كلمة الدكتور عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني في مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني

 بسم الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

 فخامة الأخ الرئيس محمود عباس "أبو مازن" حفظه الله، الأخ الكريم محمد صبيح أمين سر المجلس الوطني الفلسطيني ممثلاً بدولة الأخ سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني حفظهما الله، دولة الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء حفظه الله الإخوة والأخوات الحضور الكرام،

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في هذا اليوم المشهود من أيام اجتماع شمل شعبنا في مؤتمر حوارنا الوطني الذي جاء في لحظةٍ حاسمة ومنعطفٍ خطيرٍ تعيشه قضية شعبنا البطل؛ نضالياً وديمقراطياً ووطنياً، فإنني أستمطر شآبيب الرحمة من الله تعالى على شهداء فلسطين الأماجد قادةً و جنوداً؛ أولئك الذين روَّوا بدمائهم الزكية ثرى الوطن الغالي على طريق تحريره، كما أتوجه بالتحية والإكبار إلى أسرانا البواسل الذين ما بخلوا بجهدٍ ولا معاناة وهم يقضون سني عمرهم خلف القضبان سعياً وراء حرية شعبنا ومستقبل أجياله وأخص منهم إخوتي أصحاب الأحكام العالية وأعضاء المجلس التشريعي الذين شاركوني شرف الدعوة والمساهمة الفاعلة في هذا المؤتمر وكذلك أتوجه بتحية فخرٍ واعتزاز لأبناء شعبنا الفلسطيني المنكوب بالاحتلال الصهيوني في الوطن وفي الشتات، هذا الشعب الذي يعايش الألم ويصبر على ما هو أمرّ من الصبر، إلا أن الأمل لم يفارقه لحظةً في العودة والتحرير وحق تقرير المصير.

 أيها المؤتمرون الأكارم، شعبنا الفلسطيني البطل جاءت مبادرتي إلى مؤتمر الوطني الفلسطيني هذا انطلاقاً من حرصنا في المجلس التشريعي الفلسطيني على النقاط التالية:

1ـ المحافظة على الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الأرضية الصلبة اللازمة لبقاء شعبنا الفلسطيني البطل والإبقاء على قضيته العادلة حيَّةً ماثلةً في أذهان الجميع وعلى كل المستويات في الساحات المحلية والإقليمية والدولية.

2ـ حرص المجلس على سلامة جبهتنا الداخلية وضرورة ترتيب بيتنا الداخلي على أسس ديمقراطية تراعي حقوق الإنسان وتحترم سيادة القانون.

3ـ الوقوف في وجه مخططات الاحتلال الذي شرع منذ انسحابه من قطاع غزة باتخاذ إجراءات أحادية ومحاولاته تسويق هذه الإجراءات لعلمه، بأنه لن يجد فلسطينياً واحداً يوافق على هذه الإجراءات التي تقتطع ما تبقى من الأرض وتذهب بمقدرات الشعب .

4ـ حماية السلطة الوطنية الفلسطينية وتعزيز صمود شعبنا الفلسطيني بكل الوسائل وكسر الحصار الظالم الغاشم فعدونا المحتل يفرض علينا حصاراً وتجويعاً ويحتجز أموالنا بغير حق ويحرض قوىً كبرى لحرمان أطفالنا من لقمة الغذاء وجرعة الدواء مما يستدعي منا موقفاً موحداً لكسر الحصار، وأن لا نريح الاحتلال من مسؤوليته ونتلاوم داخلياً فالاحتلال هو السبب الوحيد في كل معاناتنا ولنصحح المعادلة على هذا الأساس .

5ـ رفض تحويل المال المُقدَّم من بعض الدول وسيلة لافتزاز المواقف السياسية التي تستهدف إنهاء قضية شعبنا وحقه في أرضه ومقدساته وقدسه .

