نتيجة الإنتخابات التشريعية وتأثيراتها على العملية السلمية

 

جمال البابا

وصف العديد من المراقبين نتيجة الإنتخابات التشريعية الفلسطينية بأنها مفاجأة من العيار الثقيل، حيث جاء فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلب مقاعد المجلس التشريعي ليضع الساحة السياسية في حالة إرباك بعد أن أصبح واضحاً أن حركة حماس هي الجهة الوحيدة القادرة على تشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية، مما جعل العديد من المراقبين يطرح مجموعة من الأسئلة طالبين من قيادة حماس الإجابة عليها خاصة فيما يتعلق ببرنامج الحكومة القادمة، وما سيتضمنه من بنود تتعلق بالعلاقة مع إسرائيل، وكيفية إدارة الصراع معها، ونظرة الحكومة والحركة إلى العملية السلمية برمتها.

فالعلاقة مع إسرائيل لا تهم المراقبين فقط، ولكن تلقى اهتماما خاصاً من المواطن الفلسطيني، الذي يدرك أن كثيراً من أمور حياته اليومية مرتبطة بطريقة أو بأخرى مع الجانب الإسرائيلي، سواء على الصعيد الإقتصادي أو الخدماتي، ناهيك عن الموضوع السياسي الذي يلقى اهتماماً إقليميا ودولياً يرتكز على ضرورة استجلاء مواقف حماس من إسرائيل والعملية السلمية، الأمر الذي سيكون له أثر واضح في استقرار المنطقة. ولكن في المقابل مطلوب من المجتمع الدولي ألا يمارس الضغوط فقط على الجانب الفلسطيني ممثلاً في حركة حماس، ولكن يجب أن يضع إسرائيل أمام مسؤولياتها وأنها مازالت دولة احتلال تمارس العنف والقمع، وتهدد مصالح شعب آخر. من هذا المنطلق يلاحظ أن مصير العملية السلمية يكتنفه الغموض وسنحاول في السطور القادمة إلقاء الضوء على مواقف الأطراف المؤثرة في العملية السلمية في محاولة لاستشراق مستقبل العملية السلمية في المنطقة في ضوء المتغيرات الجديدة.

موقف حركة المقاومة الإسلامية حماس

من خلال التدقيق في برنامج حماس الانتخابي الذي على أساسه خاضت الإنتخابات التشريعية لم يرد ولو إشارة إلى موضوع المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لا بالنفي ولا بالإيجاب. مع الإشارة إلى أن البرنامج الانتخابي للحركة أكد على أن خيار المقاومة والانتفاضة الذي ارتضاه الشعب الفلسطيني هو خيار استراتيجي لإنهاء الإحتلال، ومع عدم نفي استخدام وسائل أخرى لكن لم يتم تحديدها[1].

وعلى مدى السنوات الاثني عشر الماضية لم تكن حماس تخفي معارضتها لإجراء أية مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، مع تأكيدها على أن هذه المفاوضات لم تجلب الفائدة للشعب الفلسطيني بل على العكس هي في مجملها تخدم الطرف الإسرائيلي دون تحقيق أي نتائج ايجابية. بل إن حركة حماس كان لها موقف من اتفاق أوسلو نفسه، حيث جاء موقفها ليؤكد على أنها تقبل بالدولة الفلسطينية على أي جزء من فلسطين ولكن بشرط رئيسي وهو عدم التنازل عن باقي الحق الفلسطيني، مما يعني عدم الاعتراف بإسرائيل.

بصفة عامة فإن الوثائق الرسمية لحركة حماس كالميثاق والمذكرات التعريفية والبيانات والتصريحات وغيرها، قد بينت رفض حماس للأسس التي قامت عليها عملية السلام[2]. إن موقف حركة حماس من الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بداية من أوسلو وصولاً إلى وأي بلانتيشن كان واضحا، حيث رأت حماس في هذه الاتفاقات أنها اتفاقات فاشلة لم تسعَ إلى رد الحقوق إلى أصحابها، وإنما سعت إلى عزل القضية الفلسطينية عن محيطها العربي والإسلامي قبل الإنتقال إلى تجزئتها إلى قضايا منفصلة يربطها منطق الأمن الإسرائيلي[3].

