حكومة الوحدة الوطنية

حكومة فك الإرتباط

عاطف المسلمي

يوم الأربعاء 5/1/2005 تم تذليل آخر عقبة في الطريق نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية بين الليكود والعمل هي الخامسة في تاريخ حكومات إسرائيل، وذلك حين صادق الحاخام يوسين إليشيف (93 عاماً) كبير حاخامات الحزب الديني يهدوت هتوراه على دخول حزبه إلى الائتلاف دون شغل أي منصب وزاري لمدة ثلاثة أشهر تحت الاختبار. وبهذا تمكن شارون من عرض حكومته على الكنيست يوم الاثنين 10/1/2005 لنيل الثقة. وجاءت هذه الموافقة بعد أن تلاعب الحاخام إليشيف بأعصاب رئيس الوزراء شارون على مدى أسبوع. وكان شارون قد نجح في تذليل عقبة أخرى حين صادقت الكنيست على مشروع تعديل قانون الحكومة او ما يسمى بقانون بيريس، الذي يسمح باستحداث منصب قائم ثان بأعمال رئيس الحكومة. وقد وقع الطرفان العمل والليكود 30/12/2004 اتفاقاً ينص على أن يصبح بيريس الرجل الثاني لشارون. ويعتبر أهم وزير في الحكومة بعد رئيس الوزراء، على أن لا يؤثر هذا الاجراء على صلاحيات نائب رئيس الوزراء ورئيس الوزراء بالوكالة وفقاً للقانون، ويتولى وزير التجارة والصناعة إيهود أولمرت هاتين الوظيفتين. وقد عجل الطرفان بتوقيع الاتفاق اختصاراً للوقت لأن هذا التعديل الذي صادقت عليه الكنيست كمشروع قانون سيتطلب وقتاً طويلاً حتى يصبح قانوناً، مما سيؤخر أداء ثمانية نواب عماليين اليمين أمام الكنيست. وهكذا بوجود الحزب الديني يهدروت هتوراه يكون شارون قد ضمن خمسة مقاعد جديدة للحكومة وأمن لنفسه أغلبية مريحة نسبياً تفوق 64 مقعداً من أصل 120 في الكنيست.

ومما لا شك فيه أن هذا التحالف الذي أخفق شارون في تحقيقه الصيف الماضي نتيجة لمعارضة حزبه الشديدة لدخول حزب العمل إلى الحكومة، قد تحقق الآن بعد أن تغلب شارون على خصومه في الليكود، بعدما أدرك أن معارضتهم لدخول العمل إلى الحكومة لم تكن معارضة أيدولوجية، بل كانت في واقع الحال معارضة منطلقة من مصالح شخصية ضيقة من قبل الوزراء، خوفاً على حقائبهم الوزارية.

ومع المناورة الواسعة التي لجأ إليها شارون بتفكيك تحالفه أولاً مع الحزب القومي (الاتحاد الوطني) ومن ثم مع حزبي المفدال وشينوي، استطاع أن يضع وزراء الليكود وأعضاء الكنيست أمام الامتحان الأصعب، فإما التحالف مع حزب العمل وإما الذهاب إلى انتخابات مبكرة(1). مما يعني أن الكثير من أعضاء الحكومة والكنيست من الليكود لن يعودوا لمواقعهم بعد الانتخابات التمهيدية. وهكذا عالج شارون أعضاء حزبه بذات الدواء الذي استخدموه معه، وهو الابتزاز السياسي.

أما لماذا حكومة وحدة وطنية قومية مع العمل وليس ائتلافه السابق، فإن ذلك يعود لتقديرات معروفة في السياسة الداخلية الإسرائيلية، حيث أنه عند المنعطفات الهامة والخطيرة التي تريد إسرائيل اجراؤها فإنه ينبغي موافقة واتفاق الحزبين المركزيين الكبيرين لتمرير هكذا خطوة، خاصة في وضع يزداد فيه التطرف السياسي في المجتمع الاسرائيلي بأشكال مختلفة. ومع وصول شارون لقناعة بأن الظرف السياسي دولياً وإقليمياً قد نضج لإحداث تحول سياسي خطير بتنفيذ مشروعه للفصل أحادي الجانب، وجد شارون أن خير شريك يستطيع المضي معه في تنفيذ مشروعه هو حزب العمل الذي لديه استعداد من حيث المبدأ للمضي بتسوية إقليمية مع الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه لا يختلف معه بشأن الاستيطان والكتل الاستيطانية والحدود وعودة اللاجئين، وكذلك جوهرياً فيما يتعلق بالقدس.

