بلا أسرى

إغتيال فلسطينيين على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية أثناء "عمليات الاعتقال"

بتسيلم – مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة مايو - أيار 2005

ترجمة: زهير عكاشة

في الصباح الباكر من يوم الجمعة 3 ديسمبر 2004 قتل الجنود الإسرائيليون محمد عبد الرحمن حمدان كميل من قرية ربعة جنوب شرق جنين: البيان الصحفي الصادر عن الناطق بلسان الجيش قال أنه أثناء عملية اعتقال كميل جرى تبادل لإطلاق النار، وقتل أثناء محاولته الهرب من المنزل الذي كان يختبئ فيه. بيد أن الشهادات التي جمعتها بتسيلم من شهود عيان تثير قلقاً بالغاً وهو أن جنود الجيش الإسرائيلي أجهزوا على كميل وهو جريح على الأرض بعد أن جُرد من سلاحه.

لقد تبنت إسرائيل إبان الانتفاضة الثانية وبشكل رسمي سياسة اغتيال المشتبه بانتمائهم للفصائل الفلسطينية المسلحة. تصر إسرائيل على أن أعضاء هذه الفصائل محاربين، ولذلك فهم هدفاً للهجوم. ومع ذلك فإن إسرائيل لا تمنحهم الحقوق الممنوحة للمحاربين وفق القوانين والأعراف الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولاسيما حق الاعتراف به كأسير حرب عند إلقاء القبض عليه الأمر الذي يمنحه حصانة من محاكمة المجرمين. ولقد أوضحت إسرائيل في سياق الدفاع عن موقفها القائل بأن أعضاء هذه الفصائل هم محاربين غير شرعيين. لاقت سياسة الإغتيالات الإسرائيلية انتقادات لاذعة من قبل مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، ووجه الانتقاد يقوم على أساس أن القانون الإنساني الدولي لا يعترف بتصنيف "المحارب غير الشرعي" وان أي إنسان غير محارب هو مدني. وفي محاولة منها للتصدي لهذه الانتقادات، إدعت إسرائيل فيما ادعت، انه على الرغم من عدم التزامها بذلك وفقاً للقانون الدولي، فقد وقعت عمليات الاغتيال فقط عندما لم يكن من الممكن اعتقال هؤلاء الأشخاص الذي كانوا هدفاً للاغتيال. ورداً على الالتماس المقدم من قبل الهيئة العامة المناهضة للتعذيب لمحكمة العدل العليا ضد سياسة الإغتيالات، تقول الدولة: (عندما يكون هناك بدائل حقيقية لعمليات الاغتيال، فإنه يجري عادة تنفيذ هذه البدائل ولهذا يتم أحيانا المبادرة إلى عمليات اعتقال إرهابيين خطيرين حتى في منطقة "أ" مع أن ذلك يشكل أحياناً خطراً حقيقياً على حياة الجنود. بيد أن هذه الاعتقالات ليست دائماً "بدائل حقيقية وبناء على ذلك لا يتم دائماً تنفيذها).

مصادر إسرائيلية تعلق على ذلك بالقول، انه وخلافاً للأوضاع في قطاع غزة أثناء الفترة التي سبقت الإعلان عن وقف إطلاق النار، لم يتم تنفيذ اغتيالات بالضفة الغربية التي يسيطر فيها الجيش الإسرائيلي على اغلب المناطق هناك لأنه قادر على تنفيذ عمليات الاعتقال هناك. وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة يديعوت احرونوت في 11 ابريل 2004، أوضح قائد قوات الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية البريغادير جنرال غادي إيزنغوت "انه لم يجر تنفيذ حادثة قتل مستهدف واحدة في يهودا والسامرة هذا العام….. وحسب رأيي فإن الكفاءة العملياتية والردع أفضل من الدخول إلى القصبة والبيوت للاعتقال". وفي يونيو حزيران 2002 كتب عاموس هرئيل المراسل العسكري لصحيفة هآرتس يقول "لقد امتنعت اسرائيل في الشهور الأخيرة عن تنفيذ عمليات اغتيال بالضفة الغربية كون سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة يعني إمكانية الوصول إلى المطلوبين واعتقالهم".

ومع ذلك تشير الإحصائيات الصادرة عن بتسيلم إلى انه في عام 2004 قتل 89 فلسطينياً خلال عمليات يصنفها الجيش الإسرائيلي بأنها عمليات اعتقال و17 شخصاً من هؤلاء ليسوا مطلوبين بل مدنيين لا يشتبه بارتكابهم أي مخالفات ضد إسرائيل. هناك 43 مطلوباً من الذين قتلوا لم يكونوا مسلحين ولم يحاولوا استخدام السلاح عند قتلهم.

وحسب علم بتسيلم لم تجر الشرطة العسكرية أي تحقيق في هذه الحالات، كما هو شائع في الأفعال التي يرتكبها حرس الحدود. حسب المعلومات التي حصلت عليها بتسيلم، لم يتم توجيه أوامر واضحة للجنود بقتل المطلوبين، ورغم ذلك فان الوقائع المذكورة في هذا التقرير تثير شكوك كبيرة وهي انه في بعض الحالات تصرف الجنود كما لو أنهم يشاركون في إغتيال ولا يحاولون بذل أي جهد مستطاع لاعتقال المطلوب. يتطرق هذا التقرير الذي يحمل عنوان "بلا أسرى" إلى أربع حالات تم بحثها من قبل بتسيلم والتي قتل فلسطينيون خلالها أثناء ما يوصف من قبل جهاز الأمن العام على انه عمليات اعتقال. حالتان اثنتان تتناولان قيام الجنود بتطويق البيت الذي يكمن فيه "مطلوب" طبقاً لما تدعيه إسرائيل وقيامهم بإطلاق النار على شخص آخر فور قيامه بفتح الباب لهم دون أي سابق إنذار، ودون أن يمنح إمكانية تسليم نفسه.

أربع حالات اغتيال نفذت بزعم عمليات اعتقال

الظروف التي أحيطت بقتل محمد أبو غربية 36 سنة، متزوج وله ستة أطفال، أطلق عليه أفراد الجيش الإسرائيلي النار في قرية عقربة فأردوه قتيلاً

في يوم الأحد 11 ابريل 2004، قتل جنود الجيش الإسرائيلي محمد أبو غربية، من قرية عقربة خلافاً للممارسات العادية في مثل هذه الحالات.  لم يصدر الناطق بلسان الجيش بياناً حول الظروف التي أحاطت بالحادث. ذكرت صحيفة هآرتس وعلى موقعها على الإنترنت أن غربية تعرض لإطلاق النار وقتل من قبل جنود الجيش الإسرائيلي أثناء علمية اعتقال مطلوبين اثنين كان يمكث معهما. قبلها كان الجيش الإسرائيلي قد حاصر منزل أحد أعضاء تنظيم فتح داعياً المطلوبين إلى تسليم نفسيهما، وبعد أن رفضا، فتح الجيش النار ليلقى غربية مصرعه فوراً، كان بحوزة المطلوبين عند اعتقالهما بندقية ومسدس وناظور. بعدها بيومين أفادت مصادر عسكرية لصحيفة هآرتس بأن غربية الذي لم يكن مطلوباً من قبل قوات الامن، كان في بيته مع اثنين من المطلوبين لإسرائيل. جنود وحدة الناحال الذين حاصروا البيت دعوا الشخصين المطلوبين لتسليم نفسيهما وأطلقوا عدة طلقات تحذيرية غير أن عدد من هذه الطلقات اخترقت إحدى النوافذ وأصابت غربية إصابة قاتلة، وأضاف التقرير أيضاً، أن الشخصين سلما نفسيهما وصودر المسدس الذي كان بحوزتيهما.

بيد أن التحقيق الميداني من قبل بتسيلم أثار مخاوف بالغة من أن غربية قتل على أيدي الجنود الإسرائيليين بمجرد فتحه باب المنزل بناء على طلب الجنود. وقد أشار التحقيق أيضاً إلى أن المطلوبين اللذين جرى اعتقالهما لم يتواجدا في منزل غربية. وحسب الشهادة التي أدلت بها خيرية عايش سعادة غربية والدة المغدور، فقد كانت داخل المنزل الذي كانت تسكن فيه وهي ابنها محمد وزوجته وأطفاله الستة. لم يكن أحداً آخر غيرهم في المنزل. تقول الوالدة انه في الساعة العاشرة مساء سمعت صوت إطلاق نار وانفجارات. أيقظت ابنها محمد وأبلغته أن الجيش ينفذ عمليات في القرية وأضافت انه بعد مدة قصيرة زادت حدة إطلاق النار بحيث أصابت عدة طلقات واجهة منزلها وسمعت الجنود ينادون باللغة العربية "مخرب إفتح الباب". لكنها ردت على الجنود بأن دعتهم إلى الباب الأمامي لذلك ذهبت هي وابنها فورا لفتح الباب للجنود. وعندما وصلوا إلى الباب دفعها محمد جانباً واخبرها بأنه هو الذي سيفتح الباب. وهنا ذهبت الشاهدة إلى غرفة الأطفال لمساعدة زوجة ابنها على إيقاظ الأطفال وعند عودتها إلى الباب الأمامي وجدت محمد ملقى على الأرض مضرج بدمائه. وأوضحت الشاهدة أيضاً بأن الشخص الذي تم اعتقاله لاحقا كان ابنها إبراهيم الذي كان متواجداً حين العملية. لم يكن محمد مسلحاً كغيره من أهل البيت ولم يكن هناك أي خطر يحدق بالجنود، ووجود محمد على عتبة باب المنزل يدل على انه لم يحاول الفرار من الجنود، هذه الوقائع تثير احتمال أن لا يكون محمد قد حاول الهرب من الجنود، وأنهم أطلقوا عليه النار فور فتح باب المنزل، ولم يبذلوا أي جهد لاعتقاله، ولم يكن هناك أي مبرر على الإطلاق لفتح النار باتجاهه.

اتصلت بتسيلم بعد الحادث بالمدعي العسكري، حيث طلبت منها الإيعاز إلى الشرطة العسكرية بفتح تحقيق في ملابسات الحادث الذي أدى إلى مقتل محمد غربية. محامي الدفاع عن قيادة المنطقة الوسطى اللفتنانت كولونيل ليرون ليبمان، ادعى بعد فحص ملابسات الحادث أن محمد تعرض لإطلاق النار أثناء عملية اعتقال شقيقه الذي كان يعتقد انه كان متواجداً ومسلحاً في البيت، مضيفا أن الشقيق المسلح اعتقل بالقرب من البيت وليس في بيت محمد. رسالة ليبمان لا تجادل ولا تستبعد ما قيل بأن محمد حاول الفرار من الجنود وان حياة الجنود كانت معرضة للخطر عندما فتحوا النار، ورغم ذلك أصر قاضي الدفاع على القول بأن ظروف الحادث تدل على أن الجنود تصرفوا وفق الأوامر المتبعة في هذه الحالة وعليه فلا يوجد داعي لأن تفتح الشرطة العسكرية تحقيقاً في الحادث.

الظروف التي أحاطت بمقتل محمد محمود أبو رجب، 27 سنة، متزوج وله طفل واحد. قتل على أيدي الجنود الإسرائيليين في قرية يطا

في صباح يوم الأربعاء الثالث من مارس آذار 2004، قتل جنود الإحتلال محمد أبو رجب في بلدة يطا.

الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي لم يصدر أي بيان حول الحادث أو الظروف التي اكتنفت مقتله. ومع ذلك فقد نقلت صحيفة هآرتس عن مصادر عسكرية قولها أن قوة من وحدة الناحال دخلت بلدة يطا لاعتقال شخص مطلوب لإسرائيل وقد حاصرت القوة منزل أبو رجب، حيث دعت أهل البيت عبر مكبرات الصوت للخروج. وحسب المصادر نفسها فقد قتل أبو رجب عندما كان يحاول الفرار من المنزل وبعد أن تصرف الجنود وفق الأوامر واللوائح المتبعة في حالة اعتقال المشتبه بهم وعدم انصياع المشتبه به لأوامر الجنود بالتوقف. أفادت المصادر أيضاً بأن أبو رجب لم يكن مسلحاً ولا ينتمي لأي فصيل وليس الشخص الذي كانت تنوي القوة اعتقاله.

