كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون

أمام منتدى سابان بتاريخ 13/12/2005

 

السيدات والسادة

يسعدني من هنا أن أرحب بكم في القدس العاصمة الأبدية للشعب اليهودي ولدولة إسرائيل. ولأننا هنا في القدس مهد التوراة، أرى انه من الأجدر التحدث بلغة التوراة. لذلك، إذا سمحتم لي، سأتحدث بالعبرية.

يسرني حضور هذا المؤتمر الهام الذي يعقده مركز سابان لتعزيز الحوار الأمريكي-الإسرائيلي. لقد ظلت العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية يغلب عليها طابع الصداقة والتفاهم المتبادل كلٌ لمصالح الآخر الإستراتيجية، وتميزها القيم المشتركة للحرية والديمقراطية. لقد أظهرت الإدارة الحالية صداقة حميمة نحو إسرائيل، ونحن نعمل على تعزيز أواصر العلاقات بيننا في شتى المجالات.

فخلال هذا الشهر سيكون هناك حوار استراتيجي بين البلدين نناقش فيه القضايا الأساسية المطروحة على جدول الأعمال. هذا الحوار هو حوار هام يضيف بعداً أخراُ لتعزيز التفاهم بين إسرائيل والولايات المتحدة.

للولايات المتحدة دور رئيسي في التغيرات الحقيقية التي تمت في الشرق الأوسط في السنوات الماضية، وهي تتزعم الجهود الدولية الحثيثة لجعل المنطقة أكثر اعتدالاً وديمقراطية واستقراراً. يتحرك الشرق الأوسط في الوقت الراهن بين طرفين، الطرف الأول تمثله الدول التي صنفها الرئيس بوش بـ"محور الشر" وعلى رأس هذه الدول تقف إيران وسوريا اللتان يحكمها قادة غير مسئولين يتبنون مواقف متطرفة تهدد استقرار المنطقة.

تشجع هذه الدول أنشطة العناصر الإرهابية الراديكالية بتوفير مأوى لها وتوجيهها وتدريبها وتمويلها. وفي الطرف الآخر الدول الأكثر اعتدالاً ممثلة بمصر والأردن ودول الخليج وشمال افريقيا. تعاني هذه الدول ويلات الإرهاب وهي تعي انه من المستحيل التعايش معه وتقبل بوجود عناصر إرهابية راديكالية ضمن حدودها أو في المنطقة. وما بين هذين الطرفين هناك الدول التي بدا فيها مؤخرا نوع من التغيرات بعيدة الأثر، والفضل في ذلك يعود من بين أشياء أخرى، لجهود الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ومن هذه الدول العراق ولبنان وكذلك السلطة الفلسطينية.

تشكل الإطاحة بنظام حكم صدام حسين الديكتاتوري خطوة شجاعة وهامة، والتي ما كانت لتحدث لولا إصرار الرئيس بوش وقيادته. لو لم يكن هناك حرب في العراق لظلت المنطقة تحت رحمة قائد خطير لا مسئول. لابد من تعزيز التيارات الإيجابية في العراق، فقد تمت المصادقة على الدستور، والانتخابات ستجري، وعلينا العمل على دعم العناصر المعتدلة لمنع إنشاء جبهة راديكالية تنضم إلى جيرانها في محور الشر سوريا وإيران.

لقد برهنت سوريا من جديد على أن من يُسيّرها هي قيادة غير مسؤولة، فهذه القيادة تأوي وتوجه وتدرب على أراضيها فصائل فلسطينية إرهابية، وتشجع استمرار الأنشطة الإرهابية ضد إسرائيل. كما أن سوريا تشجع أيضاً أنشطة الإرهابيين على طول حدودها مع العراق ضد أمريكا والأهداف الأجنبية. على المجتمع الدولي، بعد تبني تقرير ميليس، مواصلة جهوده في ممارسة الضغط على نظام الحكم في سوريا والتوضيح لها أن نهج التطرف الذي تسير عليه يضع وجودها في موضع شك.

إيران، ولاسيما إثر الانتخابات الأخيرة، تقاد من قبل قيادة راديكالية تدعو جهراً للقضاء على دولة إسرائيل. وجهود إيران النووية للحصول على الأسلحة النووية وتشجيعها للإرهاب يشكلان وحدهما أعظم تهديد لاستقرار الشرق الوسط برمته.