وبالنسبة لحزب العمل المأزوم منذ أن قوض مكانته وسمعته إيهود باراك رئيسه السابق الذي سقط مدوياً في انتخابات مطلع العام 2001، وسلم السلطة لليمين القومي برئاسة أرئيل شارون، هذا الحزب الذي فقد بوصلته السياسية وضع برنامجه المستقل منذ دخوله حكومة الائتلاف التي شكلها مع الليكود برئاسة شارون (فبراير 2001) والتي لعب فيها بيريس دور المسوق الخارجي لشارون وبن اليعازر دور العصا الغليظة تجاه الفلسطينيين، تراجعت شعبيته بشكل كبير قبل وبعد انتخابات العام 2003 ودخل في صراعات داخلية وافتقد القيادة، وهو يحاول اليوم العودة من خلال ائتلاف شارون على أساس سياسي يسوقه للجمهور الاسرائيلي بشكل عام والى جمهور اليسار بشكل خاص، بأن خطة الانسحاب من غزة هي جزء من برنامجه، وأن مشاركته في الحكومة هي لضمان تنفيذ شارون هذه الخطة، وأنه بهذه المشاركة فتح الطريق مجدداً أمام عملية السلام.

لقد كشفت المفاوضات الائتلافية التي حسمت قبل أن تبدأ، عن تهافت قيادة حزب العمل على المشاركة في الحكومة بأي ثمن، حيث كان شارون وطاقمه هم الذين يتحكمون بإدارة العملية التفاوضية ويضعون الشروط ومن ضمنها عدم حصول العمل على أي من الحقائب الهامة (الدفاع، الخارجية، المالية) أو حتى تفصيل الموقع الثالث لشمعون بيريس في الحكومة.

إن حصول العمل على ست حقائب وزارية غير مؤثرة، بما في ذلك وزيرين بدون حقائب، وثلاث نواب وزراء مع الوضع الخاص لزعيم الحزب شمعون بيريس، قد يفي بالغرض في المرحلة الحالية بهدف استعادة الحزب لدوره، خاصة بعد أن دبت الحياة في أوصاله من خلال الصراع على تولي الحقائب الوزارية في الحكومة الائتلافية.

أولاً: في الطريق نحو الوحدة

1- "المفدال ينسحب"

في طريقه نحو الوصول إلى حكومة الوحدة الوطنية مع العمل، كنس رئيس الوزراء أرئيل شارون كل عقبة أمام هذا الهدف، وكان على رأسها حزب المفدال الممثل الشرعي للمستوطنين في الحكومة والكنيست. فقد رفض شارون بإصرار جميع الحلول الوسط التي طرحها المفدال قبل إعلان انسحابه من الحكومة 8/11/2004. فالمفدال الذي اشترط سابقاً بقاءه في الحكومة بموافقة شارون على اجراء استفتاء شعبي على خطة فك الارتباط قبل تنفيذها، وأمهل شارون اسبوعين من تاريخ مصادقة الكنيست على الخطة (26/10/2004) عاد واكتفى بتحديد تاريخ مبكر للانتخابات، أو كبديل تجميد قانون (التعويض – الاخلاء) مدة شهر إلى حين اتضاح وضع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وبعد أن رفض شارون قبول اقتراحات حل الوسط هذه، دفع المفدال دفعاً إلى مقاعد المعارضة  ليكون أول ضحايا حكومة الوحدة الوطنية العتيدة. وقال زفلون أورليف الرجل الثاني في المفدال "لو كان شارون مستعداً لتجميد نشاطات فك الارتباط لأجلت الكتلة بيان الانسحاب(2).

