التحريض الإسرائيلى ضد الفلسطينيين

د.خالد شعبان

تتعدد الظواهر السياسية / الاجتماعية في جميع المجتمعات، إلا أنه لا يمكن فهم أية ظاهرة سياسية/ اجتماعية، إلا بإدراك المفاهيم والعناصر التي تحويها هذه الظاهرة، ونتائجها، وانعكاساتها على الحياة السياسية، فمن أجل أن نفهم ظاهرة مثل الإرهاب السياسي، التحريض..يجب أن نعرف أولاً أننا (مجتمع، فرد)، جزء من هذه التركيبة، فمؤشرات المفهوم ما هي إلا الواقع الذي نعيشه، وبالتالي فإن المفهوم لا ينفصل عن حياتنا.

إسرائيل كباقي الدول يرتبط فيها المفهوم بالواقع، فهو سياسي، أمني، إجتماعي، إقتصادي، ثقافي….وعلى ذلك فهو قد نشأ منذ بداية الوجود الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، حيث دعت الصهيونية إلى المواجهة  لإقامة إسرائيل، لذلك يعتبر التحريض ضد العرب والفلسطينيين قيمة من قيم المجتمع الإسرائيلي، واصبح التحريض ثقافة، وتتم ممارسته من خلال الأعضاء السياسيين والدبلوماسيين والمؤسسة الدينية والأمنية، ولذلك فإننا نجد موجات كثيرة جداً من الشعارات التحريضية والتي تتكرر دائما، مثل شعب إسرائيل موجود، ليس لنا وطن آخر، حق إسرائيل في الحياة، إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، العرب يريدون تدمير إسرائيل. وفي هذه الدراسة سوف نتناول مفهوم التحريض، ومقارنته بالمفاهيم الأخرى المتعلقة به في محاولة لمعالجة الخلط بين العمل الثوري والعمل الإرهابي، مع محاولة دراسة مفهوم التحريض إسرائيلياً، وما يتعلق به من نماذج تطبيقية في الإتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية، والتحريض الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

أولاً: مفهوم التحريض

يعتبر مفهوم التحريض أحد المفاهيم نادرة الإستعمال في الأدبيات السياسية، ولذلك لا نجد له وجود في القواميس أو الكتب السياسية، ولعل ذلك عائد إلى ندرة إستعمال هذا المفهوم في العلوم الإجتماعية.

1- تعريف التحريض

التحريض لغة: هناك إتفاق بين علماء اللغة العربية على أن التحريض فيه معنى الحث على(1)، أو الأمر بشيءٍ ما، ومنها حرضت فلاناً على كذا إذا أمرته به، وتحريض هي المصدر، وهي بمعنى ارتكب جريمة من أصدقاء السوء، ومنها دفعه على ارتكاب المحظور من الأعمال(2)

وقد ورد في القرآن، بمعنى الحث على الجهاد والقتال(3)، ومنها قوله تعالى "وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا" (النساء 84) وأيضاً قوله تعالى "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال" (الأنفال 56).

التحريض إصطلاحاً: لا يخرج معنى التحريض الإصطلاحي عن معناه اللغوي، فرغم خلو الموسوعات السياسية والإجتماعية من معنى التحريض، فإن الدلالات تشير إلى أن التحريض يدور حول الحث على القيام بالمحظور من الأعمال من أجل تحقيق هدف ما، قد يكون لأجل مصلحة عامة أو خاصة، وبذلك يكون التحريض إجتماعياً أو إقتصادياً، وسياسيا، ...وبذلك فإن مفهوم التحريض السياسي هو مجموعة من الأقوال والأفعال التي تحقق مصلحة سياسية، سواء كانت صادرة عن مؤسسة رسمية أو غير رسمية.

2- مؤشرات التعريف

يلاحظ من التعريفات السابقة، أننا أمام كم كبير من المؤشرات الدالة على التعريف، سواء على المستوى الرسمي، والتي منها التصريحات والمقالات المنشورة، والخطب والإعلام، الرسمي مثل التلفزيون والصحف. أما غير الرسمي، فهي مجمل التصريحات والأقوال التي تصدر عن أفراد الشعب أو أحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام غير الرسمية، مثل الحث على الإضرابات والمظاهرات ومقاطعة المنتوجات من أجل تحقيق هدف سياسي.

ولعل أهم الإشكاليات التي تدور حول هذا المفهوم، هو قدرة كل باحث، حسب إنتمائه، على تفسير الأمور حسب إنتمائه وأهدافه ومصالحه، والقدرة على صياغة المادة العلمية المقررة بالأسلوب الذي يخدم أفكاره ويحقق أهدافه.

والواضح أنه من خلال إدراك عميق لدور المفهوم والواقع الذي يتعامل معه، فقط يستطيع كل فرد، باحث، أو جهة رسمية أو غير رسمية، أن يطور لنفسه أساليب لمخاطبة الرأي العام، والتأثير فيه من خلال أساليب مختلفة تتراوح بين الخطب والتصريحات والمظاهرات وإستخدام التخويف والترهيب.