تحقيقات بتسيلم أثارت شكوكاً بأن الجنود لم يحاولوا اعتقال أبو رجب بيد أنهم أطلقوا عليه النار عندما كان يهم بفتح باب منزله. وكانت جثته ملقاة على بعد ثلاثة أمتار من باب منزله وهذا يتنافى مع الإدعاء القائل بأن الجنود تصرفوا وفق المعايير المتبعة في حالة اعتقال المشتبه بهم وانه حاول الهرب. أيضاً ذكرت بتسيلم أن الجنود أطلقوا النار على زوجته فاطمة كعكار التي كانت تحتضن ابنتها الرضيعة. فهي بمجرد أن فتحت باب المنزل بعد أن سمعت إطلاق النار على زوجها تعرضت هي أيضاً دون سابق إنذار لإطلاق النار ودون أن تمنح أي فرصة للإستسلام.

تشير الشهادة التي أدلت بها الزوجة إلى بتسيلم إلى انه في حوالي الساعة الثامنة صباحاً دخلت قوة من الجيش الإسرائيلي الحي الذي يقع فيه منزل أبو رجب، حيث دعت الأهالي للخروج من منازلهم. وحسب رواية الزوجة فان زوجها استيقظ على أصوات الجنود الإسرائيليين وهم ينادون على الأهالي وحاول الصعود إلى شقة والده في الطابق الأعلى لإيقاظ والده ووالدته. وفور فتح الباب تعرض محمد لإطلاق النار من قبل الجنود فأردي قتيلاً.

بعد توقف إطلاق النار حاولت كعكار مغادرة البيت محتضنة ابنتها الرضيعة البالغة من العمر عشرة أشهر. قالت الزوجة انه في اللحظة التي فتحت فيها باب المنزل تعرضت لإطلاق النار دون سابق إنذار ولحسن الحظ نجحت في الدخول إلى البيت قبل أن تصاب هي أو ابنتها بأذى.

شهادة أخرى حصلت عليها بتسيلم من جار عائلة أبو رجب وهو محمد أبو غربية، تدل هي الأخرى على أن إطلاق النار من قبل الجنود لم يسبقه أي محاولة للاعتقال وان الجنود أمروا الزوجة وشقيقها البالغ من العمر 14 سنة بحمل محمد مسافة ثلاثون متراً وهو ملقى على حمالة ووضعه في الجيب العسكري. على ضوء نتائج التحقيق تطالب بتسيلم المدعي العسكري الكولونيل عينات رون الإيعاز إلى الشرطة العسكرية بفتح تحقيق في ملابسات مقتل أبو رجب. غير أن محامي قيادة المنطقة الوسطى، وفي سياق رده على بتسيلم بتاريخ 20 مارس 2005 أي بعد مرور أكثر من عام على الحادث ادعى انه "في اليوم المذكور قام الجنود بتنفيذ عملية لإلقاء القبض على مطلوبين وخلالها شُخص المذكور وهو يحمل شيء مشبوه. وبما أن الجنود فتحوا النار ظناً منهم بأنه أحد المطلوبين للجيش وانه كان مسلحاً فلا يجد محامي قيادة المنطقة الوسطى أي أساس لفتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية، هذا الكلام يتنافى مع شهادة زوجة المغدور التي أشارت فيها بأن زوجها لم يكن مسلحاً عندما كان يهم بمغادرة البيت وتتنافى مع ادعاءات المصادر العسكرية التي نقلتها صحيفة هآرتس فور وقوع الحادث، وذكرت فيها أن أبو رجب قتل وهو يحاول الهرب وان الجنود تصرفوا وفق معايير مثل هذه الحالات عند اعتقال المشتبه بهم. كما أن المدعي العسكري يتجاهل تماماً ادعاءات بتسيلم بأن زوجة أبو رجب تعرضت هي الأخرى لإطلاق النار عندما كانت تحتضن طفلتها الرضيعة.

الظروف التي أحاطت بمقتل حسني مصطفى دراغمة 21 سنة، على أيدي أفراد حرس الحدود قرب قباطية

في يوم الأحد 24 ابريل 2004، قتل أفراد حرس الحدود حسني دراغمة وجرحوا إياد دراغمة عند مفرق الشهداء قرب قباطية. أيضاً الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي لم يصدر بياناً حول ملابسات الحادث. غير أن موقع صحيفة يديعوت احرونوت على الإنترنت ذكر أن وحدة خاصة من حرس الحدود حاولت اعتقال فلسطينيين اثنين يشتبه الجيش الإسرائيلي بتجهيز نفسيهما لارتكاب هجوم انتحاري داخل إسرائيل، وقد قتل شخصاً في عملية الاعتقال وجرح آخر. اضاف التقرير أيضاً انه لم يتم العثور بحوزة الإثنين على أي من الأحزمة الناسفة وقد نفت مصادر فلسطينية أن يكون الحادث نجم عن سوء تشخيص هوية المغدور أو أن يكون الرجلان مطلوبان لإسرائيل، كونهما لم يكونا مسلحين ولم يعتقل الشخص الذي أصيب بجراح. مصادر عسكرية إسرائيلية أبلغت موقع صحيفة يديعوت احرونوت على شبكة الإنترنت بأن وحدة من الجيش دخلت قباطية بناء على معلومات استخبارية لاعتقال الرجلين. تصرفت الوحدة حسب إجراءات اعتقال المشبوهين وقد أطلقت النيران باتجاههما. أما صحيفة هآرتس فقد أفادت بأن حرس الحدود فتح النار على رجلين أعزلين من السلاح، ادعى الجيش أنهما حاولا الفرار مضيفاً بأنه كان لدى قوات الأمن معلومات مسبقة تشير إلى أن أحد الرجلين كان في طريقه لتنفيذ هجوم انتحاري.

ومع ذلك فإن تحقيق بتسليم يثير احتمال أن الرجلين لم يحاولا الفرار بل أطلقت عليهما النيران من قبل الوحدة الخاصة في حرس الحدود، بعد أن رفعا أيديهما للاستسلام انصياعاً لأوامر أحد الضباط في الوحدة. وفي شهادة أدلي بها لبتسيلم أوضح عبد الناصر خليل عبد الرحمن البرغوثي، انه كان يجلس وقت وقوع الحادث في أحد المطاعم عند مفرق الشهداء. وفي الساعة الثامنة مساء ظهرت سيارة فولكس واجن بيضاء، وانحرفت عن المسار الذي كانت تسير عليه ووقفت في منتصف الطريق. خرج رجلان مسلحان منها وهما يرتديان زياً مدنياً. صرخ أحدهما باللغة العربية على رجلين كانا يجلسان على المفرق "قف …قف وارفعا أيدكما"، رفع الرجلان فوراً أيديهما في الهواء لكن أحد الرجلين المسلحين أطلق النار عليهما وقد أصاب الرصاص احدهما وسقط على الأرض والآخر ظل واقفاً ويداه مرفوعتان وفورا أطلق أحد المسلحين النار باتجاهه وسقط هو الآخر على الأرض. وحسب قول الشاهد لم يكن الشابان مسلحان.

شاهد آخر علي الحادث وهو عبد الناصر محمود إبراهيم عيشة صاحب المطعم لم يشاهد إطلاق النار نفسه لكنه ابلغ بتسيلم في شهادته بأن الرجلين رفعا أيديهما فوراً بعد أن طلب منهما ضابط حرس الحدود ذلك، واضاف: "سمعت شخصاً يصرخ بالعربية "قفا حيث أنتما! ارفعا أيديكما"، وعلى زاوية المفرق قرب المقبرة ومقابل سيارة من نوع هيونادي وقف شابان رفعا ملابسهما وأيديهما في الهواء… هنا هرولت مختبئاً وراء المطعم، بعدها بخمس أو عشر ثواني سمعت صوت خمس طلقات نارية. عدت إلى زاوية المطعم ونظرت باتجاه المفرق، رأيت رجلين مسلحين بملابس مدنية يقفان بجوار سيارة الهيونداي ورأيت الشابين على المفرق وهما ملقيان على الأرض. حسب رواية الشاهد الأول فقد وصلت قوات إسرائيلية إضافية بعد إطلاق النار وأخذت بتفتيش جيوب الشابين الملقيين على الأرض باستخدام رجل آلي، لم يتم العثور على أي شيء من الأسلحة. عالج رجال الإسعاف الإسرائيليين الشابين في المكان لتأت سيارة تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني لتأخذهما إلى المستشفى. لكن احدهما يدعى حسني دراغمة قتل في المكان والأخر أصيب بجروح بالغة الخطورة.

الظروف المحيطة بمقتل محمود عبد الرحمن حمدان كميل، 19 سنة، قتل على أيدي الجيش في قرية ربعا

في صبيحة يوم الجمعة 3 ديسمبر 2004 قتلت وحدة من سلاح البحرية الإسرائيلية محمود عبد الرحمن حمدان كميل في قرية ربعا جنوب شرق جنين. بيان الجيش الإسرائيلي الذي صدر بعيد الحادث مباشرة أوضح أن كميل قتل أثناء عملية اعتقاله وحسب البيان فقد أطلقت النار على كميل وقتل فوراً أثناء هروبه من المنزل الذي كان مختبئاً فيه، وكان مسلحاً حسب زعم البيان. ومع ذلك فإن تحقيق بتسيلم في هذا الموضوع يعتقد أن الجنود أطلقوا النار على كميل وهو ملقى جريحاً على الأرض بعد أن جرد من سلاحه وأشار تحقيق بتسيلم أيضاً إلى أن الجنود أرغموا فلسطينيين على الذهاب إلى الجريح وتفتيشه، وهذا خرق لأمر أصدرته محكمة العدل العليا تمنع فيه استخدام مدنيين كدروع بشرية. وحسب شهادتان أدلى بهما كل من طايل البزور وسليمان القصراوي، فقد قتل كميل على أيدي الجنود بعد أن حاول الفرار من المنزل الذي كان يقيم فيه والذي كان يحاصره الجيش. وحسب الرواية أيضاً أصيب كميل بجراح ولكنه كان في وعيه. بعد ذلك أمر الجنود الشاهدين تحت تهديد السلاح بجر كميل قريباً منهم وإحضار بطاقة هويته وهاتفه الخلوي. اقترب الشاهدان من كميل وتحدثا إليه، حيث طلب منهما أخذه إلى الجنود آملاً في نقله إلى المستشفى. كما سلم الشاهدان الجنود مسدس كميل وهاتفين خلويين كانا بحوزته ثم أخذوه إلى الجنود. هنا طلب الجنود من الشاهدين مغادرة المكان فوراً. انصاع الشاهدين لأوامر الجنود وبعد دقيقة واحدة سمعا صلية من إطلاق النار. أمر الجنود طايل البزور بالعودة إلى المكان الذي كان يرقد فيه كميل وإحضار محفظته. ذهب البزور إلى كميل ليكتشف انه تعرض لإطلاق النار في الرأس وتوفى على الفور. تثير الشهادتين شكوكاً قوية بأن الجيش أجهز على كميل بعد إصابته بجراح وبعد أن جرد من سلاحه وبعد أن لم يشكل أي نوع من الخطر على حياة الجنود.

تشير الشهادات أيضاً إلى أن الجنود استعملوا الشاهدين كدروع وذلك بإرغامهم على القيام بمهمة تهدد حياتهم بعد أن وعد الجيش محكمة العدل العليا انه لم يعد يستخدم هذه الممارسات. بعد نشر نتائج بتسيلم في الصحافة، اصدر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بياناً آخر يتعلق بحادث مقتل كميل مدعياً أن عدد العيوب في الأفعال التي يرتكبها الجنود قد تم تحديدها من قبل لجنة تحقيق عينتها قيادة المنطقة الوسطى وقائد سلاح البحرية. وبناء على ذلك فقد قررت قيادة المنطقة الوسطى وبالتنسيق مع رئيس الأركان تعيين فريق تحقيق لفحص تصرفات الجنود. أشار البيان أيضاً إلى أن قائد سلاح البحرية قرر توقيف قائد الأنشطة العملياتية بالضفة الغربية لعدة أيام ريثما يتم رفع نتائج التحقيق. بيان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي لم يشر إطلاقاً إلى طبيعة "عيوب وحدة القيادة" بيد انه عاد وأكد على الإدعاء بأن كميل قتل أثناء محاولته الفرار من الجنود. على النقيض من ذلك أوضح رئيس هيئة الأركان موشيه يعلون لراديو الجيش الإسرائيلي المشاكل التي تضمنها الحادث، والمتعلقة بفتح النار في بداية الحادث، وكيفية التعامل مع المخرب الجريح وإطلاق النار في نهاية الأمر. ومراسل صحيفة هآرتس زيئف شيف تحدث مع رئيس هيئة الأركان الذي قال أن التحقيق ينصب الآن بالضبط على ناحيتين أثارتهما بتسيلم وهما إطلاق النار على كميل وقتله بعد إصابته بجراح واستعمال فلسطينيين مدنيين لفحص الجريح بعد إطلاق النار عليه.