وإذا كان انسحاب المفدال قد ضعضع استقرار حكومة شارون، فإنه في الوقت ذاته قد فتح الباب على مصراعيه لضم أحزاب جديدة إلى الائتلاف. فالهزيمة التي تكبدها شارون في التصويت في لجنة المالية في الكنيست 8/11/2004 والتي تسببت فيها شينوي حين عارض نوابها التصويت لصالح الحكومة في تخصيص 350 مليون شيكل لصالح التعليم الديني، قد حتمت على شارون البدء فوراً في إجراء اتصالات مع شركاء محتملين  يهدوت هتوراه، شاس، حزب العمل، على أمل أن تخف المعارضة داخل حزبه لادخال العمل إلى الحكومة في ضوء حقيقة أن ليس للحكومة أغلبية في الكنيست. وفي ضوء مصاعب شارون في إئتلافه، حبذ العمل وياحد الامتناع عن التصويت على مشاريع حجب الثقة التي قدمتها كتلة شاس حول "تجويع أطفال إسرائيل" وبفضل شبكة الأمان التي وفرها اليسار، نجا شارون من هذا التصويت 29 مع الحكومة مقابل 27 ضد وامتناع 23 عن التصويت.

2- "شينوي في الخارج"

لقد جاء التصويت في لجنة المالية في الكنيست بمثابة انذار من شينوي لرئيس الوزراء  أرئيل شارون للتوقف عن المناورات الخفية وعقد الصفقات مع يهودوت هتوراه من خلف ظهر الحكومة. وقد نقل رئيس شينوي تومي لبيد، تهديداً صريحاً بالانسحاب من الحكومة إذا ما نقل شارون مئات الملايين من الشواقل إلى يهودوت هتوراه مقابل تأييدهم للميزانية، إلا أن شارون لم يبق لا مبال تماماً تجاه هذا التهديد وبعد إجراء عدة مشاورات اتضح لشارون أنه لن يكون بالامكان تمرير الميزانية بأصوات شينوي ويهودوت هتوراه، لذلك جاء رد شارون على تهديد لبيد، بأن شارون يفكر جدياً بتقديم موعد الانتخابات إلى تشرين الثاني 2005، وحتى ذلك الوقت سيضمن بالمقابل شبكة أمان كاملة من حزب العمل، بشرط تنفيذ خطة فك الارتباط. وكان التقدير السائد في مكتب رئيس الوزراء أن تهديد شينوي في هذه اللحظة بالانسحاب تهديد أجوف، لأنها تدرك أن انسحابها من الحكومة سيؤدي حتماً إلى حكومة وحدة وطنية (ليكود-عمل- أصوليين) وليس انتخابات، ولهذا فإن تقدير رجال شارون كان أن شينوي ستضطر إلى التراجع. ونتيجة لاستمرار مفاوضات شارون مع يهودوت هتوراه، وتعهده بنقل الأموال إليها نفذت شينوي انسحابها في نهاية نوفمبر، بتقدير أنه إذا دخل العمل إلى حكومة أصوليين فستكون هذه نهايته "إذ أن الجمهور سينتقم منه على خيانته للعلمانيين" على حد تعبير كبار مسؤولي شينوي"(3).

3- "الليكود يصوت مع الوحدة"

في 9/12/2004، صادق مركز الليكود بأغلبية حاسمة على اقتراح شارون ضم العمل والأصوليين إلى الحكومة. الأمر الذي شكل انتصاراً جديداً لرئيس الوزراء أرئيل شارون الذي كان هزم في تصويت سابق في شهر أغسطس حين رفضت أغلبية المركز إدخال العمل إلى حكومته.

وقد صوت في صالح الاقتراح 62% مقابل 38% ضد. وقد حصل مؤيدو شارون على مبتغاهم من هذا التصويت نتيجة للفجوة الكبيرة بين المؤيدين والمعارضين، وكان التعليق من مكتب شارون "إن رئيس الوزراء لم يقفز فرحاً مثلما لم ينزل رأسه حزناً عندما خسرنا" وقالوا أيضاً إن المتمردين عادوا إلى حجمهم الطبيعي"(4).