إن ما قاله خالد مشعل في أحد لقاءاته مع قناة الجزيرة الفضائية، من أن الحركة ترى بأن كل سبيل يقود إلى التفريط بفلسطين هو أمر مرفوض شرعاً وسياسة، يقودنا إلى طرح سؤال في غاية الأهمية، هل السبب الحقيقي لرفض حركة حماس للمفاوضات والعملية السلمية الجارية يعود إلى أسس عقائدية شرعية أم إلى الشروط المجحفة لعملية السلام ذاتها؟ الإجابة على هذا السؤال في غاية الأهمية لأنه سيحدد مدى إقدام حماس على الانخراط في العملية السياسية والعملية التفاوضية، فإذا كان السبب عقائدياً فهذا ربما يغلق الباب أمام أية محاولة من هذا النوع، وسيحكم عليها ربما بالفشل "فقد جاء في ميثاق حماس أن المبادرات السلمية والقرارات الدولية الخاصة بفلسطين تتعارض مع عقيدة الحركة الإسلامية"، وجاء أيضاً أنه لا يجوز التنازل عن أي جزء من فلسطين، والتنازل عن أي جزء هو تنازل عن جزء من الدين، أما المؤتمرات الدولية والتي تدعو لها بعض الأطراف الفلسطينية فهي "تمكن أهل الكفر بأرض المسلمين"[4].

أما إذا كان السبب يعود إلى بنود وشروط الاتفاقيات ذاتها فإن ذلك يمكن التغلب عليه من خلال إدخال بعض التعديلات على هذه الاتفاقات، أو تحسين شروط الاتفاقات القادمة، خاصة وان القضايا الإستراتيجية التي تتعلق بالأرض واللاجئين والقدس وطبيعة الدولة الفلسطينية والعلاقات مع الجانب الإسرائيلي لم يتم حسمها حتى الآن.

من خلال ما سبق يلاحظ، أن هناك صعوبة في تحديد السبب الحقيقي والمباشر لرفض حركة حماس للعملية السلمية وما يتضمنها من مفاوضات، خاصة على ضوء التصريحات الكثيرة التي تحمل أكثر من دلالة والتي يمكن تفسيرها لصالح هذا السبب أو ذاك. ففي حين ظهرت تصريحات تقول بأنه "لا مشكلة في أصل التفاوض إنما المشكلة فيما هو معروض علينا، تظهر أصوات أخرى ترجع القضية إلى الأساس العقائدي مع عدم اعتراضها على استخدام الشروط المجحفة مبرراً إعلاميا إضافيا للرفض. وهو ما يمكن تفسيره على أنه يعود إلى اختيار اللغة المناسبة لكل ظرف، فإن كان  الخطاب موجهاً للقاعدة الإسلامية في فلسطين أو حتى خارجها، فإنه يتم التركيز على السبب العقائدي وإذا كان الحديث موجهاً للسياسيين وذوي الميول الأخرى وللرأي العام الدولي فإنه سيتم التزام مبرر الشروط المجحفة للاتفاقات.

ومن خلال رصد تصريحات قياديي حماس خلال الفترة الانتخابية وما بعدها، أي بعد ظهور النتائج، يمكن ملاحظة عدم الوضوح في مواقف الحركة وقادتها من عملية التسوية وقضية المفاوضات، ففي اليوم السابق مباشرة لعملية الاقتراع أي في 24/1/2006، أشار القيادي في حركة حماس محمود الزهار إلى احتمالية إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، حيث قال "المفاوضات هي وسيلة….اذا كان لدى إسرائيل ما يمكن أن تقدمه في موضوع وقف الإعتداءات…في موضوع الانسحاب، وفي موضوع إطلاق سراح المعتقلين، فهنا يمكن إيجاد ألف وسيلة". وأضاف "المفاوضات ليست حراما، ولكن الجريمة السياسية هي عندما نجلس مع الإسرائيليين ونخرج بابتسامات عريضة ونقول للصحفيين أن هناك تقدماً، والحقيقة غير ذلك"[5].