وإذا كان موضوع دراستنا هو التحريض، فإن لكل باحث إمكانية أن يستعمل كل الأدوات التي تخدم بحثه ومصالحه، ولكن القضية الهادفة التي تبرز هنا هي مشكلة العلاقة بين البحث العلمي والعاطفة، وهي عاطفة كل باحث في أن يخدم بلده وقضيته الوطنية، من خلال تبني مفهوم يخدم ذلك ويحقق ذلك.

ويبدو هذا التباين واضحاً في المفاهيم، مثل حركات التحرر والإرهاب، والكفاح المسلح والعنف، ولذلك فإن ما يراه الفلسطيني كفاحاً مسلحاً يعتبره الإسرائيلي إرهاباً، وما يعتبره الإسرائيلي ضربات وقائية يعتبره الفلسطيني إرهاب دولة منظم، وعندما يستخدم الفلسطينيون الحجارة، تفسرها إسرائيل عنفاً، وعندما يرد الإسرائيليون على ذلك بإطلاق الرصاص، يعتبره الفلسطينيون عنفاً. ولعل السبب الأساسي لذلك هو تعارض المصالح والمواقف والنظريات. إلا أنه يلاحظ أن معظم تعاريف الإرهاب تدور حول مجموعة أعمال العنف التي تقوم بها مجموعات ثورية أو أسلوب عنف تقوم به الدولة، ويستنتج من ذلك أن هناك نوعين من العنف، الأول، هو عنف الجماعات والأفراد الذي تقوم به الحركات الثورية التحررية، والذي يمكن أن يطلق عليه عنف الضعفاء، والنوع الثاني: فهو عنف الدولة أو عنف الأقوياء، وهو أكثر خطورة لصدوره عن دول تدعي أنها مصدر للديمقراطية ورائدة الحرية في العالم.

3- علاقة المفهوم بمفاهيم أخرى:

أ- التحريض والعنف(4):

يلاحظ أن هناك نقاط إلتقاء عديدة بين تعريفي التحريض والعنف، وخاصة مع التعريف الإجرائي لكل منهما، مع التأكيد على أن هناك تعاريف متعددة للعنف، أهمها، أنه إختلال في الأبنية الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، مثل عدم العدالة في توزيع الثروة والدخل، أو الإستخدام الفعلي للقوة، أو التهديد بإستخدام القوة، أو أنه ضغط بإستعمال القوة، وهو ما يدل على أن العنف قد يكون سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً(5).

ومن أهم مؤشرات التعريف: إستخدام فعلي وعلني للقوة، أي أنه عنف ظاهر، ويلحق أذى بالآخرين، وقد يكون معنوياً، والأهم أنه ذو مدلولات سياسية، وكما يمكن أن يمارسه الأفراد (غير رسمي)، والدولة (رسمي) مثل الإعتقالات، إعلان حالة الطوارئ، أحكام بالسجن، أحكام بالإعدام والنفي وإستخدام قوى الأمن الداخلي كالشرطة. أما غير الرسمي مثل المظاهرات والإضرابات والإغتيالات ومحاولات التهديد بالقتل وإنقلابات.

ب- التحريض والإرهاب:

ينبغي التأكيد ثانية على أن هناك صعوبة بالغة في تحديد تعريف واحد أو موحد للمفهوم، خاصة إذا كان هذا المفهوم يثير أكثر من إشكالية، مثل مفهوم الإرهاب، والذي تعددت تعاريفه، وبلغت أكثر من مائة(6)، وتباينت الجهات التي قامت بذلك سواء رسمية أو غير رسمية، دولية أو إقليمية، فهناك تعريفات لبعض الدول وتعريف آخر لكل من الأمم المتحدة، وعدم الإنحياز، ومنظمات عالمية وإقليمية أخرى.

وقد ظهر تباينه واختلافه في معادلة الإرهاب وحق الشعوب في مقاومة الإحتلال، ويبدو الأمر واضحاً وجلياً في التجاذب حول تحديد معنى للإرهاب بين قوى الهيمنة والقهر الإستعماري، وبين قوى التحرر الوطني(7). وقد أكدت الأمم المتحدة في القرار (3103-12/12/1973- الدورة 28) على أن نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الإستعمارية والإجنبية والأنظمة العنصرية، في سبيل تحقيق حقها في تقرير المصير والإستقلال، هو نضال شرعي، ويتفق تماما مع مبادئ القانون الدولي(8).

وقد أكد الفلسطينيون على أن الإحتلال هو أبشع صور الإرهاب، والملاحظ أن إسرائيل أطلقت على جميع أدوات مقاومة الإرهاب التي إستهدفها الفلسطينيون (عنف وإرهاب)، سواء كان موجها ضد المدنيين أو العسكريين أو المستوطنين، وقد شمل هذا قذف الحجارة، الإضرابات، الزجاجات الحارقة، التصريحات(9).