في 4 يناير 2005، اصدر الناطق بلسان الجيش بياناً حول نتائج تحقيق الفريق قائلاً بأنه أثناء التحقيق وجد خللاً بين الإجراءات العملياتية في المنطقة ودراية وحدة سلاح البحرية بهذه الإجراءات. وادعى أيضاً بأن هذه "عيوب مهنية" وليست فشل في القيم أو الأخلاق. بعد نشر نتائج التحقيق زود قادة وحدات سلاح البحرية العاملين في المنطقة الوسطى بإجراءات جديدة.

الناطق بلسان الجيش لم يفصل هذه "العيوب المهنية" التي ارتكبها قائد وحدة سلاح البحرية، وتجاهل تماماً ادعاءات بتسيلم حول هذا الموضوع. ذكرت أيضاً صحيفة هآرتس أن نتائج التحقيق دلت على أن قائد وحدة سلاح البحرية سمح لجنوده بإطلاق النار ليلاً على أشخاص هاربين من بيوت، جاء الجنود لمحاصرتها ولإلقاء القبض على مطلوبين وفشل في إتباع إجراءات إعطاء التحذير كما هو معمول به في الوحدات الأخرى. وبخصوص نتائج تحقيق بتسيلم صرح ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي لصحيفة هآرتس بأن تحقيق الجيش أوضح بشكل لا لبس فيه، بأن كميل لم يتعرض لإطلاق النار بعد إصابته بجراح بل قتل بعد محاولة الفرار من البيت. بعدها أمر الجنود اثنين من جيرانه بالذهاب للجثة ثم عادوا بسلاحه. أكد الضابط أيضا أن النار أطلقت على كميل بعد فترة زمنية فاصلة لكنه برر ذلك مدعياً بأنه كانت هناك معلومات استخبارية تفيد بأن كميل يحمل حزاماً ناسفاً وشاهده الجنود وهو يتحرك وهذه رواية ثبت عدم صحتها.

عدا عن كون هذه الإدعاءات تتنافى مع شهادتي البزور وقصراوي اللذين أكدا للجيش الإسرائيلي بأنهما الوحيدين الذين حضرا الحادث، فمن غير الواضح كيف يدعي الجيش بثقة تامة أن كميل قتل جراء إطلاق النار الأول وليس الثاني عندما كان يرقد على الأرض.

لم يتم تشريح الجثة أبداً والإدعاء بأن كميل لم يتحرك لا يمكن أن يعتبر دليلاً قاطعاً على وفاته.

أما بالنسبة للإدعاء القائل بأن الجنود استعملوا الشاهدين كدروع بشرية، فقد أوضح الضابط الكبير أن محكمة العدل العليا حظرت الإجراء الذي يتيح هذا الاستخدام عندما يكون الهدف توضيح مكان الشخص المطلوب ومنع إصابة الجنود. أوضح الضابط أيضاً بأن الجيش يتبنى "معايير التحذير المسبق" أي إرسال فلسطينيين قبل الجنود إلى المكان بغرض فحص ما إذا كان هناك مدنيين في البيت الذي ينوي الجيش هدمه فوق رأس الشخص المطلوب. لم يصرح للجيش بارسال فلسطينيين لضمان استسلام المطلوب وتحديد مكان تواجده بالضبط. وبالنسبة للحادث المذكور يدعي الضابط بأن الجنود تصرفوا على النحو المطلوب كون الشاهدين ارسلا للتأكد من عدم وجود أناس داخل المنزل، ولم يتصرفوا إلا عندما تأكدوا بأن المنزل فارغ. ومع ذلك تتناقض هذه الإدعاءات مع أقوال نفس الضابط والذي قال فيها أنه بعد إطلاق النار الأول أرسل الشاهدين لكميل وعادا بسلاحه. لا شك أن هذا البيان غير الصحيح الذي أدلى به الناطق بلسان الجيش حول نتائج التحقيق، وكذلك التفسيرات المبهمة التي أعطاها الضابط لمراسل صحيفة هآرتس حول ملابسات الحادث تعزز الشكوك التي أثارتها بتسيلم.

استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية

بدأ الجيش الإسرائيلي أثناء الإنتفاضة الثانية، باستخدام مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية، حيث يختار الجنود مدنيين فلسطينيين عشوائياً ويطلبون منهم حمايتهم وتنفيذ مهمات تشكل خطراً على حياتهم. فقد حدث في بعض الحالات أن أمر الجنود مدنيين فلسطينيين بدخول مباني للتأكد من عدم تفخيخها ولإخراج من كان فيها. وفي حالات أخرى كان يجبر المدنيين على البقاء داخل المباني المستخدمة كنقاط مراقبة عسكرية من قبل الجيش، وذلك من اجل ردع المسلحين عن إطلاق النار على الجنود. وكذلك المشي أمام الجنود لحمايتهم من إطلاق النار. هذا الاضطهاد للمدنيين الفلسطينيين لم يكن نتيجة مبادرة شخصية من قبل جنود يخدمون في الأراضي المحتلة بل كان جزءاً من أوامر يتلقاها هؤلاء الجنود أعدتها وصاغتها الهرمية العسكرية العليا.

في مايو أيار من عام 2002 وبعد التماس رفعته سبع منظمات لحقوق الإنسان من بينها بتسيلم لمحكمة العدل العليا ضد هذه السياسة، بدأت الدولة تعلن تدريجياً عن قيود جديدة تفرض على إتباع هذه السياسة، حيث أعلنت انه سيسمح للجنود باستخدام المدنيين الفلسطينيين فقط في حالة الدخول إلى المنازل أثناء العمليات وفقط في حالات يرى فيها القائد الميداني انه لن يكون هناك خطراً على حياة المدنيين. وفي آب أغسطس من عام 2002 وتنفيذا لهذه الإجراءات الجديدة أرسل الجنود نضال أبو محسن إلى منزل ناصر جرار أحد نشطاء حركة حماس للتحدث معه كي يخرج خارج البيت. وبمجرد أن أقترب محسن من البيت أطلق جرار النار عليه فأرداه قتيلاً ظناً منه انه جندي من الجيش الإسرائيلي. بعد هذا الحادث ادعت الدولة بأن الجيش لن يستخدم من الآن فصاعداً مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية بل سيقتصر الأمر على مساعدة الجنود أثناء عملية اعتقال مطلوبين، وذلك لتقليص خطر إصابة مدنيين أبرياء.

الإجراء الجديد الذي تدرسه الدولة والذي أطلقت عليه اسم "إجراء التحذير المستبق" يستدعي حالتين يتم فيهما تطبيقه. الأولى وهي أن على المواطن المحلي  أن يعرب عن رضاه في مساعدة الجنود الذين لا يحق لهم تهديده بالعنف والاعتقال. ومع ذلك فان فرضية ممارسة الفلسطيني لحريته في هذه الحالة مشكوك فيها. حق الرفض الذي يتمتع به الفلسطيني الذي يطلب منه مساعدة الجنود هو حق لا معنى له إذا ما اخذ بعين الاعتبار عدم التوازن في القوة بين الجنود المدججين بالسلاح، والمواطن الأعزل الذي يطلب منه في اغلب الحالات الإنصياع لأوامر الجنود بعد أن ينتزع من بيته في منتصف الليل وتحت تهديد السلاح. حسب الحالة الثانية، يعتمد تلقي المساعدة من المدنيين على تقدير القائد الميداني إن كان هناك خطر على حياة الشخص أم لا.

ومع ذلك فان الحالة التي وضعت من اجلها مسودة الإجراءات الجديدة أي اعتقال مطلوبين هي بالتحديد حالة خطيرة وأي مشاركة من قبل مدنيين في هذه العمليات، تعرضهم للخطر كما حدث بالضبط في الحادث الذي قتل فيه نضال أبو محسن. بناء على ذلك فإن إجراء التحذير المسبق هو إجراء غير شرعي حتى لو كانت الدولة صادقة في ادعاءها بأنها لا تجيز استخدام الدروع البشرية. ينص القانون الإنساني الدولي على ضرورة إخلاء المدنيين من مناطق الصراع وحمايتهم من الخطر الناجم عن العمليات العسكرية. لا شك أن إرغام مدنيين فلسطينيين على تعريض أنفسهم للخطر يشكل انتهاكاً فاضحاً لهذا المبدأ. أضف إلى ذلك أن هذا الجراء هو إجراء غير قانوني حتى ولو لم تشكل مطالبة المدنيين بالمشاركة في إجراء التحذير المسبق خطراً مميتاً بسبب وجود منعاً مطلقاً يفرض على إرغام المدنيين على أداء أي مهام عسكرية.

في سبتمبر 2004، عقدت المحكمة العسكرية آخر جلسة بخصوص الالتماس المقدم من قبل منظمات حقوق الإنسان في مايو أيار 2002. قاضي محكمة العدل العليا أهارون باراك انتقد إجراء التحذير المسبق، وحث الجيش الإسرائيلي على إلغاءه على أساس أن ميثاق جنيف يحظر استخدام المدنيين المحليين أثناء العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش المحتل. وعلى الرغم من هذا الانتقاد رفضت المحكمة إصدار أمر احترازي يحظر استخدام هذا الإجراء وأعلنت أن بتها في الالتماس سيأتي لاحقاً.

تعليمات إطلاق النار وعدم فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية

حوادث القتل الأربعة التي تطرق اليها التقرير كانت نتيجة تغيرات أدخلت على أنظمة إطلاق النار المطبقة من قبل الجيش الإسرائيلي أثناء الإنتفاضة الثانية. ارتكزت أنظمة إطلاق النار حتى اندلاع الإنتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 في الأراضي المحتلة على قانون العقوبات الإسرائيلي، لا يسمح باستخدام الذخيرة الحية إلا في حالتين: في الحالة الأولى عندما يكون هناك خطراً حقيقياً على الحياة كما ورد تعريفه في فقرة "خطراً حقيقياً على فقدان حياة إنسان أو إصابته بجروح بالغة"، في هذه الحالة يسمح للجنود بإطلاق النار لإصابة الشخص ولكن على المهاجم فقط، وفقط عندما لا يكون هناك مفر سوى الرد على الخطر. الحالة الثانية: عند تطبيق إجراءات اعتقال المشتبه به الذي يتيح لقوات الأمن إطلاق النار على الرجل المشتبه به بارتكاب مخالفات خطيرة ولكن كملاذ أخير بعد إصدار تحذير وإطلاق النار في الهواء وعندما لا يكون هناك احتمال تعرض أشخاص آخرين للخطر.

بعد اندلاع الإنتفاضة الثانية صنفت إسرائيل الوضع في الأراضي المحتلة "كصراع مسلح" وكان من تداعيات هذا التعريف ذلك التغيير الذي طرأ على سياسة فتح النار وكذلك التمديد التلقائي لمفهوم "خطر تهديد الحياة" إلى جانب سياسة الإمتناع عن تزويد الجنود العاملين في الميدان "بأوامر واضحة وجلية حول تعليمات إطلاق النار". لم ينشر الجيش الإسرائيلي رسمياً تعليمات إطلاق النار. وعلى الرغم من ذلك فإن الشهادات التي أدلى بها جنود يعملون في الأراضي المحتلة وكذلك المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام تعكس بعض هذه التغيرات التي أدخلت  على تعليمات إطلاق النار والتي تم بموجبها التوسيع في الحالات والظروف التي يستطيع فيها الجيش فتح النار.

وحسب هذه المصادر يجوز استعمال الذخيرة الحية حتى ضد راشقي الحجارة وإطلاق النار دون تحذير على أي مسلح فلسطيني في أوقات ومناطق محددة واستعمال الأسلحة النارية لتطبيق منع التجول بالقوة.

