المستوطنون وخارطة الطريق

د.خالد شعبان

يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي  أرئيل شارون أباً للإستيطان في الضفة الغربية، وذلك حسب بيان مجلس المستوطنات الصادر في مطلع فبراير 2003، الذي أشاد بدور شارون في تعزيز الإستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية. ولكن مع قبول شارون المشروط لخارطة الطريق، والتصديق عليها في الحكومة الإسرائيلية في 25/5/2003، توترت العلاقة  بين الطرفين نتيجة لإصرار كل طرف منهما على التمسك بمواقفه النابعة من إنتمائه الإيديولوجي. ونقطة الخلاف الأساسية، هي قبول شارون بإخلاء عدد من النقاط الإستيطانية المركزية الأمر الذي إعتبر مساً بالأيديولوجية الصهيونية، مما أدى إلى حدوث نوع من المواجهة بين شارون والمستوطنين، ناهيك عن المشاهد الإعلامية والتلفزيونية التي قام بها المستوطنون عند إخلاء أي نقطة إستيطانية، ولكن في ذات الوقت، فإن هذا أشعل ضوءاً أحمر في الجهات الأمنية الإسرائيلية، وخاصة لدى الشاباك، خوفاً من تكرار حادثة إغتيال رئيس الوزراء السابق إسحق رابين.

المستوطنات بؤر عسكرية

يعيش في المستوطنات أعتى المستوطنين أيديولوجية وتنظيماً وإرهاباً، حيث ينضوي هؤلاء تحت منظمات إرهابية سرية، مهمتها الأولى تعزيز الإستيطان، والمهمة الثانية هي محاولة الإستيلاء على مزيد من الأراضي، والنقطة الثالثة والأهم هي الإعتداء على السكان الفلسطينيين، أصحاب القرى المجاورة، من أجل طردهم من قراهم.

وتشير التقديرات الإسرائيلية الأمنية إلى وجود ثلاث منظمات إرهابية سرية للمستوطنين، قامت خلال فترة إنتفاضة الأقصى بقتل 11 مواطناً فلسطينياً، من خلال إطلاق نار أو تركيب عبوات ناسفة في بعض المدارس أو بجوار بعض القرى.

أما بالنسبة إلى الأسلحة، فإن المستوطنين يملكون أكثر من (10) آلاف قطة سلاح، ومعظم هذه الأسلحة هي أسلحة شخصية، يُضاف إلى ذلك وجود عدد كبير من الأسلحة في مخازن السلاح للدفاع عن المستوطنات، وتشمل الأسلحة رشاشات إم16، عوزي، مسدسات بجميع الأنواع، قنابل يدوية مختلفة الأنواع، مواد متفجرة…إلخ(1)، أي أن هناك جيش كامل في المستوطنات.

ييشع وخارطة الطريق

إعتبر المستوطنون خارطة الطريق مشروعاً يسارياً أشبه بإتفاقيات أوسلو، ولذلك تم رفضه، وقد طلب مجلس مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة، ييشع في إجتماعه في 23/5/2003 من الحكومة الإسرائيلية وشارون خاصة، رفض خارطة الطريق، وأكد بيان ييشع أن الحكومة التي ستوافق على خارطة الطريق ستتهرب من واجبها في الدفاع عن مواطنيها، وتسيء إلى مصلحة إسرائيل الوطنية وأمنها(2).

وبعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية المشروطة على خارطة الطريق، وجهت إنتقادات عديدة للحكومة، حيث أكد رئيس اللوبي البرلماني من أجل المستوطنات، عضو الكنيست يحزقيل حزان، أن القرار يعني خراب ودمار دولة إسرائيل، بينما أكد رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يوفال شتاينتس، أن قرار الحكومة سيئ وخطير من ناحية سياسية، لأنها المرة الأولى التي يتم فيها تبني خطة لا تنص على نزع الأسلحة من الطرف الثاني. أما أوري إليتسور رئيس تحرير جريدة المستوطنين (نكوداه)، فقد أكد أن خارطة الطريق هي مثل الجدار الفاصل، وهي إنتصار لليسار على صعيد الوعي،  يحث يُقر اليمين والمستوطنون حقائق على الأرض، بينما يقرر اليسار حقائق على مستوى الوعي، فاليمين يبني بالأعمال واليسار يهدم بالكلمات(3).