وقد شرَّعت إسرائيل قانونا سمى بقانون التحريض وينص على أن من ينشر دعوة لإرتكاب فعل عنف أو إرهاب أو ثناء، تأييد أو تشجيع لأعمال عنف أو إرهاب، ودعمه أو تعاطف معه يتعرض لعقوبة السجن لمدة خمس سنوات(10).

4- دوافع التحريض:

من خلال إستعراض علاقة مفهوم التحريض مع المفاهيم الأخرى (العنف والإرهاب)، يلاحظ الإرتباط بينها، وهذا الإرتباط يكمن في الدوافع، والتي أهمها(11):

أ-الدافع السياسي:

تعتبر الأسباب السياسية من الدوافع العامة لكثير من عمليات العنف في العالم، والتي أهمها تقرير المصير، أو حروب التحرير ومقاومة الإحتلال، أو التأثير في الرأي العام العالمي مثل قضايا مناهضة العولمة، أو القيام بمظاهرات ضد مصالح دولة ما، أو من أجل إنقاذ سجناء سياسيين أو مقاتلي حروب التحرير.

ب- الدافع الإقتصادي:

يرتبط الإقتصاد بالسياسة إرتباطاً وثيقاً، حيث يعتبر الإقتصاد أحد الركائز الهامة للدولة، خاصة تلك التي تعتمد على السياحة كأحد مصادر الدخل الهامة، أو مقاطعة المنتوجات أو حرق الحقول الزراعية، وتأتي كلها ضمن حروب الإقتصاد.

ج- الدافع الإجتماعي:

للعوامل الإجتماعية علاقة هامة بالتركيبة السكانية، من حيث تركيبتها الطائفية والعرقية، وما يلحق ذلك من ظلم إجتماعي وتفرقة عنصرية، وهو ما يؤدي ببعض الأفراد إلى إستعمال العنف للحد من هذه الأسباب.

د-عوامل إيديولوجية/ تاريخية:

ينبع هذا الدافع من إنكار الآخر، ونفيه، وذلك من  أجل إثبات حقه في أحد القضايا، مستنداً في ذلك إلى عوامل أيديولوجية أو دينية، ويعتبر هذا الدافع من الدوافع التي من الممكن أن تحظى بتأييد كبير من الأفراد.

هـ- دوافع إعلامية:

يعتمد هذا الدافع على الرأي العام، سواء الداخلي أو العالمي، وتأييده للقضايا التي تطرحها جماعات أو أفراد، وذلك من أجل كسب تأييد قطاعات واسعة من الرأي العام، وعلى الغالب فإن هذه القضايا تلقى قبولاً لدى قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، وإلى خلق نوع من التعاطف، ولكن هنا لابد من التفريق بين نوعين من الدوافع الإعلامية، ومنها الدوافع الإعلامية الرسمية (الدولة)، والتي تقوم على التبرير والتأييد، وغير الرسمية (الأفراد)، التي تقوم على العمل العدائي.

ثانياً: التحريض في الإتفاقات الفلسطينية-الإسرائيلية

لم تخل مواد الإتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من ذكر للتحريض، إلا إتفاقية إعلان المبادئ 1993، وقد ورد التحريض لأول مرة في إتفاقية غزة - أريحا، الموقعة في القاهرة 4/5/1994، حيث ورد في المادة (12) والتي عنوانها "العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ". " ستسعى إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى تعزيز التفاهم المتبادل والتسامح، كما ستمتنعان طبقاً لذلك عن عمليات التحريض، بما في ذلك الدعاية العدائية ضد كل منهما للأخر وبدون الإنتقاص من مبدأ حرية التعبير، سيتخذ الجانبان الإجراءات القانونية، لمنع عمليات التحريض من جانب أية منظمات أو جماعات أو أفراد وذلك في إطار ولايتها(12). ويلاحظ أنها جاءت بدون تحديد لتعريف التحريض، فالصيغة حسب الإتفاقية جاءت لدعم التعاون بين الطرفين، لمواجهة ظاهرة تزايد التصريحات المتطرفة بين الطرفين والتي لم يتم معالجتها في الإتفاقية السابقة.

كما يلاحظ أن التحريض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إرتبط بالواقع، أي بتنفيذ الإتفاقيات بين الطرفين، وإتهام كل طرف للطرف الآخر بعدم تنفيذ الإتفاقات الموقعة، مما أدى إلى زيادة موجة التصريحات التي تحمل أنواعاً من التحريض.

