التضخم المالي في إسرائيل خلال العام 2001

جميل الخالدي

تحديد هدف التضخم:

منذ أوائل عقد التسعينات بدأ بنك إسرائيل بوضع أهداف لسياسة اقتصادية بعيدة المدى ليتم الالتزام بها، وفي مقدمة هذه الأهداف محاولة التحكم بمستوى التضخم المالي في إسرائيل، ويعتبر المحافظ السابق لبنك إسرائيل "يعقوب فرانكل" مبتدع هذه الثقافة، حيث كان يصر على تحقيق هذه الأهداف عبر السياسة النقدية التي اتبعها كمحافظ للبنك المركزي من خلال تحديد أسعار فائدة مرتفعة.

ويرتبط معدل التضخم عادة بجدول أسعار المستهلك في إسرائيل، إذ أنه في الخامس عشر من كل شهر يقوم مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي بنشر جدول غلاء المعيشة، وهو متوسط الارتفاع في أسعار تكاليف المواد الغذائية الأساسية والخدمات الحيوية للناس، وازدياد تكاليف المساكن والملابس وغيرها من الحاجيات الضرورية على مدى الشهر السابق لنشر الجدول، وتتم مقارنة متوسط ارتفاع أو انخفاض الأسعار عن الشهر السابق له، ومن ثم إعداد نسبة الغلاء العام، أي ارتفاع مستوى الأسعار على مدى العام كاملاً، وهو ما يعرف بمعدل التضخم السنوي، ويعود بدء نشر هذا الجدول إلى أيلول/ سبتمبر 1951 حين قررت الحكومة الإسرائيلية مراقبة ارتفاع الأسعار ومحاولة الحد منه.

ومن الناحية الفعلية فإن هناك التزاماً إلى حد كبير بتحقيق الأهداف المعدة مسبقاً فيما يتعلق بمستويات التضخم المالي السنوية، عدا العامين 1994 ، 1996، حيث أنه باستثناء عنصري الإسكان والخضار والفواكه من جدول أسعار المستهلك للعام 1994، فإن معدل التضخم وصل إلى 9.8% مما يشير إلى دورهما في تجاوز الهدف التضخمي لنفس العام، أما في العام 1996 فقد ساد معدل تضخمي في النصف الأول من العام المذكور بلغ 14.6%، فيما بدأ بالانخفاض إلى أن وصل نهاية العام إلى 5% - 6%، ويفسر هذا الانخفاض بقرار البنك المركزي الربط بين جدول أسعار المستهلك، وبين إقرار سعر الفائدة تماشياً مع التوسع في عرض النقد ومستويات التضخم المتوقعة.

مستويات التضخم المستهدفة والفعلية

(1992 – 2001 )

العام

الهدف التضخمي %

الفعلي %

1992

14-15

9.4

1993

10-14

11.2

1994

8-10

14.5

1995

8-11

8.1

1996

8-10

10.6

1997

7-10

7

1998

7-10

8.6

1999

4-7

1.3

2000

3-4

صفر

2001

2.5-3.5

1.5

المصدر: أعداد مختلفة من BOI  ، IYBA ، عدا العامين 2000، 2001. J.Post.Jan.15,2001

 

معدل التضخم المالي في العام 2001:

بلغ معدل التضخم في إسرائيل خلال العام 2001 حوالي 1.5%، أي أقل من الهدف التضخمي المحدد لنفس العام بمعدل 2.5-3.5%. وكان هذا المؤشر قد بلغ في العام 2000 صفر بالمائة، وكان بذلك الأقل في تاريخ إسرائيل، ويعتبر العام 2001 الثالث على التوالي الذي يشهد معدلاً للتضخم أقل من المعدل التضخمي المستهدف، فقد بلغ في العام 1999، 1.3% مقابل 4-7% كهدف، حيث ساعدت معدلات البطالة المرتفعة إلى جانب السياسة المالية مكبوحة الجماح إلى تعزيز قيمة الشيكل، إضافة إلى المستوى المتواضع للنشاط الاقتصادي في إسرائيل خلال العام 1999. وشهد جدول أسعار المستهلك في ديسمبر من العام 2001 انخفاضاً بنسبة 0.1%، حيث انخفض سعر الوقود بنسبة 2.5%، وكذلك الانخفاض الذي طرأ على الفواكه الطازجة بنسبة 2%، أما أسعار الأحذية فقد ارتفعت في نفس الشهر بنسبة 3.5%(1).

توقعات للعام 2002:

تتوقع مصادر اقتصادية إسرائيلية أن يصل معدل التضخم في العام 2002 إلى أعلى من الهدف المرسوم (3%)، وسيصل إلى 3.9%، حيث يسود الاعتقاد لدى اقتصاديي بنك ايغود أنه خلال الربع الأول من العام سيصل معدل التضخم إلى 3.1%(2). وتأتي هذه التوقعات على خلفية بلوغ نسبة التضخم في الأشهر بين كانون أول 2001 وآذار/ مارس 2002 حوالي 6.3% (بمصطلحات سنوية)(3).