وبعد ظهور نتائج الإنتخابات، عاد الزهار ليؤكد أن حماس تعرض هدنة طويلة الأمد على اسرائيل غير أنه لم يعلق عما إذا كان التفاوض مع إسرائيل أو الاعتراف بها ممكناً على المدى الطويل، واضاف ما لم تعلن إسرائيل حدودها النهائية، فإن حماس لن تعلن موقفها بشأن الإعتراف بها، وإذا كانت إسرائيل مستعدة لإخبار الناس بحدودها الرسمية، فإننا وقتها سنجيب عن السؤال[6].

وكان الشيخ محمد أبو طير وفي لقاء مع صحيفة هآرتس قال "أن حركة حماس ستجري مفاوضات مع إسرائيل بشكل أفضل من الآخرين الذين تفاوضوا على مدار عشر سنوات ولم يحققوا شيئاً"[7].

وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في نقابة الصحفيين في القاهرة قال القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق، أن "حماس قد تقبل بدولة في حدود 1967 بشكل مرحلي، وإن الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل عام 1993 كان خطأ يجب تصحيحه"، وقال "قضية الاعتراف بإسرائيل قضية ليست واردة عند حماس، وشرعية الإحتلال لا يمكن الاعتراف بها، نحن نعتقد بأن خطأ حدث في الماضي ويجب تصحيحه في هذا المجال بالذات". وأكد أبو مرزوق التزام حكومة حماس بالاتفاقات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل سابقاً.

وأشار أبو مرزوق إلى احتمال أن تقبل الحركة بشرعية إسرائيل في حال قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم[8].

أما خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة فقد قال موجهاً كلامه إلى إسرائيل، "إن نزاعنا ليس دينياً بل هو سياسي، نحن لن نعترف بحق أي دولة أن تسرق أرضنا وأن تتنكر لحقوقنا الوطنية"، واضاف "إن كنتم مستعدين بقبول مبدأ هدنة طويلة الأمد فنحن على استعداد للتفاوض عليها، فحماس تمد يدها لأولئك المهتمين فعلاً بإقامة سلام أساسه العدل"[9].

موقف الرئيس محمود عباس

يعتبر الرئيس محمود عباس أحد المهندسين الرئيسيين للعملية السلمية والتفاوضية مع الجانب الإسرائيلي، فالرئيس عباس خاض جولات طويلة من المفاوضات، وبمجرد إعلان نتائج الإنتخابات التشريعية عقد الرئيس مؤتمراً صحفياً في 26/1/2006 قال فيه إن الحكومة القادمة عليها أعباء جسيمة تتمثل في الالتزامات والإتفاقات الملزمة أمام المجتمع الدولي، بدءاً من اتفاق أوسلو ومبادرات القمم العربية، وانتهاءً بخطة خارطة الطريق كإطار وحيد مطروح للتنفيذ، وتتضمن رؤية الرئيس بوش لإقامة دولتين[10].

وفي نفس السياق عاد السيد نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، ليؤكد رؤية الرئاسة الفلسطينية للخط السياسي الذي يجب أن تتبناه حكومة قادمة برئاسة حماس، حيث قال إن "الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها ستكون منسجمة تماماً مع الخط السياسي لـ م.ت.ف، ومقررات الشرعية الدولية والقمم العربية". وأضاف "لاشك أن أي حكومة قادمة ستكون استمراراً للحكومات السابقة، فهناك السياسة العامة التي أقرتها م.ت.ف، وهناك الثوابت الوطنية التي اتفقنا عليها بالإضافة إلى إعلان القاهرة الذي التزمت به جميع الفصائل الفلسطينية"[11].

