الجمهور الإسرائيلي والسلام مع الفلسطينيين

الربع الأول من عام 2005

عاطف المسلمي

شغلت قضية فك الإرتباط المتضمنة إخلاء جميع مستوطنات قطاع غزة وبعضاً من مستوطنات الضفة الغربية وتداعياتها، الجزء الأكبر من استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي أُجريت في الربع الأول من العام الجاري 2005، والتي عالجت قضية السلام مع الفلسطينيين. والشيء الملفت لنظر المتابعين لاتجاهات التصويت في الشارع الإسرائيلي وبخاصة اليهودي، أن شيئاً من التفاؤل الحذر قد سُجل لدى الجمهور الإسرائيلي تجاه إمكانية استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. وأن هناك بعض الثقة في انه يمكن من خلال هذه المفاوضات التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين في السنوات القادمة، وذلك في ظل استمرار التأييد لخطة فك الإرتباط، وفي ظل استعداد الجمهور الإسرائيلي لتأييد سياسة ضبط النفس في حال وقوع عمليات تفجيرية، وذلك بغية إعطاء الرئيس الفلسطيني الجديد (محمود عباس) الفرصة للعمل الجاد بهدف إيقاف ما يسمونه بالإرهاب أو تقليصه إلى درجة ممكنة، بعد أن أبدى الجمهور الإسرائيلي ثقة كبيرة في نية وقدرة أبو مازن على فعل ذلك.

أولاً: استمرار التأييد لخطة فك الإرتباط

سجل مقياس السلام لشهر يناير الماضي، استمراراً للتأييد الواسع لخطة فك الإرتباط، حيث أعرب 59% من الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) عن تأييده الشديد لهذه الخطة، وقد شملت هذه النسبة كافة الأطياف السياسية في المجتمع الإسرائيلي، حيث كانت نسبة التيأييد 89% عند ناخبي العمل، 84% عند ناخبي شينوي، 78% عند ناخبي ميرتس (ياحد) 60% عند ناخبي الليكود و20% عند ناخبي المفدال و7% عند ناخبي شاس. وحول مدى نجاح رئيس الحكومة الإسرائيلية آرئيل شارون في تنفيذ خطة فك الإرتباط، أشار استطلاع للرأي أجراه معهد (تي، أن، أس) أن 54% من الذين يصوتون لصالح اليمين الإسرائيلي والأحزاب الدينية، يعتقدون أن شارون سينجح في تنفيذ خطة فك الإرتباط، وفي المجمل أعرب 68% من الجمهور الإسرائيلي عن اعتقادهم أن الخطة ستنفذ، مقابل 24% قالوا انه سيتم إلغاءها.

وكان 43% فقط قالوا في استطلاع اجرته صحيفة معاريف قبل ثمانية اشهر أن الخطة ستنفذ مقابل 44% قالوا إنهم على قناعة بأنه سيتم إلغاء الخطة. وقال البروفيسور زئيف تسور رئيس الكلية الأكاديمية "سابير" بأن نتائج الإستطلاع تكشف النقاب عن أن الجمهور الديني بدأ يسلم بتنفيذ الخطة وهذا تسليم غاضب وشبه يائس(1).

ومن بين المعطيات الأخرى التي كشف الإستطلاع النقاب عنها، قناعة 59% بان مخطط الفصل لا يشكل نهاية المطاف، إذ ستعمل إسرائيل على إخلاء مستوطنات أخرى بعد تنفيذ هذه الخطة. وقال 38% من الذين يصوتون لصالح الليكود، بأنهم على قناعة أو شبه مقتنعين بأنه لن يتم انسحاب جديد في أعقاب تنفيذ مخطط الفصل. وبالنسبة لتأثير الإنسحاب على استمرار العنف، قال 68% بان العنف سيتضاءل أو سيحافظ على مستواه الحالي. وقال 38% بأن إخلاء المستوطنات سيؤدي إلى انخفاض مستوى الإرهاب. وقال 30% بان الإرهاب سيبقى في مستواه الحالي. وقال 24% بأنه سيزداد. وحتى في أواسط الذين يصوتون لليمين وللأحزاب الدينية، يعتقد 50% بان الإرهاب سيضعف أو سيبقى في مستواه الحالي، فيما قال 48% بأنه سيزداد.

في منتصف فبراير، استمر معدل التأييد لخطة فك الإرتباط، حيث سجل 63% في استطلاع للرأي نشرته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي الخاص، مقابل معارضة 26%. إلا أن الإستطلاع أشار إلى شبه انقسام وسط الجمهور الإسرائيلي حول قضية تنظيم استفتاء شعبي في هذا الموضوع كما تطالب مجموعة الضغط لدى المستوطنين التي كانت تأمل في إجهاض الخطة. وفي نهاية فبراير، سجل حجم التأييد للخطة قفزة عالية لم يسبق لها مثيل من قبل، حيث أيد 67.6% من الجمهور الإسرائيلي الخطة مقابل معارضة 31.2%، وذلك في استطلاع هاتفي للرأي أجرته حركة (كيشت إسرائيل).