يدرك المجتمع الدولي تمام الإدراك مدى الأخطار التي تشكلها إيران، ومدى الحاجة إلى مجابهتها. نحن نؤمن أن قضية التسلح النووي الإيراني لابد أن يعالجها مجلس الأمن، خاصة بعد استنفاذ كافة جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية. العمل الموحد والشجاع من قبل المجتمع الدولي هو الذي يقضي على التهديد الإيراني الذي يحوم فوق الشرق الأوسط برمته. وإضافة إلى أنشطتها في المجال النووي تعمل إيران على تصدير أيدلوجيتها الراديكالية، فهي تشجع أنشطة المنظمات الإرهابية بما فيها عناصر الجهاد الدولية والمنظمات الفلسطينية الإرهابية. هدف حزب الله هو الإخلال بالتوازن الحساس على امتداد الجبهة الشمالية، مما يزيد التوتر ويجر إسرائيل نحو التصعيد على هذه الجبهة.

هذه المنظمات الإرهابية، واقصد بالتحديد حزب الله، لم تتخل عن نهج الإرهاب رغم مشاركتها في العملية الديمقراطية في لبنان. يجب نزع سلاح حزب الله وعلى المجتمع الدولي الاستمرار في ممارسة الضغط على الحكومة اللبنانية كي تنفذ ما التزمت به. التطورات الأخيرة في لبنان بعد مقتل رئيس الوزراء الحريري، يمكن أن تؤدي إلى مستقبل أفضل. ونحن نولي أهمية قصوى لتعزيز وجود حكومة لبنانية مستقلة ونشجع الخطوات التي يقوم بها المجتمع الدولي بقيادة فرنسا والولايات المتحدة، نحو التنفيذ الكامل لقرار 1559، بما في ذلك سحب الحرس الثوري الإيراني الذي مازال موجوداً في لبنان.

إن الرأي القائل أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار الإقليمي إلا باختيار طريق السلام، ومحاربة الجماعات الراديكالية، هو الذي جعل دولاً تربطنا بها اتفاقيات سلام كالأردن ومصر وغيرها من الدول العربية المعتدلة، تزيد من تعاونها معنا. تتميز علاقتنا بالأردن بالتعاون التام في شتى المجالات. والأردنيون يدركون مدى الخطر الذي يشكله الإرهاب ودوره التدميري، وها أنا من جديد  أعود وأقدّم تعازيّ للملك عبد الله وللشعب الأردني بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الأربعاء الماضي في عمان. لا شك أن هجوم عمان يشكل إنذارا لجسامة الأوضاع التي قد تتردى ما لم تتخذ كافة الخطوات اللازمة نحو التغيير. بعد الهجوم الإرهابي تحدثت مع الملك عبد الله واتفقنا على مواصلة التعاون في الكفاح ضد الإرهاب. ما من شك أن الأردن يعتبر عامل استقرار بين جيران إسرائيل، وعلاقتنا معه تقوم على الثقة المتبادلة وتفاهم كل طرف لمصالح الطرف الآخر الإستراتيجية.

علاقتنا بمصر هي في تحسن مستمر، فالتنسيق المتعلق بقضية الانفصال وإطلاق سراح عزام عزام ساعد في بناء الثقة وتعميق التعاون بين البلدين. لقد توصلت مؤخراً إلى اتفاق حول نشر أفراد من حرس الحدود المصريين على طول معبر فيلادلفي، وعلى زيادة التعاون في مجال التصدي للإرهاب، ومكافحة ظاهرة التهريب من سيناء إلى قطاع غزة وإسرائيل. للحوار بين مصر وإسرائيل أهمية قصوى ونحن ننوي المضي قدما في تحسينه.

بعد وفاة ياسر عرفات وانتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية، وتطبيق خطة الانفصال، شهدت السلطة الفلسطينية نوعاً من التغير الإيجابي، فبعد مدة طويلة من الزمن، ظهرت هناك فرصة لتعزيز العملية السياسية، بناء على خارطة الطريق التي التزمنا بها وننوي تنفيذها. من ناحية أخرى نشهد الآن زيادة في قوة الجماعات الراديكالية الإرهابية التي تواصل تكثيف جهودها لتنفيذ أعمال إرهابية. وللأسف أبدت السلطة، لغاية الآن، ضعفاً في تفكيك هذه الجماعات وبنيتها التحتية رغم التزامها بذلك.