وحتى اللحظة الأخيرة حاول المتمردون منع التصويت المصيري من خلال التماس رفعوه إلى المحكمة المركزية في تل أبيب. إلا أن هذا الالتماس رفض، وتحدث شارون ومؤيدوه مع أعضاء المركز وأطلقوا الوعود في كل نحو وصوب وألمح شارون بأن شاس هي الأخرى مرشحة للانضمام إلى الائتلاف "أنا لا أرفض أي حزب يوافق على الانضمام"(5). وإن كان شارون غير معني بضم شاس للإئتلاف نظراً لمعارضتها لفك الارتباط والميزانية.

وفي كلمة ألقاها شارون أمام كتلة الليكود وعشية التصويت قال "من المهم تشكيل حكومة واسعة ومستقرة قدر الامكان لأجل تنفيذ الخطط في المجال السياسي والاقتصادي"(6).

وبموافقة مركز الليكود على الوحدة مع العمل يطرح السؤال الملح نفسه، ماذا يريد الليكود من العمل؟

إن حاجة الليكود إلى العمل أكبر من حاجة العمل إلى الليكود لأن الليكود في مشكلة، فهو في حاجة العمل إذا ما أراد الاستمرار في الحكم حيث أنه بدون العمل سيصبح فريسة سهلة لقوى اليمين التي تتربص لاسقاطه كما حدث في الأعوام 1992-1998، وسيضطر  إلى الذهاب إلى الانتخابات.

لذلك فإن من يصنع جميلاً للآخر هو العمل وليس الليكود، فالعمل بإمكانه أن يبقى في الخارج او أن يدخل إلى الحكومة مؤقتاً لحين فك الارتباط، أما الليكود بدون العمل فليس لديه حكومة اطلاقاً وسيتوجه حتماً إلى الانتخابات التي وصفها شارون بأنها "سيئة للدولة وسيئة لليكود"(7). لكنه نسي أن يضيف أنها سيئة لشارون نفسه.

لقد راهن شارون على مستقبله حين توجه إلى المركز المعادي له كي يطلب منه مباركته لضم العمل والأصوليين إلى الحكومة وهو يدرك أنه إذا ما فشل هناك مرة أخرى، ربما سينتهي به الأمر إلى الذهاب إلى مزرعته. إلا أن الأمر هذه المرة كان مختلفاً حيث كان هناك احتمال كبير للفوز لأن بعض المتمردين أمثال عوزي لاندو وشركاؤه مع كل عروض القوة الخاصة بهم لم يرغبوا في الانتخابات التي من شأنها أن تسحب من أيديهم سنتين آخريين من مناعم الحكم.

4- "في العمل صراع حقائب وصراع خلافة"

عقب تصويت مركز الليكود لصالح دخول العمل في الحكومة، وقع بيريس زعيم العمل بين فكي كماشة، فمن جهة باتت الأرض ممهدة لدخول حكومة وحدة وطنية مع شارون. ومن جهة أخرى أصر مؤيدو باراك على عقد مركز الحزب لحسم مسألة تقديم موعد الانتخابات التمهيدية. وفي اجتماع للنشطاء في بات يام هدد بيرس بأنه إذا ما تقرر في العمل تقديم موعد الانتخابات التمهيدية إلى الاشهر القريبة القادمة "فلن تقوم حكومة وحدة، وإذا لم ندخل الحكومة فلن يكون فك الارتباط، لن يكون اخلاء مستوطنات، والذنب سيقع علينا، وإذا ما غادرنا بعد فك الارتباط، لن تكون مسيرة سلمية"(8).

وتدل هذه التهديدات على الضائقة التي علق فيها بيريس نتيجة قرار مؤسسة الالتماسات في حزب العمل الزام بيريس بعقد مركز الحزب ليتم التصويت سراً على موعد اجراء الانتخابات التمهيدية لانتخاب رئيس العمل.

