني من عام 2004

عاطف الملسمي

من خلال قراءة نتائج استطلاعات الرأي الإسرائيلية المتعلقة بالسلام مع الفلسطينيين التي أُجريت في النصف الثاني من عام 2004، نرى أن خطة فك الإرتباط وتداعيات وفاة الرئيس عرفات على مستقبل السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، قد شغلتا معاً الحيز الأكبر في هذه الإستطلاعات، واظهرتا أن موضوع التسوية مع الفلسطينيين سواء من جانب واحد أو من خلال المفاوضات، لازال يقف على رأس سلم إهتمام الشارع الإسرائيلي.

فبعد مضي أكثر من أربع سنوات على اندلاع المواجهات في الأراضي الفلسطينية وما تخللها من سقوط ضحايا من الطرفين، وتبدل ثلاث حكومات في إسرائيل ومعركتين انتخابيتين، يرى الجمهور الإسرائيلي أنه حان الوقت لحسم هذه القضية والخروج على اقل تقدير من غزة. وفي ذروة انشغال هذه الإستطلاعات بهاتين القضيتين المركزيتين، لم يكن هناك متسع للإنشغال بقضايا أخرى، وان جاءت على ذكر إمكانية تجدد المفاوضات مع سوريا، ومرت بشكل عابر على موضوع جدار الفصل الذي يوجد عليه شبه إجماع في الشارع اليهودي في إسرائيل وهو لا يحتاج إلى مزيد من التحليل.

أولا: خطة فك الإرتباط

1- الأغلبية تؤيد

لازالت خطة فك الإرتباط تحظى بتأييد أغلبية الجمهور اليهودي في إسرائيل، وإن طرأ انخفاض طفيف على هذا التأييد في نهاية يوليو نتيجة لبذور عدم الإستقرار في قطاع غزة. كما تؤيد أغلبية ملموسة في الشارع الإسرائيلي التدخل المصري للتوسط في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وإن ظهر إنقسام واضح بين الجمهور حول قدرة مصر على أن تكون وسيطاً نزيهاً.

وقد أظهرت نتائج الإستطلاعات التي اجريت في أوائل يونيو 2004 بعض التباين في الأرقام حول حجم التأييد لخطة فك الإرتباط داخل الجمهور اليهودي بصفة عامة والجمهور الليكودي بصفة خاصة، إلا أنها اجمعت على أن أغلبية واضحة لدى هذا الجمهور تؤيد خطة رئيس الوزراء القاضية بالإنسحاب من غزة وبعض مستوطنات الضفة الغربية. فقد أشار استطلاع للراي أجراه معهد ديالوغ ونشرت نتائجه في هآرتس 4/6/2004، أن 59% من الإسرائيليين يؤيدون فك الإرتباط الذي يتضمن إخلاء مستوطنات من قطاع غزة والضفة الغربية بشكل تدريجي مقابل معارضة 34%(1). وفي 11/6/2004، نشرت معاريف استطلاعاً للرأي أجراه معهد تلسيكر أشار إلى أن 57% من الإسرائيليين يؤيدون مخطط الفصل التدريجي الذي صادقت عليه الحكومة يوم 6/6/2004(2).

ويتضح من نتائج الإستطلاعات التي اجريت في شهر يوليو الماضي، الذي شهد جذوة التمرد الليكودي ضد مخطط الفصل الذي طرحه أرئيل شارون، أن 65% من الإسرائيليين عامة و61% من ناخبي الليكود يؤيدون مخطط الفصل، فيما يعارضه 29% من الإسرائيليين و34% من ناخبي الليكود(3). وبحسب الأرقام الواردة في مقياس السلام لشهر يوليو الماضي، أيد 60% من الجمهور اليهودي خطة فك الإرتباط، مقابل معارضة 34%، (كانت النسبة في شهر يونيو 66% وفي مايو 65% حسب مقياسي السلام لهذين الشهرين).