إضافة إلى ذلك فقد منح التفويض باستخدام الذخيرة التي لها تأثير على مساحة واسعة كالقنابل التي تزن مئات الكيلوجرامات وإسقاطها من الجو واستعمال ما يطلق عليه باسم "القنابل القذرة" التي تطلق من الدبابات.

تشير هذه المصادر أيضاً إلى انه إضافة لهذه التغيرات فقد تم إلغاء إجراء اعتقال المشتبه بهم في بعض الحالات والظروف، وسمح بإطلاق النار على فلسطينيين مشتبه بهم دون إنذار حتى ولو لم يكونوا مشخصين على أنهم لا يحملون سلاحاً. هذا التغيير ينطبق مبدئياً في سياق تعليمات إطلاق النار أثناء ما تسميه الأجهزة الأمنية عمليات اعتقال فلسطينيين وهذا هو موضوع هذا التقرير.

يقول عاموس هارئيل وآفي سخاروف في كتابهما تحت عنوان (الحرب السابعة)، "وبما أن خطر إطلاق النار من قبل أشخاص مطلوبين زاد، فقد منح الجيش حرية أكثر في العمل إلى حد استخدام إطلاق النار القاتل ضد أي إنسان يشاهد وهو يهرب من المنزل الذي يحتمي فيه مطلوب ليلاً حتى ولو لم يثبت وجود شخص مسلح".

بعد مقتل محمد كميل أوردت صحيفة هآرتس خبراً تقول فيه أن الجيش خفف من قيود تعليمات إطلاق النار في عمليات الاعتقال. وكما يقول المراسل العسكري للصحيفة "النهج هو كالتالي: إن كان هناك شك فلا تشك  "أطلق النار أولاً ثم افحص الأمر بعد ذلك!" يضيف المراسل العسكري قائلاً أن هذا النهج يوسع تعليمات إطلاق النار بحيث تشمل حالات يتم فيها تجاوز الفحص القانوني وهناك وحدات تمنح نفسها "مرونة استثنائية" وخاصة حرس الحدود. نفى الجيش ما يقال أن تعليمات إطلاق النار تجيز للجنود فتح النار على من يشتبه بهروبه من بيت جاء الجيش لاعتقال مطلوب فيه دون تبني إجراء التحذير المسبق.

وحسب صحيفة هآرتس فقد كشف تحقيق الجيش في حادث مقتل محمد كميل أن قائد وحدة سلاح البحرية وجه فعلاً مثل هذا الأمر الذي كان نتيجة "عيوب مهنية" بعد أن تم تسجيل وتدوين ذلك في الملف الشخصي لقائد الوحدة. حسب رأي الجيش يعتبر ذلك حالة فشل منعزلة ناجمة عن التضارب بين تعليمات إطلاق النار المطبقة على قادة سلاح البحرية وتلك المعمول بها في الأراضي المحتلة. ومع ذلك فإن الشهادات التي أدلى بها الجنود الذيه شاركوا في عمليات اعتقال إبان الإنتفاضة الثانية تدل على أن هذه الوسيلة من العمل شائعة بين وحدات الجيش التي تنفذ عمليات الاعتقال في الأراضي المحتلة. وفي شهادة أدلى بها لمنظمة شوفريم شتيكاه (كسر الصمت) جندي برتبة مساعد عمل في وحدة اغوز الإستخبارية، أوضح أن إجراء اعتقال المشتبه بهم علق في وحدته أيضاً أثناء عمليات الاعتقال ويضيف " لقد قصرت إجراءات اعتقال المشتبه بهم أثناء محاصرة المنزل. كنا اذا هرب الشخص من المنزل نصرخ عليه ليقف وفق الإجراء. دائما نصرخ ليقف الشخص ثم بعد ذلك نفتح النار على الأرجل أما الآن فقد تم تقصير هذا الإجراء بحيث يأتي الصراخ متزامنا مع إطلاق النار. كانوا يقولون لنا لا تمنحوهم فرصة الهرب. بمجرد أن وصلت إلى نهاية خدمتي في الوحدة حتى كان هذا الإجراء قد قلص تماما لتطلق النار على كل إنسان يخرج من البيت".

جندي آخر عمل في الوحدات المختارة التابعة للواء غولاني، ابلغ بتسيلم في حيثيات شهادته أنه في أثناء العامين الأولين من الإنتفاضة كانت التوجهات تقتضي بتطبيق إجراءات اعتقال المشتبه بهم في حالات الهروب، أي الأشخاص الذين يهربون من منازل أتى الجنود اليها لاعتقال مشتبه بهم ويضيف: "بعد تكرار الحالات التي نجح مطلوبون في الهروب أثنائها، قرروا بتر الإجراء وتبني إجراء أسرع لاعتقال المشتبه بهم، الصراخ ثم إطلاق النار في الهواء، وبعد ذلك إطلاق النار على الهارب، باستهداف الأرجل.

الصراخ وإطلاق النار في الهواء قد يأتي متزامناً. في بداية 2003 تم تقصير الإجراء ليقتصر على مجرد المناداة بكلمة "وقّف". كنا نؤمر بالصراخ وإذا لم يتوقف الهارب نطلق النار عليه حتى ولو لم يكن مسلحاً ولم يعرض حياة الجنود للخطر. الأوامر تقضي بإطلاق النار دون سابق إنذار على أي شخص يحاول الهرب حتى ولم نكن نعرف من الذي يحاول الهرب. وفي نهاية عام 2003 نفذ فريق من وحدتي عملية اعتقال في منطقة جنين. كان هناك باباً في خلفية المنزل لم يكن الجنود يعرفوه. أمر الجنود كل من كان في المنزل بالخروج. وخرج جميعهم من الباب الذي لم يكن يعرفه الجنود. عندما ظهر الأشخاص فتح أحد الجنود النار عليهم كما لو كانوا يحاولون الهرب. وبعد أن أدرك أنهم أفراد الأسرة التي تعيش في المنزل توقف عن إطلاق النار. أحد الرصاصات الطائشة مرت بملامسة إذن صبي من أفراد الأسرة. لكن بعد الإطلاع على الإفادة تبين أن عدم إصابة الصبي يعود لأخطاء عملياتية. عملياً يحدث الصراخ وإطلاق النار في نفس اللحظة بيد أن كل شيء يعتمد بالدرجة الأساس على الجندي الفرد في الميدان، تُرى ما حجم الضغط عليه وكم هو حجم الذعر والرعب الذي يشعر به قبل الحادث؟

أثناء تلقينا الأوامر وقبل العملية يقال لنا إذا كان الشخص المطلوب خطيراً لابد من خوض قتال ولا مفر من ذلك، بحيث لا يمنح أي فرصة لإطلاق النار أو إلقاء قنابل على الجنود، والنتيجة هي انك تتوقع إطلاق النار. واضح لك في عملية الاعتقال هذه انك ستفتح النار.

نفس الصورة ظهرت عندما قتلت وحدة ماغلان اثنين من الحراس الأمنيين الإسرائيليين بالخطأ وهما يؤاف دورون ويهودا بن يوسيف قرب مستوطنة بني حيفر في مارس 2003 بعد أن أخطأوا في تشخيص فلسطينيين جاء الجيش لاعتقالهم. جاء في التحقيق انه لم يكن هناك حاجة لأن يطلق الجنود كماً هائلاً من الذخيرة (حوالي ألف طلقة و17 قنبلة من نوع 203-M على الحارسين اللذين لم يستطيعا حتى الرد على النيران على الرغم من أنه لم يكن هناك أي خطر على حياة الجنود.

وحسب ما ذكر مراسل صحيفة هآرتس يشير محضر اطلاع الجنود على الأوامر إلى أن هناك تحولا بسيطاً وسريعاً من حالات الاعتقال إلى "القتل المستهدف" ومصير الحارسين الإسرائيليين المسلحين هو نفس مصير كثير من المدنيين الفلسطينيين العزل. ضابط كبير شارك في العملية يقول أن الحادث "كشف عن نزوات الشعور بالسعادة في القتل عند الجنود" حيث يرى كثير من أفراد الوحدات المقاتلة أن الاصطدام بمسلحين مشتبه بهم هو أحلى ما يتطلعون إليه، فعندما تسنح الفرصة يفتحون النار بكل حرية.

جندي آخر من وحدة الناحال قال في شهادته التي أدلى بها إلى منظمة "شوفريم شتيكاه" أن الوسيلة التالية استخدمت أثناء الاعتقالات التي تمت تحت قيادة أحد ضباط الوحدة وهي: أولا لابد من إطلاق صاروخ واحد على الأقل من طراز لاو على جدار البيت للإرباك كي يدرك أهل البيت انه من غير الحكمة أن يورطوا أنفسهم معنا. بعد ذلك نطلق الرصاص. لا يسمح لنا بإطلاق النار على النوافذ لتفادي إصابة جنود يرابطون في النواحي المقابلة للبيت كما يمنع إطلاق النار على جدران رقيقة. لم أكن أفهم على الإطلاق ماذا يدل الجدار الرقيق. فأغلب المداخل هذه الفترة هي "مداخل رطبة"، المدخل الرطب هو عندما تقتحم غرفة تحت زخات من الرصاص للتأكد من خلوها من مسلحين. في أحد الحالات نفذنا مفهوم الدخول الرطب، لنجد أن أماً تركت طفلاً في الثالثة من عمره في الغرفة. أخرجنا الجميع وبدأنا في تمشيط المبنى. فتشنا جميع أرجاء المبنى منفذين الدخول الرطب في جميع الغرف. بعد البحث والتفتيش قمنا بالبحث عن السلاح ولكن وجدنا طفلاً في الثالثة من عمره يرقد تحت السرير، من حسن حظه انه لم يصب بأذى لأن الجنود ما تركوا ناحية من الغرفة إلا أطلقوا عليها الرصاص حتى على السرير نفسه.

صحيفة يديعوت أحرونوت نشرت مؤخراً تقريراً مفصلا تحدثت فيه عن الوسائل العملياتية في الوحدة الخاصة التابعة لحرس الحدود التي تسير وظيفتها على غرار الخط العملياتي الذي تعرضنا له في هذا التقرير، ومناسبة المقال هي، تقليد الرقيب "س" وسام الشرف على انجازاته في الوحدة. يقول "س" في سياق حديثه إلى كاتب المقال: لا اتذكر حتى ولو حالة واحدة أرسلت فيها لقتل إنسان. هذا لم يحدث على الإطلاق. كنت أُرسل لاعتقال أشخاص ما". وقد عزز هذا الإدعاء حديث ضابط آخر في الوحدة، لم نكن وحدة اغتيالات، كنا نصل بهدف اعتقال الشخص المطلوب. ومع ذلك فالتوصيفات التي وردت في المقال تشمل توصيفات أدلى بها "س" نفسه حول الوسيلة التي يعمل بها ضباط حرس الحدود في الوحدة أثناء ما يسمونه بعمليات الاعتقال، لكنها ترسم صورة مختلفة تماماً. تحدث "س" عن الظروف التي قتل فيها هو وزملاءه كمال عبد الله  عبد الفتاح المعروف باسم "كمال الطوباسي" المسؤول كما تدعي إسرائيل عن إرسال منتحر لتفجير نفسه في سوق تجاري في العفولة منذ عام والذي قتل فيه ثلاثة إسرائيليين والتخطيط لإرتكاب هجوم آخر كان يعد له قبل وفاته. يقول "س" بعد أن غادر الطوباسي البيت الذي كان يقيم فيه وبحوزته بندقية كلاشنكوف واقترب من السيارة التي كانت بانتظاره عند مدخل البيت شاهدنا لكنه لم يدرك أننا غرباء. كنت أنا وضابط آخر على بعد 20 مترا منه. لم نتحرك ولم نبد أي حركة تجعله يشك فينا. في اللحظة التي وقعت عيناه علينا بدأنا العمل. اقتربنا منه، اطلقنا النار وكنا نسير بخط مستقيم. لم يستطع أن يصل إلى السيارة التي كانت بانتظاره. أطلقنا النار على السائق أيضاً وأرديناه قتيلاً. وحسب رواية "س" لم يقتل طوباسي في هذه المرحلة بل اتخذ السيارة ساترا أمامه وبدأ بإطلاق النار على "س" وزملاءه وأثناء تبادل إطلاق النار قتل الطوباسي وأصيب "س" بجراح. كلام "س" يدل على انه لا هو ولا زملاءه بذلوا أدنى جهد لاعتقال الطوباسي، فقد فتحوا النار فورا على الرجل الذي جاءوا لاعتقاله ومباشرة بعد مواجهته وبدون الطلب منه الاستسلام وبدون أن يحاول الطوباسي المس بهم قبل إطلاق النار عليه. الواقع هو أنهم لم يمنحوا الطوباسي أي فرصة للاستسلام كون "س" وزملاءه كانوا متخفين بزي عربي وعليه لم يكن يعرف أن هؤلاء الناس الذين يواجههم كانوا فعلاً من قوات الأمن الإسرائيلية.