وبجانب حرب الخلافة كانت تدور حرب الحقائب بين نواب العمل الراغبين في تولي حقائب وزارية في حكومة الوحدة، وكان الحزب قد أقر اللجوء إلى أعضاء مركز الحزب لاختيار قائمة النواب المرشحين لتولي حقائب وزارية، وقد حققت القيادة الشابة في الحزب بزعامة "أوفير بينس" انقلاباً في هذا التصويت حين جاءت في مقدمة المرشحين، فقد أدرج أعضاء المركز (23/12/2004) عضوي الكنيست أوفير بينس ويتسحاق هرتسوغ في المكانين الأول والثاني على التوالي، بينهما عضو الكنيست بنيامين بن اليعازر ثم داليا إيتسك وشالوم سمحون ومتان فلنائي وأخيراً حاييم رامون، أما الخاسرون الذين بقوا خارج القائمة فهم أعضاء الكنيست عميرام متسناع، أبراهام شوحط، يولي تامير، داني ياتوم، وإفرايم اسنيه. وسيكون بإمكان المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات اختيار المنصب الوزاري  الذي يرتأيه لنفسه ويختار من يليه في القائمة أحد المناصب المتبقية وهكذا دواليك. يشار هنا إلى أن رئيس الحزب المؤقت شمعون بيريس لم يخض المنافسة على المناصب الوزارية، ذلك أنه سيعين في منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة إلى جانب الوزير إيهود أولمرت بعدما يتم تغيير قانون اساس الحكومة.

ثانياً : " المفاوضات الائتلافية"

1- العمل يدخل

فور حصول شارون على موافقة مركز الليكود على انضمام حزب العمل إلى الحكومة 10/12/2004، بدأت المفاوضات الائتلافية بين طاقمي الحزبين، من الليكود رئيس الطاقم المحامي يورام لبيد، سكرتير الحكومة يسرائيل ميمون، رئيس الائتلاف جدعون ساعر والوزيرة تسبي ليفني. ومن العمل رئيس الطاقم داليا إيتسك، حاييم رامون، بنيامين بن اليعازر، المحامي موشيه شاحل، ومستشار بيريس يورام دوري. وقد تدرجت المفاوضات الائتلافية من السلاسة إلى حافة الانفجار (شبه أزمة) إلى الاتفاق إلا أنه في الطريق إلى الاتفاق لم تكن هناك عقبات حقيقية في المفاوضات نتيجة القرار المسبق من كلا الطرفين بالوصول إلى اتفاق في أقرب فرصة، إنما كان هناك بعض الاختلافات على بعض التعديلات.

فعلى سبيل المثال عرض الليكود على العمل سلسلة من المطالب في المجال الاجتماعي- الاقتصادي أولها التزام العمل بتأييد الاصلاحات الاقتصادية. في المقابل عرض العمل مطالب في المجال الاقتصادي ومجال ميزانية الدولة وتقديم تسهيلات للعائلات ذات المعيل الواحد، وإعادة المخصصات التي اقتطعت منها وتطبيق لجنة فينوغراد لتخفيض رسوم التعليم في الجامعات وإلغاء التقليص في المنح لتنمية النقب والجليل وبعض المطالب الأخرى بخصوص المتقاعدين وزيادة مخصصات وزارة الصحة بـ 140 مليون شيكل.

إلا أن الخلافات برزت على نوعية الحقائب التي ستعطى للعمل بعد أن رفض الليكود التفريط في أي من الحقائب الثلاث الهامة (الدفاع-الخارجية-المالية) فلم يتبقى من الحقائب شبه الهامة إلا حقيبتي الداخلية والتعليم، حتى هاتين الحقيبتين لم يرغب الليكود التفريط فيهما. وبعد سلسلة من المفاوضات اتفق الطرفان على أن يشغل العمل ست حقائب وزارة ووزيرين بلا وزارة، بالاضافة إلى ثلاثة نواب وزراء والحقائب الوزارية هي الداخلية، البنى التحتية، الاتصالات جودة البيئة، الاسكان على أن يحظى زعيم حزب العمل بلقب القائم بأعمال رئيس الوزراء. وقد وافقت اللجنة المركزية في حزب العمل بتاريخ 21/12/2004 على هذا الاتفاق. وفي الثلاثين من ديسمبر الماضي وقع الطرفان الليكود والعمل الاتفاق النهائي لدخول العمل إلى الحكومة، وقد وقعه عن العمل النائب حاييم رامون، وينص الاتفاق حسب مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية على أن يصبح بيريس الرجل الثاني لشارون ويعتبر أهم وزير في الحكومة بعد رئيس الحكومة، على أن لا يؤثر الاجراء على صلاحيات نائب رئيس الوزراء ورئيس الوزراء بالوكالة وفقاً للقانون وهو وزير التجارة والصناعة إيهود أولمرت.