ويعزى هذا التراجع في حجم التأييد للخطة كما ذكرنا آنفاً إلى حالة عدم الإستقرار التي عاشها قطاع غزة في شهر يوليو الماضي. وحسب الإستطلاع حظيت الخطة بتأييد الأغلبية الكاسحة من ناخبي حزب العمل 89% وفي صفوف ناخبي شينوي 86%، أما عند ناخبي المفدال والإتحاد الوطني الذين يمثلون النواه الصلبة للمستوطنين، فقد جاءت النتيجة معاكسة، حيث عارض الخطة 84% من ناخبي المفدال و70% من ناخبي الإتحاد الوطني(4). وقد استمر حجم التأييد للخطة على حاله في شهر اغسطس، حيث سجل 60.4% فقط، أي بزيادة قدرها اقل من النصف في المائة عن شهر يوليو.

وفي ظل ارتفاع وتيرة الإحتجاجات على الخطة في معسكر اليمين المتطرف، وبخاصة المستوطنين، حيث يُرفع لواء حظر التنازل عن أجزاء من ارض إسرائيل لاسباب دينية وتاريخية وأمنية، اعتبر 37% من المستطلعين، أن معارضي الإنسحاب على حق، وفي المقابل (المعسكر المؤيد للخطة)، اعتبر 51% أن التنازل عن بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعتبر أكثر عدلاً إذا كان مرهوناً بتحقيق السلام، وتعتقد أغلبية في الجمهور اليهودي أن معارضي الإنسحاب من غزة أفضل تسويقاً لمواقفهم. أما في قضية المفاوضات الإئتلافية لضم حزب العمل إلى الحكومة، تلك المفاوضات التي انتهت برفض مركز الليكود الذي انعقد في 21/8/2004 دخول حزب العمل إلى الحكومة. اعتبر 43% من المُستطلعين، أن على حزب العمل أن يتنازل عن حقه في انتقاد سياسة الحكومة الإقتصادية والإجتماعية، من اجل دفع خطة فك الإرتباط إلى الأمام. فيما قال 44% إن عليه أن يكتفي بدعم الحكومة من الخارج في التصويت على خطة فك الإرتباط. مع ذلك قالت أغلبية الجمهور (61.5%) أن ضم حزب العمل للحكومة سيخدم في الأساس مصالح شارون السياسية(5).

ويُفسر التضارب في نتائج الإستطلاعات المتعلقة بموقف الجمهور الإسرائيلي من خطة فك الإرتباط بالبلبلة التي يعيشها الجمهور الإسرائيلي، نتيجة لتباين المواقف الحاد داخل حكومة شارون من جهة وداخل الليكود ومعسكر اليمين من جهة أخرى، وإن كانت هناك أغلبية مؤيدة تفوق الـ55% وتصل إلى 65% قد استقرت في جميع الإستطلاعات الخاصة بالجمهور الإسرائيلي بشكل عام وما نسبته 50% إلى 61% بالنسبة لناخبي الليكود، الأمر الذي يوفر لرئيس الوزراء ارئيل شارون غطاءً شعبياً مريحاً للسير قدما في تنفيذ خطته بعد أن استطاع تمريرها في الحكومة (الأحد 6/6/2004).

في الربع الأخير من العام 2004، استمر التأييد الكبير لخطة فك الإرتباط مع ارتفاعه باطراد نتيجة لإصرار شارون على التمسك بها رغم العراقيل التي يضعها اليمين الإسرائيلي المتطرف أمامه لثنيه عن الإستمرار. فقط اظهر استطلاع للرأي نشرته يديعوت احرنوت 8/10/2004، ازدياد حجم التأييد لخطة فك الإرتباط من 58% إلى 65% وانخفاض حجم المعارضة من 27% إلى 25%، بجانب ربط الجمهور الإسرائيلي تنفيذ الخطة بإمكانية تحسن الأمن في إسرائيل. كما اعتبر 58% من الإسرائيليين أن الخروج من غزة وبعض المستوطنات في الضفة الغربية سيحسن الشعور بالأمن في إسرائيل. وقال 28% سيضعف.  