وقد حاول الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي، التغلب على هذه الظاهرة في محادثات واشنطن، حيث دعا الإتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي 28/9/1995 في ديباجته:" وإذ تؤكدان التزامهما المشترك العمل الفوري الفعال، وبمقتضى هذا الإتفاق ضد أية أعمال أو تهديدات إرهابية، أو أعمال عنف أو تحريض سواء جاءت من الفلسطينيين أو من الإسرائيليين(13). ونلحظ هناك المساواة بين جهتي التحريض، أي سواء كان مصدره الفلسطينيين أو الإسرائيليين، ولكن الأهم أن التحريض تكرر أكثر من مرة في هذه الإتفاقية، حيث جاء في بند التعاون (مادة 22):

" تسعى إسرائيل والمجلس لترقية التفاهم المتبادل والتسامح، وتمتنعان، لذلك عن التحريض، ومن جملته الدعاوة العدائية، على الطرف الآخر، ويلتزمان من دون المساس بمبدأ حرية التعبير، إتخاذ الإجراءات القانونية للحؤول دون هذا التحريض من قبل أية منظمات أو جماعات أو أفراد داخل ولاية كل منهما(14). وفي المادة (31) الفقرات الختامية، أكدت الإتفاقية بالنص على الفقرة السابقة حيث نصت الإتفاقية، "يطبق الجانبان فيما بينهما الأحكام المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (22)(15).

إلا أن الملاحظ أن إسرائيل لم تلتزم بهذه الإتفاقات، حيث أدت المتغيرات التي قامت بها إلى أزمة حقيقية في تطبيق وتنفيذ الإتفاقيات، ومن أهم هذه المتغيرات:

1-    إغتيال عدد من قادة الحركات الإسلامية، مثل فتحي الشقاقي ويحيى عياش، خلال عام 1995.

2-    إغتيال متطرف يميني يهودي لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995.

 وقد أفرزت هذه المتغيرات نتائج عكسية على العملية السلمية، والتي من أهمها فوز اليمين الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء الليكودي بنيامين نتنياهو وتشكيله للحكومة، الأمر الذي أعاق تقدم العملية السلمية، مع إستمرار عملية التحريض على السلطة الوطنية، يضاف إلى ذلك حفره النفق تحت المسجد الأقصى، واندلاع "هبة الأقصى" التي أدت إلى إستشهاد نحو (80) فلسطينياً. وقد أدت هذه المتغيرات جميعها إلى عقد إتفاقية بين الطرفين، والمعروفة بإعادة الإنتشار في الخليل، حيث دعا الإتفاق صراحة في الفقرة (2،ب)، إلى احترام المواد المتعلقة بالأمن ذات الصلة في الإتفاق المرحلي، بما فيها المواد الخاصة بالترتيبات الأمنية والنظام العام ( المادة 12 من الإتفاق المرحلي)(16).

ويلاحظ أن إتفاقية إعادة الإنتشار في الخليل، دعت إلى تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في الإتفاقات السابقة، ولم يدع الطرفان إلى تشكيل لجان أو إجراء مفاوضات حول منع التحريض، ولكن يبدو أن استمرار التوتر بين الطرفين بعد إتفاقية الخليل، وعدم الإلتزام بتطبيق هذه الإتفاقية وخاصة مع إستمرار التحريض، أدى الى معالجة هذا الموضوع بحذافيره في مذكرة واي-ريفر.

ورد المفهوم العملي للتحريض في مذكرة واي ريفر 23/10/1998، في بند الأمن(17)، الذي جاء فيه " دعوة كل من الطرفين إلى منع وقوع أعمال إرهاب وجرائم وأعمال عنف، وإتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، كل داخل ولايته القانونية ". وعلى منع أي تحريض موجه ضد الطرف الآخر من قبل منظمات أو مجموعات أو أفراد كل في إطار ولايته القانونية، بالإضافة إلى ذلك، فقد جاء في بند الإجراءات الأمنية وهي جزء من بند الأمن. وفي الفقرة (ج)(18) :" إضافة إلى التعاون الثنائي الإسرائيلي والفلسطيني حول الأمن، فإن لجنة أمريكية-فلسطينية، ستجتمع كل أسبوعين لمراجعة الإجراءات المتخذة لإزالة الخلايا الإرهابية وبنى الدعم التي تخطط وتمول وتدعم وتحرض على الإرهاب.

الملاحظ في هذه الفقرة أنها موجهة إلى الفلسطينيين، وكأنه إتهام مباشر بدعم العنف والتحريض. ولكن الأهم الذي إحتوت عليه إتفاقية واي-ريفر هو فقرة (3) من الإجراءات الأمنية الخاصة بمنع التحريض، ويلاحظ أن هذه الفقرة إعتمدت بالأساس على المادة (22) من إتفاقية غزة - أريحا، بالإضافة إلى الفقرة الأولى من إتفاقية واي-ريفر، الخاصة بالإجراءات الأمنية، وقد نصت الفقرة الخاصة بمنع التحريض على ما يلي:

-      إستنادا إلى ما هو متعارف عليه دولياً في هذا المجال وطبقا للمادة 22 (1)، من الإتفاق الإنتقالي ومذكرة الحفظ سيصدر الطرف الفلسطيني مرسوما يحظر أي شكل من أشكال التحريض على العنف أو الإرهاب وينشئ آليات للتحرك بشكل منهجي ضد كل عبارات أو تهديدات بالعنف. وسيكون هذا المرسوم مشابها لمرسوم إسرائيلي يتناول الموضوع نفسه.

