انتخابات رئاسة حزب العمل الإسرائيلي

د. خالد شعبان

بعد تأخير لأكثر من عامين ونصف على موعدها المقرر، أجرى حزب العمل انتخابات لاختيار رئيس له في 9/11/2005 وقد حسمت ولأول مرة في تاريخ هذا الحزب والذي شهد تأسيس الدولة لصالح أحد الشخصيات الشرقية، وهذا ما يعتبر طفرة في عملية الحراك والتحولات السياسية على مستوى النخبة السياسية الاسرائيلية، والتي من المحتمل أن تتأثر كثيراً بهذا الانقلاب السياسي.

وقد شهد حزب العمل أفولاً مستمراً وسط تصاعد لنجم الليكود، هذا الأفول شمل برامجه وقيادته وشخصياته، كما شهد الحزب تلاشياً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً… وذلك بعد اغتيال رابين 1995، حيث غادر الحزب السلطة في 1996، ومع عودته إليها في 1999 لم يستطع ترميم نفسه ولذلك كان خروجه المبكر في 2001، ولكنه مع خروجه من الحكومة، فقد مقوماته كحزب مركزي في إسرائيل، حيث اعتبرت هذه الفترة القصيرة في عهد براك من أسوأ مراحل حزب العمل، بدأ بعدها انخفاض مقاعد حزب العمل في الانتخابات البرلمانية، وتدهورت مكانته في الشارع السياسي، ولم يعد له مكاناً في الحياة السياسية إلا في ظل حزب الليكود المسيطر، وأصبح حزب العمل في حينها ليكود ب، مؤيداً كل الخطوات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي اتخذها الليكود بقيادة شارون.

إن فشل حزب العمل في انتخابات الكنيست السادسة عشرة 2003، يعد أحد أهم مظاهر الضعف في حزب العمل، كما أن إجماع قيادات حزب العمل على قيادة بيريس المستمرة كحل للأزمة يعتبر أيضاً مظهراً من مظاهر الضعف، وفي هذه الدراسة سوف نحاول التعرف على أزمات حزب العمل وانتخابات الزعامة وقدرة بيرتس على بعث الروح من جديد في حزب العمل.

أولاً: أزمة التنافس بين الشخصيات القيادية

أدت نتائج حزب العمل الاسرائيلي الأخيرة والتي جرت في 9/11/2005 الى فوز عمير بيرتس زعيم الهستدروت وعضو حزب العمل سابقاً ورئيس حزب شعب واحد والذي انضم حديثاً الى حزب العمل بناءً على طلب من شمعون بيريس وقد أكد بيرتس لبيريس أنه لن ينافسه على رئاسة الحزب[1] وذلك من أجل دعم حظوظه في الاستمرار في قيادة حزب العمل، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث فاز عمير بيرتس على شعمون بيرس، وهي النتيجة التي لم يستطع أن يتجرعها بيرس بسهولة، فطعن مباشرة في نتائج الانتخابات مؤكداً على نوع من التزوير وتلاعب في عملية التصويت، فشمعون بيرس صدم بهذه النتيجة حيث أكدت جميع استطلاعات الرأي فوزه، كما أن بعض المرشحين انسحب من السباق وانضم الى شمعون بيرس مثل أهود براك ومتان فلنائي، اللذين أيدا بصورة مباشرة شمعون بيرس، فالانتخابات التي تم تأجيلها حوالي ثلاث سنوات بناءً على طلب من شمعون بيريس في كل مرة، أدت في النهاية الى خسارته.

ولكن هنا يجب أن نؤكد على أن استمرار عدم وجود قائد منتخب خلال السنوات الثلاث السابقة أدى الى ازدياد حدة التوتر بين قادة حزب العمل، وأغلبهم شخصيات ذات وزن سياسي وحزبي كبير على الساحة الاسرائيلية، فحزب العمل يضم شخصيات كبيرة قادرة على التنافس على رئاسة الوزراء، فهو يضم عدداً كبيراً من القيادات العسكرية، مثل أفرايم سنيه، بنيامين بن إليعازر، أهود براك، داني ياتوم، متان فلنائي… إلخ، وشخصيات سياسية كبيرة مثل رئيس الحزب شمعون بيرس والاجتماعية مثل عمير بيرتس، بالإضافة الى كم كبير من القيادات الشابة والتي لا تنتمي الى الفئة العسكرية مثل اسحق هرتصوغ وأوفير بينس، هذا بالإضافة إلى وجود شخصيات ذات وزن حزبي كبير مثل داليا إيتسك، حاييم رامون.