ويبدو أن هناك تفهماً من مجلس المستوطنات ييشع لقبول الحكومة بخارطة الطريق، وذلك لأن الذي يحكم ويترأس اليمين هو شارون وهو أب الإستيطان، ومع ذلك فإن ييشع أعد خطة بديلة لخارطة الطريق، كمشروع سياسي له وهي المرة الأولى التي يقوم فيها بإصدار هذا التجمع مشروع سياسي رسمي ولا يوجد حتى الآن تفاصيل لهذا المشروع الذي تم عرضه على مجلس ييشع في 28/4/2003، ولكن بعض الخطوط الرئيسية رشحت عن هذا المشروع وأهمها(4):

-  التواصل الإقليمي بين الكانتونات الإسرائيلية المختلفة على طول وعرض الضفة الغربية.

-  لن تكون هناك دولة فلسطينية.

-  لن يتم إقتلاع مستوطنات.

-  حرية عمل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

-  إدارة الفلسطينيين لحياتهم المدنية بأنفسهم.

-  إدارة ذاتية للفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية.

ويرى البعض أن المشروع الذي أعده المستوطنون، يتضمن إقراراً وإعترافاً منهم بأنه لا وجود لإسرائيل الكبرى، وأن على الفلسطينيين أن يتسلموا جزءاً من الأراضي.

وينتظر مجلس ييشع، إعداد جميع الخطط المحلية وتنسيقها ضمن إطار خطة واحدة تشرف عليها هيئة من كبار المسؤولين فيه، كما ترفض ييشع حتى الآن كشف الخطط والخرائط المفصلة التي تم إعدادها، خوفاً من زيادة الخلاف بين ييشع واليمين.

المواجهة بين الحكومة والمستوطنين

شهدت الفترة ما بعد التصديق على خارطة الطريق، حملة تحريض ضد الحكومة وضد شارون، وشهدت هذه الفترة تصريحات رسمية من بعض الوزراء بأن إخلاء المستوطنات سيؤدي إلى حرب أهلية(5)، كما قام المستوطنون بإجراء مظاهرة في 4/6/2003، شهدت تجمعاً لأكثر من 40 ألف شخص، أكدوا فيها على رفضهم لخطة خارطة الطريق، واحتجاجهم على قمة العقبة ورفضهم لقيام الدولة الفلسطينية التي تنص عليها خارطة الطريق، كما دعا قادة المستوطنين في التظاهرة شارون إلى العودة إلى صوابه، والتمسك بمبادئ وعقيدة الصهيونية القديمة. وشنوا حملة تحريضية تشابه إلى حد كبير الحملة التي شنها اليمين ضد رابين وقد تم رفع شعار (شارون يسير في طريق رابين)، كما أكد بعض أنصار حركة كاخ المحظورة، أنهم لا يستبعدون إمكانية إستخدام السلاح ضد قوات الجيش التي تنوي إخلاء المستوطنات، ولذلك فإن هناك تخوف في أجهزة الأمن الإسرائيلية وخاصة الجيش من هذا الإحتمال. ولكن قيادة الجيش الإسرائيلي أعلنت أنها ستقوم بإخلاء النقاط الإستيطانية على مراحل، ومن أجل تخفيف ذلك على المستوطنين، أكدت الحكومة الإسرائيلية بانه طالما لا توجد مؤشرات على أن الفلسطينيين بدأوا بتنفيذ إلتزاماتهم حسب خارطة الطريق، فلا سبب يدعو لإخلاء المستوطنات(6). كما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز في 6/6/2003، انه يبذل قصارى جهده من أجل الحوار مع المستوطنين ومع سكان المناطق الإستيطانية قبل عملية الإخلاء، بهدف عدم مفاجئتهم والقيام بعملية الإخلاء بإتفاق وحوار وتفاهم.