اليوم وبعد تطبيق خطة الانفصال، لابد أن يتم التركيز على دفع القضايا المتعلقة بغزة إلى الأمام، إذ أن دعم الإصلاحات الأمنية والاقتصادية والحكومية في غزة سيؤثر إيجابا على مواصلة هذه العملية مع الفلسطينيين. نحن نأمل في الأيام القليلة المقبلة أن يتم التوصل إلى اتفاق إيجابي حول القضايا التي ظلت بدون حل في إطار خطة الانفصال. المسؤولية عن الأوضاع في قطاع غزة انتقلت من إسرائيل إلى الفلسطينيين، وعليهم أن يبرهنوا على قدرتهم على إدارة شؤون أنفسهم.

المستقبل القريب أمر في غاية الحساسية بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وعليها أن تقرر، إما اختيار طريق السلام وتبادر الاراء، وإما طريق الإرهاب والسماح بوجود منظمات إرهابية ومشاركتها في النظام السياسي قبل نزع سلاحها. إضافة إلى ذلك على حماس إلغاء ميثاقها الذي يدعو إلى تدمير دولة إسرائيل.

التقدم نحو المرحلة الثانية من خارطة الطريق لن يتم إلا بعد أن تنفذ السلطة الفلسطينية المرحلة الأولى من الخطة، أي تفكيك المنظمات الإرهابية وتطبيق الإصلاحات الشاملة التي التزمت بها. نحن لن نقبل بوضع لن ينزع فيه سلاح المنظمات الإرهابية التي مازالت تستمد شرعيتها من تحت عباءة الديمقراطية.

إسرائيل من جانبها برهنت على جدية نواياها في السلام الحقيقي الذي يشمل تقديم تنازلات مؤلمة، كان قرار مواصلة عملية تطبيق خطة الانفصال اختباراً صعباً للمجتمع الإسرائيلي الذي لم يعهد مثل ذلك الأمر من قبل. لقد قمنا بهذه الخطوة الصعبة والمؤلمة إيماناً منا بأنها تشكل حافزاً لانطلاق عملية سلمية وفق خارطة الطريق والمساهمة في جهود تحقيق السلام. آمل أن لا يفوت الفلسطينيون هذه الفرصة.

أعتقد انه سيأتي اليوم الذي نوقع فيه على اتفاقيات سلام مع كافة جيراننا العرب، بيد أن اليوم الذي أتمناه حقيقةً هو اليوم الذي يشهد السلام الحقيقي. السلام بين الشعوب لا السلام بين الدول والقادة. للأسف جيراننا العرب مازالوا لا يعترفون بحق اليهود من الزمن الغابر في دولة لهم على وطنهم ارض إسرائيل. وبناء ًعليه فإن هذا الاعتراف سيشكل خطوة حاسمة نحو السلام الحقيقي في المنطقة. نحن نعمل منذ سنوات طويلة في ظل واقع يوجد فيه راديكاليون يواجهون معتدلين في الشرق الأوسط. ومع ذلك تحمل الفترة الأخيرة بوادر احتمال للتغيير الإيجابي والشامل.

 يعمل المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة على تطوير عملية الدمقرطة التي تؤدي إلى المزيد من الاعتدال والاستقرار في المنطقة. والواقع أن هذه عمليات تستغرق وقتاً طوياً مع أنها هامة على المدى البعيد. لهذه التغيرات أيضاً آثاراً ايجابية على فرص السلام في المنطقة. إسرائيل هي جزيرة الاستقرار الديمقراطي في المنطقة ولا يساورني شك أننا سنقدم على المزيد من مخاطر العملية السياسية، إذا كان لإسرائيل جيران ديمقراطيون. على المجتمع الدولي، الذي يتفهم العواقب الناجمة عن وجود شرق أوسط راديكالي، العمل ضد العناصر الإرهابية المتطرفة التي تهدد كل دولة وتهدد المنطقة بأسرها.

إنني اعتزم استنفاذ جميع احتمالات المساعدة في التغيير الإيجابي الذي يجري في المنطقة، لأن ذلك هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الاستقرار في المنطقة وإلى تحقيق السلام في المستقبل، وأنا أؤمن أن ذلك يتحقق بالجهد المشترك من قبل جميع القوى الإيجابية، وسأبذل قصارى جهدي لنحقق ذلك أيضاً.

المصدر : http://www.tau.ac.il


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
17/01/2006 09:30 ص