إن وجود هذا الكم الكبير من الأسماء أدى بلا أدنى شك الى وجود عدد من المعسكرات، وحالة توتر إن لم تكن حالة صراع متواصلة بين الشخصيات العسكرية والشخصيات السياسية، وأيضاً فإن الجيل الشاب ينتظر الفرصة ويراقب الحالة الصراعية دون اتخاذ موقف معين، قد يؤدي الى اتهامه وبالتالي الى تهميشه، حيث تدل آراء ومواقف القيادات الشابة على التوجه الى المحافظة على حزب العمل، أي أنها تحافظ على الاعتدال والعموميات في خطابها السياسي والحزبي، ولا تظهر مواقفها خصوصاً في المجال السياسي أو الاجتماعي.

وقد ظهر واضحاً للجميع أن المعركة على رئاسة حزب العمل سوف تكون شرسة وحامية الوطيس خاصة مع هذا الكم الكبير من القيادات، وهو ما حدث بالفعل، حيث كان هناك تخوف كبير لدى الحزب من تبادل الاتهامات بين المتنافسين خوفاً من أن يؤثر ذلك على مكانة حزب العمل داخل المجتمع الاسرائلي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هل تشكل هذه القيادات عامل نجاح أم عامل فشل؟

إن مجرد وجود هذا الكم من الشخصيات الكبيرة داخل حزب واحد يعتبر مؤشر إيجابي لقوة الحزب، ولكن أيضاً هذه القوة تتوقف على آلية العلاقة بين القيادات، بمعنى أن وجود صراعات قيادية داخلية سوف يؤدي الى إضعاف الحزب[2]، ولكن الاشكالية هنا تكمن في أن وجود هذه القيادات يقترن مع حقيقة أساسية وهي أن اليسار لا يملك شخصية بارزة وقوية يمكن أن تطرح نفسها لمنافسة مرشحي الليكود، وإذا ما حصرنا المواصفات القيادية لمرشحي الرئاسة في حزب العمل فإننا سنجد الخبرة والمكانة الدولية لشمعون بيرس، والذكاء والزعامة الطبيعية لبراك، والاستقامة لفلنائي، وقدرة الفعل لبنيامين بن اليعازر، والبرنامج الاجتماعي لعمير بيرتس، أي لا يوجد شخص يجمع هذه الصفات التي يمكن أن تبلور شخصية قيادية متكاملة وقادرة على المنافسة[3]، لذلك فإن النتيجة المباشرة هي خسارة مرشح اليسار أمام مرشح اليمين، وعلى أرض الواقع فالأزمة هنا تتمثل في أن اليسار يعاني من حالة تفكك وتراجع مستمر، كما أن الحضور الدائم لشمعون بيريس يشكل عائقاً أمام جيل الشباب، ويؤدي الى وجود حالة متواصلة من الصراع بين قيادات الحزب أسفرت في النهاية عن عدم وجود شخصية قيادية تعمل على النهوض بالحزب.

ولكن هنا يجب أن نلحظ شيئاً هاماً وهو أن أزمة القيادة في حزب العمل هذه المرة ارتبطت بنوع من الاستقرار الحزبي في الأحزاب الأخرى وخاصة الليكود مقارنة بالانتخابات السابقة والتي شهدت توتراً في المنافسة بين نتنياهو وشارون بالإضافة الى أزمة النظام السياسي الإسرائيلي الذي سببه عدم استقرار الحكومات الإسرائيلية، وإجراء انتخابات مبكرة للكنيست كل عامين أو ثلاثة على الأكثر.

ورغم ذلك فإن هذه الانتخابات قد شهدت جدلاً كبيراً حول قضية تزوير العضوية وإدراج كم كبير من الأسماء من خلال مقاولي الأصوات، وهي ظاهرة ملفتة بل مقلقة لعدد كبير من قيادات العمل.

ثانياً: تزوير العضوية

لاشك أن الأحزاب تسعى دائماً الى تشكيل قاعدة جماهيرية للاعتماد عليها كقاعدة انتخابية ونوع من الدعم الجماهيري، وهو ما تقوم به الأحزاب دائماً، وبعد فتح باب العضوية لحزب العمل حدث استقطاب كبير، حيث بلغ عدد المنتسبين 130 ألف نصفهم من الأعضاء الجدد، ويبدو أن أجزاء من هذه الأصوات لم تنضم إلى عضوية حزب العمل عن قناعة، بل كمحصلة لنشاط الشخصيات المتنافسة على قيادة حزب من أجل ضمان نجاحهم في الانتخابات، حيث دلت المؤشرات على أن بنيامين بن اليعازر استقطب عدداً كبيراً يقدر بآلاف الأشخاص من القرى العربية والدرزية.