-      تجتمع لجنة أمريكية-فلسطينية، بشكل منتظم لمتابعة حالات التحريض المحتمل على العنف أو الإرهاب، ولكي تقدم توصيات وتقارير حول سبل منع هذا التحريض. وستسمي كل من الأطراف الإسرائيلية والأمريكية والفلسطينية في هذه اللجنة خبيراً من الإعلام، وممثلا قانونيا وخبيرا في التربية ومسؤولا رسميا أو رسميا سابقاً منتخباً(19).

وكما هو ملاحظ بين الإتفاقات السابقة الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإتفاقية واي ريفر، أن الإتفاقات السابقة ساوت بين الطرفين، وطالبت الطرفين معاً بوقف العنف والتحريض، ولكن في إتفاقية واي ريفر، طالبت الطرف الفلسطيني بمنع التحريض من خلال العبارة (سيصدر الطرف الفلسطيني مرسوماً يحظر أي شكل من أشكال التحريض على العنف أو الإرهاب)(20). يضاف إلى ذلك أن إتفاقية واي ريفر، دعت إلى إنشاء لجنة مشتركة (أمريكية -فلسطينية -إسرائيلية)، لمتابعة حالات التحريض، من خلال عقد عدة إجتماعات بين هذه الأطراف، كما طلبت الإتفاقية من اللجنة تقديم تقارير لها في أسابيع معينة.

وقد شكلت لجنتان للتحريض، لجنة عن كل طرف، ترأس لجنة منع التحريض الفلسطينية النائب مروان كنفاني، كما ترأس الصحفي أوري دان المعروف بيمينيته وقربه من القيادة اليمينية سواء نتنياهو أو شارون، اللجنة الإسرائيلية لمنع التحريض، وقد عقدت اللجنتان عدة إجتماعات، إلا أن النتيجة النهائية لعمل اللجنة كان مصيرها الفشل، وذلك للأسباب التالية:

1-    إتسم النقاش بين اللجنتين بالجدلية حول تعريف التحريض، حيث لم يكن هناك إتفاق ما حول ماهية التحريض، وقد أكد اوري دان أنه إذا حاول الطرفان التوصل إلى تعريف دقيق للتحريض، فإن ذلك سوف يستمر إلى الأبد، ولكن الطرف الإسرائيلي يريد التركيز في موضوع التحريض على العنف، وليس تقييد حرية التعبير أو الرقابة على الصحف. من جانبه إعتبر النائب مروان كنفاني هذا المفهوم قاصراً وضيقاً للغاية، بحيث ركز على التصريحات فقط.

وبدا واضحاً لكلا الطرفين أن تبني مفهوم للتحريض، سوف يؤدي إلى الإدانة، وهو ما حاول كل طرف أن يضغط على الطرف الآخر، وبالتالي تحويل المفاوضات، إلى مفاوضات سياسية، مما سيؤدي إلى فشل عمل اللجنة، حيث أن تبنى أي تعريف للتحريض سوف يؤدي مستقبلا إلى الإدانة السياسية.

2-    شعور كل طرف سواء الفلسطينيين أو الإسرائيليين، أن اللجنة قد فُرضت عليهما، وبالتالي شاركا مضطرين، ونلحظ مؤشرات ذلك في المستوى العملي للجنة، حيث كانت المواضيع التي تم مناقشتها بسيطة وضيقة الحدود، مثل إقتراحات لإنشاء منتدى مشترك لمحرري الصحف لدى الطرفين، ونادي شبه إجتماعي للصحفيين الفلسطينيين والإسرائيليين بالإضافة إلى برامج تعليمية للصحفيين قصيرة المدى. إلا أن كل هذه الأفكار قد فشلت بسبب البحث عن مفهوم أو تعريف واحد للتحريض(21).

أما في مذكرة شرم الشيخ 4/9/1999، فقد دعت إلى إستئناف عمل اللجان المتفق عليها في واي ريفر، حيث جاء في الفقرة (ب) من بند اللجان تباشر… وكذلك لجان مذكرة واي ريفر أعمالها، كما جاء في بند الأمن دعوة إلى منع التحريض حيث جاء في فقرة (أ)(22):

عملا بإتفاقات سابقة، يعمل الطرفان على ضمان التعامل الفوري والناجع والفعال مع أية حادثة ذات علاقة أو العمل الإرهابي أو العنف أو التحريض، سواء إرتكبت من قبل فلسطينيين أو إسرائيليين. ولأجل ذلك، يتعاون الطرفان في مجال تبادل المعلومات وينسقان سياستهما وأنشطتهما. ويقوم كل طرف بالتحرك الفوري والفعال فور حدوث أو توقع حدوث عمل إرهابي أو تحريضي، ويقوم بإتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع هذه الأعمال.