هناك عملية ثانية شارك فيها "س" وكشفت عن انتهاج نموذج مشابه يطلق فيه ضباط الشرطة النار على فلسطينيين، يُرسل هؤلاء الضباط لإعتقالهم وبدون سابق إنذار وبدون أن يحاول المشتبه به المس بهم وبدون حتى المعرفة بوجودهم، حيث يقول كاتب المقال في صحيفة يديعوت احرنوت "بينما كان س" وعدد من أفراد وحدته يسيرون بسيارة داخل أزقة طولكرم واجهوا عدد من المسلحين المطلوبين وهم يستقلون سيارة. في هذه اللحظة فتح "س" ورفاقه النار على السيارة ليصيبوا من كان بداخلها، حيث قتل اثنين منهم في الصلية الأولى وأصيب الثالث بجراح. بعد أن اكتشف الرجل أن "س" هو من الوحدات الإسرائيلية الخاصة أطلق النار عليه لكن "س" سبقه فأرداه قتيلاً.

لقد رفض الجيش الإسرائيلي أثناء الإنتفاضة الثانية نشر لوائح وتعليمات إطلاق النار، وبناء على ذلك لا تستطيع بتسيلم أن تقرر ما إن كانت وسائل العمليات الواردة آنفاً مصادق عليها رسمياً ضمن هذه التعليمات أم لا. وحتى لو كانت هذه الوسائل لا تتوائم مع التعليمات الرسمية فهذا لا يعني أن الضباط والجنود العاملين في الأراضي المحتلة يتحملون وحدهم مسؤولية استخدامها بل أن مثل هذه المسؤولية تقع بالدرجة الأساس على قيادة الجيش العليا وعلى عاتق وزير الدفاع نفسه، كون التضارب بين التعليمات الرسمية وواقع ما يجري في الميدان هو نتيجة حتمية ناجمة عن السياسة الرسمية التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة أثناء الإنتفاضة الثانية خصوصا فيما يتعلق بتعليمات إطلاق النار التي يزود بها الجنود والضباط.

في الإنتفاضة السابقة وفي الأعوام التي تلتها كان الجنود يتلقون كتيبات تفصل تعليمات إطلاق النار، أما في الإنتفاضة الثانية فقد رفض الجيش الإسرائيلي إصدار تعليمات خطية لجنوده. ونتيجة لذلك توصل التعليمات شفوياً عن طريق ضباط يتلقونها هم شفوياً أيضاً من ضباط أعلى رتبة. وعلى هذه الأساس فإن هذا الإجراء يخلق في نهاية المطاف أرضية خصبة للإجتهادات الشخصية وقد يؤدي إلى تجزئة وحتى إلى تحول خاطئ في هذه التعليمات.

يقول الجندي الذي خدم في وحدة الناحال في سياق شهادته: تختلف طبيعة عملية الاعتقال والطريقة التي تتم بها من حالة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال خدمت تحت قيادة ضابطين في سريتين تختلف شخصية كل منهما عن الآخر اختلافاً تاماً، ضابط يلتزم التزاماً تاماً بالتعليمات والآخر شديد العدوانية في حالات الاعتقال. مع الضابط الأول يكون مستوى التخطيط أفضل من أن نجلس أسبوعا نرسم سيناريوهات، نتلقى التفويض من الجنرالات وغير ذلك من الأمور. مع مرور الوقت تبدأ سلسلة تعليمات إطلاق النار تتحرك من الأعلى إلى الأسفل حتى تأتي في نهاية الأمر من داخل الوحدة.

في حالة التعليمات التي تهدف إلى ضبط وهيكلة الأوضاع التي تلجأ فيها العناصر الأمنية إلى فتح النار، يحتاج الجنود إلى أوامر واضحة لا لبس فيها وضمان وصولها فعلاً إلى كافة العاملين في الميدان. عادة ما يتلقى الجنود أوامر مبهمة متناقضة تؤدي إلى إشباع غريزة حب إطلاق النار عند البعض. لطالما أعرب ضباط كبار في الجيش وفي أكثر من مناسبة عن قلقهم حيال الرسائل غير الواضحة التي يتلقاها الجنود العاملون في الأراضي المحتلة فيما يتعلق بتعليمات إطلاق النار، وطالما حثوا رئيس هيئة الأركان على أن يوضح بشكل لا لبس فيه ما هو مسموح وما هو ممنوع بالنسبة لاستخدام الأسلحة النارية في الأراضي المحتلة. في أوائل مايو أيار من عام 2002 حذرت بتسيلم من الخطر المتأصل في الوسيلة التي يتم من خلالها توصيل التعليمات للجنود. ومع ذلك اختار الجيش تجاهل هذه الانتقادات، وبالتالي رفض تغير سياسته. فقط بعد حادث مقتل محمود كميل أدلى رئيس هيئة الأركان موشيه يعلون بتصريح لصحيفة هآرتس قال فيه، "نحن بحاجة إلى فحص أنفسنا وفحص ما إذا كانت الأوامر تصل الجنود بوضوح وشفافية وغير مبهمة على الإطلاق".

هناك مشكلة أخرى تتعلق بسياسة الجيش الخاصة بفتح الشرطة العسكرية تحقيقات في حوادث مقتل فلسطينيين في الإنتفاضة الثانية، إضافة إلى تعديل تعليمات إطلاق النار، فقد أدت إعادة تعريف الوضع السائد في الأراضي المحتلة الذي تمت مناقشته آنفاً إلى تغيير في سياسة مكتب المستشار القضائي للحكومة بشأن هذه التحقيقات.

قبل اندلاع الإنتفاضة الثانية كان مكتب المستشار القضائي للحكومة يوعز تلقائيا إلى الشرطة العسكرية بفتح تحقيق في أي حالة يقتل فيها جنود من الجيش مدنياً فلسطينياً ما لم يكن متورطاً في ارتكاب أعمال عدائية.

لكن بعد اندلاع الإنتفاضة، أوضح مكتب المستشار القضائي انه "بما أن هناك صراعاً مسلحاً يجري في الأراضي المحتلة، فإن فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية لن يتم إلا في حالة انحراف الجنود انحرافاً خطيراً عن تعليمات إطلاق النار والتسبب في قتل وجرح. وحسب الإجراء الجديد فإن المقياس المستخدم في تحديد ما إن كانت الحالة تتضمن انحرافاً خطيراً أم لا، جاء نتيجة الأوامر الأولية التي يتلقاها الجنود قبيل التوجه لتنفيذ العملية.

لم تفتح الشرطة العسكرية منذ بداية الإنتفاضة الثانية ولغاية الآن سوى 108 تحقيقاً في حوادث قتل فيها الجيش فلسطينيين في الأراضي المحتلة علما بأن 19 تحقيقاً فقط احيل إلى النيابة، واثنين وجه فيهما إلى جنود تهمة القتل المتعمد واثنين وجه فيهما ارتكاب مخالفة خطيرة، واثنين تهمة استخدام السلاح بصورة غير قانونية، ومع ذلك فقد لقي 3172 فلسطينياً مصرعهم خلال تلك الفترة من بينهم 622 قاصراً. نحو 1718 من الذين قتلوا لم يشاركوا في أي قتال لحظة مقتلهم. عشرات الألوف من الفلسطينيين أصيبوا على أيدي قوات الأمن. يصعب القول بأن الإجراء الجديد الصادر عن مكتب المستشار القضائي يشكل خير بديل عن الإجراءات السابقة.

أولاً قاعدة إجراء التحقيق فقط في حالات ارتكاب انحرافات خطيرة، هي قاعدة غامضة ومفتوحة أمام جميع التفسيرات. لم يعط المكتب معايير واضحة يتم من خلالها إجراء الشرطة العسكرية للتحقيقات. في أحد الحالات توصل التحقيق الذي أجرته بتسيلم ودل دلالة واضحة على أن وفاة خليل المغربي وهو فتى في الحادية عشرة من عمره كانت نتيجة انحراف عن هذه التعليمات وإطلاق النار بصورة غير قانونية.

ورغم ذلك قرر مكتب المستشار القضائي للحكومة أن لا يوعز للشرطة العسكرية بإجراء تحقيق وأدلى برواية مزيفة حول الأحداث، الأمر الذي يثير أسئلة حول الوسيلة التي اختار بها مكتب المستشار القضائي لتنفيذ سياسته. أيضاً اطلاع الجنود على الأوامر قبيل تنفيذ الإجراء لا يشكل قاعدة جيدة يستند اليها مكتب المستشار القضائي في تحديد ما إن كان  يلزم الأمر الإيعاز للشرطة العسكرية لإجراء تحقيق أم لا. إطلاع الجنود يجري من قبل أولئك الذين يشاركون مشاركة مباشرة في الحديث، بحيث يلزمون بتحمل تبعات أي تحقيق قد يجري. هذا التضارب في المصالح يمس مساً وثيقاً بنتيجة ما يصدره القائد لجنوده من أوامر.

علاوة على ذلك فإن الشهادات التي جمعتها بتسيلم من جنود شاركوا في تلقي الأوامر الأولية من القائد، تظهر أن تلك الأوامر في وحداتهم كانت مهملة في كثير من الحالات فضلاً عن أن لجنة الاستعداد الأمني المنبثقة عن الشؤون الخارجية التابعة للكنيست فحصت مؤخراً الوسيلة التي تم بها تنفيذ الأوامر الأولية من قبل الجنود. وحسب ما يقوله رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست يوفال سنيتر الذي شارك في بعض مداولات اللجنة الفرعية، فقد فحص أعضاء اللجنة من جديد سلسلة الأوامر الصادرة عن القائد في الوحدة لجنوده والمطبقة من قبل الجيش في الأراضي المحتلة في السنوات الأخيرة.

الاستنتاج الرئيس الذي خلصت إليه اللجنة يقول أن ثقافة إصدار الأوامر الأولية في الجيش ناقصة وليس هناك نظام المسائلة القانونية عن أفعال التزوير والخداع التي يرتكبها المسؤولون عن إصدار الأوامر، وهناك كثير من محاولات التستر وتبييض الحقائق.

لقد رفعت بتسيلم هي ومنظمة الحقوق المدنية في إسرائيل التماساً إلى محكمة العدل العليا ضد سياسة مكتب المستشار القضائي الخاصة بفتح الشرطة العسكرية لملفات التحقيق، حيث طالب الملتمسون بأن توعز المحكمة لمكتب المستشار القضائي بإعادة العمل بالسياسة السابقة التي تقضي بضرورة فتح الشرطة العسكرية تحقيقاً في كل حالة يقوم فيها جنود الجيش الإسرائيلي بقتل مدنيين فلسطينيين لا يشاركون في أعمال عدائية، غير أن المحكمة لم تبلور لغاية الآن أي قرار حول هذا الموضوع.

إضافة إلى المشاكل الأساسية المتأصلة في الإجراءات الجديدة التي نشرها مكتب المستشار القضائي، ظهرت مشاكل هائلة عند نشرها، ففي اغلب الحالات مرت شهوراً بل عاماً بين وقوع الحدث وقرار فتح تحقيق من قبل الشرطة العسكرية. ونتيجة لذلك يواجه المحققون عند فتح التحقيق صعوبة في مقابلة الضحايا أو الشهود، فضلاً عن عدم القدرة على العثور على الأدلة في الميدان، فضلا عن أن تجارب بتسيلم مع الإتصال بوحدة التحقيق التابعة للشرطة العسكرية، أظهرت أنها لم تقابل حتى ولو جندي واحد يتحدث العربية قادر على جمع الشهادات من شهود فلسطينيين كما أن اغلب التحقيقات المتعلقة بأفعال جنود الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة كانت تتم من قبل جنود احتياط يدعون للخدمة لعام واحد فقط بهدف مرور ملفات التحقيق من فريق تحقيق لآخر بانتظام، وهذا يشوه بلا شك إدارة التحقيق وفاعليته.