2- "يهدوت هتوراه تماطل"

نتيجة لاشتراط أعضاء مركز الليكود الموافقة على دخول العمل للحكومة بإدخال حزب ديني واحد على الأقل، فقد كانت يهودوت هتوراه (5 مقاعد) هي الشريك المفضل لشارون، نظراً لعدم تشددها في معارضة فك الارتباط من جهة وعدم الحاحها في شغل حقائب وزراية.

وقد دارت بين الليكود ويهودوت هتوراه مفاوضات مرثونية لضمان مشاركتها في الائتلاف الجديد، وبدت الأمور وكأن كل شيء يسير على ما يرام، حيث اقتصرت مطالب يهدوت هتوراه على استمرار تدفق الموازنات المالية للتعليم الديني وهي لا تطالب بحقائب وزارية. إلا أنه وعقب تذليل آخر عقبة بين الليكود والعمل في الطريق نحو الوحدة الوطنية، فجرت يهودوت هتوراه أزمة كادت أن تنسف فرص قيام الحكومة الجديدة، بإعلان أن خلافات ما زالت قائمة لا تسمح له بالانضمام إلى الائتلاف الحكومي. وقال متحدث باسم الحزب. "ما زلنا نطالب باستقلال نظامنا التربوي وتحسين الخدمات الدينية التي تقدمها الدولة التي تراجعت"(9). كما تحدثت وسائل الاعلام عن وجود أعضاء داخل الحزب معارضين للانسحاب من قطاع غزة. وقد أجلت يهودوت هتوراه موافقتها على دخول الائتلاف لاستنزاف رئيس الحكومة، الذي هدد أنه لن ينتظر طويلاً وسيعلن عن تقديم موعد الانتخابات إذا ما استمرت يهودوت هتوراه في مماطلتها.

في 15/1/2005 قرر حزب يهودوت هتوراه بعد موافقة القيادة الدينية الدخول في الائتلاف الحكومي الجديد لمدة ثلاثة أشهر. وتلقى الحزب مقابل انضمامه للائتلاف 290 مليون شيقل، كما تلقى الحزب تأكيدات من الليكود بأنه لن يتم تطبيق الاصلاحات التي ينص عليها تقرير (دفران) الخاص بجهاز التعليم الديني، مقابل ذلك سيدعم الحزب قانون الاخلاء والتعويض للمستوطنين، وميزانية الدولة المقترحة للعام 2005، إضافة إلى دعمه للائتلاف الحكومي في كافة القضايا(10).

ثالثاً: "الكنيست يصادق على الحكومة"

بفضل قائمة ياحد والقائمة العربية الموحدة، أقر الكنيست الاسرائيلي الاثنين 10/1/2005، بيان رئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل شارون حول توسيع حكومته، ومنح الكنيست بذلك الثقة لحكومة شارون بفارق صوتين حيث صوت 58 نائباً إلى جانب توسيع الحكومة فيما عارض 56 وامتنع 6 نواب عن التصويت. ويشار إلى أن هذه هي الحكومة الثالثة التي يعرضها شارون على الكنيست منذ العام 2001. وقد عارض أعضاء الكنيست من الليكود ومن مجموعة "المتمردين" توسيع الحكومة وصوتوا ضد منح الثقة للحكومة. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد صادقت على انضمام حزب العمل إلى الحكومة والحقائب الوزارية التي سيشغلها نواب العمل. وفي أعقاب اقرار توسيع الحكومة في الكنيست أدى ستة وزراء من العمل (جدد) اليمين القانونية أمام الهيئة العامة للكنيست حيث عين رئيس حزب العمل الاسرائيلي شمعون بيريس في منصب النائب الأول لرئيس الوزراء وسيتولى وزارة جديدة سيتم استحداثها. كما عين النائب عوفير بينس في منصب وزير الداخلية، والنائب اسحاق هرتسوغ وزيراً للبناء والاسكان والنائب بنيامين بن اليعازر وزيراً للبنى التحتية، أما النائبة داليا إيتسك فقد عينت وزيرة للمواصلات والنائب شلوم سمحون وزيراً للبيئة وعين النائبان متان فلنائي وحاييم رامون وزيري دولة. أما النائب الليكودي أبراهام رشزون فقد عين وزيراً للسياحة خلفاً للوزير جدعون عزرا الذي سيحتفظ بحقيبة الأمن الداخلي.