وحول احتمال أن يساهم تطبيق الخطة في إحياء فرص التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، اعتبر 38% (نسبة ليست قليلة قابلة للإرتفاع)، انه سيحسن هذه الفرص، مقابل 43% قالوا لن يحسن و14% سيقلل. وكدليل على استقرار ورسوخ التأييد لخطة رئيس الوزراء. أشار استطلاع السلام لشهر سبتمبر 2004 أن 60% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يؤيد الخطة مقابل معارضة 30%. وعلى المستوى الحزبي تبين من الإستطلاع أن 53.1% من ناخبي الليكود يؤيدون الخطة. أما في أحزاب الوسط واليسار، فكانت النتيجة على النحو التالي في ميرتس 100%، وفي العمل81.7% وفي شينوي 79.2%. أما في احزاب اليمين فكانت النتيجة على النحو التالي، الإتحاد الوطني 12.5%، المفدال 13.3%، شاس 35.7%.

في شهر أكتوبر الماضي طرأ ارتفاع كبير على حجم التأييد لخطة فك الإرتباط، عندما أيد 65% من الجمهور اليهودي الخطة، مقابل معارضة 26%. وأشار استطلاع داحف ليديعوت احرونوت 26/10/2004، أن نصف الجمهور اليهودي تقريبا (47%) يجهلون تماما مضامين خطة فك الإرتباط، مقابل 53% قالوا أنهم يعرفون مضامينها، مع استمرار نسبة كبيرة 40% من الجمهور في تأييد أن يتم حسم هذه القضية من خلال استفتاء شعبي، مقابل 39% اكتفوا بمصادقة الكنيست. وفي استطلاع آخر لمعهد تلسيكر، نشرته معاريف 27/10/2004، قال 50% من المستطلعين، انه ينبغي إجراء استفتاء شعبي على خطة فك الإرتباط. وأبان الإستطلاع أن 59% من الجمهور اليهودي يؤيد الخطة.

2- أغلبية تؤيد الإستفتاء الشعبي

عندما تتناول استطلاعات الرأي الإسرائيلية قضية فك الإرتباط مع الفلسطينيين، فإنها بالضرورة تعالج عدة نقاط مرتبطة بهذه القضية، ويأتي في مقدمتها قضية إخلاء المستوطنات، وهي القضية الأهم من وجهة نظر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، نظراً لازدياد دعوات التمرد والعصيان على الإخلاء التي تصدر من داخل اليمين المتطرف ومن قادة المستوطنين، مع بروز أصوات تنادي بضرورة إجراء استفتاء شعبي قبل الدخول إلى تنفيذ خطة فك الإرتباط. ففي نهاية أيلول سبتمبر 2004، كانت هناك أغلبية كبيرة تؤيد إجراء استفتاء شعبي بجانب تأييدها لخطة فك الإرتباط. وتفسير ذلك أن قضية إجراء استفتاء شعبي كانت مطروحة من جانب عدة قوى يمينية فاعلة سواء في الحكومة أو الليكود. فقد اظهر استطلاع للرأي أجراه معهد تلسيكر ونشرته معاريف 15/9/2004، أن 69% من الشارع الإسرائيلي يؤيد إجراء استفتاء شعبي على خطة فك الإرتباط، فيما اكتفى 26% بتصويت الكنيست. وقد أشار الإستطلاع إلى انه في حال إجراء استفتاء شعبي فإن أغلبية كبيرة 82% ستشارك فيه. وخلال الإستطلاع قال 58% من الذين اعلنوا أنهم سيشاركون في هذا الإستفتاء أنهم سيؤيدون خطة فك الإرتباط، مقابل 29% ضد، وهذا الرقم يؤكد أن حجم التاييد لخطة فك الإرتباط لازال كبيراً. كما يعتقد 67% من الجمهور الإسرائيلي أن على شارون الإستمرار نحو تنفيذ خطته رغم معارضة منتسبي الليكود لذلك.