ويلاحظ أن هناك توازن، في إستخدام الألفاظ (الطرفان)، كما أكد على أن العنف والتحريض يقع من كلا الطرفين.

والملاحظ على جميع الإتفاقات الموقعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أنها جاءت لتعبر عن الواقع الأليم على الأرض، والناجم بشكل مباشر عن عدم إلتزام الطرف الإسرائيلي بتنفيذ الإتفاقات، مما أدى إلى ردة فعل عنيفة من بعض القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، وإستمرار هذه الحالة من (فعل وردة فعل)، لتدخل العلاقات بين الطرفين في طور الأزمة، وأن هذه الأزمة لم يستطع الطرفان تجاوزها، رغم لجنتي تينت وميتشل، حيث قام الطرف الإسرائيلي بوضع شروط متعددة لإعادة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني، بالإضافة إلى ذلك إستمرار التحريض والعنف والإرهاب ضد السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني،مع هدم منهجي متواصل لمؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.

ثالثاً: التحريض الإسرائيلي ضد المؤسسات الفلسطينية

هاجمت المؤسسة الإسرائيلية بشكل عنيف وغير مسبوق الشعب الفلسطيني، سواء قيادته أو مؤسساته الوطنية، سواء أكان الهجوم عبر التصريحات، أو أعمال العنف والإرهاب التي قادتها المؤسسة الإسرائيلية، وهو ما يمكن إعتباره سياسة عامة إتخذتها الحكومة الإسرائيلية، وهو يخالف ما جاء في الإتفاقات الموقعة بين الطرفين، وظهر جلياً وواضحا أن الهدف من هذه السياسة هو عدم تنفيذ الإتفاقات والحؤول دون إقامة دولة فلسطينية، حيث شمل التحريض الإسرائيلي، كلاً من الرئيس أبو عمار والمؤسسة الفلسطينية، بالإضافة إلى الحلم الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية، وخاصة بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية. وقد إزداد هذا الوضع سوءاً بعد أن تولى شارون رئاسة الوزراء في إسرائيل  في فبراير 2001، الذي رفض تطبيق جميع التفاهمات الموقعة بين الطرفين، مما أدى لاحقاً إلى إستمرار الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين ومؤسساتهم الوطنية، إلى أن قامت إسرائيل بإحتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، تحت مسميات كعملية السور الواقي.. والتي هدفها الأساسي تدمير السلطة الوطنية الفلسطينية، تدميراً يشمل جميع مناحي الحياة الفلسطينية.

1- التحريض ضد الرئيس ياسر عرفات:

تعددت أشكال وانماط التحريض ضد الرئيس ياسر عرفات، سواء من خلال إتهامه بالإرهاب، أو أنه يقود عصابة من الإرهابيين…الخ، ومع تعدد هذه الأنماط والأشكال، فقد ظهر واضحاً أن ذلك يمثل سياسة إسرائيل، ونهجاً كاملاً إعتمدته حكومة شارون، وشاركت فيه المؤسسة العسكرية بمختلف قياداتها الأمنية والعسكرية.  وقد أخذت أن عملية التحريض نوعاً من التدرج في التصريحات والإتهامات سواء من المستوى السياسي أو العسكري، إلى أن وصلت إلى وصف الرئيس عرفات بالإرهاب، أو قائد الإرهابيين، أو القائد الذي يدعم الإرهاب ويموله، أو ياسر عرفات هو عدو إسرائيل الأول، المسؤول عن الإرهاب، خطر على السلام، وإستراتيجيته الإرهاب،  والتشكيك فيه كونه شريكاً مناسباً للسلام، غير شرعي، ليس شريكاً في عملية السلام، دعم الإرهاب، بن لادن، طالبان، فقد سيطرته على حفظ النظام والأمن، يقود شعبه إلى كارثة، إلى أن وصلت إلى التهديد أحيانا بقتله.

والسؤال الذي يطرح، لماذا يحرض الإسرائيليون ضد الرئيس عرفات؟ تتمثل الإجابة بشكل واضح، أننا أمام مشروعين أحدهما وطني يقوده أبو عمار من أجل إقامة دولة فلسطينية، وآخر أمني يقوده شارون من أجل تعزيز أمن إسرائيل، ويبدو أن نقاط الإختلاف بين المشروعين أكثر من نقاط الإتفاق، وبدا واضحاً من تدهور العلاقات أن المشروع الوطني الفلسطيني  بدأ يهدد بجدية المشروع الأمني، ولذلك كانت هناك جهود كبيرة من الإسرائيليين لضرب مصداقية أبو عمار، وإبراز أنفسهم كدعاة سلام.