كما قام عمير بيرتس بتجنيد جماهيري لمنتسبين في الهستدروت ومجالس العمال، وقد تبين بعد إعلانات صحفية أن هناك عملية تزوير واسعة جرت في الوسط العربي حيث اتضح أن نسبة المنتسبين العرب للحزب تقارب الـ (25%) أي ما يقارب من 30 ألف منتسب، مع العلم أن نسبتهم في العام 2003 كانت 3% وأن الذين صوتوا منهم لصالح حزب العمل كانت في حدود 4.5% فقط[4]، ولكن السؤال الذي طرح نفسه حينها، ما هي مصلحة حزب العمل في الكشف عن فضيحة تزوير العضوية والانتساب، والجواب على ذلك بسيط جداً فهذا الكشف هو نتيجة طبيعية لحرب المعسكرات الموجودة في حزب العمل[5] وحرب الكل ضد الكل والجميع فيها متهم، فالبعض اتهم بيرتس لأنه استخدم نفس الأسلوب في الهستدروت من خلال تجنيد طواقم العاملين من أجل دعم حملته الانتخابية، كما اتهم البعض بنيامين بن اليعازر بتسجيل عملية انتساب وهمية لمواطنين عرب.

والواضح أنها ليست المرة الأولى في حزب العمل حيث حدث في انتخابات سبتمبر /2001 بعد خسارة براك أمام شارون في فبراير 2001 اتهامات بالتزوير وانسحابه من الحياة السياسية، ثم تولى بيرس رئاسة الحزب مؤقتاً لحين إجراء انتخابات جديدة لقيادة حزب العمل، وقد شهدت الانتخابات التي جرت بين أبراهام بورغ وبنيامين بن اليعازر وجود عمليات تزوير، وأيضاً كانت حول تزوير الانتساب. وقد دلت المؤشرات على فوز بورغ بعدد ضئيل من الأصوات، وبعد شكوى تقدم بها بن اليعازر أقرت الدائرة القانونية في الحزب إعادة الانتخابات في ديسمبر/2001 ليفوز بها بن اليعازر.

وقد شكلت عملية التزوير باعثاً للقلق لدى قادة حزب العمل خوفاً من ردة فعل جماهيرية بأنه حزب مزورين، ولذلك كانت ردة فعل قادته متباينة سواء طالبت بتأجيل موعد الانتخابات، أو دعت للتحقيق في عملية التزوير، إلا أن هدف كل واحد منهم كان نفي التهمة عن نفسه وإلصاقها بالآخرين، وبعد مشاورات بين قادة حزب العمل وسكرتير الحزب إيتان كابل قرر مركز حزب العمل في 20/6/2005 تأجيل الانتخابات وذلك بعد فوضى عارمة شهدها اجتماع مركز الحزب إثر عاصفة من المواجهات والاتهامات بين أنصار المعسكرات المختلفة، حيث أصيبت الوزيرة داليا ايتسك وتم نقلها الى المستشفى، وبعد كل هذه المشاجرات تم تشكيل لجنة خارجية (ليست من الحزب) لفحص عمليات الانتساب، وتطلب ذلك وقتاً زمنياً أدى الى تأجيل الانتخابات الى موعد لم يستطع الحزب تحديده، وشكل ذلك دليلاً جازماً على الأزمة الكبيرة التي كان يعانيها الحزب لخصتها الخلافات الحادة حول عملية الانتساب وتحديد موعد جديد لانتخابات رئيس جديد لحزب العمل.

وقد قررت لجنة الفحص التي تم تشكيلها اسقاط عضوية 24 ألف من مقدمي طلبات الانتساب وذلك بعد الاشتباه بتزييفها، وقد أثارت هذه الذريعة ردود فعل عنيفة سواء داخل الحزب أو في الشارع الاسرائيلي الذي اعتبر أن الحزب ضل طريقه ولا يستطيع أن ينتخب رئيساً له.

ثالثاً: بيريس بين نتائج الاستطلاعات والحقيقة

يبدو أن مقولة "بيريس ينتصر في الاستطلاعات فقط" أصبحت حقيقة لا جدال فيها، فقد أشارت نتائج جميع الاستطلاعات قبل إجراء الانتخابات إلى فوز صريح لشمعون بيرس بقيادة حزب العمل، ولم يظهر أي استطلاع منها تقدم بيرتس، وكان أدنى فارق بينهما يتراوح بين درجتين الى أربع درجات.

مع أن انسحاب براك وفلنائي من التنافس على رئاسة حزب العمل جاء لصالح بيريس كما صرحا بذلك، حيث دعيا جمهور حزب العمل الى انتخاب بيريس".

وهو ما يمكن ملاحظته من الجدول إذ أن معظم مؤيدي براك أيدوا شمعون بيرس بعد انسحابه من المنافسة على رئاسة حزب العمل، كما يبين الجدول بعد ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات وانسحاب فلنائي أن الأصوات توزعت بين بيريس وبيرتس، ولكن الملاحظ من الجدول أيضاً وهي نقطة هامة أن بيرتس لم يتقدم على شمعون بيريس، إلا أن المحصلة النهائية اتجهت في النهاية لصالح بيرتس.