3- إخلاء المستوطنين وتعويضهم

قضية استيعاب وتعويض المستوطنين الذين سيتم إخلاؤهم في نطاق تنفيذ خطة فك الإرتباط والإنسحاب من غزة وبعض مستوطنات الضفة الغربية، إحدى القضايا الأمنية التي شرعت حكومة شارون في وضع الحلول لها منذ أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي تنفيذ الخطة. وعلى الرغم من عدم اتخاذ قرار حكومي بصدد مستقبل المستوطنات في الضفة الغربية. فإن أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تؤيد اقتراح الحكومة دفع تعويضات مالية محترمة للمستوطنين الراغبين بالرحيل إلى داخل الخط الأخضر. كما أن التقدير السائد في صفوف الجمهور الإسرائيلي هو أن المستوطنات تضعف مصلحة إسرائيل القومية، وان الحكومة تصرف على المستوطنات بإسراف، مع ذلك كانت هناك أقلية مؤيدة لإخلاء كل أو أغلبية المستوطنات في الضفة الغربية، في إطار التسوية الدائمة. وبقراءة النتائج التي افرزها مقياس السلام لشهر آب الماضي (2004). نرى أن 72% من اليهود يؤيدون بدرجات متفاوتة اقتراح الحكومة منح مستوطني الضفة الغربية الراغبين في الإنتقال إلى إسرائيل الآن منحاً مالية، فيما عارض 22% ذلك. أغلبية ناخبي الأحزاب باستثناء ناخبي شاس الذين يعارض 53% منهم إعطاء تعويضات، يؤيدون الإقتراح بما فيهم ناخبي المفدال الذين أيد 54.4% منهم هذا الإقتراح مقابل معارضة 45.5% ذلك. والتعليلات الأبرز لمعارضة إعطاء تعويضات، هي أن تكلفتها ستكون باهظة جداً، وان المستوطنين قد انتقلوا برغبتهم، لذلك لا يحق لهم الحصول على المال مقابل الإخلاء.

وبالنسبة للقيمة الفعلية للمستوطنات. اعتبر 48% من المستطلعين اليهود، أن المستوطنات تضعف المصلحة القومية الإسرائيلية، مقابل 38% اعتبروا أنها تعزز هذه المصلحة. وكذلك الحال اعتبر 44% منهم أن الحكومة تصرف على المستوطنات بصورة مسرفة، مقابل 25.5% اعتبروا أن الصرف يتم حسب الطلب.

وبحسب الإستطلاع  يعتقد 17% من جمهور المُستطلعين أن على الحكومة إخلاء كل المستوطنات في الضفة الغربية، و15% مع إخلاء أغلبية المستوطنات، فيما أيد 37% منهم إخلاء كل المستوطنات الموجودة داخل أو بجوار التجمعات الفلسطينية، فيما عارض 25% إخلاء المستوطنات حتى في إطار تسوية دائمة. ورداً على سؤال هل كانت المستوطنات في الأراضي الفلسطينية مبررة من ناحية تاريخية، أجاب 48% أن دولة إسرائيل كانت على حق عندما شجعت إقامة المستوطنات، وقال 43% أنها سياسة خاطئة. وبالنسبة لأحياء القدس العربية التي تم ضمها عقب حرب يونيو 1967، مثل النبي يعقوب وجيلو، قال 25% من المستطلعين أن هذه الأحياء لا تعتبر أراضي فلسطينية يمكن التفاوض عليها، مقابل 19% اعتبروها أراضي فلسطينية قابلة للتفاوض. والشيء المفاجئ في هذا الإستطلاع، أن اقلية بسيطة 26.4% تعتبر معليه ادوميم وأرئيل مستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية قابلة للتفاوض، فيما اعتبرها 50.4% ليست ضمن الأراضي الفلسطينية. وحسب الإستطلاع عارض 26.5% التنازل عن معاليه ادوميم في إطار سلام دائم، فيما عارض 63% التنازل عن آرئيل. وبصدد كريات أربع جاءت الآراء أكثر إنقساماً 38% قالوا إنها مستوطنة في الأراضي الفلسطينية و21% عكس ذلك. أما غوش عتصيون ومستوطنات الغور (معاليه إفرام، وكاليا، وفيرد يريحو)، فقد حظيت بمواقف منقسمة مع ميل لإعتبارها مستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية. 31% اعتبروا غوش عتصيون مستوطنة في الأراضي الفلسطيني، و25% اعتبروا أن مستوطنات الغور داخل الأراضي الفلسطينية. وقد عارضت الأغلبية 42% التنازل عن هذه المستوطنات في إطار تسوية دائمة، مقابل 29% أيدوا ذلك. وبالنسبة لكريات أربع عارض 53% التنازل عنها في إطار تسوية دائمة، مقابل 24.5% عكس ذلك، وعن غوش عتصيون، عارض 50.5% التنازل عنها في إطار تسوية دائمة، مقابل 19.5% عكس ذلك. وبصدد قطاع غزة قال 51% من المستطلعين، أنها أراضي محتلة مقابل 39% اعتبروها عكس ذلك.