وضع تنفيذ القانون في الشرطة العسكرية ليس بالأفضل، فدائرة التحقيق في الشرطة وفي وزارة العدل المسؤولة عن التحقيق في المخالفات الجنائية من قبل كوادر في الشرطة ليست مخولة لسبب من الأسباب في مخالفات تشمل استخدام أسلحة نارية من قبل ضباط شرطة يؤدون واجباتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة. في هذه الحالة صلاحية التحقيق هي من اختصاص الشرطة وبهذا تتأثر التحقيقات بتوجيهات زملاء المشتبه بهم بكل معنى الكلمة.

الانتقادات

لا شك أن التغير الذي طرأ على تعليمات إطلاق النار وعلى الوسيلة التي يتم من خلالها توصيل هذه التعليمات للجنود وعلى فتح التحقيقات من قبل الشرطة العسكرية ناجم عن إعادة تعريف إسرائيل للأوضاع في الأراضي المحتلة. يقوم موقف إسرائيل الذي قبلت به محكمة العدل العليا وعلى لسان رئيس المحكمة على ما يلي: منذ نهاية سبتمبر 2000 يجري قتال ضاري في يهودا والسامرة وقطاع غزة، لا يمكن أن يعتبر ذلك أنشطة شرطية بل صراع مسلح. حقيقة جرى في بعض الأحيان قتال ضاري في الأراضي المحتلة في السنوات الأخيرة، خاصة أثناء الاجتياحات الإسرائيلية للمدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وأثناء الاجتياحات المتكررة للتجمعات السكنية الفلسطينية بقطاع غزة. ومع ذلك فإن إعادة تعريف الأوضاع يغفل حقيقة أن جزء كبير من عمليات قوات الأمن أثناء الانتفاضة الثانية، بما في ذلك تفريق المظاهرات ونصب الحواجز وفرض نظام منع التجول، هي أعمال شرطية وقد جرى تعريفها على هذا النحو قبيل الإنتفاضة ولازالت تحمل نفس السمة. نفس الشيء ينطبق على عمليات الاعتقال إذ جرى أغلبها في سياق قتالي. بالنسبة للضفة الغربية على الأقل يتمتع الجيش الإسرائيلي بالسيطرة الكاملة على كافة المناطق والخطر الذي يواجه الجنود المشاركين في العمليات لا يختلف اختلافاً كبيراً عن الخطر الذي يواجهه ضباط الشرطة خلال عمليات اعتقال مجرمين مسلحين. وبناء على ذلك فان القواعد الدولية المتعلقة باستخدام الأسلحة النارية في تنفيذ القانون والتي بناء عليها تستطيع العناصر الأمنية استخدام القوة القاتلة، فقط في حالات الخطر الحقيقي والفوري على الحياة، تنطبق هي أيضاً على هذه العمليات، لذلك لا يمكن أن يصمد التعبير الخاص بتعليمات إطلاق النار حتى ولو كان أمراً واقعاً وغير مسجل رسمياً، أمام أي مراجعة قانونية، كما أن تعليمات إطلاق النار السابقة التي كان يعمل بها قبل اندلاع الانتفاضة كان لابد أن تظل مطبقة على قوات الأمن. دأبت إسرائيل على القول بأن عمليات الاعتقال أثناء الإنتفاضة الثانية تتم في سياق أوضاع قتالية حقيقية، وحتى لو كان الادعاء صحيحاً، فلازالت الوسائل المستخدمة في تنفيذ عمليات الاعتقال من قبل قوات الأمن غير قانونية حسب القانون الإنساني والدولي الخاص بالاحتلال. فمن ناحية تتيح هذه القواعد لجنود الجيش الإسرائيلي تجاوز صلاحيات تنفيذ القانون النظامي وإصابة الأشخاص المشاركين في القتال عمداً. ومن ناحية أخرى ترسم هذه القواعد خطورة التصرف المسموح به لقوات الامن أثناء القتال بهدف حماية المدنيين غير المتورطين في أعمال عدائية.

أحد المبادئ التي تم وضعها لتحقيق ذلك الهدف هو مبدأ التمييز. إذ أن هذا المبدأ الذي يشكل أحد ابرز العناصر الأساسية المتجسدة في القانون الدولي ينص على ضرورة تقيد الأطراف المتحاربة بتوجيه هجماتها فقط على أشخاص مشاركين في الأعمال العدائية. ولضمان احترام هذا المبدأ يمنع من بين أشياء أخرى شن هجوم ما لم يكن موجهاً ضد هدف عسكري محدد كما أن وجود أشخاص مشاركين في القتال بين صفوف السكان المدنيين لا يحرم المدنيين الحماية التي يستحقونها. هناك أيضاً مبدأ يقول أن انتهاك الطرف الأول لهذه القواعد لا يعفي الطرف الآخر من مسؤولية احترامها.

على هذا الأساس حتى لو كانت إسرائيل على حق في الإدعاء بأن عمليات الاعتقال هي أعمال قتالية، فإن إطلاق النار دون سابق إنذار على أي إنسان يشتبه بهروبه من المنزل الذي يختبئ فيه الشخص المطلوب وحتى إن لم يكن واضحاً أن الشخص مسلحاً أم لا، فإن إطلاق النار على هذه المنازل كوسيلة ردع "وكدخول طازج" للمنازل المذكورة، آنفاً لا يتماشى مع مبدأ التمييز. والحالتان اللتان تم التطرق اليها في سياق هذا التقرير، وهي مقتل محمود أبو رجب ومحمد ديارة وهما مدنيان أعزلان من السلاح واللذان لا تجادل إسرائيل في أنهما لم يكونا متورطين في القتال، كذلك رد قوات الامن على ذلك ليثير قلقاً بالغاً كون الرجلين قتلاً نتيجة هذه الوسائل غير القانونية. لقد قتل أبو رجب نتيجة ممارسة إطلاق النار دون سابق إنذار على أي شخص يشتبه بفراره من المنزل الذي جاء الجنود لاعتقال مطلوب فيه. أما دياره فقد قتل نتيجة ممارسة إطلاق النار الأولي والرادع على هذه المنازل رغم انه لم يكن هناك ثمة خطر يحدق بالجنود. إضافة إلى المبادئ التي وضعت لحماية القانون الإنساني الدولي، يحدد القانون الإنساني الدولي ما هو مسموح وما هو ممنوع من حيث مهاجمة أشخاص يشاركون في الحرب. يحظر وفق ذلك مهاجمة أشخاص استسلموا ووضعوا أسلحتهم أو أشخاص لم يعودوا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بعد إصابتهم بجراح.

تنص المادة 40 من البروتوكول الإضافي الأول في ميثاق جنيف على ما يلي: يحظر البت فيما إن كان هناك أحياء أم لا بناء على ذلك أو القيام بأعمال عدائية على هذا الأساس. أما المادة 23 من اللوائح الملحقة بميثاق جنيف، فتنص على انه "يحظر قتل أو إصابة عدو ألقى سلاحه ولم يعد يملك أي وسيلة دفاع عن نفسه أو استسلم من غير قيد أو شرط. المادة 41 من البروتوكول الأول تنص على أن الشخص لا يكون هدفاً للهجوم، إذا أعلن عن نيته في الاستسلام أو إذا كان فاقداً لوعيه أو إذا أوهنته الجروح والمرض وبالتالي فهو عاجز عن الدفاع عن نفسه، شريطة أن يمتنع عن أي عمل عدائي ولا يحاول الفرار.

حتى لو كانت إسرائيل على حق في القول بأن المدنيين الفلسطينيين الذين يشتبه بمشاركتهم في أعمال عدائية أهداف مشروعة للهجوم، فإن إطلاق النار عليهم، عندما يقعوا بالكامل تحت رحمة قوى الامن مجروحين ولا عزاء لهم أو بعد أن يعلنوا عن نيتهم الاستسلام كما في حالة محمود كميل وحسني دراغمة وإياد دراغمة حسب الشهادات الواردة في هذا التقرير، يشكل خرقاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي.

وكما ذكر آنفاً برر كبار ضباط الجيش الإسرائيلي الجولة الثانية من إطلاق النار على كميل بادعائهم أن المعلومات الإستخبارية التي ثبت عدم صدقها فيما بعد، أظهرت أن كميل كان يرتدي حزاماً ناسفاً وأنه كان يتحرك لحظة  مراقبته. حتى لو كانت هذه الظروف موجودة فلا يمكن أن يبرر إطلاق النار على كميل كون ظروفه لحظة بدء الجولة الثانية من إطلاق النار تلبي تعريف "تحت رحمة الطرف الخصم" كما يجب أن يفهم هذا التعبير في سياق المادة 41 من البروتوكول الأول. التعليق الرسمي الصادر عن الصليب الأحمر حول ذلك هو كالتالي: "قد يكون للقوات البرية خصماً تحت رحمتها باستخدام القوة النارية المتفوقة والهائلة إلى حد إرغام الخصم على وقف القتال. الاستسلام الرسمي ليس دائماً ممكن لأن كثير من الجيوش تمنع ببساطة أي شكل من أشكال الاستسلام حتى ولو استنفذت جميع وسائل الدفاع عن النفس. الخصم اللامدافع هو شخص معطل وعاجز عن مواصلة القتال سواء ألقى سلاحه أم لم يلقيه".

طبقاً للمادة 32 من البروتوكول الأول التي تشكل أحد أهم القواعد الخاصة بوسائل وطرق القتال "يحظر استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أي وسائل حربية لها طبيعة التسبب بجروح أو معاناة زائدة". يفسر هذا البند حسب التفسير الرسمي للصليب الأحمر الذي يبين أنه يحظر استخدام أي طرف وسائل تزيد عن الحاجة لجعل العدو معطل وقد بتت محكمة العدل الدولية في لاهاي في هذا الموضوع عندما قالت انه يحظر التسبب في أذى من خلال طرق يستحيل تفاديها من اجل تحقيق أهداف عسكرية مشروعة". شكل هذا المبدأ الأساس الذي استند عليه التفسير الرسمي للصليب الأحمر بخصوص المادة 40 من البروتوكول الأول الذي يحظر قتل الأحياء الذي يهددون الخصم، وينوه الصليب الأحمر الدولي في تفسيره إلى أن "القضاء المتعمد على العدو المدافع يشكل ضرراً لا يتناسب مع الفائدة الحقيقية والمباشرة التي يحق للمهاجم أن يجنيها". يكفي جعل الخصم معطل …… وحظر رفض الرحمة يكمل المبدأ الوارد في المادة 35 …. التي تحظر استخدام وسائل حربية تتسبب في جروح ومعاناة زائدة عن الحد.

الواضح أن هذا المبدأ ينطبق على جميع الحالات حتى بالنسبة للأشخاص الذين يعرفون بأنهم محاربين معطلين وفق المادة 41 من البروتوكول الأول. وعلى هذا الأساس فحتى لو اشتبه الجنود الإسرائيليين بأن محمود كميل كان يحمل حزاماً ناسفاً وقد يفجره، فهم مجبرون على الرد بطريقة تتناسب مع الخطر الذي يواجهونه.