 

27/5/05[6]

10/6/05[7]

15/6/05[8]

11/10/05[9]

4/11/05[10]

8/11/05[11]

بيرس

46%

26%

29%

40.5%

38%

49%

بيرتس

10%

24%

22%

22%

34%

38%

بن اليعازر

4%

10%

11%

10.8%

11%

9%

براك

12%

14%

18%

-

-

-

فلنائي

24%

13%

13%

12%

15%

-

 

رابعاً: نتيجة الانتخابات

خاض الانتخابات ثلاثة متنافسين هم شمعون بيريس، وعمير بيرتس، وبنيامين بن اليعازر، وبلغ عدد الأعضاء الذين يحق لهم التصويت 100.474 عضواً وكان المطلوب من الفائز أن يحصل على 40% فما فوق، وإلا جرت جولة ثانية بين أول مرشحين فائزين. وفيما يلي تعريف بالمتنافسين الثلاثة:

1- شمعون بيريس[12]:

يسجل شمعون بيريس في منافسته على رئاسة حزب "العمل" رقماً قياسياً، على الأقل على المستوى الإسرائيلي فهو يخوض الانتخابات لرئاسة الحزب وهو في الأشهر الأولى من عامه الثالث والثمانين. ولا يذكر أن كانت شخصية إسرائيلية نافست على زعامة حزبها وهي في هذا العمر المتقدم. ومعنى فوزه، أنه سيقود حزب "العمل" لأربع سنوات قادمة، حتى يصبح ابن 87 عاماً، لا بل أيضاً سيقود الحزب في الانتخابات البرلمانية القادمة وقد شارف على إنهاء عامه الثالث والثمانين، أو أن يكون قد أنهاه، حسب موعد الانتخابات في العام المقبل.

وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على افتقار حزب "العمل"، حزب الجنرالات سابقاً، للأجيال الجديدة القادرة على قيادته، وبنفس الوقت أن تكون مقنعة للشارع الإسرائيلي، وفقدان هذه الأجيال كان نتيجة للصراع الذي دار على مدى 20 عاماً، بين بيريس وخصمه الأسبق والتاريخي اسحاق رابين، الذي اغتيل قبل عشر سنوات.

ويستفيد بيريس بشكل مباشر من الصراع الداخلي بين شخصيات الصف القيادي الأول والثاني في الحزب، فكثير من الشخصيات الحزبية، ومن بينهم وزراء وأعضاء كنيست، يفضلون بيريس اعتقاداً منهم أنه لن يكون بإمكانه أن يبقى في قيادة الحزب لأكثر من أربع سنوات أخرى، على الرغم من أن هذا المبدأ هو الذي قادهم لانتخابه رئيساً مؤقتاً للحزب، ظناً منهم أن بيريس لن يتجرأ على المنافسة على زعامة الحزب بعد أن تجاوز الثمانين من عمره، في ذلك الوقت.

2- عمير بيرتس[13]:

ولد عمير بيرتس في العام 1952 في المغرب، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل في العام 1956، ومنذ سنوات شبابه الأولى انخرط في حزب "العمل" الإسرائيلي، كما انخرط في حركة "السلام الآن" الإسرائيلية. في العام 1983، حين كان ابن 31 عاماً، أصبح رئيس المجلس البلدي لبلدة سديروت في منطقة الجنوب، ليكون لاحقاً من الوجوه الشرقية الشبابية النادرة في حزب "العمل"، الذي تسيطر عليه الأغلبية الأشكنازية.

في العام 1988 انتخب لأول مرة للكنيست في قائمة حزب "العمل" الإسرائيلي، وانتخب ثانية في العام 1992 في نفس القائمة، بعد أن بدأ يتخذ لنفسه طابعاً اقتصادياً اجتماعياً يمثل الشرائح الشرقية الفقيرة.

في أوائل العام 1994 قاد مع زميله في الكتلة البرلمانية حاييم رامون عاصفة في الحزب، ضد قادة الحزب المتسلطين على اتحاد النقابات العامة، "الهستدروت"، بعد استفحال ظاهرة الفساد في أكبر مؤسسة نقابية في إسرائيل، جعلها حزب "العمل" مرتعاً لمصالحه الحزبية ولجهاز وظيفي متضخم ومترهل، شكل عبئاً كبيراً على عمل النقابات.

وخاض رامون وبيرتس الانتخابات ضمن قائمة مستقلة في الانتخابات للهستدروت ونجحا في تحالف انتخابي في هزيمة حزبهم، الذي سيطر على الهستدروت منذ تشكيلها في أوائل القرن الماضي وحتى العام 1994.