4- مصير المستوطنات

أظهرت نتائج استطلاع مقياس السلام لشهر يونيو الماضي (2004)، أن اكثرية الإسرائيليين تؤيد هدم المستوطنات اليهودية المقرر إخلاؤها في نطاق خطة فك الإرتباط. فحسب الإستطلاع أيد 52.5% من الإسرائيليين اليهود هدم جميع البيوت والبنى والإنشاءات التحتية القائمة في هذه المستوطنات بصورة تامة (كما حدث في مستوطنة يميت في سيناء عقب توقيع معاهدة السلام بين اسرائيل ومصر عام 1979)، وذلك لمنع الفلسطينيين من استخدامها والإستفادة منها فيما فضل 34% إبقاء المباني والبنى التحتية الإستيطانية في مكانها حتى لو كان الفلسطينيون سيستغلونها. وأعرب 6% عن اعتقادهم انه يجب هدم المباني وترك البنى التحتية لإستخدام الفلسطينيين.

وردا على سؤال آخر، أعرب 63% عن اعتقادهم أن احتمال لجوء المستوطنين لمقاومة عملية إخلاء المستوطنات بقوة السلاح، هو احتمال ضئيل، ورأى 19% أن هذا الإحتمال "متوسط" في حين رأى 13% أن هذا الإحتمال وارد بدرجة عالية. وحول سؤال بشأن سلم الأولويات الذي يتعين على الحكومة العمل من اجله، وضع 48% موضوع الأمن والعلاقات مع الفلسطينيين في المكان الأول(6).

5- عنف في مواجهة الإخلاء

تباينت مواقف الجمهور اليهودي في إسرائيل من التهديدات باستخدام العنف لمقاومة الإخلاء التي صدرت عن المستوطنين وقادتهم. فقد أشارت نتائج الإستطلاعات في الأشهر الثلاثة الماضية، أن أغلبية في الشارع اليهودي 70% ترى أن إخلاء المستوطنات في قطاع غزة ما هو إلا مجرد بداية وبعدها سيأتي أمر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية. ومع هذه القناعة بأن الإخلاء أمر مفروغ منه، أيدت نسبة عالية من هذا الجمهور 66% الخروج في حملات مناهضة للإخلاء، مثل التي خرجت إلى مستوطنات غوش قطيف في بداية أكتوبر الماضي.

وحول مدى التخوف الشعبي من إمكانية اندلاع حرب أهلية إذا نُفذ فك الإرتباط، أجاب 58% بالنفي، في استطلاع لمعهد داحف نشرته يديعوت احرونوت في 8/10/2004، فيما قال 41%نعم يوجد هناك احتمال باندلاع مثل هذه الحرب.

بؤرة التأييد للعصيان والتمرد، تتمركز في أوساط اليمين المتطرف والمستوطنين إلا أن هذا الإحتجاج ودعوات التمرد لم تؤد إلى أي تراجع في دعم الجمهور اليهودي في إسرائيل لخطة فك الإرتباط. فحسب مقياس السلام لشهر سبتمبر 2004، أعربت أغلبية الجمهور اليهودي عن اعتقادها أن رئيس الوزراء شارون سيفلح في تطبيق خطته رغم المعارضة داخل حزبه وفي أوساط اليمين. ففي الوقت الذي كشف الإستطلاع عن تأييد 60.7% من الجمهور اليهودي لخطة شارون، أشار ايضاً إلى أن 86.3% من هذا الجمهور يؤيد الإحتجاج القانوني مقابل 6.5% يؤيدون الإحتجاج بعنف. وقال 89.8% من المستطلعين، إنهم يعارضن لجوء الجمهور إلى القوة بما في ذلك استخدام السلاح لمنع الحكومة من تنفيذ سياسة تبدو لهم غير مقبولة. فيما وافق 7.2% على اللجوء للقوة لمقاومة سياسات الحكومة غير المقبولة لديهم.