وفي كلمته بمناسبة افتتاح أعمال المجلس التشريعي الثاني، أكد الرئيس أبو مازن، على عملية التفاوض كخيار استراتيجي، حيث قال "سنواصل التزامنا رئاسة وحكومة بالنهج التفاوضي كخيار استراتيجي سياسي واقعي، نجني من خلاله ثمار كفاحنا وتضحيات شعبنا ونضاله الحقيقي على مدى عقود طويلة من الزمن. وسنجد عبر إدارة المفاوضات بجدية وحكمة، فرصة عملية لتحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة وتدعمنا في ذلك قرارات دولية شديدة الوضوح بشأن قضيتنا وحقوقنا. وفي الوقت الذي نعتمد فيه نهج التفاوض كخيار سياسي يتوجب علينا مواصلة وتطوير أشكال المقاومة الشعبية ذات الطابع السلمي"[12].

الموقف الإسرائيلي

 لقد تميز الموقف الإسرائيلي من عملية التفاوض والاستمرار في العملية السلمية بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، بأنه تراوح بين التشدد والليونة بشروط، ولكن قبل الحديث عن الموقف الإسرائيلي بعد فوز حماس لابد من العودة إلى الوراء قليلاً للتذكير بالموقف الإسرائيلي من عملية التفاوض والعملية السلمية برمتها، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، أي بعد وصول شارون إلى رأس السلطة في إسرائيل في مطلع العام 2001، كانت المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية تمر بأزمة خانقة بسبب الموقف الإسرائيلي، فبرنامج شارون الانتخابي فيما يتعلق بالمفاوضات كان يتمحور حول عدم إجراء أية مفاوضات مع الجانب الفلسطيني تحت "العنف" مع تركز برنامجه على الحلول المرحلية طويلة المدى وعدم التطرق إلى قضايا الحل النهائي إلا في إطار تصورات إسرائيل لطبيعة الحل الذي ترغب به.

وبمجرد تشكيل الحكومة الأولى لشارون، تم من الناحية العملية إلغاء جميع التفاهمات التي سجلت بين الفلسطينيين وحكومة باراك، سواء المفاوضات التي جرت في كامب ديفيد أو في شرم الشيخ، أو حتى مفاوضات طابا التي يمكن اعتبارها آخر مفاوضات سياسية جرت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وفي مطلع عام 2003 قام شارون بتشكيل حكومة ثانية، ورغم انضمام حزب العمل إلى هذه الحكومة إلا أنه لم يستطع إحداث تغيير في إستراتيجية شارون ونظرته إلى المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، حيث عاد ليؤكد على مقولته السابقة وهي ضرورة القضاء على "الإرهاب" كشرط أساسي لتحقيق السلام وإجراء المفاوضات، وأنه لا يوجد شريك فلسطيني.

وفي محاولة من شارون للقضاء على احتمال أن تمارس على إسرائيل ضغوط خارجية للعودة إلى طاولة المفاوضات، والخوض في مفاوضات سياسية جدية على قاعدة خارطة الطريق، لجأ شارون إلى خطة فك الارتباط من طرف واحد والمشروطة بعدم التفاوض مع الجانب الفلسطيني، هذه الفكرة التي لاقت قبولاً في العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة، ومن ثم استطاع شارون إبعاد أي مفاوضات سياسية حقيقية مع الجانب الفلسطيني، واقتصرت اللقاءات بين الجانبين على لقاءات أمنية للبحث في آلية تطبيق فك الارتباط.

وفي خضم الإنتخابات الفلسطينية وهي الفترة التي تولى فيها إيهود أولمرت رئاسة الحكومة الإسرائيلية بالوكالة، قال قبل إجراء الإنتخابات بنحو أسبوع أنه سيبدأ المفاوضات حول الحل الدائم مع رئيس السلطة الفلسطينية، فقط في حال تنفيذ التزاماته  بموجب خارطة الطريق، وهي نزع أسلحة المنظمات الفلسطينية. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف قال اولمرت "نحن نطالب السلطة بموجب خارطة الطريق بنزع أسلحة المنظمات الإرهابية، للبدء في مفاوضات في المستقبل"[13].

وبمجرد إعلان نتائج الإنتخابات وتقدم حركة حماس وأثناء جلسة تشاورية للحكومة الإسرائيلية يوم 27/1/2006، قال أولمرت، "إن حكومة فلسطينية بقيادة حماس لن تكون شريكة في المفاوضات"، واضاف "إذا قامت حكومة فلسطينية برئاسة حماس أو بمشاركتها ستنقلب هذه الحكومة إلى داعمة للإرهاب وسيتجاهلها العالم وإسرائيل"[14].