وقال شلومو غلبوع عضو مجلس بلدية حيفا واحد الناشطين في الحركة، "إنه تم اختيار النموذج بصورة مدروسة" وذلك من مجموع ملايين أرقام الهواتف الخاصة في إسرائيل. وطُلب من الذين أُجري الإستطلاع معهم الرد على سؤال واحد، هل تؤيد أم تعارض مخطط الفصل؟(2).

وحسب أقواله بسبب الحجم الكبير للاستطلاع، يمكن التعامل معه كاستفتاء شعبي، وأضاف "تؤكد نتائج الإستطلاع ما يدركه كل ولد في إسرائيل، الأغلبية في الدولة تؤيد الفصل"(3).

وقد سارع مكتب رئيس الحكومة إلى الترحيب بنتائج هذا الإستطلاع، وأكد مسؤولون في المكتب بأن هذه النتائج تماثل وبصورة مذهلة نتائج استطلاعات متوفرة لديهم. وقالوا هذا إثبات آخر على عدم ضرورة إجراء استفتاء شعبي، وذلك ايضاً لأن الإستفتاء أجري من الناحية العملية لدى انتخاب شارون لرئاسة الحكومة وحصوله على تخويل بإبداء تنازلات مؤلمة(4).

هذه النتائج أكدها استطلاع آخر أُجري في بداية مارس، أيد خلاله ثلثا الإسرائيليين خطة رئيس الحكومة بالإنسحاب من غزة، وبعض مستوطنات الضفة الغربية، حيث قال 68.5% أنهم سيدلون بأصواتهم لصالح الإنسحاب الأحادي الجانب من غزة، والمقرر أن يبدأ في يوليو تموز القادم، وذلك في حال إجراء استفتاء شعبي.

وفي نفس الإتجاه، نشرت صحيفة معاريف نتائج استطلاع للرأي في 4/3/2005، سُجل فيه استمرار التأييد الواسع لخطة فك الإرتباط، حيث أيد 62% من الجمهور الإسرائيلي الخطة، على الرغم من العملية التفجيرية التي وقعت في تل أبيب، وأدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وجرح آخرين.

 ثانياً: استئناف المفاوضات وثقة بأبو مازن

عقب انتخاب الرئيس الفلسطيني الجديد (أبو مازن) كثر الحديث حول احتمال استئناف المفاوضات السلمية، بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد تناول مقياس السلام لشهر يناير 2005 هذه المسألة، حيث أشار الإستطلاع إلى أن 77% من الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) يؤيدون أو يؤيدون جداً إجراء مفاوضات سلمية مع السلطة الفلسطينية، في ظل اعتقاد 51% من هذا الجمهور أن هذه المفاوضات ستقود إلى سلام بين الطرفين في السنوات القادمة. وقد انعكست أجواء التفاؤل هذه على التقديرات العالية (59%) التي سجلها اعتقاد الجمهور الإسرائيلي بنوايا أبو مازن الصادقة وقدرته على إيقاف ما يسمونه بالإرهاب من الجانب الفلسطيني.

وقد ظهرت قضية الثقة في أبي مازن في نتائج أكثر من استطلاع خلال الأشهر الماضية، فقد أفاد استطلاع للرأي نشرته يديعوت احرونوت 8/2/2005، قبل ساعات من افتتاح قمة شرم الشيخ الرباعية في مصر، أن غالبية الإسرائيليين تعتقد أن أبو مازن عازم على وقف الهجمات الفلسطينية على إسرائيل. ورداً على سؤال "محمود عباس يعلن عزمه على التوصل لوقف الإعتداءات، هل هو صادق"؟

قال 60% "إنهم يصدقونه أو يميلون إلى تصديقه، مقابل 37% قالوا إنهم لا يثقون به(5).

ثالثاً: تأييد ضبط النفس

عقب العملية التفجيرية التي وقعت في تل أبيب، أيدت نسبة عالية في الجمهور اليهودي في إسرائيل استمرار سياسة ضبط النفس تجاه الفلسطينيين، بهدف إعطاء الفرصة لإستئناف العملية السلمية. فقد أشار مقياس السلام لشهر فبراير 2005، إلى انقسام الجمهور اليهودي في إسرائيل إلى نصفين تقريباً في قضية الرد على العمليات التفجيرية التي يقوم بها الفلسطينيون. كما أبان الإستطلاع إلى انقسام مماثل وسط الجمهور بصدد كون أبو مازن صادقاً في جهوده لوقف (الإرهاب) الفلسطيني أو غير صادق. ومع ذلك يبدو أن هذه العملية لم تتسبب في تغير مواقف الجمهور الإسرائيلي بصدد المسائل المركزية المطروحة على جدول الأعمال السياسي اليوم بين إسرائيل والفلسطينيين. ونفس الشيء حدث مع استمرار التأييد الواسع لخطة فك الإرتباط أحادية الجانب من قطاع غزة، حيث بقي على حاله ومثله أيضا استمرار تأييد استئناف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. وقد طرح الإستطلاع سؤال "بأية درجة من الشدة يتوجب على إسرائيل الرد على هذه العمليات في الظروف الجديدة؟