وبعد فوزهما انتخب رامون سكرتيراً عاماً للهستدروت، وشرعا بإجراءات وتغييرات تحت إطار الإصلاحات، كان قسم منها مغامراً وأدى إلى تراجع قوة الهستدروت.

بعد أيام من اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، اسحاق رابين، قرر رامون ترك منصبه في الهستدروت، وعاد وزيراً في حكومة شمعون بيريس، وتولى بيرتس منصب السكرتير العام، واستمر في عضويته في كتلة حزب "العمل" البرلمانية، لكنه شكل حزباً آخر تحت اسم "عام إيحاد" (شعب واحد)

في العام 1996 انضم كممثل لحزبه إلى قائمة حزبه الأول (العمل)، وحافظ على مقعده البرلماني.

في العام 1998 خاض الانتخابات للهستدروت على رأس تحالف، بعد أن غير اسم المسؤول الأول في الهستدروت من سكرتير عام إلى رئيس الهستدروت، وأن تجري له الانتخابات بشكل مستقل عن باقي أعضاء القائمة، وفاز بالرئاسة والعضوية.

في العام 1999 خاض الانتخابات البرلمانية بقائمة منفردة، وحصل على مقعدين، وكان النائب الثاني لديه من اليمين الإسرائيلي ومقرب من حزب الليكود، لكن التزاوج السياسي بين بيرتس ويوسي كاتس لم يدم طويلاً، وعملا بشكل انفرادي في أروقة الكنيست، وقبل انتخابات 2003 انضم كاتس إلى الليكود.

في العام 2003 خاض بيرتس الانتخابات البرلمانية على رأس حزبه وحصل على ثلاثة مقاعد، بعد أن كان يطمح إلى عدد أكبر من المقاعد، مستفيداً من دعم النقابات الكبيرة.

في مطلع العام 2004 بدأت ترشح أنباء حول احتمال أن يعود بيرتس مع حزبه إلى حزب "العمل"، وأن اتصالات كهذه تجري بينه وبين زعيم الحزب شمعون بيريس، وسط معارضة شديدة من قادة الحزب، الذين اتهموا شمعون بيريس، بأنه يريد قلب موازين القوى لصالحه في داخل الحزب.

لكن هذه المعارضة لم تمنع عودة بيرتس إلى حزبه الأم، وقد تم هذا رسمياً في مطلع العام 2005.

3- بنيامين بن اليعازر[14]:

خاض بن اليعازر الانتخابات لزعامة الحزب في نهاية العام 2001 وفاز بها على منافسه أبراهام بورغ، الذي كان فاز قبل ذلك بشهرين برئاسة الحزب وتبين أن الانتخابات جرى تزويرها. لكن بن اليعازر لم يصمد في رئاسة الحزب لأكثر من عشرة أشهر أو أكثر بقليل. فقد زاد الأزمة في الحزب نتيجة نهجه، وربما أن الحزب سارع في إسقاطه لصالح منافسه عمرام متسناع، بعد أن أيقن الحزب أنه من الصعب عليه خوض انتخابات في قائمة يتزعمها بن اليعازر، الذي كان في حينه وزيراً للدفاع في حكومة أرئيل شارون، وقاد العدوان الأكبر على الضفة الغربية، عملية "السور الواقي"، وما رافق هذا من مواقف يمينية متطرفة لبن اليعازر، الذي لم يتخل عنها حتى الآن.

وقد فاز عمير بيرتس في الانتخابات وحصل على 42.35% من الأصوات بينما حصل شمعون بيريس على 39.96% أما بنيامين بن اليعازر فقد حصل على 16.82% من الأصوات، وقد بلغت نسبة التصويت (64%[15])، وهي النسبة التي أدت إلى فوز بيرتس، إذ أن هذه النسبة المرتفعة اعتبرت أحد أهم الأسباب الرئيسة لفوز بيرتس، أما السبب الثاني فهو أنه لم يكن لبيريس إدارة لتنظيم الانتخابات مثل بيرتس[16]، والسبب الثالث يعود إلى إحجام عدد كبير من مؤيدي بيريس التصويت اعتماداً على أن بيريس سوف ينجح في الانتخابات بسهولة كما دلت على ذلك الاستطلاعات.