كيف ينظر الإسرائيليون إلى أبو عمار؟

1-    بنيامين نتنياهو، والغالبية العظمى من أعضاء الكنيست اليمينيين، يرون أن أبو عمار قد إنتهى، ومن أهم ما قالوه "إن أيدي عرفات ملطخة بدماء الإسرائيليين" يجب طرد عرفات "إن طرد عرفات مسألة وقت".

2-    شارون يتوافق مبدئيا مع الفريق الأول، لكنه يأخذ في الإعتبار الموقف الدولي بشكل عام، الذي يعارض تصفية تمثيل الفلسطينيين، وتصريحات شارون التي تأخذ طابعا تحريضيا ولا حصر لها ومنها "لقد إنتهك كل الإتفاقات، وأنا لا أثق بعرفات، إنه قاتل، إنني ألاحقه منذ 30 عاماً

3-    بيرس وحزب العمل، يتوافق مع الطرفين السابقين، في دعم أبو عمار للإرهاب، ولكنه يؤكد أن أبو عمار هو الجهة الوحيدة القادرة على صنع التسوية مع إسرائيل، في حين أن بن إليعازر هاجم أبو عمار أكثر من مرة ووصفه بأنه عدو لدود وشرس.

4-    ميرتس وأعضاء الكنيست العرب وبعض أعضاء الكنيست من حزب العمل يقولون، أن أبو عمار هو الرئيس المنتخب فلسطينيا، ويجب التعامل معه بإحترام من أجل التوصل إلى حل سياسي وسلمي للصراع(23).

ولذلك فإن التصورات الإسرائيلية، حول بقاء أبو عمار تباينت، منها إبقاء عرفات رئيساً جزئيا للدولة الفلسطينية، أو عدم السماح له مغادرة مكان تواجده، أما شمعون بيرس، فيؤكد أن على أبو عمار أن يثبت جدارته في القيادة من أجل أن تتعامل إسرائيل معه، أما الجيش فيدعو إلى طرد عرفات أو حبسه(24)، وهو يشكل جزءاً من منظومة التحريض ضد الرئيس ياسرعرفات.

2- التحريض ضد السلطة الوطنية الفلسطينية

كانت السلطة الوطنية الفلسطينية، كمؤسسة حاكمة هدفاً معلنا للتحريض الإسرائيلي، وذلك من أجل تقويضها. ولعل أهم المؤشرات الناتجة عن هذا التحريض هي محاولة التدمير المبرمجة والمنهجية التي قامت بها حكومة إسرائيل من خلال تدمير المقرات الأمنية الفلسطينية ومكاتب الرئيس ياسر عرفات، في كافة المناطق، وبرز واضحاً أن إسرائيل كانت تقوم بمحاولة إسقاط السلطة الوطنية داخليا من خلال فرض الحصار المستمر على الأراضي الفلسطينية. ولم تقتصر عند ذلك، ولكنها قامت بتنفيذ عمليات عسكرية منهجية متواصلة لتدمير السلطة الوطنية الفلسطينية وهي عملية السور الواقي وعملية الطريق الحازم ثم عملية مسألة وقت.

إن مؤشرات التحريض حول السلطة الفلسطينية، كانت واضحة وكثيرة ومتعددة فمنها إتهام السلطة بالإرهاب، وفقاً لداني نافيه في أحد تصريحاته المتعددة والتي وصف بها السلطة أكثر من مرة بأنها تحولت إلى سلطة إرهابية(25). يضاف إلى ذلك قضية تهريب السلاح (كارين إيه)، حيث أكد شارون أن السلطة تبذل جهوداً كبيرة لتهريب السلاح إلى أراضيها(26)، وقد جاءت هذه التصريحات لتبرير عمليات القصف التي كانت للمدن الفلسطينية. ولم يقتصر التحريض ضد السلطة الوطنية الفلسطينية على شارون ووزرائه اليمينيين، بل شارك فيه وزراء حزب العمل. فقد صرّح شمعون بيرس وزير الخارجية الإسرائيلي، "إن لم يقم عرفات بالعمل على جعل السلطة الوطنية، كسلطة وحيدة تسيطر على الميدان فأنه لن يستطيع البقاء كعنوان أمام إسرائيل(27). وبرز واضحاً من خلال العمليات العسكرية ضد السلطة الوطنية، أن الهدف الأساسي، كان تقويض السلطة والعمل على إسقاطها، وذلك رغم المبادرات التي أعلنتها السلطة الوطنية عن وقف إطلاق النار. كما قامت السلطة في الوقت ذاته بإخراج بعض القوى عن القانون، وقامت بإعتقال بعض الأفراد، إلا أن إستمرار الحصار الإسرائيلي الشديد المطبق على الأراضي الفلسطينية وإستمرار بقاء الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية، أدى إلى نوع من عدم قدرة الفلسطينيين من وزراء وقادة السلطة الفلسطينية على الحركة أو النشاط السياسي أو الميداني، يضاف إلى ذلك تدمير المؤسسات السياسية والأمنية والمدنية كالمطار، وهو الأمر الذي أدى إلى نتائج عكسية أيضاً على الإقتصاد الفلسطيني.