6ـ فضح بعض السياسات الدولية التي تكيل بمكيالين وتزن بميزانين؛ أحدهما: يعطي لإسرائيل المحتلة الحق  فيما تشاء ومتى تشاء، وثانيهما: يُنكر على شعبنا أبسط الحقوق كحق الحياة وحق الكرامة أو حتى مجرد الوجود .

7ـ إيصال صوت شعبنا إلى المحافل الدولية التي لا زال كثير منها ينكر علينا مجرد وصف واقع المعاناة التي نعيشها تحت جبروت الاحتلال أو أن نصف قضيتنا على أنها قضية حق وعدل يتحتم على العالم أن يحيلها إلى واقع ملموس .

الإخوة والأخوات ونظراً للأوضاع التي تعايشها أرضنا التي تئنُّ تحت حِراب الغزاة ويعيشها شعبنا حصاراً وتدميراً وتهويداً واستباحة؛ فإنني أرجو أن يُركِّزَ مؤتمرنا على النقاط الهامة التالية :

أولاً : ضرورة أن نصل إلى قرارات تُعزِّز الوحدة الوطنية من خلال مراعاة قواعد تنهي حالة تنازع السلطات بين الرئاسة وبين الحكومة، وإنني بهذا الصدد لأتمنى على أخويَّ الكريمين؛ فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء و انطلاقاً من قاعدة أن الحكومة هي حكومة الرئيس أن يواصلا مشاوراتهما واتصالاتهما لأن في ذلك خيراً لصالح الشعب والقضية وإنهاءً لحالة الاحتقان التي تطفو على السطح أحايين كثيرة .

ثانياً : الانطلاق دائماً من عظمة تجربتنا الديمقراطية التي شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها، وبخاصة أنها جاءت تعبيراً عن إرادة شعبٍ هو من بين أكثر شعوب العالم علماً ووعياً سياسياً، هذه التجربة التي تحتاج منَّا أن نتمسك بها كطريق للتبادل السلمي للسلطة بين مختلف القوى السياسية الفاعلة على الساحة الفلسطينية وكأسلوب حضاري أثبت نجاعته في انتشال العديد من دول العالم من حالة التخلف والانحطاط إلى حالة النهوض والارتقاء، إن هذا الأمر يتطلب منا أن نُعمِّقَ هذه التجربة وننشر ثقافتها ونحترم نتائجها وندعم مؤسساتها، واسمحوا لي في هذا الصدد أن أتوجه بالشكر الخاص للأخ الرئيس أبي مازن على شجاعته بالإصرار على هذه التجربة و إنجاحها متمنياً عليه صيانتها وحمايتها حتى تبقى نموذجاً يحتذى

ثالثاً : ضرورة الانطلاق دائماً من قاعدة حرمة الدم الفلسطيني وحرمة الحرب الأهلية؛ فالسُّباب فسوق والقتال كفر؛ كما ورد في الحديث النبوي الشريف، وهنا أنوه بأنه لا يجوز لمن امتزجت دمائهما وتوحدت في ساحة مقاومة الاحتلال  أن يوجها سلاحهما إلى بعضهما البعض تحت أيِّ مسمىً أو ذريعة أو تبرير، ولنحاذر دائماً من فتنة أصحاب الأنوف المزكومة بفتنة الاحتلال والحريصة على مصلحته، والتي يمكن أن يدسها الاحتلال بين صفوفنا لتحقيق غاياته بإيقاع الفتنة وفق المبدأ الاستعماري القائل (فرِّق تَسُد) .

رابعاً : إن ممارسة شعبنا لحقه الديمقراطي يجب أن يُتوَّجَ بوفاق وطني يجتنب الحصار الجائر  والعقاب المفروض على شعبنا  بسب خياره واختياره، فإن رئيس سلطتنا وحكومتنا ومجلسنا التشريعي مؤسسات ديمقراطية يجب أن تصان وتمارس فعلها وصلاحياتها دون إعاقة أو عقبات، وإن المعارضة السياسية البناءة تقتضي الوضوح والصراحة وتحمل المسؤولية والمشاركة الإيجابية، فحمل همٍّ كهمِّنا الفلسطيني لا يستطيعه فصيل مهما كان، بل إننا بحاجة إلى تجنيد كل القوى العربية والإسلامية والعالمية لنيل حقوقنا واستقلالنا وحريتنا .