كما نقل عن أولمرت قوله للأمين العام للأمم المتحدة إن "إسرائيل تصر على ثلاثة مبادئ للتعاطي مع حكومة فيها حماس، وهي تجريد حماس من أسلحتها، إلغاء ميثاق حماس الذي يدعو إلى إبادة إسرائيل، والمصادقة والاعتراف بكل الاتفاقات والالتزامات التي وقعتها لسلطة الفلسطينية"[15].

من جانبه قال وزير الدفاع الإسرائيلي موفاز إن "إسرائيل لن تفاوض حركة حماس "لأنها تنظيم إرهابي"، وأن قيادتها ليست محمية من الإغتيالات إذا واصلت ممارسة "الإرهاب" حتى لو كانت تجلس في السلطة". واضاف أن "إسرائيل لا تنوي القيام بخطوات تضعف سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وانه يجب الإنتظار حتى انتهاء الفترة الإنتقالية لرؤية تبلور الواقع في المناطق الفلسطينية، مكرراً بأن إسرائيل لن تفاوض حماس"[16].

من جانبه أشار الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف إلى إمكانية فوز حماس مشترطاً، أنه فقط في حال نزع أسلحة حماس واعترافها بإسرائيل من الممكن إجراء مفاوضات معها[17].

وعلى الجانب الآخر، ترى حركة السلام الآن أن فوز حماس ينطوي على خطر كبير ولكنه فرصة كبيرة للشعبين، موضحة أن هناك خطراً كبيراً بأن تتوقف أية علاقات ومفاوضات بين الشعبين، وتدهور الوضع والذهاب نحو الفوضى، ولكن توجد فرصة تاريخية للتوصل إلى اتفاق سلام، سلام قوي وثابت تكون حركة حماس بقيادتها ومؤيديها ومن صوت لها شريكة كاملة فيه. إن الرد على سؤال أي السيناريوهات سيتحقق من وجهة نظر السلام الآن، فإن الأمر يتعلق بالقرارات التي سيتخذها قادة حماس، ولكن تعلقاً ليس اقل من ذلك بقرارات الحكومة الإسرائيلية.

وفي استطلاع رأي أجراه معهد داحاف ونشرته صحيفة يديعوت أحرنوت في 27/1/2006، ظهر أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون التفاوض مع حماس في حال مشاركتها في الحكومة الفلسطينية. عند السؤال كيف يجب التعامل مع السلطة الفلسطينية في حال شاركت حماس فيها؟ أجاب 67%  من المستطلعين أنه يجب الاستمرار بالتفاوض، بينما قالت نسبة 28% أنه يجب قطع كل العلاقات. وفي الرد على كيف سيكون التعامل مع السلطة الفلسطينية في حال سيطرت عليها حماس؟ أجاب 48% أنه يجب التفاوض مع حماس، بينما أفادت نسبة 43% أنه يجب قطع كل العلاقات معها[18].

الموقف الدولي

بمجرد إعلان نتائج الإنتخابات سارعت إسرائيل إلى محاولة تشكيل جبهة دولية  لمقاطعة حكومة فلسطينية قادمة ترأسها حماس وقطع المساعدات عنها، بزعم أن هذه المساعدات ستحول إلى حكومة ترأسها حركة تطمح إلى إبادة إسرائيل. وبصفة عامة فقد رحب العالم بالعملية الانتخابية ونزاهتها ولكن فيما يتعلق بفوز حماس فقد تراوحت مواقف المجتمع الدولي بين موقف متشدد تعبر عنه الولايات المتحدة، وموقف اقل تشدداً تمثله أوروبا، وموقف مرن تمثله روسيا.