3-التحريض ضد الحل النهائي

حملت التصريحات والأفكار السياسية الإسرائيلية تحريضاً كبيراً حول مستقبل العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومستقبل العملية السلمية بينهما، أو بالأحرى صور الحل النهائي للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ما يجب التأكيد عليه هنا أن العامل الحاسم في هذه القضية هي أفكار شارون ومعتقداته وتصوراته المستقبلية، حول وجود إسرائيل ودورها الإقليمي، فالواضح من خلال فترة حكم شارون، أنه لا يرى في السلام إستراتيجية صحيحة، فكما أنه يحرض، فهو يقتل ويدمر ويهدم، ويربط بين الإرهاب والسلطة الفلسطينية، بشكل وثيق. والواضح أن شارون يخشى إستراتيجياً من تغير جذري في معادلات وتحالفات وعلاقات الولايات المتحدة على ضوء المتغيرات الدورية، ولذلك فهو يعمل جاهداً لربط إسرائيل بالمعسكر المناهض للإرهاب وتصوير إسرائيل على أنها الحليف الوحيد للأمريكيين في الدفاع عن أمريكا، وأن على الأمريكيين أن يعلموا أن الإسلام والمسلمين هم الأعداء وأن إسرائيل والغرب هم حلفاء في وجه هذا الإرهاب(28).

ولذلك كانت هناك دعوات إسرائيلية مختلفة ومتباينة حول مستقبل السلطة الوطنية، وصيغة الحل النهائي، والواضح أيضاً أن الإسرائيليين أنفسهم أكدوا أن شارون أو حكومته لا يملكون أية إستراتيجية أو رؤية للحل مع الفلسطينيين، ومؤشرات ذلك هي التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء أو أعضاء حكومته والتي كانت في مجملها عبارات وصيغ عامة لا قيمة سياسية لها، مثل" الدفاع عن كل مواطني الدولة وبلداتها، حماية الدولة، أمن المواطنين، إنني أرفض إجراء أية مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين"، وهي صيغ حملت في ذات الوقت طابعا تكتيكياً عسكرياً، حيث أدت إلى قيام إسرائيل بعملية السور الواقي، وهو مؤشر أيضاً على إبتعاد إسرائيل عن مسار التسوية السلمية، ويتفق مع أفكار شارون التي تتحدث عن رفضه لإتفاق سياسي شامل. وبدا واضحاً من خلال لجان الوساطة الأمريكية والدولية (تينت، ميتشل، زيني، وليام برنز)، إن الحكومة وشارون يدوران في فلك إستراتيجية اللا مخرج(29)، وهو ما يعني إستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية والعمل على إخضاع الفلسطينيين بالقوة العسكرية.

أما تصورات الحل التي حملت في طبيعتها صيغاً تحريضية، فكان أهمها تصريح داني نافيه في 10/3/2002، حيث قال :" يجب إعادة إحتلال الأراضي الفلسطينية، التي يشملها الحكم الذاتي، لتدمير البنية التحتية للفلسطينيين، يجب هزم الفلسطينيين عسكريا، يجب على إسرائيل أن ترسم بشكل أحادي الجانب حدودها الأمنية وأن تجسدها، وأن تقوم بحماية المستوطنات في الضفة وغزة ".  أما مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، (يشع)، فقد دعا إلى إحتلال كل المناطق الفلسطينية وضمها إلى إسرائيل مع فرض السيادة الإسرائيلية عليها، وتفكيك السلطة الفلسطينية وطرد رئيسها(30).

الخاتمة:

يتضح مما سبق أن للتحريض، مكانه في المجتمع الإسرائيلي، فإسرائيل قامت على التحريض ضد الآخرين، وتدل الوقائع والأحداث التاريخية على أن إسرائيل مازالت مستمرة في تحريضها وإرهابها ضد العرب والفلسطينيين، وهو ما يمكن إعتباره النتيجة الأولى لهذه الدراسة.  أما النتيجة الثانية، فهي التناقض بين محاولة إسرائيل نفي التحريض عن نفسها من خلال التلاعب بالألفاظ والمفاهيم، وما يتباهى به الإسرائيليون  وخاصة تاريخهم العسكري القائم على القتل والإرهاب.

كما يلاحظ أن إسرائيل في ربطها للعنف والتحريض بالآخر، نجحت في إستغلال أحداث 11/9/2001، لتقوم بعملية منظمة ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وتجريم الإحتجاج الفلسطيني، ولم يكن لها ذلك إلا من خلال قوة أخرى وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

المراجع :



الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م