خامساً: بيرتس فوز مفاجئ

فاجأ عمير بيترس الجميع بفوزه في انتخابات زعامة حزب العمل، في حين أن الكل كان ينتظر فوز الزعيم التاريخي للحزب شمعون بيريس، فجميع خطوات شمعون بيريس نفسه دلت على أنه يتوقع الفوز في الانتخابات، فقد استمر في التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية وشارون وأكد على أن حزب العمل سيبقى في حكومة شارون، ولن ينسحب منها، لأنه لا توجد أسباب رئيسة تدعوه للانسحاب، كما أن بعض المحللين والكتاب الإسرائيليين أكدوا هذه الإمكانية حين تناولوا مواقف الحزب تحت قيادة بيريس مرة أخرى، وباتت التساؤلات تدور حول إمكانية وجود نبضة ثانية لانسحاب إسرائيلي من بعض المناطق الفلسطينية وحول التوجهات السياسية القادمة للحكومة..؟ وقد جاء هذا السقوط لشمعون بيرس وسط استطلاعات رأي أكدت جميعها على فوزه على بيرتس في جميع الأحوال، ويفترض أن التأييد جاء لبيريس حسب معيار السمعة أو التقدير، فهو من أكثر الشخصيات التي خدمت دولة إسرائيل، كما أنه من كبار القادة في الحزب، كذلك فإن بعض المتنافسين تنازلوا له مثل أهود براك ومتان فلنائي، هذا إلى جانب تأييد كبار قادة حزب العمل له، بالإضافة إلى ذلك فإن شمعون بيريس قام بعدة محاولات للالتقاء بالمتنافسين كان احداها مع براك في يوليو 2005 بعد أن وصفه براك بالخاسر. وطلب بيريس من براك إتاحة المجال أمامه للاستمرار في رئاسة الحزب دون إجراء انتخابات داخلية. ونتيجة للضغوط المستمرة على براك الذي أكد إنه إذا كان هناك تكتل للمرشحين حول بيريس فإنه سينسحب من المنافسة، وهو ما حدث فعلاً حيث أعلن براك في 11/9/2005 انسحابه من المنافسة، بالإضافة إلى استمرار أنصار بيريس بالدعوة لإلغاء الانتخابات التمهيدية[17]، وكذلك أعلن فلنائي في 7/11/2005 الانسحاب من المنافسة وضم تصويته لصالح بيريس، كما كانت هناك ضغوط كثيرة على بن اليعازر للتنازل ولكنه رفض.

وقد شن أنصار بيريس حملة تشكيك ضد المتنافسين تناولت عدم قدرتهم على قيادة الحزب وخاصة عمير بيرتس الذي ألصقت به عدم الخبرة السياسية، بالإضافة إلى علاقات شمعون بيريس الجيدة مع معظم قوى حزب العمل سواء في الكيبوتزات أو حركات السلام بالإضافة إلى أنه الوحيد في الحزب الذي يحمل تصوراً سلمياً وقادر على مخاطبة معارضيه، كما أن توجهه في الاستمرار في حكومة يلاقي دعماً من أنصار حزب العمل، حيث أكدت استطلاعات الرأي أن (76.5%) من أعضاء حزب العمل يؤيدون بقاء حزب العمل في الحكومة التي يرأسها شارون[18]. وإن استمرار الحزب في الحكومة سوف يؤدي لا محالة إلى ازدياد قوة حزب العمل في الشارع الإسرائيلي، ولذلك وإزاء كل المعطيات السابقة فإن شمعون بيرس " الرجل الذي لم يفوت فرصة كي يخسر" لم يهتم كثيراً بتنظيم خطواته الانتخابية ولم يهتم كثيراً بإنشاء مؤسسة انتخابية تابعة له في مواجهة نظام المؤسسة والعمل الجماهيري والزيارات الميدانية التي كان يقوم بها منافسوه وخاصة عمير بيرتس، وأقل ما يقال عن شمعون بيريس أنه كان مختفي عن حملته الانتخابية، ولم يظهر كثيراً في الشارع الإسرائيلي.

أما عمير بيرتس فهو الوحيد من بين المرشحين الذي حمل برنامجاً انتخابياً بالإضافة إلى العمل المؤسسي الذي انتهجه من أجل الحصول على أصوات أعضاء حزب العمل، والذي اعتمد على برنامج اجتماعي شكل أساس برنامجه الانتخابي، بالإضافة إلى النزعة العرقية الشرقية والتي لا يمكن تجاهلها في حزب يميل إلى النزعة الاشكنازية.

لقد استطاع عمير بيرتس بلورة خطاب إعلامي أنقذ الحزب وأخرجه من دائرة الاتهام بأنه يعيش في ظل الليكود، حيث دعم هذا الخطاب بإخراج الحزب من حكومة شارون.

وهكذا فقد لاحظ أعضاء حزب العمل غياب عمل بيريس التنظيمي عن الحزب وكأنه تجاهل لهم، وأن الحزب بحاجة إلى نوع من الإنعاش تحول دون تلاشيه بالكامل وذلك في محاولة لترميمه، وهي الفكرة التي دعا إليها بيرتس صراحة من خلال تقديم سياسة بديلة لسياسة شارون تقوم أساساً على العامل الاجتماعي، وهو ما يمكن ملاحظته في استطلاعات الرأي حيث استطاع بيرتس سد الفجوة مع بيرس في اللحظات الأخيرة الحاسمة إلى أن استطاع الانتصار والفوز بزعامة حزب العمل.