خامساً : ضرورة تجنيب أجهزتنا الأمنية واقع التجاذبات الفصائلية  بين القوى المختلفة والدفع باتجاه تحديد ولاء هذه الأجهزة للسلطة الشرعية المنتخبة من الشعب وعدم الزَّج بها في التظاهرات السياسية والاستقطاب الحزبي وجعل الموالاة للقانون الأساس الذي وضع لمصلحة الشعب بكل فئاته المرجعية والقانونية التي تنطلق منها هذه الأجهزة  هو ديدن الأجهزة الأمنية في كل دول العالم المتحضرة .

سادساً : التأكيد على الثوابت الفلسطينية وضرورة التمسك بحقوقنا المشروعة في الأرض والمقدسات وحق عودة اللاجئين  وحتمية قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة عاصمتها القدس، والتأكيد على حق أسرى الحرية في الحرية وإطلاق صراح كل أسرانا دون استثناء فليس بين هؤلاء الشرفاء سجين مدني أو قاطع طريق أو لصٌّ، وإنما الكل عُشَّاق حرية وكرامة .

سابعاً : ويستتبع ذلك أن الشرعية الأساسية التي يجب أن ننطلق منها في عملنا النضالي والسياسي هي حق شعبنا في أرضنا فلسطين وحقه في مقاومة المحتل الغاصب الدخيل، و أن نقاوم الزمن والوقائع المختلفة والحلول الأحادية المستندة إلى غطرسة القوة وحماية القوى العظمى الظالمة المنحازة ، كما أن انتقاء عدونا المحتل لما يناسبه من قرارات ومشاريع وتجزئته وميزاجيته في التعامل مع الاتفاقات و نقضه لبعضها أو كلها وحصاره لنا قيادة وشعباً واستهدافه لنا جميعاً وإنكاره  لوجودنا وطنياً وسياسياً على الرغم من نداءاتنا ومدنا يد السلام على الحق والعدل والحرية، كل ذلك يجعلنا مقتنعين أن هذا الاحتلال لا يعترف بحقنا على أرضنا ولا يعترف بوجودنا السياسي ويتخذ من الوقت والمشاريع وحتى المفاوضات الماراثونية فرصة لترسيخ استيطانه و طمس معالم حضارتنا واقتلاعنا من أرضنا وحصرنا في معازل وسجون .

ثامناً : اعتبار الحوار الإيجابي وسيلة حضارية مميَّزة على طريق حلِّ الخلافات الداخلية واعتبار القانون الأساسي المُعدَّل لفلسطين مرجعية هامة في هذا السبيل .

تاسعاً : اعتبار محافظات الوطن نسيجاً واحداً ووحدة وطنية واحدة لا تنتقص منه إجراءات الاحتلال ومحاولاته تقطيع الأوصال وخرقه لمفاهيم التواصل الجغرافي والسكاني لهذا الوطن .

عاشراً : اعتبار العمل على إصلاح وترتيب منظمة التحرير الفلسطينية مطلباً وطنياً ملحاً وضرورة وطنية وسياسية حتى تحتضن كل أبناء شعبنا وفصائله ليترسخ تمثيلها الشرعي والوحيد لشعبنا في كل مواقع وجوده، ولا بد من تحديد سقف زماني للوصول على هذا المنجز الوطني الديمقراطي ، فقد كان لتفاهم القاهرة استحقاق واجب المتابعة ، نطالب الأخ الرئيس أبا مازن رئيس اللجنة التنفيذية أن يسارع إلى تحقيقه، لأنه المسؤول الأول عن هذه القضية وقد وعد بذلك .