معدلات التضخم في أوروبا:

يسعى القائمون على الاقتصاد الإسرائيلي للوصول بمستوى التضخم إلى تلك المستويات السائدة في الدول الأوروبية، وبالفعل فقد وصلت هذه المعدلات في السنوات الأخيرة إلى نفس المستوى المسجل لدى غالبية الاقتصاديات في هذه الدول، علماً بأن معدل التضخم في دول اليورو يصل إلى 1.6%، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن نسبة التضخم تصل إلى 2.7%، في حين أن الاقتصاديات الناشئة تترواح نسبة التضخم فيها من 1.4% في سنغافورة إلى 12.3% في المكسيك، وفي كوريا الجنوبية تصل إلى 1.6%، أما في ماليزيا فهي 2.5%، وفي بولندا حوالي 9.8% وفي هنغاريا 11.2%.

أسعار الفائدة ومعدلات التضخم:

يرتبط تحقيق معدلات تضخمية منخفضة في إسرائيل بالحفاظ على أسعار فائدة مرتفعة، وهو تقليد اتبعه المحافظ السابق لبنك إسرائيلي "يعقوب فرينكل" ويواصل المحافظ الحالي "دافيد كلاين" إتباعه. إن الإبقاء على أسعار فائدة عالية يعني أن تبقى قيمة الشيكل مرتفعة، وذلك كون التخفيض السريع للفائدة يؤدي إلى تحويل مكثف للشواكل إلى دولارات مما يخفض قيمة الشيكل، ويسبب ارتفاعاً في الأسعار بسبب مركزية  الدولار في سلة السلع والخدمات، وبالتالي الإسهام في زيادات حادة لجدول أسعار المستهلك، ومن هنا يأتي التنفيذ البطيء لتعديل أسعار الفائدة.

اعتبارات أخرى:

يؤثر الالتزام بتحقيق معدل تضخمي منخفض بشكل سلبي على مؤشرات عدة في الاقتصاد الإسرائيلي، وأهم هذه المؤشرات هو معدل النمو وميزان المدفوعات.

إن وتيرة تخفيض الفائدة على النحو البطيء، أو إبقائها مرتفعة هي السبب الرئيسي في رفع قيمة الشيكل مما يضر بحركة الصادرات مقابل ارتفاع كبير في الواردات، ويلقي ذلك بأثره على ميزان المدفوعات، كما أن العديد من المستثمرين لن يجدوا الحافز للحصول على الأموال أو الاقتراض من البنوك في ظل أسعار فائدة مرتفعة، قد تكلفهم ثمناً عالياً مقارنة بفائدة منخفضة يستطيع القليل من المستثمرين التعامل معها خارج إسرائيل، أي الاقتراض من الخارج. ومن هنا فإن الاختيار الحقيقي هو في مدى تحقيق هدف تضخمي منخفض مع معدل نمو اقتصادي مرتفع، كما أن هذا الوضع يعكس نفسه في زيادة معدلات البطالة.

قطاع التداول لسعر التبادل:

ثار قبل سنوات نقاش كبير بشأن إلغاء قطاع التداول في إسرائيل، وهو القطاع الذي يحدد مدى تقلبات حركة سعر التبادل للشيكل مقابل العملات الأجنبية، وكان صندوق النقد الدولي قد أوصى بإلغاء هذا القطاع ومنح الحرية المطلقة لسوق العملة الأجنبية، مع العلم أن اتخاذ مثل هذا القرار هو بيد الحكومة، وليس من صلاحية المحافظ، ويلعب سعر التبادل الدور الرئيس من خلال كونه الأداة المركزية المؤثرة على أرباح الصادرات وقرار المصدرين، كما يعتبر قطاع التداول "خط الدفاع الأخير" الذي يأخذه المصدر الإسرائيلي في اعتباراته على المدى المتوسط والبعيد، نظراً لأن ارتفاع قيمة الشيكل يؤثر سلباً على معظم المتغيرات الإقتصادية كالتشغيل، النمو، كذلك الاستيراد والتصدير.

 

خلافاً للتوقعات:

جاءت المؤشرات الاقتصادية الإسرائيلية في غالبيتها، بما فيها حول التضخم المالي، خلافاً للتوقعات المسبقة، فقد انتهى العام 2001 بنمو سلبي "ناقص 0.5 في المائة" وانخفض الناتج القومي للفرد بـ 2.9%. وكما سبق فإن التضخم للعام 2001 بلغ حوالي 1.4% مقابل هدف 2.5-3.5 في المائة الذي حددته الحكومة. وثمة عاملان أساسيان أديا إلى هذا الوضع، أولهما التصعيد الذي طرأ على الوضع السياسي والأمن خلال العامين الماضيين، والثاني هو التدهور في الاقتصاد العالمي الذي بدأ في نهاية العام 2000 (4) .

وكان وزير المالية الإسرائيلي "سيلفان شالوم" قد أمر نهاية العام الماضي بفحص إمكانية تحديد هدف تضخمي جديد للعام 2002 بـ 3%، بدل الهدف الذي قررته الحكومة التي سبقته في صيف 2000، وهو 2-3% بسبب سياسة الفائدة الحذرة، وقد تركز الفحص حول ما إذا كان التغيير في هدف التضخم سيمس بالترتيب الدولي لإسرائيل.

الهوامش :


(1) J. Post January 16, 2002

(2) يديعوت أحرونوت 19/2/2002.

(3) هآرتس 22/4/2002.

(4) مركز يافي للدراسات الاستراتيجية كانون ثاني 2002 النشرة رقم 4 .


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م