ومع بداية الحملة، قامت الحكومة باخلاء نقاط إستيطانية وهمية غير مأهولة بالسكان، ولكن الرد من ييشع، كان بإقامة أربعة نقاط إستيطانية جديدة، وذلك حسب ما أكده رئيس ييشع بنتسي ليبرمان، وكما أكد مجلس ييشع في إجتماعه المنعقد في منتصف يونيو من أجل إقامة مواقع جديدة، أن سياسته ستكون من خلال إقامة موقعين إستيطانيين مقابل كل موقع إستيطاني تخليه الحكومة، وأقامت لذلك إطاراً تنظيمياً يشرف عليه كبار المسؤولين في ييشع وأهمهم رئيس المجلس ليبرمان وسكرتير عام حركة الإستيطان (أمانه) زئيف حيفر، كما أكد يهوشاع مور يوسف الناطق بإسم يشيع، بأن (ييشع ستقيم مناطق إستيطانية جديدة في المكان والزمان الذي تختاره)(7).

وقد شكلت هذه القضايا هواجس للأمن الإسرائيلي ولشارون نفسه، الذي حاول إجراء حوارٍ مع(ييشع) حول النقاط الإستيطانية المراد إخلاؤها، ولكن (ييشع) رفضت ذلك، ومع هذا الرفض قام جهاز الامن العام في إسرائيل بتغيير جميع الأنظمة المتعلقة بشارون وظهوره العلني، وإتصالاته مع الجمهور، وتكثيف كامل للحراسة حوله، وذلك بعد قرار لجنة الحاخامية في المستوطنات الذي أعلن عن دعمه (للترانسفير) لإبعاد الفلسطينيين وترحيلهم إلى الدول العربية، ودعوته الخفية للجنود بعدم إطاعة أوامر قادتهم الذين يأمرونهم بإخلاء النقاط الإستيطانية(8). كما أعلن إتحاد الحاخامين، من أجل شعب وأرض إسرائيل، وهو مجلس للحاخامات المترفين المؤيدين للإستيطان، ويضم ما يزيد عن 56 حاخاماً إلى محاربة تطبيق خارطة الطريق وإعادة بناء كل مستوطنة يتم إخلاؤها، واعتبر إتحاد الحاخامين أن كل ما تقوم به الحكومة باطلاً بإسم إسرائيل وشعب إسرائيل، وزعم الحاخامين أن التوراة تمنع الحكومة بشكل واضح من إخلاء أية مستوطنة(9).

ويبدو أن(ييشع) في إتجاه تصعيد مواجهته مع شارون، بعد أن إستنفذ جميع الأدوات من أجل منعه من تنفيذ عمليات الإخلاء، يأتي ذلك بعد اللقاء الذي جرى بين(ييشع) وشارون في 17/6/2003، حيث أكد شارون لقادة المستوطنين بأن الحكومة ستستمر في عملية إخلاء المواقع الإستيطانية وان هذه العملية سوف تستمر وتتصاعد، وذلك لأن إسرائيل لا يمكنها أن تتحكم في حياة 3.5 مليون فلسطيني، ووجد ضغط أمريكي كبير جداً، وللخروج من هذه الأزمة مع المستوطنين فقد أكد شارون في جلسة الحكومة في 23/6/2003، أنه من الممكن مواصلة البناء في المستوطنات إذا تم ذلك بهدوء(10)، ويبدو أن ذلك لم يلق قبولاً من المستوطنين الذين رفضوا نشر أفكارهم وخططهم ومشروعهم السياسي البديل لشارون، وقد قام مجلس المستوطنات ييشع في ذات اليوم بعقد لقاء للنشطاء المركزين وأكد زمين حيفر أن المستوطنين في معركة فرضت عليهم من الحكومة، ومن واجب المستوطنين أن يديروا هذه المعركة حسب قدراتهم وبطريقة عنيدة ومسؤولة، وأكد انه لا يوجد نية للمستوطنين من أجل أن ينتصروا على الجيش، ولكن هدفهم في النهاية هو الخروج من معركة المواجهة مع الحكومة(11).

 

المراجع


(1) هآرتس، 10/2/2003.

(2) معاريف، 14/5/2003.

(3) المشهد الإسرائيلي، 27/5/2003.

(4) القدس، 30/5/2003

(5) معاريف، 1/6/2003.

(6) يديعوت أحرونوت، 8/6/2003.

(7) معاريف، 15/6/2003

(9)المرجع السابق

(10) القدس، 25/6/2003.

(11) يديعوت أحرونوت، 18/6/2003.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
16/01/2006 12:16 م