حادي عشر : إن في احتكامنا للقانون الأساس ومتابعة الملفات الحساسة والقضايا العالقة والمسارعة في حسمها في ظل قضاء نزيه حازم سريع الفصل ولجان إصلاح حليمة حكيمة حريصة  إن في كل ذلك ما ينتزع كل فتيل للنزاع والخلاف، وإن تحديد الصلاحيات واحترام المسؤوليات بين مؤسساتنا المختلفة في تكامل عملي لا يلغي تعدد الاجتهادات وحق كل مستوى قيادي بعرض كل ما لديه من رؤىً وتجريب ما عنده من برامج ويظل حكم شعبنا في أماكن وجوده هو الفيصل الذي يجب علينا جميعاً أن نحترمه ونرسخ مرجعيته .

ثاني عشر : إن موضوعية و سائل الإعلام وحياديتها ونشر سياسة  التسامح و عدم الإضفاء والتنظير الحزبي وانتقاء الأخبار وإشراك كل وجهات النظر في نقاش أي قضية خلافية وعدم التعاطي مع البيانات المدسوسة المثيرة للإشاعات والأكاذيب لهو عمل إيجابي ومطلب شعبي واجب التنفيذ ، ويندرج في هذا الإطار صيانة المنابر والمساجد والخطباء والأئمة  من التشكيك والتجريح والتشهير من غير أدلة أو براهين والسمو بالخطاب الديني إلى معالجة قضايا الوطن بروح جامعة موحدة بعيدة عن التعصب والحزبية  وبقاء المساجد بيوت جامعة لكل ألوان الطيف السياسي وعدم شق وحدة المصلين بأي شكل من الأشكال .

أيها الحضور الأكارم بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن إخواني أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني أدعو وسائل الإعلام المسموعة والمرئية إلى النأي بنفسها عن التصريحات الإعلانية ذات الإشكالية  والبعد عن تثوير الشارع وتعويق المؤسسات وتعطيل الحياة العامة، وأتمنى على الجميع وقف التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات عبر الفضائيات حفظاً لسرنا وصوناً لكرامتنا وسمعة شعبنا وعدالة قضيته , إننا ونحن ننطلق اليوم لصياغة برنامج وطني واضح بتوافق شامل يبن كل القوى والتوجهات لنشكر كل الإسهامات الجادة والمشاريع المقدمة من كل الفصائل والقطاع الخاص كما ونثمن عالياً حرص الحركة الِأسيرة على المشاركة الفاعلة  في صناعة سفينة النجاة فلن تضيق أبطالنا ظلمات السجن ولا ظلم السجان عن الإحساس العميق بعظم المسؤولية وخطورة المرحلة فقدموا وثيقة الوفاق التي تصلح أساساً ننطلق منه ونبني عليه في حوارنا الوطني، وبخاصة أننا اليوم على مفترق تاريخي نضالياً وتاريخياً وديمقراطيا، يتطلب ذلك منا جميعاً أن نرتقي إلى مستوى المسؤولية أن نعطي لأجيالنا الأمل بالوحدة والتقدم ومواصلة النضال لنيل الحقوق دون الاستنزاف في حرائق مفتعلة تلتهم الوطن والقضية، وعليه فإنني وإخواني أعضاء المجلس التشريعي كلنا أمل في أن يتتوج هذا الحوار باتفاق بين جميع القوى والفعاليات المشاركة فيه وقناعتنا بأنَّ هذا الاتفاق لا يتم إلا بإخلاص النوايا وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية والحزبية والفئوية ووضع هذه المصلحة فوق كل اعتبار إرضاء لله تعالى وصوناً لكل رخيص وغالٍ نحرص عليه جميعاً.

 

المصدر : http://palestine-info.info


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
27/02/2007 01:19 م