وبترجمة النسب إلى تعداد، فإن النتائج تشير إلى التشاؤم، فحسب تعداد سكان إسرائيل يظهر أن نصف مليون شخص يؤيدون العصيان المدني غير العنيف، وان 30 ألف يؤيدون العصيان العنيف.

نسبة تأييد العصيان المدني كانت منخفضة جداً في احزاب اليسار واليمين معاً، خصوصاً إذا كان عصياناً عنيفاً ويتضمن استخدام السلاح. وعلى خلفية هذه النتائج والأرقام لا غرابة أن تكون هناك نسبة كبيرة في أوساط الجمهور اليهودي 40% تقدر أن هناك خطراً عالياً جداً لنشوب حرب أهلية في إسرائيل، بينما تقدر أغلبية صغيرة 54.6% أن هذا الخطر منخفض جداً أو منخفض.

وحول مدى شرعية مقاومة الإخلاء، اعتبر 58% من الجمهور اليهودي حسب استطلاع معهد تلسيكر لمعاريف 15/9/2004، أن ذلك عمل غير شرعي مقابل 34% اعطوه صفة الشرعية. وفي استطلاع آخر أجراه معهد داحف وسط مستوطني قطاع غزة ونشرته يديعوت احرنوت. 22/12/2004. قال 38% من المستوطنين سأخلي دون مقاومة، فيما رد 42% بأنهم سيرفضون الأخلاء دون استخدام عنف جسدي و10% قالوا إنهم سيقاومون في ظل استخدام عنف ،فيما قال 10% أيضا أنهم لم يقرروا بعد شكل المقاومة التي سيتبعون. وبالإجابة على سؤال كيف سيتصرف معظم مستوطني الضفة الغربية وقطاع غزة أثناء الإخلاء، أجاب 11% من إجمالي المستوطنين أنهم سيخلون دون مقاومة، و46% قالوا إنهم سيرفضون الإخلاء دون استخدام العنف، و27% قالوا أنهم سيقاومون في ظل استخدام العنف الجسدي.

وحول مدى التأييد لنداء مجلس يشع للمستوطنين بخرق القانون، قال 47% من إجمالي المستوطنين إنه مع هذا النداء وعارضه 40% و13% بدون اجابة.

وحول مدى تبرير استخدام العنف لمقاومة الإخلاء، أجاب 19% انه مبرر و47% انه غير مبرر، و7% لا اجابة. وحول مدى الخطر على دولة إسرائيل الذي تشكله مقاومة الإخلاء، أجاب 68% من الجمهور اليهودي انه يشكل خطراً على إسرائيل، فيما اعتبر 27% أنه لا يشكل أي خطر على إسرائيل.

ثانياً: تداعيات وفاة الرئيس عرفات

كان لمرض ووفاة الرئيس ياسر عرفات صدىواسعاً لدى الشارع الإسرائيلي. إنعكس من خلال تعاملهم مع استطلاعات الرأي التي تناولت هذه القضية، حيث أخذت أغلبية في الجمهور اليهودي في إسرائيل إلى الميل إلى التفاؤل أكثر من السابق تجاه فرص تحقيق السلام مع الفلسطينيين واخذت تؤيد إجراء مفاوضات معهم.

ويأتي هذا على خلفية التقدير السائد بأن قيادة عرفات كانت سلبية عموماً حتى من وجهة النظر الفلسطينية، فقد أشار مقياس السلام لشهر نوفمبر الذي نشرته هآرتس في 7/12/2004، إلى أن 70%  من الجمهور اليهودي في إسرائيل أكثر تفاؤلاً اليوم بعد موت عرفات اتجاه احتمالات التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. على هذه الخلفية يمكن فهم الإرتفاع في مستوى التأييد للتفاوض مع الفلسطينيين الذي وصل إلى 75% بعد وفاة عرفات، ويفسر هذا التفاؤل المتزايد التقدير السائد لدى أغلبية الجمهور اليهودي في إسرائيل 86%، بأن عرفات شخصياً قد الحق الضرر في عملية السلام مع الفلسطينيين من ناحية مصلحة الشعب الفلسطيني ايضاً. ولا تتعلق التقديرات السلبية لياسر عرفات فقط في قضية العلاقات مع الفلسطينيين، وإنما بأمور أخرى، حيث ينقسم الجمهور اليهودي في إسرائيل حول منفعة عرفات أو ضرره لشعبه 50%، قالوا انه كان نافعاً فيما اعتبر 43% انه كان ضاراً.