وقد حاز شارون الثقة على حكومته بفضل كتلتي ياحد والقائمة العربية الموحدة، فقد صوت خمسة من نواب حزب ياحد إلى جانب الحكومة فيما امتنع نائب واحد وهو يوسي ساريد عن التصويت. كذلك امتنع النائبان عبد المالك دهامشة وطلب الصانع من القائمة العربية الموحدة عن التصويت، إلى ذلك صوت بقية النواب العرب الستة في الكنيست من كتلتي التجمع والجبهة ضد منح الثقة للحكومة كذلك صوت نواب حزب شينوي واليمين ونواب حزب شاس الديني ضد توسيع الحكومة، وكان شارون قد صرح خلال جلسة كتلة الليكود التي سبقت مصادقة الكنيست إن "من يصوت ضد الحكومة في الكنيست سيتسبب بانشقاق في صفوف الليكود وبتقديم موعد الانتخابات العامة". وتتضمن الخطوط العريضة للحكومة الجديدة بنوداً تؤكد على استمرار بناء جدار الفصل العنصري وضم كتل استيطانية ومناطق عسكرية جديدة إلى داخل إسرائيل، وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية وإلغاء حق العودة، وعدم الرجوع إلى حدود الرابع من حزيران، هذا بالإضافة إلى التحفظات الإسرائيلية الـ 14 على خارطة الطريق.

رابعاً: "الخاتمة"

يدعي يوسي بيلين في كتابه "ثمن الوحدة" أن حكومات الوحدة الوطنية كانت دائماً صيغة للشلل، بينما كانت الحكومات (الضيقة) جريئة وأقدمت على خطوات تاريخية. وبالنظر إلى الحكومة التي شكلها شارون مؤخراً فهي ليست حكومة وحدة وطنية بقدر ما هي ائتلاف يوفر لصاحبه قوة غير محدودة، فالطريقة التي سيقود بها شارون هذا الائتلاف ستكون طريقه وحده، فهو الذي قام بكل هذه الخطوات السياسية المركبة والمثيرة، لذلك فإنه من الآن فصاعداً ليس هناك أي عقبة تحول دون وصول شارون لهدفه المحدد الذي يسعى إليه، وهو هدف لا يعرف أحد سواه ملامحه وكنهه الحقيقي. وحزب العمل الذي رضي لنفسه هذا الدور أصبح محبوساً الآن في حكومة شارون حتى آخر ولايتها وفقاً لرغبة شارون بدون أي جدول أعمال باستثناء دعم كل خطوة انسحابية من المناطق الفلسطينية، كما سيجد حزب العمل نفسه ملتزماً بخطة فك الارتباط أكثر من رئيس الوزراء نفسه. كما أنه بإمكان شارون إذا أراد أن يفسر تراجعه عن الخطة بتغيير الظروف والمجريات ولن يستطيع حزب العمل أن يفرض عليه أي خطوة لا يريدها. وعليه فإن شارون إذا تراجع عن خطته فسيكون اليمين بانتظاره لاستبدال حزب العمل، وإذا رغب فتحل حركة شينوي محل المتدينيين، بمعنى أن شارون لن يذهب إلى انتخابات مبكرة حتى يستنفذ ولايته وهو يلعب بمهارة على المتناقضات داخل السياسة الإسرائيلية.


 

الهوامش:


 

(1)  عرب 48، حكومة العمل والليكود زواج المنفعة، د. أحمد مجدلاوي.

(2)  يديعوت أحرونوت، 9/11/2004.

(3)  معاريف، 26/11/2004.

(4)  يديعوت أحرونوت، 7/12/2004.

(5)  يديعوت أحرونوت، 7/12/2004.

(6)  يديعوت أحرونوت، 7/12/2004.

(7)  معاريف، 8/12/2004.

(8)  يديعوت أحرونوات، 6/12/2004.

(9)  الأيام، 1/1/2005.

(10)  يديعوت أحرونوت، 6/1/2005.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م