سادساً: بيرتس والتحديات

تحديات كثيرة هي التي تواجه بيترس الشرقي في مواجهة النزعة الاشكنازية التي يتصف بها حزب العمل، ويتلخص التحدي الأساسي أمامه في المحافظة على الشخصيات الكبيرة ذات النزعة الاشكنازية خوفاً من عملية هروب كبيرة لأعضاء ومؤيدي حزب العمل الاشكناز نحو الأحزاب الأخرى، أما التحدي الآخر، الذي يواجهه فهو الالتزام بالوعود قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية. ويمكن القول أنه إلتزم بواحدة منها حتى الآن، وهي الخروج من حكومة شارون, وكذلك الاتفاق على موعد محدد للانتخابات العامة القادمة. ويؤكد بيرتس دائماً أنه سوف يعمل على تحقيق برنامجه الاجتماعي الذي جعله على رأس سلم أولوياته واهتماماته، بالإضافة إلى الموضوع الأهم وهو ترميم حزب العمل، ويمكن القول أن ذلك يتركز في استقطاب أكبر عدد من الأكاديميين ورجال الأعمال والمال والإعلام إلى الحزب. ولكنه من ناحية أخرى خسر ركائز ودعامات قوية في حزب العمل مثل شمعون بيريس وداليا إيتسك وحاييم رامون الذين انضموا إلى حزب شارون الجديد "كاديما"، بالإضافة إلى انسحاب أبراهام شوحاط من حزب العمل، كما أن هؤلاء الذين غادروا إلى حزب كاديما، اتهموا بيرتس بالاستيلاء على حزب العمل بطرق غير مشروعة، وعدم قدرته على قيادة الحزب ثم الدولة. وقد خسر بيرتس أيضاً دعم براك الذي أعلن أنه لن يتنافس ضمن قائمة الحزب في هذه المرحلة، وما زالت هناك حرب كلامية بين بيرتس وبعض قادة حزب العمل الذين يخشون من عدم إدراج أسمائهم في أماكن مضمونة على قائمة حزب العمل المرشحة للكنيست وذلك خوفاً من وجود تحالفات يقودها بيرتس لإدراج مؤيديه فقط.

ويبدو أن توجهات بيرتس وخاصة الاجتماعية تلقى ترحيباً في الشارع الإسرائيلي، وكذلك لدى أعضاء حزب العمل حيث تدل الاستطلاعات الحالية على تقدم ملحوظ للحزب تحت قيادته.

أما التحدي الآخر الذي يواجهه بيرتس فهو العلاقات مع الفلسطينيين واستمرار المفاوضات والعملية السلمية، فمن المعلوم أن بيرتس هو من جناح الحمائم في حزب العمل ومن مجموعة الثمانية التي أيدت التفاوض مع م.ت.ف منذ الانتفاضة الأولى، وكذلك من مؤيدي وثيقة جنيف. وقد اعتبر البعض ذلك اتهاماً لبيرتس كما دعاه إلى تبني أو دعم الخطوات ذات التوجهات الصقرية داخل حزب العمل مثل رفض حق العودة إلى إسرائيل. وأصبحت هناك لاءات حول القدس الموحدة، وكذلك مبدأ لا للعودة إلى حدود 1967 مع الأخذ بمبدأ التعويض في الأراضي.

ولا يمكن  إغفال موقفه من قضية بناء وضم الكتل الاستيطانية كما طرح مؤخراً والاستئجار طويل المدى حسب نموذج هونغ كونغ.

سابعاً: حزب العمل بعد الانتخابات

بدأ رئيس حزب العمل الجديد عمير بيرتس عملية ترميم واسعة لحزب وتنظيم المعارضة في الكنيست وإثبات أن هناك بديلاً جاهزاً للحكم[19]، وبدأت الخطوات الأولى لرئيس الحزب الجديد بمحاولة تزويد الحزب بدماء جديدة سواء من الأكاديميين أو الإعلاميين... إلخ ومحاولة توحيد صفوف الحزب تحت قيادته.

وقد ساهمت مشاركة عمير بيرتس في الانتخابات في عودة البرنامج الاجتماعي السياسي لحزب العمل[20]، حيث رسم بيرتس لنفسه صورة المدافع عن الكادحين، والساعي إلى إعادة الهوية الحقيقية لحزب العمل كبيت للعمال والكادحين وأبناء الطبقة الوسطى[21].