ورغم انه لم يكن مسموح للجنود بقتله إلا أنهم قضوا على احتمال استسلامه. وحسب التعليق الرسمي الصادر عن الصليب الأحمر، فإن معيار الرد في هذه الحالات يتمثل في استسلام الخصم ولا شيء غير ذلك. كان كميل يرقد مصاباً بجروح على الأرض محاطاً بالجنود وتفعيل الحزام الناسف لم يكن يمثل خطراً فورياً على حياة الجنود، كما ثبت من الأدلة القائلة بأن إطلاق النار على كميل جاء بعدما راودتهم شكوك بأن كميل يمكن أن يفجر الحزام الناسف. لذلك كان لابد أن يحاولوا تحييده باستعمال أسلحة أو وسائل غير قاتلة كما كان يفعل الجيش الإسرائيلي في الماضي في حالات اعتقال الفلسطينيين الذين يرتدون احزمة ناسفة. والهدف الواضح للعملية وهو اعتقال كميل كان يمكن أن لا يتشوه بأي شكل من الأشكال لو اتبع هذا النهج. أضف إلى ذلك، إذا كان الجنود يأخذون بالحسبان احتمال أن يكون كميل مسلحاً ويرتدي حزاماً ناسفاً فلماذا يا ترى لم يعدوا ويحضروا لمثل هذا السيناريو مسبقاً. تصنيف الأوضاع في الأراضي المحتلة على أنها صراع مسلح، لا يمنح إسرائيل أساس إعفاء نفسها من متطلبات التحقيق الشامل في قضايا قتل المدنيين عندما يكون هناك أساس للاعتقاد، بأن هذه الوفيات ناجمة عن خرق مبادئ القانون الإنساني الدولي تنص المادة 146 من ميثاق جنيف الرابع على ما يلي: "تتعهد الأطراف المتعاقدة السامية بسن قانون ينص على اتخاذ إجراءات عقابية رادعة بحق أي شخص يرتكب أو يأمر بارتكاب أي خرق للميثاق الحالي. يلزم كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة بالبحث عن أشخاص يزعم ارتكابهم أو أمروا بارتكاب مثل هذه الخروقات الخطيرة وإحالتهم إلى القضاء بصرف النظر عن قوميتهم". بناء على ذلك فان حماية السكان المدنيين في الأراضي المحتلة تتجلى، كما يقول البروفيسور يورام ديناشتين، لا في وسائل سلبية فحسب (من حيث حظر القتل العشوائي) بل أيضاً في وسائل ايجابية في الإلتزام بالتحقيق في حالات تشمل قتل مدنيين. وهذا المبدأ ينطبق أيضاً على حالات إصابة المحاربين بجراح خلافاً للقانون الإنساني الدولي وخاصة عندما يكونوا محاربين معطلين.

الخلاصة

لقد نفذت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية طيلة وقت الإنتفاضة مئات حالات الاعتقال كل عام لاسيما في الضفة الغربية. ففي مقابلة أجريت معه في ابريل نيسان من عام 2004 صرح قائد قوات الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربية البريغادير جنرال غادي ازنغوت أن الجيش الإسرائيلي نفذ منذ بداية هذا العام أي عام 2004 ما معدله خمس حالات اعتقال يومياً. وحسب احصائيات بتسيلم فقد قتل منذ بداية عام 2004 نحو 89 فلسطينياً خلال هذه العمليات منهم 17 شخصاً على الأقل غير مطلوبين بل مدنيين لا تشتبه إسرائيل بارتكابهم أي مخالفة. إضافة إلى ذلك هناك 34 شخصاً مطلوبين لدى إسرائيل قتلوا ولم يكونوا مسلحين ولم يكونوا يعتزمون استخدام أسلحتهم ضد قوات الأمن لحظة مقتلهم. لا تستطيع بتسيلم التحقيق بشكل الوسائل العملياتية التي استخدمتها قوات الأمن والتي تم التطرق اليها آنفاً.

يبرز هناك قلقاً بالغاً عندما يُكتشف أن محمد أبو رجب ومحمد ديارة وحسني دراغمة ومحمود كميل لم يكونوا الضحايا الوحيدين لاستخدام هذه الوسائل غير الملائمة من قبل قوات الأمن. أضف إلى ذلك انه وعلى النقيض مما ندعيه إسرائيل بأن هذه العلمليات هي فعلاً عمليات اعتقال، فإن الوسائل المستخدمة من قبل قوات الامن تحول هذه الأفعال إلى عمليات اغتيال حتى وإن لم يتم التطرق اليها في تعليمات إطلاق النار. لم يمنح الأشخاص الذين قتلوا بغض النظر عن كونهم مطلوبين أم لا، أي فرصة لتسليم أنفسهم أو البقاء على قيد الحياة دون أن يصابوا بجروح أو يقتلوا. بعد حادث مقتل محمود كميل على يد وحدة سلاح البحرية ابلغ رئيس هيئة الأركان موشيه يعالون صحيفة هآرتس، سنفحص الأمر…. إن كنا لا نزود وحداتنا القتالية بوسائل مختلفة أم لا. التغير الذي طرأ على تعليمات إطلاق النار وكذلك امتناع الجيش عن توضيح غموض التعليمات هذه وضمان توجيه أوامر واضحة للجنود العاملين في الميدان والرفض المنظم للإيعاز للشرطة العسكرية بإجراء تحقيقات في حوادث إطلاق النار القاتل على فلسطينيين ما عدا الحالات الإستثنائية، كله يشير إلى  أن الجنود والقادة في الوحدات القتالية يتلقون رسالة واضحة لا لبس فيها، بإمكانهم أن لا يعيروا أي اهتمام لحياة الفلسطيني ولن يحاسبوا أبداً على أي أفعال يرتكبوها.

وعليه فقد تشكل هذه الرسالة إشباع لغريزة حب إطلاق النار وأساساً لمعايير غير مقبولة للإعدامات خارج القضاء التي تنفذها قوات الامن الإسرائيلية. وعلى هذا الأساس تطالب بتسيلم الحكومة الإسرائيلية بما يلي:

-      الإيعاز إلى قوات الامن بالإمتناع عن فتح النار طالما لم تكن حياتهم معرضة للخطر.

-      تزويد جميع القوات العاملة في الميدان بتعليمات إطلاق نار خطية توضح بشكل لا لبس فيه الظروف التي لا يجوز لهم فيها استخدام السلاح.

-      التحقيق بعناية وبشمولية في جميع الحالات التي يقتل فيها مدنيين فلسطينيين غير ضالعين في أي مخالفات ومحاكمة المسئولين عن إطلاق النار.

-      التحقيق بعناية وشمولية في جميع الحالات التي يقتل أو يصاب فيها مدنيون فلسطينيون شاركوا في اعتداءات عندما يكون هناك سببا للإشتباه بأن إطلاق النار يتعارض مع القانون الإنساني الدولي ومحاكمة المسئولين عن ذلك.

-      الإيعاز إلى قوات الأمن بأنه يحظر بأي شكل من الأشكال مطالبة المدنيين بالتعاون مع قوات الامن والقيام بمهام عسكرية والتحقيق بعناية وشمولية في جميع الحالات التي استخدمت فيها قوات الامن مدنيين بهذا الشكل ومحاكمة المسئولين عن ذلك.

الملاحق

الملحق الأول: الظروف التي أحاطت بمقتل محمد دياره

شهادة خيرية سعادة دياره 61 سنة، أرملة بتسع أطفال، ربة بيت تقطن قرية عقربة قضاء نابلس

أنا أحد سكان قرية عقربة أقيم مع ابني محمد 36 سنة، وزوجته حياة 28 سنة وأطفالها الستة، علاء 12 سنة، أسامة 11 سنة، أمل 9 سنوات، عصام 6 سنوات، خولة 4 سنوات ودرغام الذي يبلغ من العمر عام واحد. قبل يومين (في يوم الأحد 11 ابريل 2004) وفي الساعة العاشرة ليلاً كنت أصلي العشاء. سمعت صدى عشرة انفجارات وإطلاق نار عالي. أيقظت ابني محمد وقلت له أن الجيش في القرية وطلبت منه إيقاظ الأطفال كي لا يرتعبوا إذا دخل الجنود البيت. استيقظ محمد وتوجه نحو نافذة غرفة النوم وقال انه رأى هو الآخر جنودا في القرية، بعد مرور نحو 5 دقائق علا صوت إطلاق النار والقنابل، وبدأ الرصاص يتطاير داخل المنزل وبإمكانك أن ترى علامات ذلك على الجدران. قلت لزوجة ابني انه من الأفضل أن تأخذ الأطفال إلى غرفة النوم وذهبت إلى غرفتهم، أثناء ذلك سمعت الجنود يصيحون بالعربية: مخرب…! افتح الباب! ظلوا يصرخون طيلة الوقت ولم اكن اعرف في أي ناحية كانوا يقفون. وقفت على بعد 17 مترا من النافذة وناديت على الجنود ليجيئوا من الباب الأمامي للبيت. ذهب محمد ليفتح الباب وتبعته وهذه ليست الأولى التي نتوجه فيها لفتح الباب لجنود جاءوا لاقتحام المنزل. أبعدني محمد عن الباب قائلا انه يريد هو أن يفتح للجنود. استدرت لأذهب إلى زوجة ابني وأطفالها، عندها سمعت أحد الجنود يقول بالعربية "لقد قتلنا المخرب…قتلنا المخرب" ولكنني لم اسمع أي إطلاق نار. عندما عدت أنا وحياة والأطفال شاهدنا محمداً ملقى على الأرض على مدخل البيت وكانت الأرضية وجدران المدخل جميعاً ملطخة بالدماء. الغريب في الأمر أنني لم اسمع إطلاق نار لعلهم استخدموا كاتما للصوت. كان محمداً في هذه اللحظة يأن. لم اعرف ماذا افعل وماذا أقول. كان ابني حبيبي ملقى على الأرض مضرجا بدمائه، حينها أخذت اصرخ على الجنود قائلة "لماذا قتلتموه؟ لم يفعل أي شيء" لعنتهم وقلت لهم "اقتلوني أنا أيضاً لماذا قتلتموه؟ لم يفعل أي شيء". كانت حياة زوجة ابني وأطفالها في حالة صدمة. كانوا يصرخون بشكل هستيري. جاء الأطفال بفوط لمسح دماء أبيهم والجنود يقفون ويراقبون بإحساس مفعم بالسعادة، توسلت إليهم مساعدة ابني محمد واستدعاء سيارة اسعاف ولكن لا حياة لمن تنادي. كان عددهم نحو 10 جنود ما تركوا ناحية في البيت إلا فتشوها. وقفت أنا وحياة والأطفال على مدخل البيت نحو ربع ساعة. بعدها جاءت مجموعة أخرى من الجنود تضم نحو 10 أفراد واقتربوا منا. طلب أحدهم أن نرافقهم إلى سطح المنزل، كانت الخطوات المؤدية إلى السطح على يمين الباب الأمامي الذي بجواره أطلقت النار على محمد. جلست  على الأرض ورفعت بيدي رأس ابني فشاهدت رصاصة وقد اخترقت الجانب الأمامي الأيمن من الرأس مسحت الجروح ونظرت إلى الجنود قائلة "ليس لكم رب؟ ليس لكم أطفال؟ ليس لكم قلب؟ أريد مساعدة ابني" نزف محمد كثيرا وفقد كمية كبيرة من دمائه ولم يكن في وعيه وأظن انه كان ميتاً. الجنود  الذين صعدوا إلى سطح المنزل برفقة مجموعة أخرى منهم. مروا عن جثة محمد ومروا عن الأطفال الذين كانوا يصرخون، وقف أربعة جنود على مدخل البيت لكنني لم استطع التعرف عليهم لأن وجوههم كانت مطلية بمساحيق سوداء وخضراء، ربما بغرض التمويه. بعد ربع ساعة أو أكثر نزل الجنود عن سطح المنزل. اقترب مني أحدهم قائلا أن معهم طبيب وصندوق للإسعافات الأولية. خرج عدة جنود من البيت وجاءوا بحمالة حيث انحنى أحدهم وفحص محمد ولف رأسه بضمادة.

وبينما كنت اقف في الخارج بجانب الحمالة سمعت جنوداً يصرخون "افتح …افتح" كانوا يقرعون على باب منزل ابني الآخر إبراهيم الذي يسكن على بعد 30 متراً من منزل ابني محمد، لكنني لم استطع رؤية مدخل المنزل من النقطة التي كنت اقف فيها. سمعت إبراهيم وهو يجيب الجنود قائلاً انه سيفتح لهم الباب. احضر الجنود ابني وطلبوا منه أن يقف على بعد مترين من محمد. كانت يدا إبراهيم مكبلتان بالقيود وعيناه معصوبتان. وضعه الجنود في جيب عسكري وانطلقوا بعيداً عن المنطقة. أما محمد فد أخذه جنود آخرون لسيارة إسعاف عسكرية كانت تقف بجوار المنزل. حوالي الساعة الرابعة فجراً غادر الجنود المنطقة. وفي الصباح ذهب بعض أقاربنا وجيراننا إلى مكتب التنسيق والإرتباط لتقصي أخبار محمد، حيث اخبرهم قائد الارتباط هناك انه توفي وان جثته موجودة في مستشفى رفيديا في نابلس.