فالموقف الأمريكي ما يزال يشدد على أن حماس لاتزال منظمة إرهابية وأنه لن يتم التعامل معها إلا إذا غيرت مواقفها، فقد أكد الناطق باسم الخارجية الأمريكية شون ماكروماك أن مجلس الوزراء الفلسطيني القادم يجب ألا يشمل طرفاً لا يلتزم بحق إسرائيل في العيش بسلام ولا ينبذ العنف والإرهاب[19]. وقد اعتبر الرئيس جورج بوش أن قيام دولة فلسطينية لن يتحقق إذا رفضت حكومة برئاسة حماس التخلي عما اسماه طموحها لتدمير دولة إسرائيل، وقد حاولت الولايات المتحدة فرض موقفها على مجلس الأمن واللجنة الرباعية، حيث طالب بيان، أصدره مجلس الأمن وتلاه السفير الأمريكي في الأمم المتحدة جون بولتون، الأعضاء الذين سيشاركون في الحكومة المقبلة للسلطة الفلسطينية بالتخلي عن السلاح والاعتراف بإسرائيل، وشدد البيان على ضرورة احترام الاتفاقات والمبادئ، ومنها الخطة الأمريكية خارطة الطريق والحل التفاوضي للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي[20].

وفي البيان الذي أصدرته اللجنة الرباعية بعد اجتماع استمر لأكثر من ساعتين في العاصمة البريطانية لندن، شددت اللجنة الرباعية على ضرورة اتخاذ "تدابير لتسهيل عمل الحكومة الانتقالية من اجل استقرار المالية العامة، في الأراضي الخاضعة للسلطة الوطنية الفلسطينية". لكن اللجنة حذرت من أن هذه المساعدات قد تتوقف على المدى الطويل إذا لم تتخل حماس المدعوة إلى تشكيل الحكومة الفلسطينية المقبلة عن العنف، ولم تعترف بإسرائيل وتؤيد خارطة الطريق التي تنص على قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

من جانبه عبر الإتحاد الأوروبي عن استعداده للعمل مع أي حكومة فلسطينية تعمل من خلال الوسائل السلمية، وهو ما عبرت عنه "بينينا فيريرو فالدس" منسقة العلاقات الخارجية الأوروبية في كلمتها أمام لجنة برلمانية أوروبية في 26/1/2006. كما أكد خافيير سولانا على أن الإتحاد الأوروبي سيكون مستعداً للعمل مع حماس في حال ردت الحركة بالإيجاب على مطالب الأسرة الدولية التي جاءت في بيان اللجنة الرباعية ولكنه أضاف، يجب أن نعطي حماس فرصة تشكيل الحكومة التي تستغرق من شهرين إلى ثلاثة أشهر ثم يكون الحكم على مواقفها[21].

أما الموقف الروسي فقد كان أكثر المواقف الدولية المؤثرة اعتدالاً، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن روسيا لم تعتبر يوماً حماس منظمة إرهابية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك أن قام خلال المؤتمر الصحفي مع رئيس وزراء اسبانيا بتوجيه دعوة إلى قادة حماس لزيارة روسيا، كما أكدت روسيا على لسان وزير دفاعها سيرغي ايفانوف وفي مؤتمر صحفي عقد يوم السبت 11/2/2006، أن على إسرائيل التعود على فوز حماس في الانتخابات، والذي بات حقيقة واقعة[22].

بصفة عامة، يمكن القول أن هناك ثلاث توجهات للتعامل مع العملية السلمية عامة وعملية التفاوض خاصة، التوجه الأول ينطلق من فرضية مفادها أن وجود عملية سياسية هو الكفيل فقط بالقضاء على حالة العنف الموجودة، وهذا التوجه ينادي به حزب العمل بزعامة بيرتس وينادي به الرئيس أبو مازن، أما التوجه الثاني، فيتمثل بالأساس الذي قامت عليه خارطة الطريق وفقاً للتفسير الإسرائيلي لها، وهو أنه طالما لا يوجد حل لمشكلة "الإرهاب"، فلا يمكن إحياء العملية السلمية، بمعنى أن إسرائيل ستستمر في ممارسة العنف ووقف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى أن يتوقف "الإرهاب"، وهو توجه يتبناه حزب كديما. التوجه الثالث، ويستند على قيام إسرائيل باتخاذ خطوات أحادية الجانب أقصى حدودها الذهاب خلف الجدار الفاصل، ويتمحور حول هذا التوجه نقاش معمق في الساحة السياسية الإسرائيلية.