نفس الشيء بالنسبة للكفاح من اجل تحقيق الإستقلال السياسي، فقد اعتبر 67% أن ضرره كان اكبر من نفعه و27% اعتقدوا العكس، بينما ادعى 83% أنه تسبب بضرر أكبر في قضية بلورة الحكم الديمقراطي للفلسطينيين، و87% اعتقدوا أنه أضر جدا بإمكانية تطوير الإقتصاد الفلسطيني. وبنظرة أكثر شمولية يعتبر ثلثا الجمهور اليهودي في إسرائيل أن عرفات قائد سيء إلى سيء جداً بالنسبة للفلسطينيين، فيما رأى 26% أنه كان قائدا جيداً إلى جيد جداً بالنسبة للفلسطينيين.

تقييم قيادة ياسر عرفات يختلف كلياً في أوساط الجمهور الإسرائيلي العربي. فقد اعتبره 75% من هذا الجمهور مفيداً في قضية طرح القضية الفلسطينية على المسرح الدولي، و65% بالنسبة للكفاح من اجل الإستقلال السياسي و61% في بلورة جهاز حكم ديمقراطي و59% في دفع عملية السلام. أما في الجانب الإقتصادي فقد قال 45% أن عرفات تسبب بالضرر.

ويعتقد 91% من الجمهور العربي في إسرائيل أن عرفات كان عموماً جيداً أو جيدا جداً في قيادته. وبالنسبة لفرص التوصل إلى تسوية، قال 58% من الجمهور العربي في إسرائيل، انه أكثر تفاؤلاً اليوم في إمكانية التوصل إلى هذه التسوية، فيما قال 21% أنهم اليوم أكثر تشاؤماً و14% يعتقدون انه لا تغيير يذكر بعد موت عرفات على ذلك.

وفي استطلاع للرأي نفذه مركز تامي شتاينمتس لأبحاث السلام بالتعاون مع برنامج أفانس لحل النزاعات والتقارب ونشرته هآرتس 21/12/2004، قال ثلثا الجمهور اليهودي في إسرائيل، إن عرفات كان زعيماً سيئاً إلى سيئ جداً بالنسبة للفلسطينيين، مقابل 27% قالوا انه كان جيداً لهم.

وبالنسبة لرفع القضية الفلسطينية على المسرح العالمي، قال 43% انه أسهم إيجابيا مقابل 50% قالوا إن إسهامه كان سلبياً. وأبدى 70% منهم تفاؤلاً اليوم بصدد فرص السلام بعد وفاة عرفات، فيما اعتبر 20% منهم أن وفاة عرفات لم تغير في الأمر شيئاً. وقد أبدت أغلبية كبيرة من الجمهور اليهودي 62% تشاؤمها من إمكانية ظهور قيادة فلسطينية قوية بعد الإنتخابات الفلسطينية مقابل 26% قالوا عكس ذلك.

ثالثاً: جدار الفصل

غاب جدار الفصل بشكل شبه تام عن استطلاعات الرأي الإسرائيلية في النصف الأخير من عام 2004، لأنه يوجد شبه إجماع على قضية بناء الجدار من كافة اطياف الجمهور اليهودي في إسرائيل وحجم التأييد لبنائه ثابت منذ فترة طويلة، ولا يتوقع أن يطرأ عليه أي تعديل في المنظور القريب، حيث يتضح من نتائج استطلاع السلام لشهر يونيو الماضي (2004)، أن الجدار الفاصل الذي تمضي إسرائيل في بنائه في الأراضي الفلسطينية المحتلة متجاهلة آثاره المدمرة على الفلسطينيين وحملة الإنتقادات الواسعة ضده، لا يزال يحظى بتأييد الأكثرية الساحقة من اليهود الإسرائيليين، حيث أيد بقوة 78% من المستطلعين اليهود مواصلة بناء جدار الفصل الذي لم يعارضه سوى 16% من الإسرائيليين(*).