الملحق الثاني: الظروف  التي أحاطت بمقتل محمد محمود أبو رجب

شهادة فاطمة منير سعيد قعقور 21 سنة، متزوجة ولها طفل واحد وتسكن قرية يطا

زوجي محمود احمد أبو رجب 27 سنة، ولنا طفلة تبلغ من العمر عشرة شهور تدعي جنات واسكن في الطابق الأرضي في بيت مكون من طابقين ويعود لأهل زوجي. الطابق الأرضي مقسم إلى شقتين وشقتنا في الجهة الغربية وفي الجهة الشمالية شقة شقيق زوجي نضال 24 سنة وزوجته وطفليهما. كان زوجي عاملاً والآن هو عاطل عن العمل ولا ينتمي لأي فصيل فلسطيني سياسي أو عسكري. لم يعتقل ابداً على أيدي الجيش الإسرائيلي. كان شاباً منتظماً وقد عانى في الاسابيع القليلة الماضية من مشاكل في الكلى.

قبل يومين أي في يوم الثلاثاء 2 مارس 2004 وفي حوالي الساعة الثانية فجراً استيقظنا أنا ومحمد على أصوات بالعربية. سمعنا الجيش ينادي على سكان القرية للخروج من منازلهم. لبس محمد حذاءه وأبلغني أنه سيذهب إلى بيت والديه لإيقاظ الأسرة. قبل أن يخرج طلب مني ترتيب الحاجيات وان آخذ الطفلة وبطاقة الهوية وأتبعه. بحثت عن هويته ولكنني لم أجدها. مجرد أن خرج زوجي سمعت صلية من إطلاق النار، حملت جنات وتوجهت صوب باب المنزل وعندما فتحته أطلقت النار باتجاهي. اندفعت ناحية الباب الأمامي مرة أخرى ثم سمعت محمد يأن ويقول "أمي" أدركت أن شيئاً ما حدث له وصرخت محمد مات قتلوه. في نفس اللحظة جاءت زوجة شقيقه أسمهان 19 سنة وطلبت مني أن اوقظ محمد. لاحظت أنها لم تعرف أن محمد ملقى على الأرض بسبب الظلام. قلت لها إن محمد ميت. صرخنا ومن شدة الخوف هرولنا مسرعين باتجاه منزل شقيق زوجي وهنا شاهدنا محمد ملقى على الأرض على بعد ثلاثة أمتار من الباب الأمامي. ذهبنا إلى ساحة البيت لنشاهد سبعة اوعشرة جنود يقفون في الساحة. صرخت لقد قتلتوا محمد كانت أم زوجي تقف على بعد مترين منا فقلت لها أن محمد ميت حينا أخذت تصرخ على الجنود لماذا قتلتموه؟ أحد الجنود الذي كان يتحدث العربية سألها من هو محمد فقالت له "ابني ابني" سألها الم يكن مخرباً؟ فردت والدموع تنهمر من عينيها قائلة لا ليس مخرباً بل شاباً عاديا. لماذا قتلتموه إنه مريض؟ حضنت جنات بذراعي وأنا اصرخ وارجف ثم طلب مني أحد الجنود أن اترك الطفلة لأذهب أنا وأسمهان لسحب جثة محمد إلى ساحة البيت. اقترب منه جنديان وفتشوه وفي نفس الوقت جاء جيب عسكري وخرج منه جنديان آخران. سلطوا أضواء بطارية يدوية على وجه محمد ثم ابتعدا فوراً. توجهت أم زوجي نحو الجنود قائلة. لقد قتلتم ابني والآن أصبحت طفلته يتيمة. لماذا فعلتم ذلك؟ سمعت أحد الجنود الذين يتحدثون العربية يتأسف لها فطلبت منه أن تأخذ محمد إلى المستشفى لكنه رفض. وصل جنديان آخران من الجهة الشمالية للبيت وفي أيديهما حمالة، حيث وضعا جثة محمد عليها وطلبا من أم زوجي ومن ابنها احمد 14 سنة أن يحملاه إلى سيارة الجيب المتوقفة بالقرب من المسجد على بعد نحو 30 متراً. عندما وصلنا إلى هناك شاهدت العديد من العربات العسكرية متوقفة بجوار المسجد. بعد ذلك طلب الجنود من احمد مرافقتهم. جاء أحدهم وأظن انه قائد الوحدة وسألني إن كنت اعمل أم لا وأين ذهبت في الساعة التاسعة من صباح ذلك اليوم وماذا كنت افعل هناك ومن شاهدت في المنطقة المحيطة بالبيت. قلت له إنني ذهبت لإحضار الطعام لعمتي التي تسكن في قرية برقة. فقال كلامك غير صحيح ربما بسبب عدم تركيزك وزوجك مخرب. فقلت له أن زوجي ليس مخرب وقد قتل أثناء توجهه لفتح باب المنزل وايقاظ اخوته. في الساعة الثامنة صباحاً غادر الجنود المنطقة بعد أن ابلغونا أن جثة محمد موجودة في مستشفى عالية، حيث توجهنا إلى هناك، ودفنا زوجي في نفس اليوم.

شهادة محمود محمد غربية 59 سنة تاجر وله 13 ولداً ويسكن في يطا قضاء الخليل

اسكن في البيت المقابل لمنزل المغدور محمد أبو رجب. في يوم الثلاثاء 2 مارس 2004 وفي حوالي الساعة الثانية فجراً، كنا أنا وجميع أفراد الأسرة نائمين. استيقظت على أصوات أشخاص ينادون بالعربية على السكان للخروج من منازلهم.  خرجنا مسرعين أنا وزوجتي والأولاد إلى الخارج، حيث شاهدنا نحو 10مسلحين بزي مدني، أعتقد أنهم من الوحدات الإسرائيلية الخاصة وشاهدت سيارتين من طراز GMC متوقفتان على بعد
 30 متر من المنزل. اقتادنا بعض المسلحين إلى الساحة المواجهة لبيت محمد أبو رجب.بعدها جاء سبعة جنود بزي رسمي لم اعرف كيف جاءوا ولم أشاهد أي سيارة جيب. وبينما كنا نقف في الساحة وإذا بصوت جندي ينادي بالعربية "اخرجوا من المنزل" لم اعرف مصدر الصوت لكن بعد نحو 3 دقائق سمعت صوت إطلاق نار من الجهة الغربية لمنزل محمد. كان إطلاق النار كثيفا ثم سمعت شخصا وهو يصرخ "أمي ….أمي" هنا طلب منا أحد الجنود بالابتعاد لعدة أمتار والجلوس على الأرض في الجهة الشمالية من البيت. بعد دقيقة أو أكثر سمعت طلقات أخرى وهذه المرة من الجهة الشرقية للبيت. شاهدت أسمهان شقيقة محمد تهرول نحو منزله ثم وصلتا هي وزوجة محمد إلى حيث نجلس. كانت فاطمة زوجته تصرخ وتسأل الجنود لماذا قتلتموه. سمعت أحدهم يرد عليها قائلاً ليس هم الذين قتلوه. طلب أحد الجنود من فاطمة وأسمهان الذهاب لإحضار جثته وقد توسلت للجندي أن اذهب أنا بدلاً منهما لإحضار الجثة كونهما امرأتان ولا تستطيعان ذلك، لكنه رفض فذهبت فاطمة وأسمهان وأحضرتا الجثة.

في هذا الوقت جاء جنديان بحمالة. فتشوا الجثة ووضعوها على الحمالة. بدأت أمه تصرخ وتولول "لماذا قتلتم محمد؟ إنه شاب مريض وليس له أي سوابق أمنية وهو عامل في إسرائيل". بعد ذلك بثواني وصل جيب عسكري ونزل منه جنديان. احدهما قال موجهاً حديثه إلى أم محمد انه يعتذر على قتله وأنا اعتقد أنهم أدركوا انه ليس الشخص الذي يبحثون عنه. وفي حوالي الساعة الخامسة طلب مني نفس الجندي أنا وجميع الجيران أن نذهب إلى منازلنا دخلت أنا وزوجتي وجميع الأبناء البيت.

الملحق الثالث: الظروف التي أحاطت بمقتل حسني دراغمة

شهادة عبد الناصر خليل البرغوثي 39 سنة، متزوج وله سبعة أبناء، رجل أعمال في جنين

لدي مصنع للرخام عند مفرق الشهداء وتقاطع شارع جنين مع شارع نابلس، في العادة نجلس أنا ورجال أعمال آخرين في المطعم على جانب الطريق. يوم الأربعاء الماضي (24 ابريل) وفي حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر كنت اجلس في مطعم أبو عمر. رأيت أبو عمر يذهب إلى سيارة فولكس فاجن ويسلم سائقها علبة سجائر. كان في السيارة خمسة رجال. ظهرت سيارة هونداي من الجنوب واستدارت نحو مسلك اليمين وتوقفت في منتصف الطريق. عندما توقفت فتح الباب الخلفي لها ونزل منه رجلان مقنعان ومسلحان ببندقيتين رشاشتين. كانا يرتديان قميصين أبيضين بخطوط سوداء. صرخ أحدهم "وقف…وقف… ارفع يديك"، وكان هناك رجلان يقفان على المفرق بمواجهة سيارة الهونداي. أحد الرجلين المسلحين أطلق نحو أربع رصاصات. كان المسلحان على بعد 10 أمتار من الشابين. سقط أحد الشابين على الأرض والأخر ظل واقفاً ويداه مرفوعتان.

كنت في حالة صدمة ولم أدر ماذا افعل. بعدها أطلق أحد المسلحين النار على الشاب الواقف. صرخ بكلمات لم افهم معناها ثم سقط على الأرض. لم يستغرق الحادث أكثر من عشر ثوان نهضت لأحتمي في المطعم. رأيت صاحب المطعم يختبئ وراء واجهة إعداد الطعام. أحد الجنود الذي شاهدني دخل المطعم ورائي وأمرني بأن ارفع يدي وأن أقف مكاني ثم تبعه سائر الجنود ودخلوا المطعم ثم جاء أربعة أو خمسة جنود ودخلوا هم أيضاً المطعم. وبمجرد أن دخلوا خرج الرجال المسلحين. بقي الجنود. طلب أحدهم مني ومن أبو عمر وسيدة تحمل رضيعاً وطفلة في الخامسة من عمرها أن نخرج خارج المطعم. فعلنا كما طلب منا. هناك رأينا جنودا ينزلون خمسة رجال من سيارة الفولكس فاجن في نحو الساعة الثالثة والنصف امرنا الجنود أن نجلس خلف المطعم ولم يقم أحد منهم لحراستنا بل تفرقوا ودخل بعضهم إلى أحد المنازل خلف المطعم، فتحو الباب عنوة وصعدوا إلى السطح، حيث شاهدت من هناك أحد الشابين ملقى على الأرض كان يتحرك. وفي حوالي الساعة الخامسة أي بعد ساعتين من إطلاق النار جاء الجنود برجل آلي لفحص إن كان هناك متفجرات أم لا. في هذه اللحظة كان أحد الجنود يتحدث إلى الشاب الملقى على الأرض. قال له ارفع يديك كي نحضر لك طبيباً. اعتقد انه رفع يده اليمنى. ظل الجنود يتحدثون إليه فطلبوا منه هذه المرة رفع قميصه. في هذه اللحظة كان الرجل الآلي يفحص كيس قمامة اعتقد الجنود انه جسم مشبوه. بعد أن فرغ الرجل الآلي من فحص الكيس توجه صوب الشاب وجره من قدمه اليسرى مسافة ثلاثة أو أربعة أمتار باتجاه السيارة. في هذه اللحظة رأيت أحشاء الشاب تخرج من بطنه. بعدها ذهب الرجل الآلي إلى الشاب الآخر الذي كان ميتاً وجره مسافة مترين نحو سيارة الهونداي. أسرع جيب عسكري وتوقف بجانب الشابين حيث ترجل منه طبيب وممرض يحملان كيساً اسوداً. مزق الطبيب ملابس الرجلين وبعد فحصهما استدعى الجنود سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني التي أقلتهما إلى المستشفى.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
17/01/2006 09:25 ص