وتبقى إشكالية بيرتس تتمحور في العامل العرقي، فهل سيعتبر فوز بيرتس بمثابة نهاية لمرحلة الاشكنازية في حزب العمل، وبداية لعهد جديد لحزب جديد ذو هوية جديدة من الممكن أن تؤثر على عدد مقاعده.

وعلى صعيد المفاوضات، يؤكد مؤيدو بيرتس على أنه بعد فوزه برئاسة الوزراء فإنه لن يذهب إلى واشنطن، بل سيعقد لقاءات ماراثونية مع الرئيس أبو مازن من أجل إجراء مفاوضات مباشرة حول التسوية الدائمة، ولن يسير حسب سياسة شارون الحالية التي تتبنى سياسة الانسحابات أحادية الجانب المرتبطة بسياسة الاملاءات التي ينفذها بواسطة القوة العسكرية والاقتصادية. وحسب مؤيدو بيرتس فإنه يؤمن بأن حياة الإنسان أهم بإضعاف من عدة كيلو مترات في الضفة الغربية أو في الجولان، فبيرتس يؤيد إجراء مفاوضات مع سوريا من النقطة التي توقف عندها براك، كما يتبنى بشكل مبدئي اتفاق جنيف الذي ينص على الانسحاب إلى خطوط 1967 باستثناء كتل المستوطنات التي ستؤجر إلى إسرائيل حسب نموذج (هونغ كونغ) مع حصول الفلسطينيين على تعويض إقليمي، مالي، أو دبلوماسي[22].

خلاصة

إن الإنقلاب الذي حدث في الساحة الحزبية الإسرائيلية ليس بالشيء السهل أو البسيط الذي يمكن تصوره، فالصبغة الاشكنازية التي اتصف بها الحزب منذ نشأة الدولة، ومساهمته في بنائها، وتعزيز قوتها ولا زالت تشكل معضلة له بالنسبة لأبناء الطوائف الأخرى[23]. حيث اضطر في النهاية إلى اختيار زعيماً وتخلى عن حقيقة أن بيريس هو خياره المؤقت ولكن ليس خياره الدائم. حيث اختار أعضاءه زعيماً له برنامج سياسي/اجتماعي، وليس زعيماً مؤقتاً غير قادر على إعادة الحزب إلى السلطة، وذلك بعد أن ظل الحزب يعاني من أزمة عامة وأزمة قيادية استمرت نحو خمس سنوات. إن الخلاصة مؤداها أن حزب العمل انتقل من عالم المفاهيم والمصطلحات ذات المعنى المزدوج والمراوغ بعد أن استمر في ظل أزمته القيادية إلى انتخاب زعيم يستطيع أن يعبر عن مواقفه وبرنامجه بصورة مبسطة وواضحة، والواضح حالياً أن الحزب في حالة استقرار، وإذا ما استمر ذلك فإن الحزب إن لم يفز في الانتخابات القادمة فإنه سوف يحسن من وضعه الحزبي وبالتالي زيادة مقاعده في الكنيست القادم.

 

الهوامش:


[1]  أميرة ليم، مقابلة مع بيريس، يديعوت، 17/6/2005.

[2]  القدس، 2/2/2005.

[3]  أبراهام تيروش، قيادات حزب العمل، معاريف، 25/5/2005.

[4]  معاريف، 16/5/2005.

[5]  برهوم جرايسي – المشهد الإسرائيلي، الأيام، 31/5/2005.

[6]  يديعوت، 27/5/2005.

[7]  هآرتس، 11/6/2005.

[8]  معاريف، 15/6/2005.

[9] Arabs 48.com  ، 11/10/2005.

[10]  يديعوت، 4/11/2005.

[11]  يديعوت، 8/11/2005.

[12]  المشهد الإسرائيلي، 1/11/2005.

[13]  المشهد الإسرائيلي، 15/11/2005.

[14] المشهد الإسرائيلي، 1/11/2005.

www.nrg.co.il  ، 10/11/2005 [15]  .

[16]  نداف إيال، انقلاب في حزب العمل، معاريف، 11/11/2005.

[17]  سيما كدمون، بيرس ينتصر في الاستطلاعات، يديعوت، 24/10/2005.

[18]  هآرتس 24/11/2005.

[19] يوسي سريد، انقلاب بالتأكيد، هآرتس، 11/11/2005.

[20] ميراف ألوش، العمل حزب عنصري، معاريف، 6/11/2005.

[21] زئيف شترنهال، فرصة العمل الأخيرة، هآرتس، 8/11/2005.

[22] عكيفا إلدار، بيرتس والمفاوضات المباشرة، هآرتس، 11/11/2005.

[23] عوفر شيلح، معضلة حزب العمل، يديعوت، 23/6/2005.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
17/01/2006 09:26 ص