فجاءت الإجابات لتبين أن آراء الإسرائيليين (اليهود) منقسمة في هذه القضية، حيث أيد 50% منهم الرد بشدة و42% مع ضبط النفس. وقد ظهرت فجوة اصغر من ذلك بين من يعتقدون أن أبو مازن يبذل جهداً صادقاً لدحر الإرهاب في الجانب الفلسطيني (45%) وبين من يعتقدون عكس ذلك (42%). وبالرغم من ذلك لم تؤد العملية الأخيرة إلى النيل من دعم الجمهور اليهودي لخطة فك الإرتباط، التي ايدها 62% مقابل 30% معارضة. كما كانت هناك أغلبية (75%) مع استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين مقابل معارضة (21%) فقط. هذا بالرغم من عدم الوضوح بصدد نتائج هذه العملية، حيث يعتقد نصف المستطلعين أن هذه المفاوضات ستقود في السنوات القريبة القادمة إلى السلام والنصف الآخر يعتقدون عكس ذلك.

رابعاً: تأييد للبناء في معاليه أدوميم وتأييد للإستفتاء الشعبي

رغم أن التقدير السائد لدى المراقبين أن خطة فك الإرتباط التي تتمتع كما في السابق بدعم أغلبية الجمهور الإسرائيلي، والتي تعتبر احتمالات تنفيذها عالية، هي ليست نهاية الطريق، بل خطوة اولى فقط على طريق الإنسحاب الواسع من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، في إطار التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، اظهر استطلاع مقياس السلام لشهر مارس/آذار 2005، وجود أغلبية واضحة لدى الجمهور اليهودي في إسرائيل تؤيد خطة الحكومة بناء (3500) وحدة سكنية بين معاليه ادوميم والقدس. فيما قالت نسبة قليلة إن على إسرائيل أن تغير موقفها القاضي بعدم إخلاء الكتل الإستيطانية في إطار التسوية الدائمة، أيضا رغم العلم أن الولايات المتحدة ستعارض هذا الموقف.

وحول قرار الكنيست برفض إجراء استفتاء شعبي حول خطة فك الإرتباط، فإنه لم يدفع أغلبية الجمهور لتغيير موقفها المؤيد لإجراء الإستفتاء. خلال الإستطلاع ظهر أن ربع الجمهور الإسرائيلي فقط يعتقدون بوجوب السماح لمعارضي فك الإرتباط بتنفيذ فعاليات مثل إغلاق الطرق، ولكن هناك اعتقاد أيضا أن سياسة الحكومة كانت متساهلة تجاه المستوطنين الذين مارسوا العنف ضد الجنود. واظهر الإستطلاع أن نسبة تأييد فك الإرتباط لازالت مرتفعة (60%) مقابل معارضة 36%. وتعتقد الأغلبية من بين المعارضين والمؤيدين على حدٍِ سواء أن شارون سينجح في تطبيق خطته، وهناك نسبة الثلثين تعتقد أن هذه الخطة ما هي إلا بداية لعملية إخلاء واسعة للمستوطنات اليهودية في الضفة، في إطار التسوية الدائمة مع الفلسطينيين. وعبرت نسبة 64% من جمهور المستطلعين عن تأييدها لخطة البناء الجديدة بين معاليه ادوميم والقدس رغم الثمن الذي سيترتب عليها في إطار التسوية الدائمة. أما في قضية الإستفتاء الشعبي، فقد اعتبر 51% من المستطلعين انه ينبغي العودة إلى الشعب في القضايا المصيرية وعدم الإكتفاء برأي النواب المنتخبين في الكنيست والحكومة، ذلك أن اختيار الجمهور حين الإنتخابات قد لا يتوافق مع موقفه من القضايا المطروحة على المحك في أوقات أخرى.

الخاتمة

من خلال قراءة تحليلية سريعة لمواقف الجمهور الإسرائيلي (اليهودي)، خلال الربع الأول من العام الجاري 2005، والمتعلقة بقضية فك الإرتباط مع قطاع غزة وتداعياتها، يمكن الخروج بالنقاط الرئيسية التالية:

-     أغلبية كبيرة في الجمهور الإسرائيلي تؤيد فك الإرتباط، وتعتقد أن الخطة ستنفذ في نهاية المطاف، وانه سيتبعها فك إرتباط آخر في الضفة الغربية.

-     هناك تأييد واضح لدى الجمهور الإسرائيلي لإستئناف المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين في ظل وجود أجواء من التفاؤل الحذر.

-     نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تثق بالرئيس الفلسطيني أبو مازن وقدرته على وقف ما يسمونه بالإرهاب الفلسطيني.

-     تأييد كبير من جانب الجمهور الإسرائيلي لعملية ضبط النفس التي مارستها الحكومة عقب عملية التفجير في تل أبيب.

-     نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تؤيد خطة الحكومة الإسرائيلية البناء بين معاليه ادوميم والقدس، رغم تقديرها أنها لن تبقى في التسوية الدائمة.

 الهوامش


(1) القدس، 5/2/2005.

(2) القدس 23/2/2005.

(3) القدس 23/2/2005.

(4) القدس 23/2/2005.

(5) الأيام، 6/2/2005.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م