وأعرب 62% من الجمهور اليهودي عن اعتقادهم، أن بناء الجدار ساهم في تحسين الشعور بالأمن لدى غالبية الجمهور الإسرائيلي، في حين رأى 4.5% فقط العكس. وقال 26% أن ذلك لم يؤثر على الشعور بالأمن لديهم(7).

وحول سؤال، إلى أي مدى اثر تحسن الشعور بالأمن على استعداد الإسرائيليين للتفاوض مع الفلسطينيين حول اتفاق سلام؟ كان الرأي الأكثر رواجا (42%) قالو بأنه لم يكن لذلك أي تأثير على الإطلاق، فيما أعرب 26.5% عن تقديرهم أن الأمر عزز الإستعداد للتفاوض مع الفلسطينيين، ورأى 17% العكس.

وحول تأثير بناء جدار الفصل على استعداد الطرف الفلسطيني للسعي قدما إلى حل سلمي، أظهرت نتائج الإستطلاع انقسام الإسرائيليين بالتساوي بين من يعتقد أن الجدار قلص من رغبة واستعداد الجانب الفلسطيني للبحث عن حل 36% ومن اعتقد أن ذلك لم يؤثر33%، في حين قال 14% فقط، أن بناء الجدار عزز استعداد الفلسطينيين للبحث عن حل.

وقد استمرت نسبة التأييد المرتفعة لبناء الجدار الفاصل خلال الربع الأخير من العام الماضي 2004، فقد أجرىّ استطلاع للرأي لصالح شبكة (ريشت) نشرته يديعوت احرنوت 8/9/204، اتضح منه أن 80% من الجمهور الإسرائيلي يؤيدون إقامة جدار الفصل ويعتقدون بأنه يجعل من الصعوبة على المنظمات الفلسطينية تنفيذ عمليات في إسرائيل. كما يظهر الإستطلاع أن أغلبية الجمهور تعتقد أن أسباب تأجيل بناء الجدار هي سياسية حزبية، فيما اعتبر 59% من الجمهور أن تأخير بناء الجدار ناتج عن قصور من الحكومة ليس إلا.

الخاتمة

من خلال استعراض نتائج استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي أجريت في النصف الثاني من عام 2004، تبرز عدة نقاط أساسية أهمها:

1-   استمرار التأييد الكبير لخطة فك الإرتباط بغض النظر عن المناورات السياسية والحزبية الدائرة في إسرائيل.

2-   التقدير السائد لدى أغلبية الجمهور الإسرائيلي أن إخلاء مستوطنات غزة ما هو إلا بداية لإخلاء مستوطنات الضفة الغربية.

3-   نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي لا تؤيد استخدام العنف لمقاومة الإخلاء.

4-   نسبة عالية في الجمهور اليهودي تؤيد هدم المستوطنات التي سيتم إخلاؤها، وتدمير البنى التحتية فيها، حتى لا يستفيد منها الفلسطينيون.

5-   هناك شبه تخوف أن تؤدي المقاومة العنيفة للإخلاء لإندلاع حرب أهلية في إسرائيل.

6-   أغلبية كبيرة في إسرائيل تعتبر أن قيادة عرفات كانت سلبية ومدمرة على الفلسطينيين.

7-   ارتفاع التأييد لإستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بعد رحيل عرفات.

8-   لم يطرأ أي تغير على حجم التأييد المرتفع لبناء جدار الفصل.


 

الهوامش


 

(*) يسجل هنا تراجع بست نقاط عن حجم التأييد للجدار في شهر شباط فبراير أثناء بداية انعقاد جلسات محكمة العدل الدولية العليا في لاهاي للنظر في قانونية الجدار الفاصل، حيث سجل حجم التأييد للجدار 84% وجاءت كردة فعل إسرائيلية شعبية على المحكمة.


 

(1) القدس، 5/6/2004.

(2) القدس، 12/6/2004.

(3) القدس، 24/7/2004.

(4) مقياس السلام لشهر يوليو، هآرتس، 10/8/2004.

(5) مقياس السلام لشهر يوليو، هآرتس، 10/8/2004

(6) مقياس السلام لشهر يونيو، الأيام، 10/7/.2004

(7) مقياس السلام، لشهر يونيو، 10/7/2004


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م