ومن خلال استعراض مواقف الأطراف المؤثرة في العملية السلمية ومستقبل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يمكن القول، إن وضع قطار التسوية على مساره الصحيح، يتطلب الكثير من الجهد والوقت مما يستدعي السير خطوة خطوة من اجل خلق أرضية تتسم بالحد الأدنى من القواسم المشتركة التي يمكن الاسترشاد بها في أي عملية تفاوضية قادمة.

إن تباعد المواقف بين الطرفين الفلسطيني ممثلاً بحركة حماس والطرف الإسرائيلي ممثلا بحزب كديما، يجعل عملية الوصول إلى طاولة المفاوضات تمر في عملية مخاض طويلة، أهم إرهاصاتها إقرار الأطراف بنتيجة الإنتخابات، وان الجهة المنتخبة تمثل عنواناً رسمياً للشعب الفلسطيني يجب محاورته والتخاطب معه، هذا الأمر يواجه صعوبات من خلال الشروط الإسرائيلية المتمثلة بوجوب أن تعترف حركة حماس بالكيان الإسرائيلي، وان تسحب أسلحتها وتوقف "العنف" وأن تعترف بجميع الاتفاقات والالتزامات التي قطعتها السلطة الوطنية الفلسطينية على نفسها، وفي المقابل لن تقدم حماس على هذه الخطوة إلا إذا حصلت على تعهدات، على الأقل دولية، بأن ذلك كفيل بإنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس، ضمن هدنة طويلة الأمد.

هذا الاحتمال لن يأتي بين يوم وليلة، وإنما سيحتاج إلى عملية مفاوضات شاقة تتخللها أعمال عنف متبادل، ويحتاج أيضاً إلى تدخلات مباشرة من المجتمع الدولي، فحركة حماس لا تعتبر المفاوضات ضمن أولوياتها مقارنة بالوضع الداخلي الفلسطيني التي تطمح إلى إصلاحه وإعادة هيكلته ضمن رؤيتها، ولكن المطالب الدولية التي تتساوق إلى حد ما مع المطالب الإسرائيلية ستجعل حماس أمام خيارين، إما التعاطي بنوع من الإيجابية مع المطالب الدولية، وإما الدخول في صدام مع إسرائيل بحجة عدم وجود شريك فلسطيني، وهو ما يحتاج من حركة حماس العمل ضمن تكتيك متقن لكسب المزيد من الوقت لتجنيد بعض الأطراف الدولية الداعمة لموقفها.

الهوامش:

 


[1]         البرنامج الانتخابي لحركة المقاومة الإسلامية حماس 2006.

[2]          خالد الحروب، حركة حماس بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل-السياسة الفلسطينية، العدد 18، ربيع 1994

[3]         محمود الزهار، الحركة الإسلامية –حقائق وأرقام بين الحقيقة والوهم –مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 20. خريف 1994.

[4]         نبيل حيدري، منظمة التحرير وحركة حماس- الصراع في شأن النفوذ، مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد 13 شتاء 1993

[5]         عرب 48، 24/1/2006.

[6]         الأيام، 31/1/2006.

[7]         هآرتس، 15/1/2005.

[8]         عرب 48، 6/2/2006.

[9]         القدس، 7/2/2006.

[10]        الأيام، 27/1/2006.

[11]        الحياة الجديدة، 6/2/2006.

[12]        الأيام، 11/2/2006.

[13]        هآرتس، 19/1/2006.

[14]        عرب 48، 27/1/2006.

[15]        الأيام، 30/1/2006.

[16]        هآرتس، 30/1/2006.

[17]        هآرتس، 19/1/2006.

[18]        يديعوت أحرنوت 27/1/2006.

[19]        عرب 48، 26/1/2006.

[20]        عرب 48، 4/2/2006.

[21]        الأيام، 2/2/2006.

[22]        معاريف، 11/2/2006.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
03/05/2006 10:15 ص